الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصل مبني على قاعدته، من أن الرجعة محرمة، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى، قال: وعليه نفقتها. لأن الأصل بقاؤها. استنادا لبقاء النكاح، قال: فإن راجعها في العدة لزمته نفقتها. لما تقدم، إذ الأصل عدم الثلاث، قال: ولم يطأ حتى يتيقن كم الطلاق، لأنه متيقن للتحريم شاك في التحليل؛ وهذا الأصل والتعليل كلاهما منازع فيه، فالتعليل بناء عنده على أن الرجعة محرمة، وهو إحدى الروايتين، والمشهور - وعليه الأصحاب - خلافه، لما سيأتي إن شاء الله، وإذا انتفى هذا التعليل انتفى الأصل، ثم لو سلم هذا التعليل، وأن الرجعة محرمة لم يبح ما قاله، لأن الذي ينفيه تحريم تزيله الرجعة، فيزول بزوالها، ولهذا عامة الأصحاب لم يلتفت لهذا، وقالوا بالإباحة، ولضعف هذا القول أنه لم يلتفت له القاضي في تعليقه، وحمل كلام الخرقي على الاستحباب، والله أعلم.
[الحكم لو طلق إحدى زوجاته ولم ينو واحدة بعينها]
قال: وإذا قال لزوجاته: إحداكن طالق، ولم ينو واحدة بعينها، أقرع بينهن، فأخرجت القرعة المطلقة منهن.
ش: إذا قال لزوجاته: إحداكن طالق. ونوى واحدة معينة، قبل منه تعيينها وطلقت، لأنه عينها بنيته، أشبه ما لو عينها بلفظه، وإن لم ينو ففيه روايتان (أشهرهما) عن أحمد - وعليها عامة الأصحاب، حتى أن القاضي في تعليقه وأبا محمد وجماعة لا يذكرون خلافا - أنه يقرع بينهما، فمن خرجت عليها القرعة فهي المطلقة، لأنه إزالة ملك بني على التغليب والسراية،
فتدخله القرعة، دليله العتق، ودليل الأصل «أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرع بين العبيد الستة» ، ولأن الحق لواحد غير معين، فوجب تعيينه بالقرعة، كالحرية في العبيد، إذا أعتقهم وضاق ثلثه عن جميعهم، وكالبداءة بإحدى نسائه في القسم أو السفر بها، قال أحمد: القرعة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء بها القرآن (والرواية الثانية) : يرجع إلى تعيينه، فمن عينها فهي المطلقة، لأنه يملك الإيقاع ابتداء والتعيين، وقد أوقع ولم يعين، فيملك ذلك استيفاء لما ملكه، والله أعلم.
قال: وكذلك إن طلق واحدة من نسائه وأنسيها أخرجت بالقرعة المطلقة منهن.
ش: منصوص أحمد رحمه الله في رواية الميموني وأبي الحرث أنه لا فرق بين هذه الصورة والتي قبلها، وعلى هذا عامة الأصحاب، الخرقي، والقاضي، وأصحابه وغيرهم، وسئل أحمد رحمه الله -
عن ذلك في رواية إسماعيل بن سعيد فقال: أكره أن أقول في الطلاق بالقرعة؛ فأخذ من ذلك - والله أعلم - أبو البركات رواية بالمنع، وهو اختيار أبي محمد، فلا مدخل للقرعة عنده هنا، ويحرمان عليه جميعا، كما لو اشتبهت أخته بأجنبية، أو ميتة بمذكاة، وفرق بين هذه والتي قبلها بأن الحق ثم لم يثبت لواحدة بعينها، فدخلت القرعة لتبيين التعيين، وهنا الطلاق واقع في معينة لا محالة، والقرعة لا ترفعه عنها، فلا توقعه على غيرها انتهى.
والظاهر ما يقول الجماعة، وإن كان أصل دخول القرعة في هذا ليس بالواضح، لأن هذا الفرق إنما يتم لأبي محمد رحمه الله لو قيل بأن الطلاق يقع في غير المعينة من حين القرعة، وليس كذلك، بل الطلاق - على ما صرح به القاضي، وذكر عن الإمام أحمد ما يدل عليه في رواية أبي طالب - يقع من حين الإيقاع، وإذا وقع الطلاق من حين الإيقاع، فلا بد له من محل يتعلق به، ولا يتعلق إلا بمعين، فلا فرق بين الصورتين، وقد دخلت القرعة في الصورة الأولى فتدخل في الثانية، وأبو محمد يوافق الجماعة على هذا الأصل، فإنه يجعل العدة من حين الإيقاع، لا من حين القرعة انتهى.
فعلى قول أبي محمد يحرم الجميع عليه، وتجب عليه نفقتهن، لأنهن محبوسات عليه بحكم النكاح، وكذلك في قول الجميع قبل
القرعة، ولم أرهم فرقوا بين الطلاق الرجعي والبائن، مع أن الرجعي لا يحرم على المذهب، فقد يقال: لأنه إذا وطئ فقد يطأ من أصابها الطلاق، فتحصل رجعتها على المذهب، وإذا لا مطلقة منهن، فإذا أقرع بعد ذلك وخرجت القرعة بعد ذلك على واحدة، فيحكم بطلاقها وهي زوجة، فلهذا المحذور حرم الوطء مطلقا، نعم لو أراد وطء الجميع فلا ينبغي أن يمنع من ذلك، لأن بذلك تحصل رجعة من طلقها جزما، فأشبه ما لو قال: من وقع عليها طلاقي فقد راجعتها، وعلى قول الأصحاب إذا أقرعنا مع النسيان فخرجت القرعة على واحدة، فقد حكم بطلاقها ظاهرا، فإذا قال بعد ذلك: ذكرت المنسية وأنها غير التي خرجت عليها القرعة، حكم بطلاق التي ذكرها بإقراره بلا ريب، وهل ترجع إليه التي خرجت عليها القرعة؟ لا يخلو إما أن تكون القرعة بحكم حاكم أم لا، فإن كانت بحكم حاكم لم ترجع إليه، حذارا من إبطال حكم الحاكم بقوله، وكذلك إن لم تكن القرعة بحكم حاكم وتزوجت، نص أحمد على هاتين الصورتين، لتعلق حق الغير بها، وفيما عدا هاتين الصورتين قولان وبعضهم يحكيهما روايتين (إحداهما) : ترجع إليه، وهو اختيار الشيخين وغيرهما، إذ القرعة ليست بطلاق صريح ولا كناية فوجودها كعدمها (والثانية) : - وهي قول أبي بكر وابن حامد - لا ترجع إليه، ويحكم عليه بطلاقهما، الثانية بإقراره، والأولى بالقرعة، احتياطا للفروج، ودفعا للتهمة، والله أعلم.