الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلا إشكال في صحة إذنها وتزويجها به، (وعن أحمد) رواية أخرى أن لغير الأب من الأولياء تزويج الصغيرة، ولها الخيار إذا بلغت، لظاهر قول الله تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: 3] الآية مفهومه أنه إذا لم نخف لنا تزويج اليتيمة، وهو شامل لمن لها دون التسع، ويفيد النكاح على هذه الرواية الحل والإرث، قاله أبو البركات، فيكون النكاح صحيحا، وخيارها كخيار المعتقة تحت عبد، وظاهر كلام ابن أبي موسى أنه لا يفيدهما، لأنه جعله موقوفا، ثم قال: فإذا بلغت تسع سنين فأجازته جاز، وإن ردته بطل، ولم يقل انفسخ، ويؤيد هذا أن الأصحاب أخذوا من هذه الرواية وقف النكاح على الإجازة، وقد علم أن النكاح الموقوف على الإجازة لا يفيد حلا ولا إرثا كما تقدم، انتهى.
والمراد بالبلوغ البلوغ المعتاد، على ظاهر كلام أحمد، وهو قياس رواية عدم صحة إذن بنت تسع سنين، وقياس المذهب في صحة إذن ابنة تسع أنه بلوغ تسع سنين، وهو الذي قطع به ابن أبي موسى، والشيرازي، والله أعلم.
[إذن الثيب والبكر في النكاح]
قال: ولو استأذن البكر البالغة والدها كان حسنا.
ش: خروجا من الخلاف، وتطيبا لقلبها، ولهذا استحب استئذان المرأة في ابنتها.
2455 -
قال صلى الله عليه وسلم: «آمروا النساء في بناتهن» وقد يقال من هذا أن ظاهر كلام الخرقي أنه لا إذن لابنة تسع، وإلا لاستحب استئذانها، وقد يقال: استضعف الخلاف فيها فلم يعرج عليه، والله أعلم.
قال: وإن زوج ابنته الثيب بغير إذنها فالنكاح باطل وإن رضيت بعد.
ش: الضمير راجع للأب، ولا ريب أنه ليس له تزويج الثيب الكبيرة بدون إذنها، لما تقدم من قوله: صلى الله عليه وسلم «الثيب أحق بنفسها من وليها» ونحوه، مع أن أحمد قال في رواية عبد الله: ليس بين الناس اختلاف في الثيب الكبيرة أنها لا تزوج إلا بإذنها. واختلف هل له تزويج الثيب الصغيرة بدون إذنها؟ على قولين مشهورين، الذي عليه عامة الأصحاب - ابن بطة، وصاحبه أبو حفص بن مسلم ، وابن حامد ، والقاضي ، والشريف ، وأبو الخطاب، وابن عقيل، والشيرازي، وأبو محمد - لا، لعموم ما تقدم، (والثاني) نعم، لعموم الآية، إن قيل بعدم صحة إذن ابنة تسع، وقياسا على إجبار الصغير الذي لم يبلغ، قال ابن عقيل: أصل الوجهين في الثيب الصغيرة ما تقدم في الروايتين في البكر البالغ، إن قلنا: هناك لا تجبر البالغ مع البكارة. قلنا هنا: تجبر الثيب مع الصغر. وإن قلنا هناك: تجبر ، فلا تجبر هنا، وهذا الذي اقتضى - والله أعلم - لأبي الخطاب في الانتصار ، وأبي البركات حكاية الخلاف على روايتين، وأرادا مخرجتين، وإلا فعامة الأصحاب على حكاية وجهين.
(وهنا شيء آخر) وهو أن أبا البركات إنما حكى الخلاف في ابنة تسع، وجعل من لم تبلغها تجبر بلا خلاف، وهذه طريقة
أبي الخطاب في الانتصار، فإنه قال بعد ذكر الخلاف: وهذا إنما نقوله في حق المراهقة، ومن تستلذ بالوطء، لأنا نعلل بالاختيار ومن لا تستلذ لا تجبر، وعامة الأصحاب يطلقون الخلاف، فيشمل من لم تبلغ التسع، ويعين جريان الخلاف في ذلك أن أبا بكر قال في الخلاف: الثيب إذا كان لها دون تسع سنين لا يزوجها أحد إلا الأب يزوجها ولا يستأمرها، قال القاضي: فعلى قوله تجبر على النكاح إلا أن تبلغ سنا يصح إذنها فيها، وهو تسع سنين، والقاضي وأصحابه ينصبون الخلاف معه، وإذا كان هو إنما يقول بإجبار من لم تبلغ تسعا، فهم يقولون: لا تجبر. ثم إن أبا بكر ظاهر كلامه أن الثيب إذا بلغت تسعا زوجت بإذنها، والأصحاب يوافقونه على هذا، وهذا في غاية الجودة، ولا يأباه طريقة أبي البركات، وبه يحصل الجمع بين الآية والأحاديث، إذ قَوْله تَعَالَى:{وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] يشمل الثيب، فيحمل على من لم تبلغ تسعا، وقوله: صلى الله عليه وسلم «الثيب أحق بنفسها من وليها» «ليس للولي مع الثيب أمر» وغير ذلك يحمل على من بلغتها، وإلا لو قيل بإجبار الثيب غير البالغة مطلقا لزم خروج الأب من الأحاديث رأسا، ولو قيل بعدم إجبارها لزم خروجها من الآية رأسا، ولا يخفى أن الحمل على ما تقدم أقل تخصيص وأظهر في المعنى، وينتظم من هذا وما تقدم
في البكر أن المرجح أن للأب تزويج من لم تبلغ تسعا مطلقا وكذلك من بلغتها بإذنها كغيره من الأولياء.
وقول الخرقي: وإن رضيت بعد. بناء على المذهب من أن النكاح لا يقف على الإجازة، وقوله: بغير إذنها. مفهومه أنه إذا زوجها بإذنها أنه يصح، وهو يعتمد أن يكون لها إذن، وذلك في البالغة بلا نزاع، وفي ابنة تسع على الصحيح، وحكم غير الأب كالأب في ذلك.
(تنبيه) لم يصرح الخرقي بذكر المجنونة، وحكمها أن الأب يجبرها لو كانت عاقلة بلا نزاع بطريق الأولى، وهل يجبر من لا يجبرها لو كانت عاقلة؟ فيه وجهان:(أحدهما) : - وهو اختيار القاضي والشيخين وغيرهما - يجبرها، لأنها أسوأ حالا من الصغيرة.
(والثاني) : - وهو قول أبي بكر في الخلاف، وظاهر عموم قول الخرقي في هذه المسألة - لا يجبرها، لظاهر «ليس للولي مع الثيب أمر» وغير ذلك، وحكم وصي الأب في النكاح حكم الأب، أما غير الأب من الأولياء فقيل - وهو اختيار أبي الخطاب والشيخين -: لهم تزويجها بشرط أن يظهر منها الميل إلى الرجال، لحاجتها إذا لدفع ضرر الشهوة، وصيانتها عن الفجور، مع ما فيه من مصلحة تحصيل المهر والنفقة وغير
ذلك، قال أبو محمد: وكذلك ينبغي أن تزوج إذا قال أهل الطب إن علتها تزول بتزويجها، لأن ذلك من أعظم مصالحها، وقيل - وهو ظاهر كلام الخرقي -: ليس لهم ذلك، لأن هذه ولاية إجبار، فلا تثبت لغير الأب كالعاقلة، وقيل: يملك ذلك الحاكم، لكمال نظره، وولايته العامة، بخلاف غيره من الأولياء، ومحل الخلاف إذا لم يكن وصي في النكاح، أما مع وجوده فحكمه حكم الأب على ما تقدم. والله أعلم.
قال: وإذن الثيب الكلام. وإذن البكر الصمات.
ش: للأحاديث السابقة، فإنها نص في أن إذن البكر الصمات، وظاهرة في أن إذن الثيب الكلام، إذ تخصيص البكر بالصمات ظاهر في أن الثيب إذنها النطق.
2456 -
وقد روى الأثرم عن عدي الكندي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«الثيب تعرب عن نفسها، والبكر رضاها صمتها» وقد دخل
في كلام الخرقي من ثابت بزنا، وصرح به الأصحاب، لعموم الحديث، ولأن الحكمة التي اقتضت التفرقة بينها وبين البكر مباضعة الرجال ومخالطتهم، وهذا موجود في المصابة بالزنا، ولهذا قال الأصحاب: إن البكارة لو زالت بإصبع أو وثبة فهو كما لو لم تزل، في بقاء إذن البكر، لعدم المباضعة والمخالطة، وعكس هذا لو عادت بكارتها بعد زوالها بوطء، هي في حكم الثيب، ذكره أبو الخطاب أنه محل وفاق لوجود المباضعة.
وعموم كلام الخرقي يشمل الأب وغيره، وهو ظاهر كلام أحمد في رواية الميموني، وصرح به أبو الخطاب في الانتصار، وشيخه في الجامع الكبير، وفي التعليق في موضع، وأبو محمد وغيرهم، وقال القاضي في التعليق في مسألة إجبار البالغة: من أصلنا أن إذن البكر في حق غير الأب النطق. وقال ذلك أيضا فيمن رأى عبده يتجر فسكت، وكذلك قال في المجرد في نكاح الكفار، والمذهب الأول لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إذن البكر صماتها» وهو عام، وقال:«تستأمر اليتيمة، فإن سكتت فهو إذنها» وفي لفظ فقد أذنت واليتيم من لا أب له.
(تنبيه) : قال أبو العباس: يعتبر في الاستئمار تسمية الزوج على وجه تقع المعرفة به، ولا تشترط تسمية المهر على الصحيح، والله أعلم.