الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كتاب الطلاق]
ش: الطلاق لغة التخلية، يقال: طلقت الناقة. إذا سرحت حيث شاءت، وجلس فلان في الحبس طلقا، إذا كان بغير قيد، والإطلاق الإرسال، وهو في الشرع راجع لذلك، لأنه حل قيد النكاح، ومن حل نكاحها فقد خليت، ويقال: طلقت المرأة وطلقت، بفتح اللام وضمها، تطلق بضم اللام فيهما، طلاقا وطلقة، والله أعلم.
[طلاق السنة والبدعة]
قال: وطلاق السنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع، واحدة ثم يدعها حتى تنقضي عدتها.
ش: طلاق السنة ما أذن فيه صاحب الشرع، وعكسه طلاق البدعة، ولا خلاف أن المطلق على هذه الصفة مطلق للسنة، قاله ابن المنذر وابن عبد البر وغيرهما، والأصل فيه قول الله سبحانه وتعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] إلى قوله سبحانه: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] .
2683 -
قال ابن مسعود في تفسيرها: طاهرا من غير جماع، ونحوه عن ابن عباس.
2684 -
وفي الصحيحين «أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد ذلك، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء» ، وفي رواية في الصحيحين أيضا:«ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، ثم إن شاء طلقها طاهرا قبل أن يمس، فذلك الطلاق للعدة كما أمر الله تعالى» .
وقول الخرقي: طاهرا. يخرج الحائض، وقوله: من غير جماع، يخرج الطاهر المصابة في الطهر، ولا نزاع أن طلاق هاتين للبدعة، وقد دل عليه ما تقدم، وقوله: واحدة ويدعها حتى تنقضي عدتها؛ يحترز عما لو طلقها أكثر من واحدة في طهر، أو طلق في كل طهر طلقة، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
قال: ولو طلقها ثلاثا في طهر لم يصبها فيه كان أيضا للسنة، وكان تاركا للاختيار.
ش: هذا (إحدى الروايتين) عن أبي عبد الله رحمه الله.
2685 -
لأن في حديث فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها ألبتة؛ وفي رواية: طلقها ثلاثا. الحديث.
2686 -
وكذلك «امرأة رفاعة قالت: يا رسول الله إن رفاعة طلقني فبت طلاقي؛» وظاهره وقوع الثلاث بكلمة واحدة.
2687 -
وفي حديث المتلاعنين في الصحيح «قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها. فطلقها عويمر ثلاثا قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم. وفي رواية لأبي داود: فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم» - ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر ذلك، ولو لم يكن للسنة لأنكره، (والرواية الثانية) وهي أنصهما أن جمع الثلاث بدعة، وهذا اختيار أبي بكر، وأبي حفص، والقاضي والشريف، وأبي الخطاب والشيرازي،
والقاضي أبي الحسين وأبي محمد، لقول الله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] إلى قوله: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا - فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 1 - 2] ثم قال سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] ؛ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4] ومن طلق ثلاثا لم يبق له أمر يحدث، ولم يجعل له مخرجا ولا يسرا.
2688 -
قال مجاهد: كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما، فجاءه رجل فقال: إنه طلق امرأته ثلاثا. قال: فسكت حتى ظننت أنه رادها إليه، ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الحموقة، ثم يقول: يا ابن عباس، يا ابن عباس؛ وإن الله تعالى قال:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] وإنك لم تتق الله فلا أجد لك مخرجا، عصيت ربك، وبانت منك امرأتك، وإن الله تعالى قال:(يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن) رواه أبو داود.
2689 -
وعن محمود بن لبيد قال: «أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا، فغضب ثم قال: «أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم» حتى قام رجل فقال: يا رسول الله ألا أقتله؟» رواه النسائي.
2690 -
وأما حديث فاطمة بنت قيس ففيه في مسلم وأبي داود والنسائي أنها قالت: إن أبا حفص طلقها آخر ثلاث تطليقات، وفي رواية أخرى لهم: أنه بعث إليها بتطليقة كانت بقيت لها. وهذا يبين أن رواية: طلقها ثلاثا. أو طلقها ألبتة، يعني أنه استوفى عدد طلاقها، وكذلك يحمل حديث ركانة، مع أنه لم
يكن بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم حتى ينكر عليه، وأما حديث المتلاعنين فالمنع من الثلاث إنما كان حذارا من سد الباب عليه، والملاعنة تحرم على التأبيد، فلا حاجة للمنع من الثلاث، (وعلى هذه) فهل المحرم جمع الثلاث في طهر واحد، فلو فرقها في ثلاثة أطهار لم يكن محرما، أو لا فرق بين أن يجمعها في طهر واحد أو في ثلاثة أطهار؟ على روايتين (إحداهما) : أن المحرم الجمع، لظاهر حديث ابن عمر الصحيح:«مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد ذلك، وإن شاء طلق قبل أن يمس» ؛ (والثانية) : لا فرق بين الجمع والتفريق، في أن الجميع بدعة.
2691 -
لما روى الدارقطني عن الحسن قال: «حدثنا عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه طلق امرأته تطليقة وهي حائض، ثم أراد أن يتبعها بتطليقتين أخريين عند القرأين، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله تعالى، إنك قد أخطأت السنة، والسنة أن تستقبل الطهر، فتطلق لكل قرء» قال: فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فراجعتها، ثم قال:«إذا طهرت فطلق عند ذلك أو أمسك» فقلت: يا رسول الله أرأيت لو طلقتها ثلاثا أكان يحل لي أن أراجعها؟ قال: «لا، كانت تبين منك وتكون معصية» .
2692 -
وعن علي رضي الله عنه قال: لو أن الناس أخذوا بما أمر الله من الطلاق ما يتبع رجل نفسه امرأة أبدا، يطلقها تطليقة ثم يدعها ما بينها وبين أن تحيض ثلاثا، فمتى شاء راجعها. رواه النجاد، وحديث ابن عمر محمول على حصول رجعة بعد الطلاق، وإذًا الطلاق بعد الرجعة للسنة بلا ريب، ويتلخص أن في المسألة ثلاث روايات. (الثالثة) : الجمع في الطهر الواحد بدعة، والتفريق سنة.
واعلم أن بين الشيخين نزاعا في فرع آخر، وهو لو طلقها طلقتين، فعند أبي محمد أنه للسنة وإن كان الجمع بدعة، لكن الأولى عنده أن يطلق واحدة، وعند أبي البركات أنه كما لو جمع الثلاث، والله أعلم.
(تنبيه) : أكثر الأصحاب على أن العلة في منع الطلاق في الحيض تطويل العدة، وخالفهم أبو الخطاب فقال: تطليقه في زمن رغبته عنها، قال أبو العباس: وقد يقال: إن الأصل في الطلاق النهي عنه، فلا يباح إلا وقت الحاجة، وهو الطلاق الذي تتعقبه العدة، لأنه لا بد من عدة، والعلة في منع الطلاق في الطهر المصاب فيه احتمال الحمل، فيحصل الندم، ولهذا إذا استبان حملها أبيح الطلاق، والعلة في جمع الثلاث سد الباب عليه، وعدم المخرج له، كما أشار إليه الكتاب العزيز، واختلف الأصحاب في الطلاق في الحيض، هل هو محرم لحق الله تعالى، فلا يباح وإن سألته، أو لحقها فيباح بسؤالها؟ على وجهين، (والأول) : ظاهر إطلاق القرآن والسنة، وأما جمع الثلاث فمحرم عند من حرمه لحق الله تعالى، فلا يباح بسؤالها بلا نزاع نعلمه، والله أعلم.
قال: وإذا قال لها أنت طالق للسنة؛ وكانت حاملا أو طاهرا طهرا لم يجامعها فيه؛ فقد وقع الطلاق، وإن كانت حائضا لزمها الطلاق إذا طهرت، وإن كانت طاهرة مجامعة فيه فإذا طهرت من الحيضة المستقبلة لزمها الطلاق.
ش: اللام في (للسنة) للوقت، فإذا قال لها: أنت طالق للسنة، أي لوقت السنة، فإذا كانت طاهرا غير مجامعة في ذلك
الطهر، فقد وقع الطلاق، لوجود ظرفه، وهو وقت السنة، وكذلك إن كانت حاملا.
2693 -
لأن في مسلم والسنن من حديث ابن عمر رضي الله عنه: «مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا» ؛ وفي لفظ: «إذا طهرت أو وهي حامل» » ، وقال ابن عبد البر: لا خلاف بين العلماء أن الحامل طلاقها للسنة، ولأن المطلق والحال هذه داخل على بصيرة، فلا يخاف ظهور أمر يتجدد معه الندم. انتهى، وإن كانت حائضا فهذا ليس بوقت للسنة، فلم يوجد ظرف الطلاق، فإذا طهرت وجد وقت السنة، فتطلق، وكذلك إن كانت طاهرة مجامعة في الطهر، لم يوجد ظرف الطلاق، ثم هذا الطهر يتعقبه الحيض، وهو أيضا وقت للبدعة لا للسنة، فإذا طهرت منه وجد وقت السنة فتطلق لوجود ظرفه.
وظاهر كلام الخرقي أن بمجرد الطهر يوجد وقت السنة، وإن لم تغتسل، وهذا هو المذهب، وقيل: لا يوجد حتى تغتسل، ولعل مبنى القولين على أن العلة في المنع من طلاق الحائض إن قيل تطويل العدة، وهو المشهور أبيح الطلاق بمجرد الطهر، وإن قيل الرغبة عنها لم يبح حتى تغتسل، لمنعها منه قبل الاغتسال، والله أعلم.
قال: ولو قال لها: أنت طالق للبدعة، وهي في طهر لم يصبها فيه، لم يقع الطلاق حتى يصيبها أو تحيض.
ش: هذه الصورة عكس التي قبلها، فإذا قال لزوجته: أنت طالق للبدعة. معناه لوقت البدعة، فإذا كانت في طهر لم يصبها فيه فهذا ليس بوقت للبدعة فلا تطلق، فإذا أصابها أو حاضت فقد وجد وقت البدعة فتطلق، هذا قول الأصحاب، واختار أبو البركات أنه إذا قال لها: أنت طالق للبدعة، وهي في زمن السنة أنها تطلق طلقتين في الحال إن قلنا: الجمع بدعة، لأنه لما لم يكن في وقت بدعة فالظاهر أنه لم يرد البدعة إلا من حيث العدد، ومعناه: أنت طالق طلاقا للبدعة. أي موصوفا بأنه للبدعة، وإذا تطلق طلقتين، لأنه طلاق موصوف بالبدعة، والله أعلم.
قال: ولو قال لها وهي حائض ولم يدخل بها: أنت طالق للسنة، طلقت من وقتها، لأنه لا سنة فيه، ولا بدعة.
ش: قد ذكر الخرقي رحمه الله الحكم وأشار إلى علته بأنه لا سنة في هذا الطلاق، أي طلاق غير المدخول بها ولا بدعة، وقد حكى ذلك ابن عبد البر إجماعا في غير العدد، وذلك لما تقدم من أن العلة في المنع من الطلاق في الحيض طول العدة، وفي