الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كتاب العدد]
ش: العدة ما تعده المرأة من أيام أقرائها، أو أيام حملها، أو غير ذلك، على ما يعرف إن شاء الله، والأصل فيها قول الله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وقَوْله تَعَالَى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] أي فعدتهن كذلك، أو فكذلك، أو واللائي يئسن من المحيض، واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر، وملخصه هل في الآية تقديم وتأخير أو تقدير، وعلى الثاني هل المقدر مفرد أو جملة؟ خلاف، وقوله:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] الآية، وقوله:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]«وقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس: «اعتدي في بيت ابن أم مكتوم» » في أحاديث غير ذلك، مع أن مشروعية ذلك إجماع والحمد لله، والله أعلم.
[وجوب العدة على المخلو بها]
قال: وإذا طلق الرجل زوجته وقد خلا بها فعدتها ثلاث حيض.
ش: قد انعقد الإجماع على وجوب العدة على المبتوتة، لعموم {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] مع قَوْله تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب: 49] الآية، وقد اختلف في وجوب العدة على المخلو بها بشرطه، ومذهبنا وجوبها، لقضاء الصحابة بذلك، وقد تقدم الكلام على ذلك مبينا، في وجوب الصداق بالخلوة، ويشترط لوجوب العدة بالخلوة مطاوعتها، وكون الزوج ممن يولد لمثله، وهل يعتبر خلوهما من الموانع كالجب والعنة، والإحرام والصيام، ونحو ذلك؟ لم يعتبره أبو البركات، مع حكايته الخلاف في الصداق، وخرج أبو محمد الخلاف الذي ثم هنا.
وظاهر كلام الخرقي أن العدة لا تجب إذا لم يوجد مس أو خلوة، ولو قبل أو لمس، أو تحملت المرأة ماء الرجل، وهو أحد الوجهين في الصور الثلاث، والذي جزم به القاضي في المجرد وجوبها بتحمل المرأة الماء انتهى.
وعدة ذات القروء الحرة ثلاثة أقراء بالإجماع، لشهادة النص بذلك، واختلف في القروء هل هي الحيض أو الأطهار؟ على روايتين مشهورتين، هما قولان للعلماء، ولأهل اللغة (إحداهما) أنها الأطهار، ويعزى هذا في الجملة إلى أهل الحجاز.
2793 -
ونقله أحمد عن زيد وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم، وزعم ابن عبد البر أن أحمد رجع أخيرا إلى هذا القول، وعمدته في ذلك قول أحمد في رواية الأثرم: رأيت الأحاديث عمن قال القروء الحيض تختلف، والأحاديث عمن قال الطهر وأنه أحق بها، حتى تدخل في الحيضة الثالثة أحاديث صحاح قوية، والعمدة في ذلك قوله:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أي في عدتهن، كقوله تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47] أي في يوم القيامة، والمشروع الطلاق في الطهر لا في الحيض بالإجماع، وشهادة السنة له كما تقدم، وقال الأعشى يصف غزوة:
مورثة مالا وفي الأصل رفعة
…
لما ضاع فيها من قروء نسائكا
والذي ضاع هو الأطهار، (والثانية) القرء الحيض، ويعزى هذا في الجملة إلى أهل العراق، ويحكى عن الأصمعي والكسائي، والفراء، والأخفش، قالوا كلهم: أقرأت المرأة. إذا حاضت. قال الأصمعي: فهي مقرؤ. وقال الكسائي والفراء: فهي مقرئ.
2794 -
ونقل ذلك الإمام أحمد عن عمر، وابن مسعود رضي الله عنهما، وهو المشهور عن أحمد، واختيار أصحابه، وآخر قوليه صريحا، كما نص عليه في رواية ابن القاسم، فقال: كنت أقول بقول زيد وعائشة وابن عمر رضي الله عنهم فهبته،
وكذلك في رواية الأثرم: كنت أقول الأطهار، ثم وقفت لقول الأكابر. وأصرح من ذلك قوله في رواية النيسابوري: قد كنت أقول به، إلا أني أذهب اليوم إلى أن الأقراء الحيض، وهذا تصريح بالرجوع، وعلى إحدى الطريقتين يرتفع الخلاف من مذهبه، وما اعتمده أبو عمر فليس فيه إلا أن مختاره كان إذ ذاك الأطهار، والعمدة في ذلك ما اعتمده أحمد من أن ذلك قول الأكابر، وقد حكاه عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما.
2795 -
وروي عن أبي بكر الصديق، وعثمان بن عفان، وابن عباس، وأبي موسى، وعبادة بن الصامت، وأبي الدرداء رضي الله عنهم، وأيضا فقد وقع القرء في لسان المبين لكتاب ربه، والمراد به الحيض.
2796 -
فعن القاسم «عن زينب بنت جحش رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إنها مستحاضة: فقال: «تجلس أيام أقرائها، ثم
تغتسل» ، مختصر، رواه النسائي.
2797 -
وعن عائشة رضي الله عنها «أن أم حبيبة بنت جحش - التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف - شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الدم، قال: «فلتنظر قرأها الذي كانت تحيض، فلتترك الصلاة، ثم لتنظر ما بعد ذلك، فلتغتسل عند كل صلاة وتصلي» رواه أحمد، والنسائي.
2798 -
وعن الأسود عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أمرت بريرة أن
تعتد بثلاث حيض. رواه ابن ماجه.
2799 -
وعنها أيضا رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «طلاق الأمة تطليقتان، وعدتها حيضتان» رواه الترمذي وأبو داود. فعلم من هذا أن عرف الشرع في القرء أنها الحيض، وأيضا موافقة لظاهر الآية، وهو:{ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فإن ظاهرها ثلاثة قروء كوامل، وإنما يكون ذلك إذا قلنا إنها الحيض، أما إن قلنا إنها الأطهار فإنما هو قرآن وبعض الثالث، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وأيضا قَوْله تَعَالَى:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] فنقلهن عند عدم المحيض إلى الاعتداد بالأشهر، فظاهره أن الأشهر بدل عن الحيض، وأيضا فالعدة استبراء، فكانت بالحيض كاستبراء الأمة.
2800 -
ودليل الأصل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير حامل حتى تستبرأ بحيضة» وأما قَوْله تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] فالمراد مستقبلات لعدتهن، كما تقول: لقيته لثلاث بقين من الشهر، أي مستقبلا لثلاث.
2801 -
يؤيد هذا أن في «حديث ابن عمر رضي الله عنهما لما طلق امرأته وهي حائض، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعتها، فقال ابن عمر: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل
عدتهن» رواه أبو داود والنسائي.
2802 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن رجل طلق امرأته مائة تطليقة، قال: عصيت ربك، وبانت منك امرأتك، لم تتق الله فيجعل لك مخرجا، ثم قرأ:(يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن) وفي لفظ: وإن الله قال: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن) رواه أبو داود، وأما بيت الأعشى فقيل: أراد من أوقات نسائك، ولم يرد لا حيضا ولا طهرا، والقرء والقارئ جاء في معنى الوقت، يقال: هذا قارئ الرياح. لوقت هبوبها، ومن هنا قال بعض أهل اللغة: إن القرء يصلح للحيض والطهر، بناء على أن القرء الوقت، وقال آخر: يصلح لهما، بناء على أن القرء الجمع، ومنه قولهم: قريت الماء في الحوض، وقرأت القرآن. أي لفظت به مجموعا، ولا ريب أن الدم يجتمع في البدن في الطهر، ويجتمع في الرحم في الحيض، وبالجملة من أهل اللغة من يجعل القرء للطهر، ومنهم من يجعله للحيض، ومنهم من يجعله مشتركا بينهما، والله أعلم.
قال: غير الحيضة التي طلقها فيها.
ش: هذا بناء على مختاره من أن الأقراء الحيض، فعلى هذا لا تعتد بالحيضة التي طلقها فيها من العدة، بل إنما تحتسب بما بعدها، بلا خلاف نعلمه، لظاهر الكتاب، ولأن المنع من