الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب صريح الطلاق وغيره]
أي باب حكم صريح الطلاق وغيره من الاستثناء في الطلاق، والتعليق بشرط، وغير ذلك مما يذكر إن شاء الله تعالى، والصريح الخالص من كل شيء، فصريح الطلاق اللفظ الموضوع له، الذي لا يفهم منه عند الإطلاق غيره، أو يفهم لكن على بعد.
قال: وإذا قال لها: قد طلقتك، أو قد فارقتك، أو قد سرحتك؛ لزمه الطلاق.
ش: ظاهر كلام الخرقي رحمه الله أن هذه الألفاظ صريحة في الطلاق، ولا نزاع في أن المذهب أن لفظ الطلاق وما تصرف منه مما يفهم منه الطلاق صريح في الطلاق، لأنه موضوع له على الخصوص، وقد ثبت له عرف في الشرع والاستعمال، ففي الكتاب العزيز:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] ، فإن طلقها وفي السنة والاستعمال أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض.
2708 -
وقالوا: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة، وهذا واضح لا خفاء به، وقد دخل في الطلاق وما تصرف منه طلقتك، وأنت
طالق، وأنت مطلقة وأنت الطلاق، وخرج منه أطلقك وطلقي؛ لأنه لا يفهم منهما الطلاق، إذ الأول وعد، والثاني طلب، وليس بخبر ولا إنشاء، وحكى أبو بكر عن أحمد رواية في: أنت مطلقة أنه ليس بصريح، لاحتمال أن يريد طلاقا ماضيا، ويلزمه ذلك في طلقتك؛ ولأبي محمد في الكافي احتمال في: أنت الطلاق؛ أنه لا يكون صريحا، ومن الصريح إذا قيل له: أطلقت امرأتك؟ قال: نعم. إذ السؤال معاد في الجواب، ويحتمل أن لا يكون صريحا من القويل في: أقبلت هذا النكاح. وأطلقك؛ ليس بصريح على المذهب، لانتفاء عرف الاستعمال فيه، وللقاضي فيه احتمال.
وأما لفظ السراح والفراق ففيهما وجهان، (أحدهما) - وهو الذي ذكره الخرقي، وتبعه عليه القاضي في التعليقة وفي غيرها، والشريف وأبو الخطاب في خلافيهما، وابن البنا والشيرازي وغيرهم - أنهما صريحان، حكمهما حكم لفظ الطلاق، لورودهما في الكتاب العزيز بمعنى الفرقة، فأشبها لفظ الطلاق، قال سبحانه:{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وقال: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] وقال: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130]
وقال سبحانه: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ} [الأحزاب: 28](والثاني) - وهو اختيار ابن حامد، وأبي الخطاب في الهداية، والشيخين - ليسا بصريح، لاستعمالهما في غير الطلاق كثيرا، فأشبها سائر كناياته، قال سبحانه:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] وقال تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البينة: 4] وأما قَوْله تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] فليس المراد به الطلاق قطعا، إذ الآية في الرجعية، وهي إذا قاربت انقضاء عدتها فإما أن يمسكها برجعة، وإما أن يترك حتى تنقضي عدتها فيسرح، فالمراد بالتسريح في الآية الكريمة قريب من معناها اللغوي، وهو الإرسال، وهو أن تخلى، وكذلك المفارقة في الآية الثانية، المراد بها ترك مراجعتها، كأنه إذا يظهر حكم الفرقة، لأنها قبل انقضاء العدة في حكم الزوجة، وأما قوله:{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا} [النساء: 130] فليس فيه بيان لما تحصل به الفرقة، وأما أسرحكن يحتمل أرسلكن بالطلاق، ثم المدار على عرف الاستعمال الشرعي، وهو مفقود، وعلى هذا الوجه هما كنايتان ظاهرتان، حكمهما حكم الخلية والبرية على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
(تنبيه) حكم الصريح أنه لا يحتاج إلى نية كما سيأتي إن شاء الله، وأنه إن صرفه بأن قال: من وثاق. أو نحو ذلك فإن كان باللفظ سمع منه، وإن كان بالنية فإنه يدين، وفي الحكم إن قامت قرينة تكذبه كالغضب أو بسؤالها الطلاق لم يسمع، وإلا فروايتان، أنصهما القبول، والله أعلم.
قال: ولو قال لها في الغضب: أنت حرة. أو لطمها فقال: هذا طلاقك. لزمها الطلاق.
ش: أما إذا قال لها: أنت حرة. فقد اتفق الأصحاب فيما علمت في عدها من كنايات الطلاق، لأن الحرة هي التي لا رق عليها، ولا شك أن النكاح رق.
2709 -
ولهذا في الحديث: «اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم» أي أسراء، والزوج ليس له على الزوجة إلا رق الزوجية، فإذا أخبر بزوال الرق فهو الرق المعهود، وهو رق الزوجية، ثم من الأصحاب من يعدها في الكنايات الظاهرة، وهم الأكثرون ومنهم من يعدها في المختلف فيه.
وظاهر كلام الخرقي أنه جعلها من الخفية، لأنه قال: لزمها الطلاق. وظاهره طلقة واحدة، ولم يجعلها كالخلية ونحوها.
وقيد الخرقي وقوع الطلاق بحال الغضب، وهو مدل بشيئين (أحدهما) أن الكنايات إذا اقترن بها دلالة حال، من غضب أو ذكر الطلاق ونحو ذلك، قام ذلك مقام النية، وطلقت على المشهور، والمختار لكثير من الأصحاب من الروايتين، إذ دلالة الحال كالنية، بدليل أنها تغير حكم الأقوال والأفعال، فإن من قال لرجل: يا عفيف ابن العفيف؛ في حال تعظيمه كان مدحا، ولو قاله في حال الشتم والسب كان ذما وقذفا (والرواية الثانية) لا بد في الكنايات من النية، لأن نفس اللفظ للطلاق وغيره، ومميزه النية، فلا بد من اعتبارها، دفعا للإيهام، ومال أبو محمد رحمه الله أنه في الألفاظ التي يكثر استعمالها - نحو: اخرجي، واذهبي، ونحو ذلك - لا يقع بها طلاق، إلا أن ينويه (فعلى المذهب) لو ادعى أنه لم يرد بها الطلاق دين، وهل يقبل في الحكم؟ على روايتين.
واعلم أن أبا البركات حكى الروايتين في القبول في الحكم وعدمه، إذا ادعى عدم إرادة الطلاق، وغيره يجعل الروايتين في الغضب، هل يقوم مقام النية أم لا؟ فربما ظن ظان أن بينهما تنافيا وليس كذلك، فإن غايته أن الأصحاب ذكروا رواية لم يذكرها المجد، وذكر يعني المجد رواية تؤخذ من كلامهم في غير هذا المحل، وهو ما إذا ادعى أنه أراد بلفظه ما يخالف ظاهره، ونحو ذلك.
(الشيء الثاني) أنه إذا أتى بالكناية في غير حال الغضب لا يقع بها طلاق، وهو كذلك، لأن اللفظ بمجرده لا دلالة له على الطلاق، بل هو كالمشترك، فلا بد من شيء يبين المراد منه، ويستثنى من ذلك النية، إذ هي تبين المراد، وكأن الخرقي إنما تركه اكتفاء بذكر الغضب، لأنه إذا اكتفي بالغضب لدلالته على النية، فالنية أولى وأحرى، وأما إذا لطمها وقال: هذا طلاقك. فقوة كلام الخرقي يقتضي وقوع الطلاق بمجرد ذلك من غير نية، وهو قول ابن حامد، لأن معناه أوقعت عليك طلاقا هذا من أجله، واختار أبو محمد أنه كناية في الطلاق، يعتبر له ما يعتبر لها من النية، أو دلالة حال، لأن هذا اللفظ غير موضوع للطلاق، ولا مستعمل فيه شرعا ولا عرفا، فأشبه سائر الكنايات، وهذا ظاهر كلام أبي الخطاب في الخلاف، ويحتمل كلام الخرقي هذا أيضا، ويكون اللطم قائما مقام النية، لأنه يدل على الغضب، وعلى قياس ما تقدم لو أطعمها أو سقاها ونحو ذلك، فعلى الأول يقع الطلاق بمجرده، وعلى الثاني
لا بد من النية، وعلى القول بالوقوع من غير نية فلو فسره بمحتمل غيره قبل، وعلى هذا فهذا قسم برأسه ليس بصريح وإلا خرج الخلاف إذا صرفه، ولا كناية، لأن الكناية تتوقف على النية، فهو ظاهر في الطلاق، يصرف عند الإطلاق إليه، ويجوز صرفه إلى غيره، والله أعلم.
قال: وقال أبو عبد الله: وإذا قال لها: أنت خلية أو أنت برية أو أنت بائن، أو حبلك على غاربك، أو الحقي بأهلك. فهو عندي ثلاث، ولكني أكره أن أفتي به، سواء دخل بها أو لم يدخل بها.
ش: وقوع الثلاث بهذه في الجملة هو المشهور عن أحمد، واختيار كثير من الأصحاب، لأنه المشهور عن الصحابة رضي الله عنهم.
2710 -
فعن أحمد أنه قال في الخلية والبرية والبتة قول علي وابن عمر رضي الله عنهم قول صحيح ثلاثا.
2711 -
وقال أيضا في البتة: عمر رضي الله عنه يجعلها واحدة، وعلي وزيد رضي الله عنهما ثلاثا.
2712 -
وروى النجاد بإسناده أن عمر رضي الله عنه جعل البتة واحدة، ثم جعلها بعد ثلاث تطليقات.
2713 -
وروي أيضا عن نافع أن رجلا جاء إلى عاصم وابن الزبير فقال: إن ظئري هذا طلق امرأته قبل أن يدخل بها، فهل تجدان له رخصة؟ فقال: لا، ولكنا تركنا ابن عباس وأبا هريرة عند عائشة فسلهم، ثم ارجع إلينا فأخبرنا، فسألهم فقال أبو هريرة رضي الله عنه: لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: هي ثلاث. وذكر عن عائشة متابعتهما؛ ولأن
معنى: أنت خلية. أنت متروكة خالية من النكاح، وكذلك: برية. معناه البراءة من النكاح، وكذلك بائن أي منفصلة من النكاح، وكذلك: حبلك على غاربك. أي مرسلة غير مشدودة، ولا ممسكة بعقد النكاح، والغارب مقدم السنام، والحقي بأهلك. كذلك، إذ الرجعية لا تترك بيت زوجها، وإذا كان هذا مقتضى هذه الألفاظ الثلاث ترتب الحكم على مقتضاها، ولو نوى دونها لأن نيته تخالف مقتضاها، فتلغو نيته، (وعن أحمد) رواية أخرى أنه يقع بها ما نواه، اختاره أبو الخطاب في الهداية.
2714 -
لما روي أنه «ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة البتة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقال: والله ما أردت إلا واحدة. فقال صلى الله عليه وسلم: «والله ما أردت إلا واحدة؟» فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة. فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلقها الثانية في زمن عمر رضي الله عنه، والثالثة في زمن عثمان رضي الله عنه، وفي لفظ قال «هو على ما أردت» رواه أبو داود وصححه، وابن ماجه والترمذي وقال: سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال: فيه اضطراب.
2715 -
ولأن «النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنة الجون: «الحقي بأهلك» » وهو صلى الله عليه وسلم -
لا يطلق ثلاثا، لأنه مكروه، وعلى هذه الرواية إن لم ينو شيئا وقعت بها واحدة، (وعنه) ما يدل على أنه يقع بها واحدة بائنة، إعمالا لمقتضى اللفظ والأصل، إذ مقتضاه البينونة، والأصل عدم ما زاد على الواحدة، وهذا الخلاف جار في جميع الكنايات الظاهرة.
ثم اعلم أن عامة الأصحاب يحكون الخلاف على نحو ما قدمت، وخالفهم أبو البركات، فجعل محل الخلاف مع الإطلاق، هل تطلق ثلاثا أو واحدة؟ على روايتين أما إذا نوى شيئا فيدين في ما نواه من غير خلاف، وفي قبوله في الحكم روايتان، وظاهر كلام العامة وقوع الثلاث من غير تديين، وكلام أحمد محتمل، فإنه قال في غير رواية في هذه الصور ونحوها: أخشى أن يكون ثلاثا. انتهى، ولا نزاع عندهم أن الخفية يقع بها ما نواه، وقد اختلف الأصحاب في ما عدا الظاهرة والخفية، والمختلف فيها، وليس هذا موضع استقصاء ذلك، إلا أنه لا نزاع عندهم فيما أعلمه أن الخلية والبرية والبائن من الكنايات الظاهرة، وكذلك البتة والبتلة، ولا نزاع أن نحو: اخرجي واذهبي، وروحي؛ من الكنايات الخفية، واختلف في: الحقي بأهلك، وحبلك على غاربك، ولا سبيل لي عليك ولا سلطان لي عليك، ونحو ذلك هل هو ظاهر أو خفي؟
وقول الخرقي: سواء دخل بها أو لم يدخل. احترز عن قول مالك رحمه الله فإنه قبل الدخول يجعلها واحدة، وبعد ثلاثا، وإنما كره أحمد الفتيا بالثلاث في الكنايات الظاهرة لأنه لا نص فيها، بحيث ترفع الشبهة، وأيضا فإن فيه الحكم بتحريم فرج مع الاحتمال، والله أعلم.
قال: وإذا أتى بصريح الطلاق لزمه نواه أو لم ينوه.
ش: لأن اللفظ صريح فيه، فلم يحتج به إلى نية كالبيع ونحوه، وسواء قصد المزح أو الجد.
2716 -
قال أبو هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث جدهن جد وهزلهن جد، النكاح والطلاق والرجعة» رواه أبو داود وابن ماجه، والترمذي وقال: حسن غريب. مع أن هذا اللفظ قد حكي اتفاقا، لكن على كل حال لا بد من قصد اللفظ، ليخرج النائم والساهي ونحوهما.
ومفهوم كلام الخرقي أن الكنايات لا بد فيها من النية، ولا نزاع في ذلك في الخفية، أما الظاهرة فقد نص أحمد على اشتراط النية، وعليه جمهور الأصحاب، القاضي وأصحابه، والشيخين وغيرهم، ولم يشترط أبو بكر للظاهرة نية، وقد وقع لأحمد إطلاقات ظاهرها ذلك، لكنها محمولة على نصوصه الصريحة، وزعم القاضي أن ظاهر كلام الخرقي أيضا عدم الاشتراط، أخذا من إطلاقه الأول، والله أعلم.
قال: ولو قيل له: ألك امرأة؟ فقال: لا وأراد به الكذب لم يلزمه شيء.
ش: لأن قصارى هذا أن يكون كناية، ولم يوجد شرطها وهو النية، فلا يلزمه شيء، ومفهوم كلام الخرقي أنه إذا لم يرد الكذب تطلق، وذلك مع شرطه وهو النية، هذا هو المشهور من الرواية، والمختار للأصحاب، لأنه لفظ يحتمل الطلاق، لأنها إذا زال نكاحها فليست له بامرأة، ونقل عنه أبو طالب إذا قيل له: ألك امرأة؟ فقال: لا. ليس بشيء، فأخذ أبو البركات من إطلاق هذا رواية أنه يلزمه طلاق وإن نوى، لأنه خبر كذب، وليس بإيقاع، وحمل القاضي الرواية على أنه لم