الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقول الخرقي: بوضع الحمل، أي كله، فلو كان ولدين أو أكثر فلا بد لانقضاء العدة من وضع الجميع، ولو كان واحدا فلا بد من انفصال جميعه.
(تنبيه) لم تنشب. أي لم تمكث، وتعلت من نفاسها. أي انقطع دمها وطهرت، قال المنذري: وأصله عندهم السواد، كأنه من العلو أي تتعلى عن حالتها من المرض، والله أعلم.
[الحمل الذي تنقضي به العدة]
قال: والحمل الذي تنقضي به العدة ما يتبين فيه شيء من خلق الإنسان، أمة كانت أو حرة.
ش: كأن تضع ولدا. أو يدا أو رجلا أو نحو ذلك، وقد حكي الإجماع على ذلك، إذ بذلك يعلم أنها حامل، فتدخل تحت قَوْله تَعَالَى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وسواء كان ما تبين ظاهرا أو خفيا شهدت به القوابل. ومفهوم كلام الخرقي أنها إذا وضعت ما لا يتبين فيه شيء من خلق الإنسان أنها لا تنقضي عدتها به، وهو المشهور عن أحمد، ومختار أبي بكر، والقاضي والشريف وأبي الخطاب في خلافاتهم، وابن عقيل والشيرازي، وأبي محمد وغيرهم، لأنه قد حصل الشك في كونه ولدا، فلم يحكم بانقضاء العدة المتيقنة به، حذارا من دفع اليقين بأمر مشكوك فيه، (ونقل حنبل عن أحمد) أنها تصير بذلك أم ولد، فخرج القاضي
وجماعة من ذلك انقضاء العدة به، لأن الظاهر أنه بدء خلق آدمي، أشبه ما لو تصور، وأبى ذلك أبو محمد، وقال: ليس هذا برواية في العدة، إذ أحمد لم يتعرض لها، انتهى. ويؤيد هذا أنه روي عن أحمد في رواية أخرى ما يدل على أنها تصير بذلك أم ولد، ولا تنقضي به العدة، والفرق الاحتياط في الصورتين، ففي الاستيلاد تغليبا للحرية، وفي العدة تغليبا للكمال، ومحل الخلاف فيما إذا ألقت مضغة، أما إن ألقت نطفة، أو دما، أو علقة، فإن العدة لا تنقضي به بحال عند الشيخين وغيرهما، والقاضي في تعليقه جعل الخلاف في العلقة والمضغة، ومحل الخلاف أيضا إذا شهدت القوابل أن المضغة مبدأ خلق آدمي، قاله أبو محمد، فلو لم تشهد بذلك لم يحكم بانقضاء العدة بلا خلاف، ولم يشترط ذلك أبو البركات، والله أعلم.
قال: ولو طلقها أو مات عنها، فلم تنكح حتى أتت بولد بعد طلاقه أو موته بأربع سنين، لحقه الولد وانقضت عدتها به.
ش: هذا يعتمد أصلا، وهو أكثر مدة الحمل، والمذهب المشهور أن أقصاها أربع سنين، لأن هذا لا نص فيه، فيرجع فيه إلى الوجود، وقد وجد ذلك.
2819 -
فروى الوليد بن مسلم قال: قلت لمالك بن أنس: حديث جميلة بنت سعد، عن عائشة رضي الله عنها: لا تزيد المرأة
على السنتين في الحمل. قال مالك: سبحان الله! من يقول هذا؟ هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان تحمل أربع سنين قبل أن تلد.
2820 -
وقال الشافعي: بقي محمد بن عجلان في بطن أمه أربع سنين.
2821 -
وقال أحمد: نساء بني عجلان يحملن أربع سنين، وامرأة عجلان حملت ثلاث بطون، كل دفعة أربع سنين.
2822 -
وحكى أبو الخطاب أن محمد بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بقي في بطن أمه أربع سنين، وهكذا إبراهيم بن نجيح العقيلي.
2823 -
ويؤيد ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب لامرأة المفقود أربع سنين. والظاهر أنه إنما فعل ذلك لأنه أقصى مدة الحمل.
2824 -
وعن أحمد أن أقصاه سنتان، لأن عائشة رضي الله عنها قالت: لا تزيد المرأة على السنتين في الحمل. ولأن الاتفاق حصل على ذلك، بخلاف غيره، إذا تقرر هذا، فإذا أتت المرأة بولد لأربع سنين فما دون، من يوم طلاقها أو موت زوجها، ولم تكن تزوجت ولا وطئت، ولا انقضت عدتها بالقروء، ولا بالأشهر على قول، ولا بوضع الحمل، فإن الولد لاحق للزوج، والعدة منقضية به. ومفهوم كلام الخرقي أنها إذا أتت بولد أكثر من ذلك لم يلحق بالزوج، ولا ريب في ذلك، ومفهومه أيضا أن العدة لا تنقضي به منه، وهذا هو المذهب، بلا ريب، لأن الحمل منفي عنه يقينا، فلم يعتد بوضعه منه، كما لو ظهر بعد موته، (وعن أحمد) رحمه الله أن العدة تنقضي به، لأنها ذات حمل، فتدخل في:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]
وهكذا الخلاف في كل ولد لا يلحق الزوج، كامرأة الطفل المتوفى عنها، والمطلقة عقب العقد، ونحو ذلك (وعن أحمد) تنقضي به من غير الطفل، لأنه يلحقه بالتحاقه، بخلاف الطفل، وأظن هذا اختيار القاضي، وقد يقال: إن ظاهر إطلاق الخرقي أن من تقدم إذا أتت بولد لأربع سنين فما دون أنه يلحق الزوج، وإن كانت قد أقرت بانقضاء عدتها، لكن منصوص أحمد، وقول الأصحاب على خلاف هذا، فإنهم اتفقوا فيما علمت على أنها إذا أقرت بانقضاء عدتها بالأقراء، أن الولد لا يلحق به، وظاهر كلام أحمد وأبي بكر أن الحكم كذلك، وإن أقرت بانقضائها بالأشهر، وصرح بذلك أبو البركات، وابن حمدان، وظاهر كلام القاضي وعامة أصحابه إناطة ذلك بالأقراء، بخلاف الأشهر، وتبعهم أبو محمد على ذلك مصرحا به، والله أعلم.
قال: ولو طلقها أو مات عنها، فلم تنقض عدتها حتى تزوجت من أصابها، فرق بينهما، وبنت على عدتها من الأول، ثم استقبلت العدة من الثاني.
ش: أما كونه يفرق بينهما والحال هذه، فلأنه نكاح باطل اتفاقا، فوجب التفريق فيه، كما لو تزوجت وهي زوجة، وأما كونها تبني على عدتها من الأول فلسبق عدته، وكونها عن وطء في نكاح صحيح، وليس في كلام الخرقي بيان لمدة مقامها عند الثاني، هل تنقطع به العدة أم لا؟ وفي المسألة وجهان،
والذي جزم به القاضي والشريف وأبو الخطاب في خلافاتهم، أن العدة لا تنقطع به، والذي جزم به أبو محمد في كتبه الانقطاع، وأما كونها تستقبل عدتها من الثاني، فلأنهما حقان مقصودان لآدميين، فلم يتداخلا، كالدينين واليمينين، والعمدة أن عمر وعليا رضي الله عنهما حكما بذلك كما سيأتي، ولا نعرف لهما مخالفا.
قال: وله أن ينكحها بعد انقضاء العدتين.
ش: هذا هو المذهب المشهور، والمختار للأصحاب من الروايتين، لعموم:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24]{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ} [المائدة: 5] وغير ذلك، ولأنه لو زنا بها لم تحرم عليه أبدا، فهذا أولى، (والرواية الثانية) تحرم أبدا.
2825 -
لما روى مالك عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، أن طليحة كانت تحت رشيد الثقفي، فطلقها ونكحت في عدتها، فضربها عمر رضي الله عنه، وضرب زوجها ضربات بمخفقة، وفرق بينهما، ثم قال: أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول، وكان خاطبا من الخطاب، وإن كان دخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من الأول، ثم اعتدت من الآخر، فلا ينكحها أبدا، والمعنى في ذلك - والله أعلم - أن الله تعالى
أوجب العدة لبراءة الرحم، حفظا للأنساب، وشرع النكاح بعدها صيانة للفروج، فلما انتهك الحرمة، وأخل بالحكمة، واستعجل السبب الذي رتب عليه الشرع الإباحة في غير محله، اقتضت الحكمة أن يعامل بنقيض قصده المؤبد، كالقاتل لمورثه.
2826 -
وقد اعترض على قول عمر رضي الله عنه بقول علي رضي الله عنه، فإنه روي عنه أنه قال: إذا انقضت العدة فهو خاطب من الخطاب.
2827 -
وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه رجع إلى قول علي رضي الله عنه.
ومفهوم كلام الخرقي أنها لا تحل قبل انقضاء العدتين، وعلى هذا الأصحاب كافة، ما عدا أبا محمد، فإنه يميل إلى أن له أن ينكحها في عدتها منه، بعد فراغ عدة الأول، قال بعد أن حكى هذا عن الشافعي: وهذا حسن موافق للنظر، لأن العدة إنما شرعت حفظا للنسب، وصيانة للماء، والنسب لاحق به ها هنا، فأشبه ما لو خالعها ثم نكحها في عدتها، والأصحاب اعتمدوا على قضاء عمر رضي الله عنه وقد تقدم.
2828 -
وعن علي رضي الله عنه أنه قضى في المرأة تتزوج في عدتها، أنه يفرق بينهما، ولها الصداق بما استحل من فرجها، وتكمل ما أفسدت من عدة الأول، وتعتد من الآخر. ولا يعرف لهما مخالف في الصحابة رضي الله عنهم، ولعموم:{وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] الآية والضمير في قول الخرقي: وله أن ينكحها. أي الثاني، أما الأول فإن كان طلاقه ثلاثا لم تحل له بهذا النكاح، لبطلانه وعدم مشروعيته، وإن كان دون الثلاث فله نكاحها بعد العدتين، وإن كانت رجعية فله رجعتها في عدتها منه، قاله أبو محمد، والله أعلم.
قال: فإن أتت بولد يمكن أن يكون منهما، أري القافة وألحق بمن ألحقوه به منهما، وانقضت عدتها به منه، واعتدت للآخر.
ش: إذا حملت هذه المنكوحة في العدة فعدتها بوضع الحمل، كغيرها بلا ريب، ثم ينظر في الولد فإن أمكن كونه من الأول دون الثاني، كأن تأتي بالولد لدون ستة أشهر من وطء الثاني، ولأربع سنين فما دون من فراق الأول، فهو ملحق به، وتنقضي عدتها منه به، ثم تعتد للثاني، وإن أمكن كونه من الثاني وحده، كأن تأتي به لستة أشهر فأزيد إلى أربع سنين من وطء الثاني، ولأكثر من أربع سنين منذ بانت من الأول، فهو ملحق بالثاني، فتنقضي عدتها منه به، ثم تتم عدة الأول، وإنما قدمت عدة الثاني - والحال هذه - على عدة الأول، حذارا من أن يكون الحمل من إنسان، والعدة من غيره، وإن أمكن كونه منهما، كأن تأتي به لستة أشهر فصاعدا من وطء الثاني، ولأربع سنين فما دون من بينونتها من الأول، وهذه صورة الخرقي، فإنه يرى القافة، فإن ألحقته بأحدهما لحق به، وانقضت عدتها به منه، ثم اعتدت للآخر، وإن ألحقته بهما لحق بهما، وانقضت عدتها به منهما، ولو لم يمكن كونه من واحد منهما، بأن ولدته لدون ستة أشهر من وطء الثاني، ولأكثر من أربع سنين من فراق الأول، فإنه لا يلحق بواحد منهما، ولا تنقضي عدتها منه، على المذهب كما تقدم، ولو أمكن كونه منهما، ولم توجد قافة أو أشكل أمره عليها، فإنها بعد وضعه تعتد بعدة أخرى، لأن الولد إن كان من الأول فعليها أن تعتد للثاني، وإن كان من الثاني فعليها أن تكمل عدة الأول، ولا يتيقن ذلك إلا بعدة كاملة، وهل يضيع نسب الولد والحال هذه، أو يترك حتى يبلغ فينتسب إلى من شاء منهما؟ فيه خلاف مشهور، والله أعلم.