المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ كفارة الظهار - شرح الزركشي على مختصر الخرقي - جـ ٥

[الزركشي الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌[كتاب النكاح]

- ‌[اشتراط الولي في النكاح]

- ‌[اشتراط الشهود في النكاح]

- ‌[أحق الناس بنكاح المرأة الحرة]

- ‌[تولي طرفي العقد في النكاح]

- ‌[ولاية الكافر عقد نكاح المسلمة]

- ‌[ولاية المسلم عقد نكاح الكافرة]

- ‌[الأولى بزواج المرأة عند غياب الولي]

- ‌[اشتراط الكفاءة في النكاح]

- ‌[إذن الثيب والبكر في النكاح]

- ‌[الحكم لو زوج ابنته بدون صداق مثلها]

- ‌[الحكم لو زوج الوليان المرأة من رجلين]

- ‌[الحكم لو تزوج الأمة على أنها حرة فأصابها وولدت منه]

- ‌[عتق الزوجة مقابل المهر]

- ‌[صيغة الإيجاب والقبول في النكاح]

- ‌[الجمع بين أربع نسوة]

- ‌[حكم الشروط في عقد النكاح]

- ‌[حكم النظر للمخطوبة]

- ‌[باب ما يحرم نكاحه والجمع بينه وغير ذلك]

- ‌[المحرمات بالأسباب]

- ‌[يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب]

- ‌[لبن الفحل محرم]

- ‌[الجمع بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها]

- ‌[حرمة زوجة الأب على الابن وزوجة الابن على الأب بالعقد]

- ‌[وطء الحرام محرم]

- ‌[حكم من تزوج أختين من النسب أو الرضاع في عقد أو عقدين]

- ‌[حرائر أهل الكتاب وذبائحهم]

- ‌[زواج المسلم من الأمة الكتابية]

- ‌[زواج الحر المسلم بالأمة المسلمة]

- ‌[حكم الخطبة على الخطبة]

- ‌[خطبة المرأة المعتدة]

- ‌[باب نكاح أهل الشرك وغيره]

- ‌[حكم إسلام الوثني وقد تزوج بأربع وثنيات]

- ‌[حكم من أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة]

- ‌[حكم من أسلم وتحته أختان]

- ‌[الحكم لو أسلم العبد وتحته زوجتان]

- ‌[نكاح الشغار]

- ‌[نكاح المتعة]

- ‌[نكاح التحليل]

- ‌[نكاح المحرم]

- ‌[العيوب التي توجب الخيار في النكاح]

- ‌[تخيير العبد والأمة المزوجين حال الرق]

- ‌[باب أجل العنين والخصي غير المجبوب]

- ‌[نكاح الخنثى المشكل]

- ‌[ما يحصل به الإحصان الذي يجب به الرجم]

- ‌[مقدار الصداق وما يشترط فيه]

- ‌[حكم الاختلاف في مقدار الصداق]

- ‌[الحكم لو تزوجها بغير صداق]

- ‌[ما يترتب على خلوة الزوجين بعد العقد]

- ‌[العفو عن الصداق أو الإبراء منه]

- ‌[الحكم لو تزوجها على صداقين سرا وعلانية]

- ‌[حكم نماء المهر والتصرف فيه]

- ‌[باب الوليمة]

- ‌[النثار في العرس]

- ‌[باب عشرة النساء والخلع]

- ‌[القسم بين الزوجات]

- ‌[النشوز بين الزوجين]

- ‌[مشروعية الخلع]

- ‌[الخلع طلاق أم فسخ]

- ‌[الخلع على غير عوض]

- ‌[كتاب الطلاق]

- ‌[طلاق السنة والبدعة]

- ‌[طلاق السكران]

- ‌[طلاق الصبي]

- ‌[طلاق المكره]

- ‌[باب صريح الطلاق وغيره]

- ‌[الحكم لو وهب زوجته لأهلها]

- ‌[التوكيل في الطلاق]

- ‌[الحكم لو طلقها بلسانه واستثنى بقلبه]

- ‌[الطلاق المضاف لوقت]

- ‌[تعليق الطلاق على الطلاق]

- ‌[حكم من طلق واحدة وهو ينوي ثلاثا]

- ‌[باب الطلاق بالحساب]

- ‌[الشك في الطلاق]

- ‌[الحكم لو طلق إحدى زوجاته ولم ينو واحدة بعينها]

- ‌[هدم الطلاق]

- ‌[باب الرجعة]

- ‌[ما تحصل به الرجعة]

- ‌[الخلاف بين الزوجين في الرجعة]

- ‌[كتاب الإيلاء]

- ‌[ألفاظ الإيلاء]

- ‌[مدة الإيلاء]

- ‌[معنى الفيئة في الإيلاء]

- ‌[كتاب الظهار]

- ‌[قول الرجل لزوجته أنت علي كظهر أمي]

- ‌[موت المظاهر أو الزوجة قبل التكفير]

- ‌[الظهار من الأجنبية]

- ‌[ظاهر من زوجته وهي أمة فلم يكفر حتى ملكها]

- ‌[ظاهر من أربع نسائه بكلمة واحدة]

- ‌ كفارة الظهار

- ‌[كفارة العبد في الظهار]

- ‌[حكم الوطء قبل الكفارة في الظهار]

- ‌[حكم ظهار المرأة من زوجها]

- ‌[تكرر الكفارة بتكرار الظهار]

- ‌[كتاب اللعان]

- ‌[تحريم الملاعنة على الملاعن على التأبيد]

- ‌[تكذيب الملاعن نفسه]

- ‌[ما يترتب على اللعان]

- ‌[اللعان الذي يبرأ به من الحد]

- ‌[كتاب العدد]

- ‌[وجوب العدة على المخلو بها]

- ‌[انقضاء العدة بانقضاء الثلاثة قروء]

- ‌[عدة الآيسات واللائي لم يحضن]

- ‌[عدة الأمة]

- ‌[الحمل الذي تنقضي به العدة]

- ‌[عدة أم الولد]

- ‌[إحداد الزوجة المتوفى عنها زوجها]

- ‌[إحداد المرأة المطلقة ثلاثا]

- ‌[كتاب الرضاع]

- ‌[شروط الرضاع المحرم]

- ‌[ثبوت التحريم بلبن الميتة]

- ‌[الإقرار بالرضاع قبل الدخول أو بعده]

الفصل: ‌ كفارة الظهار

على ذلك، وحكى أبو البركات رواية أخرى أن عليه لكل واحدة كفارة. لأنه قد وجد الظهار والعود فيها، فأشبه ما لو أفردها.

ومفهوم كلام الخرقي أنه لو تظاهر منهن بكلمات كان عليه لكل واحدة كفارة، وهو إحدى الروايات، واختيار ابن حامد، والقاضي وأبي محمد وغيرهم، لأنها أيمان لا يحنث في أحدها بالحنث في الأخرى، فلا تكفرها كفارة واحدة، كما لو كفر ثم ظاهر، (والرواية الثانية) - وهي اختيار أبي بكر - عليه كفارة واحدة.

2761 -

قال أبو بكر: اتباعا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، لأن‌

‌ كفارة الظهار

حق لله تعالى، فلم تتكرر بتكرر سببها كالحد (والرواية الثالثة) إن كان في مجالس فكفارات، وإن كان في مجلس واحد فكفارة واحدة، نقلها الفضل بن زياد، والله أعلم.

[كفارة الظهار]

قال: والكفارة عتق رقبة.

ش: لا نزاع في هذا، وقد شهد له الكتاب العزيز قال سبحانه:{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] أي فالواجب تحرير رقبة، أو فعليه تحرير رقبة، والله أعلم.

ص: 491

قال: مؤمنة.

ش: هذا إحدى الروايتين عن أحمد، واختيار جمهور أصحابه، الخرقي، والقاضي، والشريف، وأبي الخطاب، والشيرازي وأبي محمد وغيرهم، حملا للمطلق في آية الظهار، على المقيد في كفارة القتل، لاتحاد الحكم.

2762 -

ولما روى «معاوية بن الحكم رضي الله عنه قال: كانت لي جارية فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: علي رقبة أفأعتقها؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أين الله؟» قالت: في السماء. فقال: «من أنا» فقالت: أنت رسول الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أعتقها فإنها مؤمنة» رواه مسلم والنسائي، فعلل عتقها عما عليه بأنها مؤمنة (والرواية الثانية) لا يشترط إيمانها، بل تجزئ وإن كانت كافرة، نص عليها في اليهودي والنصراني، واختارها أبو بكر، أخذا بإطلاق الكتاب، وهاتان الروايتان يجريان في كل رقبة واجبة، من نذر أو كفارة، ما عدا كفارة القتل، فإن الإيمان شرط فيها بلا نزاع للنص، والله أعلم.

ص: 492

قال: سالمة من العيوب المضرة بالعمل.

ش: لأنه لحظ فيه تمليك منافعه، وخروجه من حيز العدم، إلى حيز الوجود، ومع الضرر بالعمل لم يحصل ذلك، فعلى هذا لا يجزئ الأعمى، ولا المقعد، ولا مقطوع اليد أو الرجل، أو أشلهما، أو إبهام اليد، أو سبابتها أو الوسطى، أو الخنصر والبنصر من يد واحدة، وقطع أنملة الإبهام كقطع جميعها، بخلاف قطع غيرها من الأنامل، ولو كان الجميع، ولا يجزئ المجنون، ولا المريض غير مرجو البرء، كالسل، بخلاف المرجو البرء، ولا النحيف العاجز عن العمل، ويجزئ الأعرج، والمجدع الأنف والأذن، والمجبوب والخصي، والأعور على أصح الروايتين، وهل يجزئ الأخرس مطلقا، وهو الذي حكاه القاضي في التعليق، وأبو الخطاب عن أحمد، أو لا يجزئ مطلقا، وهو الذي حكاه أبو محمد منصوصا له، أو إن كان به صمم لم يجزئ وإلا أجزأ، وهو اختيار القاضي، وجماعة من أصحابه، وعليه حمل نص أحمد بالإجزاء، أو إن فهمت إشارته أجزأ وإلا فلا، وهو مختار أبي محمد، أو إن انتفى عنه الصمم، وفهمت إشارته أجزأ وإن وجد أحدهما منع، وهو اختيار أبي البركات، على خمسة أقوال، وهذا كله على المعروف من

ص: 493

المذهب، وقد حكى ابن الصيرفي في نوادره رواية بإجزاء الزمن والمقعد، فيخرج في عامة هذه الصور قول بالإجزاء، وتمام الكلام على ذلك له محل آخر، والله أعلم.

قال: فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.

ش: إذا لم يجد رقبة يشتريها، أو وجدها ولم يجد ما يشتريها به، أو وجد ما يشتريها به لكن بزيادة كثيرة، أو مجحفة بماله، أو وجدها ولكن احتاجها لخدمة ونحو ذلك، فالكفارة صيام شهرين متتابعين، لقوله سبحانه:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] والله أعلم.

قال: فإن أفطر فيهما من عذر بنى، وإن أفطر من غير عذر ابتدأ.

ش: الإجماع على وجوب التتابع في الشهرين، لشهادة الكتاب، وقد تقدم ذلك، وكذلك السنة.

2763 -

«فعن خويلة بنت مالك بن ثعلبة رضي الله عنهم قالت: ظاهر مني أوس بن الصامت، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلني فيه ويقول: «اتقي الله فإنه ابن عمك» فما برح حتى نزل القرآن: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1] إلى الفرض، فقال:«يعتق رقبة» فقالت: لا يجد. قال: «فيصوم شهرين متتابعين» قالت: يا رسول الله إنه شيخ

ص: 494

كبير ما به من صيام، قال:«فليطعم ستين مسكينا؟» قالت: ما عنده من شيء يتصدق به؟ قال: «فإني سأعينه بعرق من تمر» قلت: يا رسول الله فإني سأعينه بعرق تمر آخر. قال: «قد أحسنت اذهبي فأطعمي بهما عنه ستين مسكينا، وارجعي إلى ابن عمك» والعرق ستون صاعا» ؛ رواه أبو داود.

إذا تقرر هذا فمعنى التتابع أن يوالي بين صيام أيامهما، ولا يفطر فيهما، ولا يصوم عن غير الكفارة، ولا يشترط نية التتابع، وإنما يشترط فعله، ومتى أفطر فيهما من غير عذر ابتدأ، لإخلاله بالشرط وهو التتابع، وكذلك إن صام عن نذر أو قضاء، أو كفارة أخرى لذلك، فلو كان النذر أياما من كل شهر كأيام البيض، أو يوم الخميس قدم الكفارة عليه، وقضى ذلك بعدها، إذ لو وفى بنذره لانقطع التتابع، لا يقال: هذا

ص: 495

الزمن المنذور متعين للصوم، فلا يقطع التتابع كصوم رمضان، لأنا نقول: الزمان لا يتعين، بدليل صحة صوم آخر فيه، بخلاف زمن رمضان، وإن أفطر لعذر فلا يخلو إما أن يكون موجبا أو مبيحا، فإن كان موجبا كالفطر للحيض والمرض المخوف، أو فطر الحامل والمرضع لخوفهما على أنفسهما، أو لكونه يوم عيد، ونحو ذلك لم ينقطع التتابع، لأنه مضطر إلى ذلك، ولا صنع له فيه، أشبه إذا كان الفطر للحيض، ودليل الأصل الإجماع، وإن كان العذر مبيحا - كالسفر، والمرض غير المخوف - فثلاثة أوجه (أحدها) - وهو ظاهر كلام الخرقي، وإليه ميل أبي محمد - لا يقطع، لأنه عذر أباح له الفطر، أشبه ما لو أوجبه (والثاني) يقطع، لأن له مندوحة عنه، أشبه ما لو أفطر بغير عذر (والثالث) - وهو اختيار القاضي، وجماعة من أصحابه - يقطع السفر لأن إنشاءه باختياره ولا يقطع المرض، لأن حصوله بغير اختياره، وهو ظاهر كلام أحمد، بل زعم القاضي أنه منصوصه.

وقد دخل في كلام الخرقي إذا أفطرت الحامل والمرضع لخوفهما على ولديهما، وهو أحد الوجهين، واختيار أبي الخطاب، وأبي محمد، ودخل أيضا من أفطر لجنون أو إغماء، ولا نزاع في ذلك، وكذلك من أفطر لإكراه أو نسيان، كمن وطئ كذلك، أو خطأ كمن أكل يظنه ليلا فبان نهارا، وهو

ص: 496

أحد الوجهين أيضا، وقطع به أبو البركات، نعم قد يستثنى منه كلامه من أكل ناسيا لوجوب التتابع أو جاهلا به، أو ظنا منه أنه قد أتم الشهرين، فإن تتابعه قد ينقطع، قاله أبو محمد.

قال: فإن أصابها في ليالي الصوم أفسد ما مضى من صومه، وابتدأ الشهرين.

ش: هذا إحدى الروايتين عن أحمد، واختيار أصحابه، الخرقي، والقاضي، وأصحابه كالشريف، وأبي الخطاب، والشيرازي، وابن البنا، وابن عقيل وغيرهم، والشيخين، لقول الله تعالى:{فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] أوجب سبحانه صوم الشهرين بشرطين (أحدهما) تقديم الشهرين على المسيس (والثاني) إخلاؤهما عن المسيس، فإذا وطئ في خلالهما فقد فات أحد الشرطين وهو تقديمهما عليه، وبقي الشرط الآخر يمكنه أن يأتي به فيستأنف الصوم، فيخلو الشهران عن المسيس فوجب ذلك، كمن أمر بشيئين فعجز عن أحدهما وقدر على الآخر، يسقط ما عجز عنه، ويلزمه ما قدر عليه (والرواية الثانية) لا ينقطع التتابع بذلك، لأنه وطء لم يصادف محل الصوم، أشبه ما لو وطئ غير التي ظاهر منها، ولأن التتابع في الصيام عبارة عن اتباع صوم يوم بالذي قلبه، وهذا متحقق وإن وطئ ليلا، وكذلك الروايتان إذا وطئها نهارا ناسيا، قاله غير واحد، وخرجهما أبو محمد فيما إذا وطئها وقد أبيح له الفطر لمرض ونحوه.

ص: 497

واعلم أن ظاهر كلام أبي محمد في المقنع أن شرط عدم انقطاع التتابع فيما إذا وطئ ليلا أن يطأ ناسيا، وهو غفلة منه، فلا يعتبر بذلك.

(تنبيه) أخذت الرواية الأولى من قول أحمد في رواية ابن منصور: إذا تظاهر فأخذ في الصوم فجامع يستقبل؛ وأخذت الثانية من قوله في رواية الأثرم - وسئل عن المظاهر إذا صام بعض صيامه، ثم جامع قبل أن يتمه، كيف يصنع؟ قال: يتم صومه. والروايتان مطلقتان كما ترى، ولكن الأصحاب حملوهما على ما تقدم والله أعلم.

قال: فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا.

ش: إذا لم يستطع صوم الشهرين على الصفة الواجبة فكفارته إطعام ستين مسكينا بالإجماع، وقد شهد لذلك ما تقدم من الكتاب والسنة، وسواء عدم الاستطاعة (لكبر) كما تقدم في قصة أوس بن الصامت، (أو شبق) .

2764 -

لما «روى سلمة بن صخر رضي الله عنهما قال: كنت امرءا قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري، فلما دخل رمضان

ص: 498

ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان، فرقا من أن أصيب في ليلتي شيئا فأتتابع في ذلك إلى أن يدركني النهار وأنا لا أقدر على أن أنزع؛ فبينما هي تخدمني من الليل إذ انكشف لي منها شيء فوثبت عليها، فلما أصبحت غدوت على قومي، فأخبرتهم خبري، وقلت لهم: انطلقوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بأمري؛ فقالوا: والله لا نفعل، نتخوف أن ينزل فينا قرآن، أو يقول فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالة يبقى علينا عارها، ولكن اذهب أنت واصنع ما بدا لك؛ فخرجت حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبري، فقال لي:«أنت بذاك؟» فقلت: أنا بذاك. فقال: «أنت بذاك؟» فقلت: نعم، ها أنا ذا فأمض في حكم الله، فأنا صابر له. قال:«أعتق رقبة» فضربت صفحة رقبتي بيدي وقلت: لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها، قال:«فصم شهرين متتابعين» قلت: يا رسول الله وهل أصابني ما أصابني إلا في الصوم؟ قال: «فتصدق» قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا وحشا ما لنا عشاء. قال: «اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق، فقل له فليدفعها إليك، فأطعم عنك منها وسقا من تمر ستين مسكينا، ثم استعن بسائرها عليك وعلى عيالك» فرجعت إلى قومي فقلت لهم: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي، ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم السعة والبركة، وقد أمر لي بصدقتكم فادفعوها إلي؛ قال: فدفعوها إلي» . رواه الإمام أحمد وأبو داود، والترمذي وحسنه، انتهى،

ص: 499

(أو مرض) وإن رجي زواله، لدخوله تحت الآية الكريمة، لا لسفر، ومقتضى كلام الخرقي أنه لا بد من تعدد المساكين، وتأتي هذه المسألة إن شاء الله تعالى في كتاب الكفارات.

(تنبيه) : فرقا. أي خوفا، والله أعلم.

قال: مسلما.

ش: من شرط المسكين المدفوع إليه في الكفارة أن يكون مسلما، على المنصوص والمختار للأصحاب، فلا يجوز الدفع لذمي، لأنه كافر، فلم يجز الدفع إليه كالحربي والمستأمن، إذ هو مال يجب دفعه إلى الفقير بالشرع، فلا يدفع إلى أهل الذمة كالزكاة، وحكى الخلال في جامعه رواية بالجواز، قال القاضي: ولعله بنى ذلك على جواز عتق الذمي في الكفارة، وذلك لأنه مسكين، فدخل تحت:{فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] .

(تنبيه) بحث الأصحاب وكلامهم يقتضي أن الخلاف في الذمي، وأنه لا نزاع أن الحربي لا يدفع إليه، وكذلك نص أحمد في جواز عتق الكافر إنما هو في اليهودي والنصراني.

ص: 500

قال: حرا.

ش: أي ومن شرط المسكين أن يكون حرا، فلا يجوز دفعها لعبد ولا أم ولد ونحوها، لعدم حاجتهم، لوجوب نفقتهما على سيدهما، وظاهر كلامه أنه لا يجوز دفعها إلى مكاتب، ويأتي ذلك في الكفارات إن شاء الله تعالى، ويدخل في كلام الخرقي في المسكين الفقير، لأنه مسكين وزيادة، وكذلك الغارم لإصلاح نفسه، لأنه محتاج. والله أعلم.

قال: لكل مسكين مد من حنطة، أو نصف صاع من تمر أو شعير.

2765 -

ش: أما كونه مدا من حنطة فلما روى الإمام أحمد قال: حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب، عن أبي يزيد المدني، قال:«جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمظاهر: «أطعم هذا، فإن مدي شعير مكان مد بر» » .

2766 -

وعلى هذا يحمل ما روي عن أبي سلمة، «عن سلمة بن صخر، أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه مكتلا فيه خمسة عشر صاعا، فقال: «أطعمه ستين مسكينا وذلك لكل مسكين مد» رواه الدارقطني، وللترمذي معناه.

ص: 501

2767 -

ثم هذا قول زيد وابن عباس، وابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم، وأما كونه نصف صاع تمر أو شعير فلما تقدم من أن مدي شعير مكان مد بر.

2768 -

وفي أبي داود قال: وذكر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال - يعني العرق - زنبيلا يأخذ خمسة عشر صاعا؛ وإذا العرقان ثلاثون صاعا، فيكون لكل مسكين نصف صاع تمر، انتهى، والخرقي رحمه الله اقتصر على البر والشعير والتمر، وقال غيره يجزئ هنا ما يجزئ في الفطرة فإن كان قوت بلده غير ذلك كالأرز والذرة، فهل يجزئه، وهو اختيار أبي الخطاب، وأبي محمد، أو لا يجزئه، وهو اختيار القاضي؟ فيه قولان، وكذلك القولان في إجزاء الخبز، إلا أن القاضي وأصحابه هنا وافقوا على الإجزاء.

(تنبيه) المكتل الزنبيل، وقيل القفة، وهما بمعنى واحد، وقيل القفة العظيمة، والعرق قد فسره أبو سلمة بن عبد الرحمن، بأنه يسع خمسة عشر صاعا، وفي حديث خويلة قالت: والعرق ستون صاعا. وفي رواية: العرق مكتل يسع ثلاثين صاعا؛ قال

ص: 502