الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثلاثة دراهم لزمها ثلاثة، كما لو لم يكن في يدها شيء، والذي يظهر لي أن (من) هنا لبيان الجنس، وأنه إنما له ما في يدها، أو أقل ما يتناوله الاسم إن لم يكن في يدها شيء.
واعلم أن أبا البركات له في الخلع على المجهول تحرير حسن لم أره لغيره، وملخص ما قاله في هذه الصورة أن الذي قاله الخرقي على مختاره من صحة الخلع بغير عوض، أما إن قيل باشتراط العوض فهنا يجري قول أبي بكر بالبطلان، والمشهور خلافه، وعلى المشهور هل يجب كما تقدم أو يبطل المسمى ويجب مهر المثل أو إن وجد شيء فهو له، وإلا وجب مهر المثل؟ على ثلاثة أوجه، والله أعلم.
[الخلع على غير عوض]
قال: ولو خالعها على غير عوض كان خلعا ولا شيء له.
ش: هذا إحدى الروايتين عن أحمد رحمه الله واختيار الخرقي، وابن عقيل في التذكرة، لأنه قطع للنكاح، فصح من غير عوض كالطلاق، ولأن الأصل في مشروعية الخلع أن يوجد من المرأة رغبة عن زوجها، وتحتاج إلى فراقه فتسأله ذلك، فإذا أجابها فقد حصل المقصود منه، (والثانية) : لا يصح إلا بعوض، اختارها القاضي وجمهور أصحابه، أبو الخطاب، والشريف، والشيرازي وغيرهم، لأن الخلع الذي ورد في الكتاب والسنة ورد بعوض، والأصل عدم جواز ما عداه، ولأن الخلع (إن كان) فسخا فالزوج لا يملك فسخ النكاح إلا لعيبها، بخلاف ما إذا دخله العوض فإنه يصير معاوضة، فلا يجتمع له العوض
والمعوض، (وإن كان) طلاقا فليس بصريح فيه اتفاقا، وإنما هو كناية، والكناية لا بد فيها من النية أو ما يقوم مقامها، وهو والحال هذه بدل العوض، ولم يوجد واحد منهما، فعلى هذه الرواية إن خلا عن عوض لم يقع به شيء إلا حيث نجعله طلاقا، فيكون طلاقا رجعيا، والله أعلم.
قال: ولو خالعها على ثوب ونحوه فخرج معيبا، فهو مخير بين أن يأخذ أرش العيب أو قيمة الثوب ويرده.
ش: الخلع على ثوب ونحوه له حالتان: (إحداهما) : أن يكون معينا وهو ينقسم قسمين منجزا ومعلقا، (فالمنجز) - وهو مراد الخرقي - أن يقول: خلعتك على هذا الثوب، فهذا إن لم يعلم به عيب حين العقد ثم اطلع على عيب، فإنه يخير بين أخذ أرش العيب عوضا عن الجزء الفائت، وبين رد الثوب وأخذ قيمته سليما، لأن مقتضى المعاوضة أنه إذا رد الثوب رجع في مقابله وهو البضع، لكن ذلك متعذر، لأن البينونة إذا وقعت لا ترتفع، فيرجع ببدل ما رضي به، وهو الثوب، وفيه البحث السابق في الصداق، أنه كان ينبغي أن يرجع في بدل البضع وهو مهر المثل.
وفي المذهب: رواية أخرى أنه لا أرش له مع إمساكه كالرواية المذكورة في البيع والصداق، (والمعلق) أن يقول: إن أعطيتني هذا الثوب فأنت طالق. وهذا المنصوص عن أحمد، وهو اختيار الشيخين، لأنه إذا اطلع فيه على عيب فلا شيء له، تغليبا للشرط، وحكى أبو محمد عن الأصحاب أنه كالذي قبله، تغليبا للمعاوضة؛ (والحال الثانية) : أن يكون غير معين، وهو قسمان أيضا (أحدهما) : أن يكون موصوفا بصفات السلم في الذمة، فهذا إذا سلمته إليه فوجد به عيبا (فله إمساكه) لأن غايته أنه قد رضي بدون حقه، (ورده) وأخذ بدله، لأن الذي وجب له في الذمة سليم، فيرجع إليه؛ (الثاني) : أن يكون مجهولا، كأن يخالعها على ثوب، فإن لم نشترط العوض فله أقل ما يتناوله الاسم، وإن اشترطناه فهل يصح الخلع والحال هذه؟ فيه وجهان، المذهب منهما الصحة، وعليه فهل يجب أقل ما يتناوله الاسم، أو قدر مهر مثلها؟ فيه وجهان، والله أعلم.
قال: وإذا خالعها على عبد فخرج حرا أو استحق كان عليها قيمته.
ش: لتعذر أخذه، والرجوع في البضع، وإذا فيرجع في بدل ما رضي به، وهو قيمته، وفيه الإشكال السابق، وقول الخرقي: خرج حرا أو استحق، يحترز عما إذا خالعها على ما يعلمان أنه حر أو مغصوب، فإنه لا شيء له بلا ريب، لكن هل يصح الخلع أو يكون كالخلع بغير عوض؟ فيه طريقتان للأصحاب،
(والأولى) طريقة القاضي في الجامع الصغير، وابن البنا، وابن عقيل في التذكرة، (والثانية) طريقة الشريف، وأبي الخطاب في خلافيهما، والشيرازي والشيخين، والله أعلم.
قال: ولو قالت له: طلقني ثلاثا بألف، فطلقها واحدة لم يكن له شيء، ولزمتها التطليقة.
ش: أما وقوع الطلاق بها فلا خلاف فيه، لأنه أتى بلفظه الصريح، وأما الألف فلا يستحق منها شيئا على المنصوص، والمجزوم به عند عامة الأصحاب، لأنها إنما بذلتها في مقابلة الثلاث، ولم تحصل، وصار كما لو قال: بعني عبديك بألف. فقال: بعتك أحدهما بخمسمائة. وفارق إذا قال: من رد عبيدي فله كذا. فرد بعضهم، فإنه يستحق بالقسط، لأن غرضه يتعلق بكل واحد من العبيد، وهنا غرضها يتعلق ببينونة كبرى وما حصلت، ولأبي الخطاب في الهداية احتمال أنه يستحق ثلث الألف، كما لو قال: من رد عبيدي الثلاثة فله ألف درهم. فرد أحدهم كان له ثلث الألف، فلو لم يكن بقي من طلاقها إلا واحدة، فقالت: طلقني ثلاثا بألف. فطلقها الواحدة، فالذي عليه الأصحاب هنا فيما علمت أنه
يستحق الألف، لأن الواحدة إذا تحصل ما تحصل الثلاث من البينونة الكبرى، فالغرض الذي طلبته المرأة حاصل لها، ولأبي محمد في المقنع احتمال أنها إذا لم تعلم ليس له إلا ثلث الألف، لأنها مع العلم معنى كلامها: كمل لي الثلاث. بخلاف ما إذا لم تعلم، فإن الألف مبذولة في الطلقات الثلاث، فتقسطت عليها، والله أعلم.
قال: وإذا خالعته الأمة بغير إذن سيدها على شيء معلوم كان الخلع واقعا، ويتبعها إذا عتقت بمثله إن كان له مثل وإلا قيمته.
ش: إذا خالعته الأمة فلا يخلو إما أن يكون بإذن سيدها أو بغير إذنه، فإن كان بإذنه صح بلا ريب، كما لو أذن لها في تجارة أو نحوها، ومحل العوض كمحله في استدانتها، يتعلق بذمة سيدها على المذهب، وإن كان بغير إذنه فهل يصح؟ فيه وجهان:(أحدهما) - وهو مقتضى المحكي عن القاضي في المجرد، وأورده أبو البركات مذهبا - لا يصح، لأن الخلع عقد معاوضة، فلم يصح منها كالبيع ونحوه، (والثاني) - وهو الذي قطع به الخرقي، والقاضي في الجامع الصغير، وأبو الخطاب في الهداية، والشريف وأبو محمد في كتبه الثلاثة - يصح، لأنه إذا صح الخلع مع الأجنبي فمع الزوجة أولى، والخلع يفارق البيع، بدليل صحته على المجهول، وبغير عوض على رواية، وغير ذلك، ويتخرج لنا
(وجه ثالث) : أنها إن خالعته في ذمتها صح، وعلى شيء في يدها لا يصح كبيعها، ويجوز في رواية تقدمت، وعلى القول بالصحة قال الخرقي وعامة من تبعه: تتبع بالعوض بعد العتق، لتعذر الأخذ منها في الحال، فيرجع عليها حين يسارها، وقال أبو محمد: إن وقع على شيء في الذمة فكذلك، وإن وقع على عين فقياس المذهب أنه لا شيء له، قال: لأنه إذا علم أنها أمة فقد علم أنها لا تملك العين، فيكون راضيا بغير عوض، ويلزم من هذا التعليل بطلان الخلع على المشهور، لوقوعه بغير عوض، والله أعلم.
قال: وما خالع العبد به زوجته من شيء جاز.
ش: لأنه إذا صح طلاقه من غير عوض، فبعوض أولى وأحرى.
قال: وهو لسيده.
ش: يعني عوض الخلع الذي خالع به العبد لسيده، لأنه من كسبه، وكسبه لسيده، ولم يتعرض الخرقي لمن يقبضه، وقد يقال: إن ظاهر كلامه أن السيد هو الذي يقبضه، وهو اختيار أبي محمد، وصاحب النهاية، كبقية أملاك السيد، وظاهر كلام أحمد واختاره القاضي، أن للعبد قبضه، لأنه لما ملك العقد تبعه عوضه والله أعلم.
قال: وإذا خالعت المرأة في مرض موتها بأكثر من ميراثه منها فالخلع واقع، وللورثة أن يرجعوا عليه بالزيادة.
ش: مخالعة المريضة صحيحة بلا ريب، كبيعها ونحو ذلك، ثم إن كان المسمى قدر ميراثها منه فأقل فلا كلام، وإن كان أزيد وقف الزائد على إجازة الورثة، لأنها إذا متهمة، لاحتمال قصدها أن يعطى الوارث زيادة على إرثه، فأشبه ما لو أقرت له، والله أعلم.
قال: ولو طلقها في مرض موته، وأوصى لها بأكثر مما كانت ترث، فللورثة أن لا يعطوها أكثر من ميراثها.
ش: هذا أيضا من مشكاة الذي قبله، لأنه إذا أوصى لها بأكثر من ميراثها فهو متهم، لأنه يريد أن تبقى أجنبية ليتوصل إلى إعطائها أكثر من ميراثها، بخلاف ما إذا كان بالثلث فما دون، فإن التهمة منتفية، انتهى، وفي بعض النسخ: ولو خالعها. وعليها شرح أبو محمد، وهي أمس وفيها دلالة على صحة خلع المريض وهو واضح، لأنه يصح طلاقه، فمخالعته أولى، والله أعلم.
قال: ولو خالعته بمحرم وهما كافران، فقبضه ثم أسلما أو أحدهما، لم يرجع عليها بشيء.
ش: تخالع الكفار صحيح، لأنه يصح طلاقهم، فصح تخالعهم كالمسلمين، ثم إن كان العوض صحيحا فواضح، وإن كان محرما - كالخمر والخنزير - فإن قبضه الزوج فقد مضى
حكمه، ولا شيء له وإن أسلم، كما لو تبايعا ذلك وتقابضا، ودليل الأصل قوله سبحانه:{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275] وإن لم يقبضه فقال القاضي في الجامع الكبير: لا شيء له، لرضاه بما ليس بمال، أشبه المسلمين إذا تخالعا على ذلك، وقال في المجرد: يجب مهر المثل، لأن العوض فاسد، فرجع إلى قيمة المتلف، وهو مهر المثل، واختار أبو محمد أنه يجب قيمة ذلك عند أهله، لأنه إنما رضي بعوض، وقد تعذر العوض، فيرجع في بدله، وهذا قياس المذهب، كما لو خالعها على عبد فخرج حرا أو نحو ذلك، وفارق المسلم إذا خالع على ذلك، لأنه رضي بغير عوض، والله سبحانه أعلم.