الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ينتقل، فإن الاستبراء لا يحتسب به إلا من حين انتهاء الخيار، لعدم تمام الملك قبله، وهو أحد الوجهين، والوجه الثاني - وبه جزم أبو محمد - يحتسب به من حين انتقال الملك، إناطة به، وإن لم يتم، وقد دخل في كلام الخرقي إذا وجد الاستبراء في يد البائع قبل القبض، وقد تم الملك، فإنه يجزئ، وهو إحدى الروايتين، واختيار القاضي وجماعة من أصحابه، (والثانية) لا يجزئ إلا بعد القبض، وعلى هذه فهل يكفي قبض الوكيل؟ فيه وجهان، أصحهما الإجزاء، لأن يده كيد الموكل، والله أعلم.
[إحداد الزوجة المتوفى عنها زوجها]
قال: وتجتنب الزوجة المتوفى عنها زوجها الطيب والزينة، والبيتوتة في غير منزلها، والكحل بالإثمد، والنقاب، فإن احتاجت سدلت على وجهها، كما تفعل المحرمة حتى تنقضي عدتها.
ش: قد تقدم أن عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشر إن كانت حرة، وشهران وخمسة أيام إن كانت أمة، (فتجتنب) في مدة ذلك الطيب.
2835 -
لما روي عن أم عطية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحد المرأة فوق ثلاث إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا، ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب، ولا تكتحل، ولا تمس طيبا، إلا أدنى طهرها فإذا طهرت من محيضها بنبذة من قسط وأظفار» متفق عليه.
2836 -
وعن «زينب بنت أبي سلمة أنها دخلت على أم حبيبة حين توفي
أبوها أبو سفيان، فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره، فدهنت منه جارية، ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا» متفق عليه وفي معنى الطيب الادهان بالأدهان المطيبة، كدهن الورد ونحوه، لا غير المطيبة كالزيت ونحوه، (وتجتنب) أيضا الزينة، لما تقدم من حديث أم عطية، «ولا تلبس ثوبا مصبوغا» الحديث.
2837 -
وعن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشقة، ولا الحلي، ولا تختضب، ولا تكتحل» » رواه أبو داود والنسائي.
2838 -
وعن «أم حكيم بنت أسيد، عن أمها، أن زوجها توفي عنها وكانت تشتكي عينها فتكتحل بالجلا، فأرسلت مولاة لها إلى أم سلمة فسألتها عن كحل الجلا، فقالت: لا تكتحلي به إلا من أمر لا بد منه، يشتد عليك، فتكتحلين بالليل وتمسحينه بالنهار، ثم قالت عند ذلك أم سلمة: دخل علي رسول الله
- صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة، وقد جعلت علي صبرا، فقال: ما هذا يا أم سلمة؟ فقلت: إنما هو صبر يا رسول الله ليس فيه طيب. قال: «إنه يشب الوجه، فلا تجعليه إلا بالليل، وتنزعيه بالنهار، ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحنا، فإنه خضاب» قالت: قلت بأي شيء، أمتشط يا رسول الله؟ قال:«بالسدر تغلفين به رأسك» رواه أبو داود والنسائي. (والزينة تشمل) زينة البدن، كالاختضاب وتحمير الوجه، وجعل الصبر عليه وتحفيفه، ونحو ذلك، لما تقدم في الأحاديث، وما لم يذكر فيها فبالقياس على ما ذكر، ولا تمنع مما يراد للتنظيف كالامتشاط بالسدر، لحديث أم سلمة رضي الله عنها، وكتقليم الظفر، وحلق الشعر المندوب إلى حلقه، ونحو ذلك، (وتشمل) زينة الثياب، فيحرم عليها المصبوغ من الثياب للتحسين، كالمعصفر والمزعفر، والأزرق الصافي والأخضر الصافي، ونحو ذلك، لما تقدم من حديث أم سلمة وأم عطية رضي الله عنهما، ولا تمنع من مصبوغ لم يقصد
بصبغه حسنه، كالكحلي والأخضر المشبع ونحو ذلك، نظرا للمعنى، وتخصيصها به، ولا من غير مصبوغ وإن كان حسنا، لعدم دخوله في الحديث، ولأن حسنه من أصل خلقته، أشبه إذا كانت المرأة حسناء، فإنه لا يلزمها أن تشوه نفسها، وفي منعها مما صبغ غزله ثم نسج وجهان، بناء على تفسير ثوب العصب المستثنى في الحديث ما هو، وسيأتي إن شاء الله تعالى، (وتشمل) الزينة أيضا الزينة بالحلي، كالخلخال والسوار، حتى الخاتم، لعموم حديث أم سلمة رضي الله عنها ولا الحلي انتهى. (وتجتنب) أيضا الكحل بالإثمد، وهو نوع من الزينة، وقد تقدم المنع في الأحاديث منه، ولا فرق بين السوداء وغيرها، نظرا للعموم، نعم إن اضطرت إلى التداوي بذلك جاز ليلا، وتمسحه نهارا، لما تقدم عن أم سلمة رضي الله عنها، ولا تمنع من الكحل بالتوتيا أو العنزروت ونحوهما، لعدم الزينة، والمنع ملحوظ فيه الزينة، (وتجتنب) أيضا النقاب، وكأنه لا نص في ذلك عن أحمد، لأن كثيرا من الأصحاب عزا ذلك إلى الخرقي، وذلك لأن المعتدة مشبهة بالمحرمة، والمحرمة تمنع من ذلك، وعلى هذا تمنع مما في معنى ذلك كالبرقع، ولو احتاجت إلى ما يستر وجهها سدلت عليه، كما تفعل المحرمة، وتجتنب) أيضا المبيت في غير منزلها.
2839 -
لما «روي عن الفريعة بنت مالك بن سنان - وهي أخت أبي سعيد الخدري - أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا، حتى إذا كانوا بطرف القدوم، لحقهم فقتلوه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي، فإني لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم» قالت: فخرجت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني، أو أمرني فدعيت له فقال:«ما قلت» ؟ فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي، قالت: فقال: «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله» قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا، قالت: فلما أن كان عثمان بن عفان رضي الله عنه أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به» ، رواه الخمسة وصححه الترمذي. وتجب العدة في المنزل الذي مات الزوج وهي ساكنة فيه، سواء كان مملوكا لزوجها أو لم يكن، كحال فريعة، إلا أن تدعو ضرورة إلى خروجها منه،
بأن يحولها مالكه، أو تخشى على نفسها هدما أو غرقا أو عدوا ونحو ذلك، فلها أن تنتقل، لكن هل تنتقل إلى أقرب الأماكن إلى المسكن، وبه جزم أبو الخطاب في الهداية، وأبو البركات، أو حيث شاءت، وهو مختار أبي محمد، وحكاه عن القاضي، فيه وجهان، وقد ذكر أبو محمد من صور الأعذار المبيحة للانتقال إذا لم تجد أجرة المنزل إلا من مالها، فإن لها الانتقال، وذكر هو وغيره أنه لا يجب للمتوفى عنها سكنى إن كانت حائلا بلا نزاع، وفيما إذا كانت حاملا روايتان، وحاصل قوله - وقد صرح به - أن الواجب عليها فعل السكنى، لا تحصيل المسكن، وهو مقتضى قول القاضي في تعليقه، فإنه قال: إذا بذل لها المنزل فإنه يلزمها أن تعتد فيه، ولا يحل لها البيتوتة في غيره، نص عليه في رواية حنبل، وفرق بينها وبين المبتوتة، انتهى، وفي ما قالاه نظر، فإنه يفضي إلى إسقاط العدة في المنزل رأسا، فإن الورثة إذا لم يبذلوا السكن والمرأة إذا لم تبذل الأجرة سقط الاعتداد في المنزل، وظاهر الحديث يخالفه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها:«امكثي في بيتك» مع قولها: إنه لم يتركها في مسكن يملكه ولا نفقة، ولو كان لأمرها بالمكث في بيتها شرط، وهو بذل الورثة الأجرة، لبينه، ثم إن عامة الأصحاب يقولون: لا تخرج عن منزلها إلا لضرورة ووزن الأجرة ليس بضرورة عليها، ولفظ أحمد في رواية حنبل: لا تبيت المطلقة والمتوفى عنها إلا في
منزلهما يذهبان بالنهار، فإذا كان الليل أتيا المنزل الذي أدركهما فيه الوفاة، والطلاق أسهل، وهذا النص أيضا على وفق الحديث، والذي يظهر لي أنها يجب عليها بذل الأجرة من مالها إن قدرت على ذلك، وإلا فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها. وظاهر كلام الخرقي أنها لا تجتنب الخروج نهارا، وهو كذلك، نص عليه أحمد كما تقدم والأصحاب، دفعا للحرج والمشقة، إذ الحاجة قد تدعو إلى ذلك.
2840 -
وقد «روى جابر رضي الله عنه قال: طلقت خالتي ثلاثا، فخرجت تجذ نخلها، فلقيها رجل فنهاها، فذكرت ذلك للنبي، فقال: «اخرجي فجذي نخلك، لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيرا» رواه النسائي وأبو داود، لكن اشترط كثير من الأصحاب لخروجها في النهار الحاجة، وأحمد وجماعة لم يشترطوا ذلك، فلا حاجة في التحقيق إلى اشتراطه، لأن المرأة وإن لم يكن متوفى عنها تمنع من خروجها من بيتها لغير حاجة مطلقا، وقوله: وتجتنب الزوجة. يخرج منه غير الزوجة كأم الولد ونحوها، فإنه لا إحداد عليها، ويدخل فيه كل زوجة، وإن كانت ذمية أو غير مكلفة، وهو كذلك، والمخاطب بتحصيل الإحداد على غير المكلف هو الولي.
(تنبيه) الإحداد المنع، فالمرأة تمنع نفسها مما كانت
تتهيأ به لزوجها، من تطيب وتزين، فقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تحد المرأة» وقوله بعد: «ولا تلبس ثوبا مصبوغا» إلى آخره، عطف تفسيري للإحداد، يقال: أحدث المرأة إحدادا فهي محد، وحدت تحد وتحد، بالضم والكسر، فهي حاد، وسمي الحديد حديدا لامتناعه به، أو لامتناعه على من يحاوله، و «العصب» برود يمنية يعصب غزلها، أي يجمع ويشد، ثم يصبغ بعد ذلك وتنسج، فيأتي موشيا لبقا، ما عصب منه أبيض، لم يأخذه الصبغ، هذا تفسير المنذري، والقاضي من أصحابنا وغيرهما، ولهذا أباح القاضي ما صبغ غزله مطلقا، وقال أبو محمد - تبعا للسهيلي - إنه نبت يصبغ به لا ينبت إلا باليمن، ومن ثم اختار أبو محمد تحريم ما صبغ غزله ثم نسج للتحسين، نظرا للمعنى، (والنبذة) القطعة من الشي (والقسط) العود الذي يتبخر به، وقيل هو طيب غيره، ويقال بالقاف والكاف (والأظفار) جنس من الطيب، لا واحد له من لفظه، وقيل واحدة ظفر، وروي:«قسط وأظفار» على العطف، وروي: أو أظفار، على الإباحة والتسوية، ورخص في ذلك لأجل قطع الرائحة الكريهة، لا على معنى التطيب (والممشقة) من الثياب المصبوغة بالمشق، بكسر الميم وفتحها، وهو المغرة بفتح الميم (وكحل الجلا) هو الإثمد،