المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل) في مواقيت الصلاة - شرح المقدمة الحضرمية المسمى بشرى الكريم بشرح مسائل التعليم

[سعيد باعشن]

فهرس الكتاب

- ‌(فصل) في الاجتهاد

- ‌(فصل) في سنن الوضوء

- ‌(فصل) في شروط الوضوء

- ‌(فصل) في المسح على الخفين

- ‌(فصل) في الاستنجاء

- ‌(فصل) في موجبات الغسل

- ‌(باب النجاسة وإزالتها)

- ‌(فصل) في إزالة النجاسة

- ‌(باب التيمم)

- ‌(فصل) في الحيض

- ‌(باب الصلاة)

- ‌(فصل) في مواقيت الصلاة

- ‌(فصل) في الصلاة المحرمة من حيث الوقت

- ‌(فصل) في الأذان والإقامة

- ‌(باب صفة الصلاة)

- ‌(فصل: في سنن الصلاة)

- ‌(فصل): في شروط الصلاة

- ‌(فصل): في مكروهات الصلاة

- ‌(فصل:) في سجود السهو

- ‌(فصل): في صلاة النفل

- ‌(فصل): في شروط الإمام

- ‌(فصل): في صفات الأئمة المستحبة

- ‌(فصل): في بعض سنن الجماعة

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌(فصل) فيما يتحقق، وينتهي به السفر، وبعض شروط القصر

- ‌(فصل) في بقية (شروط القصر)

- ‌(فصل) في الجمع بين الصلاتين بالسفر والمطر

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌(فصل): في بعض سنن الخطبة والجمعة

- ‌(فصل): في سنن الجمعة

- ‌(فصل) في اللباس

- ‌(باب صلاة العيدين)

- ‌(فصل) في توابع ما مر

- ‌(باب صلاة الكسوف)

- ‌(باب صلاة الاستسقاء)

- ‌(فصل) في توابع ما مر:

- ‌(فصل) في حكم تارك الصلاة

- ‌(باب الجنائز)

- ‌(فصل) في غسل الميت وما يتعلق به

- ‌(فصل) في أركان الصلاة على الميت

- ‌(فصل:) في الدفن وما يتعلق به

- ‌(باب الزكاة)

- ‌(فصل) في زكاة الغنم

- ‌(فصل) في بعض ما يتعلق بما مر

- ‌(باب زكاة النبات)

- ‌(فصل) في واجب ما ذكر وما يتبعه

- ‌(باب زكاة النقد)

- ‌(فصل) في زكاة التجارة

- ‌(فصل) في زكاة الفطر

- ‌(فصل) في النية في الزكاة وتعجيلها

- ‌(فصل) في صدقة التطوع

- ‌(كتاب الصوم)

- ‌(فصل) فيما يبيح الفطر

- ‌(فصل) في سنن الصوم

- ‌(فصل) في بيان كفارة جماع رمضان

- ‌(كتاب الاعتكاف)

- ‌(باب الحج)

- ‌(فصل) في المواقيت

- ‌(فصل) في أركان الحج

- ‌(فصل) في سنن تتعلق بالإحرام

- ‌(فصل) في واجبات السعي وبعض سننه

- ‌(فصل) في الوقوف بعرفة وما يذكر معه

- ‌(فصل) في الحلق

- ‌(فصل:للحج تحللان)

- ‌(فصل) في أوجه أداء النسكين

- ‌(فصل) في دم الترتيب والتقدير

- ‌(فصل) في محرمات الإحرام

- ‌(فصل) في الإحصار والفوات وما يذكر معهما

- ‌(باب الأضحية)

- ‌(فصل) في العقيقة

- ‌(فصل) في محرمات تتعلق بالشعر ونحوه

- ‌خاتمة

الفصل: ‌(فصل) في مواقيت الصلاة

(ولو) طرأ مانع، كأن (جن أو حاضت أو أغمى عليه أول الوقت) أو أثناءه، واستغرق المانع باقيه ( .. وجب) بعد زوال المانع (القضاء) لصلاة ذلك الوقت (إن مضى) منه (قدر الفرض مع الطهر) له (إن لم يمكن تقديمه) كتيمم وطهر سلس؛ لأنه أدرك من وقتها ما يمكن فعلها فيه، فلا يسقط بما طرأ، بخلاف طهر يمكن تقديمه، فلا يشترط اتساع ما أدركه من الوقت إلا للفرض؛ لأنه يمكن تقديمه، وقد عهد التكليف بالمقدمة قبل الوقت، كالسعي إلى الجمعة قبل وقت الجمعة على بعيد الدار، وإنما لم يؤثر هنا إدراك ما لا يسع الفرض؛ بخلاف نظيره آخر الوقت -كما مر؛ لإمكان البناء على ما فعله فيه بعد خروجه، بخلافه هنا، ولا تجب الثانية هنا وإن اتسع لها وقت الخلو من زمن الأولى، بخلاف عكسه السابق؛ لأن وقت الأولى لا يصلح للثانية إلا إذا صلاهما جمعاً، بخلاف العكس، كأن أدرك ركعة من الظهر في وقتها، وباقيها في وقت العصر، فتقع أداءً مع أن غالبها في وقت العصر، ويجب مع قضاء ذات الوقت المذكورة قضاء فرض قبلها إن صلح جمعه معها، ومضى من الوقت قدرهما بأخف ممكن من فعل نفسه، وقدر طهر لهما إن لم يمكن تقديمه، وصورة ذلك أن يستغرق وقت الأولى مانع، فيزول ويطرأ مانع آخر في وقت الثانية بعد مضي زمن يسعهما مع طهر لم يمكن تقديمه، كما يقع في ذي جنون تقطع.

* * *

(فصل) في مواقيت الصلاة

، والأصل فيها: خبر جبريل المشهور.

(أول وقت الظهر) وهو لغة: ما بعد الزوال. واصطلاحاً: اسم للصلاة المفعولة حينئذٍ، سميت بذلك؛ لأنها أوّل صلاة ظهرت، أو لفعلها وقت الظهيرة، أي: شدة الحر وتسمى الأولى أيضاً، وصلاة الهجيرة عقب (زوال الشمس) إجماعاً.

و (الزوال): ميل الشمس عن وسط السماء المسمى بلوغها إليه بالاستواء باعتبار ما يظهر لنا، وإلا .. فالزوال يتحقق قبل ذلك، لكن لا حكم له حتى لو وافق التحرم أول ميلها في نفس الأمر، وقبل ظهوره لنا .. لم يصح، وكذا باقي الصلوات؛ إذ التكاليف لا ترتبط إلا بما دخل تحت الحس.

ص: 171

(وآخره مصير ظل كل شيء مثله غير ظل) الشمس الموجود عند (الاستواء) في غالب البلاد، وقد ينعدم في بعضها كمكة وصنعاء في بعض الأيام، قال في "العباب":(وهو يوم واحد، وهو أطول أيام السنة) وقال الشرقاوي: (ينعدم في أربعة وعشرين يوماً قبل أطول أيام السنة، وبعده كذلك).

والظل لغة: الستر، واصطلاحاً: أمر وجودي يخلقه الله لنفع البدن وغيره، تدل عليه الشمس في الدنيا، أمّا الآخرة .. فلا شمس فيها، والفيء أخص منه؛ لأنه الظل بعد الزوال.

والشمس في السماء الرابعة، وقيل: في السادسة، وهي أفضل من القمر؛ لكثرة نفعها، وما ذكر هو الوقت الكلي للظهر (ولها) كغيرها أوقات أخر غير الوقت الكلي من حيث التسمية، وإلا .. فهي أجزاء للوقت الكلي، ومجموع تلك الأوقات سبعة تجري كلها في جميع الصلوات إلا الصبح فليس له وقت عذر، وإلا الظهر فليس له وقت كراهة، فالظهر لها ستة أوقات، وهي:

(وقت فضيلة) وسيأتي بيانه (أوله ثمّ) بعده وقت (اختيار) لكن قال الكردي: (المعتمد أن لها ستة أوقات ترجع لخمسة، وقت فضيلة أوله، ووقت جواز إلى ما يسع كلها وهو وقت الاختيار، ووقت حرمة وهو القدر الذي لا يسع كلها بأخف ممكن من فعل نفسه، وضرورة وهو ما تقدم، وعذر وهو وقت العصر لمن يجمع) اهـ

فالراجح أنه من أوله ويمتد (إلى آخره)، وقال الشرقاوي:(المعتمد أن الاختيار والفضيلة والجواز تشترك في أول الوقت، فإذا مضى قدر الفضيلة .. خرج وقتها، وبقي وقت الاختيار إلى نصف الوقت تقريباً، فيخرج ويبقى وقت الجواز، فتشترك الثلاثة مبدأً لا غاية إلا المغرب .. فتشترك مبدأ وغاية) اهـ

(وأول وقت العصر) وهو لغة: الدهر، واصطلاحاً: الصلاة المخصوصة، ولها أسماء أخر: صلاة البرد والوسطى.

وهي أفضل الصلوات بعد الجمعة كما يأتي في صلاة الجماعة.

وسميت بذلك؛ لمعاصرتها، أي: مقارنتها وقت الغروب (إذا خرج وقت الظهر) وهو: مصير ظل كل شيء مثله (وزاد قليلاً) على ظل الاستواء؛ إذ المصير من وقت

ص: 172

الظهر، بأدنى زيادة عليه تظهر لنا -لا في الواقع فقط- يدخل وقت العصر؛ لخبر مسلم:"وقت الظهر ما لم يحضر العصر" وليست هذه الزيادة فاصلة بين الوقتين، بل من العصر، لكن لا يكاد يُعرف وقته إلا بمضيها، ويبقى إلى الغروب وإن تأخر عن وقته المعتاد كرامة.

(ولها أربعة أوقات) بل سبعة: وقت (فضيلة أوله، واختيار إلى مصير الظل مثلين) غير ظل الاستواء. قال الكردي: (وتقدم في الظهر أن وقت الاختيار هو وقت الجواز، وهما هنا متغايران -وسيأتي في المغرب اتحاد وقت الفضيلة والاختيار ابتداءً وانتهاءً فيها- وفي غيره متغايران، فتلخص أن للاختيار ثلاثة إطلاقات وإن قال في "التحفة": إطلاقان) اهـ

(ثم) بعدهما وقت (جواز) بلا كراهة (إلى الاصفرار، ثم كراهة إلى آخره) أي: بقاء ما لا يسعها، ثم حرمة وعذر وضرورة.

(وأول وقت المغرب: الغروب) لجميع قرص الشمس.

والغروب لغة: البعد، والمغرب: وقت الغروب.

واصطلاحاً: الصلاة المخصوصة بعد غروب جميع الشمس، وتسمى أيضاً صلاة الشاهد -وسيأتي في الصيام ما له تعلق بالغروب- ويعرف بزوال الشمس من رؤوس الجبال، وبرؤية الظلام من جهة المشرق، بخلاف الصبح فيخرج بطلوع بعضها.

(ويبقى حتى يغيب الشفق) في القديم؛ للأحاديث الصحيحة الصريحة فيه، منها: خبر مسلم: "وقت المغرب مالم يغب الشفق" والشفق هو الحمرة، فقوله:(الأحمر) صفة مؤكدة كعشرة كاملة، وإطلاقه على الأصفر والأبيض مجاز، وقدر المؤقتون مغيبه لعشرين درجة من المغيب، ولو تقدم مغيبه عن ذلك وتأخر .. قال الشرقاوي: اعتمد مشايخنا ما وقتوه، و (ب ج): المعتمد أن العبرة بمغيبه.

ولها وقت فضيلة أوله وهو أيضاً وقت الاختيار والجواز، ثم وقت الكراهة، ثم

ص: 173

الحرمة، وأمَّا العذر .. وقت العشاء لمن يجمع.

(وهو) أي: غيبوبة الشفق الأحمر (أول وقت العشاء) -بكسر العين والمد- لغة: اسم لأوّل الظلام سميت به الصلاة المخصوصة؛ لفعلها فيه.

ويسن تأخيرها إلى مغيب الشفق الأصفر والأبيض خروجاً من الخلاف.

(ولها ثلاث أوقات) بل سبعة (وقت فضيلة أوله ثم) بعد وقت الفضيلة -على ما مر من الخلاف- وقت (اختيار إلى ثلث الليل) الأول (ثم) بعدهما وقت (جواز) بلا كراهة إلى الفجر الكاذب، ثم بكراهة إلى بقاء ما لا يسعها، ثم حرمة (إلى الفجر الصادق) ولها وقت عذر وضرورة.

(وهو) أي: الفجر الصادق (المنتشر ضؤوه) من جهة المشرق فقط (معترضاً بالأفق) أي: نواحي السماء، وقبله يطلع الكاذب مستطيلاً أعلاه أضواء من باقيه، ثم تعقبه ظلمة، ثم يطلع الصادق مستطيراً وبينهما خمس درج، وقد يتصل بالصادق، وكلاهما بياض شعاع الشمس عند قربها من الأفق الشرقي.

(وهو) أي: الفجر الصادق (أول وقت الصبح) -بضم الصاد، وحكي كسرها- أول النهار لغة، واصطلاحا: الصلاة المخصوصة؛ لخبر مسلم: "وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس" سميت بذلك؛ لفعلها فيه، وتسمى أيضاً الفجر والبرد، والوسطى على قول.

(ولها أربعة أوقات) بل ستة (فضيلة أوله، ثم اختيار إلى الإسفار) أي: الإضاءة بحيث يميز الناظرُ القريبَ منه؛ لأن جبريل صلاها ثاني يوم كذلك (ثم جواز إلى الحمرة، ثم كراهة) إلى أن يبقى من وقتها ما لا يسعها، ثم حرمة، ولها وقت ضرورة لاعذر.

وهي نهارية شرعاً، وليلية حقيقة، ولذا طلب الجهر فيها، وهي عند الشافعي الصلاة الوسطى، لكن صحت الأحاديث أنها العصر، ومذهبه اتباع الحديث.

ص: 174

(ويكره تسمية المغرب عشاء، والعشاء عتمة)؛ للنهي عن ذلك (ويكره)؛ لخوف الفوات (النوم قبلها) بعد دخول وقتها، ولو وقت المغرب لمن يجمع، كأن ينام بعد المغرب قليلاً لا يمنع الجمع؛ ولأنه عليه الصلاة والسلام (كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها)، قال ابن صلاح: والكراهة تعم سائر الصلوات، ومحل جوازه حيث غلبه بحيث صار لا يميز، ولم يمكنه دفعه وحينئذٍ فلا كراهة حيث كان عازماً على الفعل، أو غلب على ظنه تيقظه، وقد بقي من الوقت ما يسعها، وإلَاّ .. حرم بخلاف النوم قبلها، فلا يكره، بل لو قصد به حينئذٍ عدم فعلها في الوقت .. لم يحرم على المعتمد؛ لأنه غير مخاطب بها حينئذٍ. (و) يكره (الحديث) وسائر الصنائع (بعدها) ولو مجموعة تقديماً، لكن استوجه (حج)، و (م ر) عدم كراهته إلابعد دخول وقتها، فيكره خوف فوات صلاة الليل، وأول وقت الصبح، وليختم عمله بأفضل الأعمال.

أما قبلها: فإن فوت وقت الاختيار .. كان خلاف الأولى، ولا يكره وإن خيف منه ما مر؛ إذ الخوف على ذلك بعد فعلها أكثر (إلا في خير)، كقراءة ومطالعة علم وإيناس نحو أهل أو ضيف ولو فسقه.

نعم؛ لو قصد إناسهم لفسقهم .. حرم، وكتكلم بما دعت حاجته إليه كحساب، فلا كراهة في ذلك؛ لأن ذلك خير ناجز، فلا يترك لمفسدة متوهمة؛ لخبر عمران بن الحصين:(كان صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه عامة الليل)، ولما كانت الصلاة أفضل موضوع، وكان أفضلها فعلها أول وقتها المسمى بوقت الفضيلة .. أشار لذلك بقوله:

(وأفضل الأعمال) البدنية بعد النطق بالشهادتين المدخول في الإسلام بهما (الصلاة) ففرضها أفضل الفروض، ونفلها أفضل النوافل؛ لخبر أبي داوود:"استقيموا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة"، ولخبر:"الصلاة خيرٌ موضوعٌ"، أما القلبية .. فأفضل من البدنية، وأفضلها معرفة الله، ثم العلم بالواجبات العينية.

وأفضل أحوال الصلاة -من حيث الوقت مع عدم العذر- أن تقع (أول الوقت) يقيناً ولو عشاء؛ لأنه من المحافظة عليها المأمور بها في آية (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ)[البقرة:238]؛ وللخبر الصحيح: "أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة لأول وقتها" وخبر: "أسفروا

ص: 175

بالفجر، فإنه أعظم للأجر". وخبر:(كان يستحب أن يؤخر العشاء) معارَض؛ بأن تعجيلها هو الذي واظب عليه صلى الله عليه وسلم، ولأن المراد بالإسفار ظهوره يقيناً، لكن الأقوى دليلاً تأخير العشاء إلى ثلث الليل، وروى ابن عمر مرفوعاً:"الصلاة في أول وقتها رضوان الله، وفي آخره عفو الله". والعفو إنما يكون للمقصرين.

(ويحصل ذلك) الفضل الذي سببه التعجيل (بأن يشتغل بأسباب الصلاة) كطهر، وستر، وأذان (حين دخل الوقت) أي: عقب دخوله، فلا يشترط لذلك تقدمها عليه وإن كان هو الأفضل، ولا العجلة على خلاف العادة، بل لو أخر متطهر بقدرها .. لم تفته فضيلته، ولا يضر التأخير لعذر كأكل خفيف أو كثير يؤثر فقده في الخشوع، وتقديم راتبة وغير ذلك من كل كمال اقترن بالتأخير دون التقديم، فالتأخير -حينئذٍ لمن أراد الاقتصار على صلاة واحدة- أفضل.

(و) من ذلك أنه (يسن التأخير عن أول الوقت للإبراد بالظهر) دون الجمعة؛ لأن الناس مأمورون بالتبكير إليها، فلا يتأذون بالحر، ولأن تعجيلها فيه مراعاة للمبكرين، وفي التأخير مراعاة لغيرهم، والمبكرون أولى بالمراعاة، وما في الصحيح من (الإبراد بها)؛ بيان للجواز، ودون الأذان، والأمر بالإبراد به محمول على الإقامة، أو لبيان الجواز.

ولندب الإبراد شروط كونه (في الحر) الشديد، وفي وقت الحر، و (بالبلد الحارة) وإن خالفت قطرها، وكونه (لمن يصلي جماعة) و (في موضع بعيد) مسجد أو غيره ولو مع وجود قريب أقل جماعة من البعيد بأن يحصل بالإتيان إليه مشقة تذهب الخشوع أو كماله؛ لكونهم يمشون في الشمس؛ لخبر:"إذا اشتد الحر .. فأبردوا، فإن شدة الحر من فيح جهنم"، دل بفحواه: أنه لابد من الشروط المذكورة، فلا يسن الإبراد في غير شدة الحر ولو بقطر حار، ولا في قطر بارد أو معتدل وإن اتفق فيه شدة الحر؛ إذ الفقهاء لا ينيطون الأحكام بالنادر ولا لمن يصلي منفرداً أو جماعة بمحل لا يتأذون بالحضور إليه.

نعم؛ يسن الإبراد لمنفرد يريد الصلاة بالمسجد، ولمسافرين؛ لشدة مشقة الحر بالبرية، ولمن حضر موضع الجماعة أول الوقت، أو أقام به ينتظر جماعة تبعاً لهم،

ص: 176

والأفضل: أن يصلي أول الوقت منفرداً، ثم وسطه جماعةً (إلى حصول الظل) الذي بقي من الشمس، وغايته نصف الوقت (و) منه أنه يسن التأخير أيضاً (لمن تيقن) وجود الماء، أو (السترة آخر الوقت)؛ لزيادة فضل الصلاة معهما (ولمن تيقن الجماعة آخره) بحيث يبقى منه ما يسعها لذلك (وكذا لو ظنها، ولم يفحش التأخير) عرفاً، ويحتمل ضبطه بنصف الوقت.

وخرج بـ (بالظن): الشك، فلا يندب له التأخير مطلقاً (و) أنه يسن أيضاً (للغيم) ونحوه مما يمنع العلم بدخول الوقت (حتى يتيقن) دخول (الوقت) بنحو رؤية شمس، أو إخبار ثقة (أو يخاف الفوات) للصلاة، ويندب أيضاً لمن يرمي الجمار، ولمسافر وقت الأولى، ولحاج تأخير مغرب مع العشاء إلى مزدلفة، وغيرها ذلك.

(ومن صلى ركعة) بأن فرغ من السجدة الثانية (في الوقت .. فهي) أي: الصلاة كلها (أداء، أو) صلى فيه (دونها .. فقضاء) سواء آخر لعذر، أم لا؛ لخبر الشيخين:"من أدرك ركعة من الصلاة .. فقد أدرك الصلاة" أي: مؤداة، واختصت الركعة بذلك؛ لاشتمالها على معظم أفعال الصلاة؛ إذ ما بعدها تكرير لها، فجعل ما بعد الوقت تابعاً لها بخلاف ما دونها.

(ويحرم تأخيرها) أي المكتوبة والمنذورة لغير عذر (إلى أن يقع بعضها) ولو التسليمة الأولى (خارجة) أي: الوقت وإن وقعت أداء.

قال المدابغي: ولو أدرك آخر الوقت، بحيث لو أدى الفريضة بسنتها فات الوقت، ولو اقتصر على الأركان أدركها فيه .. فالأفضل أن يتم السنن، فالأحوال ثلاثة، تارة يبقي ما يسعها بسننها، فالمد -حينئذٍ- خلاف الأولى، وتارة يبقي ما يسع واجباتها فقط، فالمد مندوب، وتارة يبقي ما لايسع واجباتها، فيحرم.

* * *

ص: 177

(فصل: ومن جهل الوقت) لنحو غيم ولم يمكنه معرفته ( .. أخذ) وجوباً (بخير ثقة) ولو عدل رواية (يخبر عن علم) كمشاهدة، وسماع مؤذن ثقة عارف بالمواقيت، أذّن في صحو ولم يعلم أن أذانه عن اجتهاد، فأذانه حينئذٍ من الإخبار عن علم، سواء سمعه بنفسه، أم أخبره به ثقة، فإن أمكنه معرفة الوقت .. تخير بين الأخذ بخبر الثقة، وتحصيل العلم به بنحو خروجه لنحو شمس، لكن يمتنع الاجتهاد مع الأول دون الثاني؛ لأن فيه مشقة عليه في الجملة، وأما غير الثقة .. فلا يؤخذ بخبره. وإن وقع في القلب صدقة؛ لأن الشارع ألغاه مطلقاً فيما يدخله الاجتهاد؛ لأن الاجتهاد أقوى منه، وكذا خبر ثقة عن اجتهاد، فلا يأخذ به إلا أعمى بصر أو بصيرة؛ إذ المجتهد لا يقلد، فإن فقد المخبر عن علم .. أخذ إما بأذان مؤذنين كثروا يوم الغيم -بحيث يغلب على الظن إصابتهم-، أو بأذان ثقة عارف بالمواقيت في يومه ولم يكن أذان من ذكر عن اجتهاد.

(أو) باجتهاد بنحو (صياح) نحو (ديك مجرب) بإصابة الوقت أو بغيره -مما يأتي- أو حسابه إن كان عارفاً به، ويجوز تقليده عند جمع، لغلبة الظن بجميع ذلك.

(فإن لم يجد) ما ذكر من الإخبار عن علم ( .. اجتهد) وجوباً؛ لتعينه طريقاً (بقراءة أو حرفة) كخياطة أو ورد أو صياح نحو ديك (أو نحو ذلك) من كل ما يظن به دخول الوقت.

وقال الكردي: (الرتب ستة: الأولى: إمكان معرفة يقين الوقت، الثانية: وجود مخبر عن علم، ثالثها: دون الإخبار عن علم، وفوق الاجتهاد، وهي: المناكيب والساعات المجربة، والمؤذن الثقة في الغيم، ورابعها: إمكان الاجتهاد من البصير، خامسها: إمكانه من الأعمى، سادسها: التقليد.

فصاحب الأولى مخير بينها وبين الثانية إن وجدها، وإلا .. فبينها وبين الثالثة إن وجدت، وإلا .. فبينها وبين الرابعة، وصاحب الثانية لا يعدل لما تحتها، وصاحب الثالثة مخير بينها وبين الإجتهاد، وصاحب الرابعة لا يقلد، وصاحب الخامسة مخير بينها وبين التقليد)، وقد أشار المصنف إلى هذه بقوله:

ص: 178

(ويتخير الأعمى) القادر على الاجتهاد (بين تقليد ثقة) عارف (والإجتهاد)؛ نظراً لعجزه في الجملة، وإنما امتنع عليه التقليد في الأواني عند عدم التحير؛ لأن الإجتهاد هنا يستدعي أعمالاً مستغرقة للوقت، ففيه مشقة ظاهرة بخلافه ثم، وعلم من كلامه حرمة الصلاة، وعدم انعقادها مع الشك في دخول الوقت؛ إذ لابد من دخوله يقيناً أو ظناً، وإلا كانت باطلة؛ لأن مبنى العبادة على نفس الأمر وظنّ المكلف، وإذا اجتهد وظن دخول وقت صلاة وصلاها .. (فإن) تبين له مطابقته للواقع .. فذاك، أو أنها وقعت بعد الوقت .. صحت قضاءً، أو لم يتبن له شيء .. مضت صلاته على الصحة ظاهراً، أو (تيقن) وقوع (صلاته قبل الوقت) .. وقعت له نفلاً مطلقاً؛ لعذرة، ولم تقع له عن الصلاة التي نواها؛ لوقوعها بدون شرطها، وهو الوقت و (وجب قضاؤها) إن علم بعد الوقت في الأظهر، فإن علم في الوقت .. وجب إعادتها فيه إتفاقاً.

تنبيه: ظاهر المتن أن صياح الديك في رتبة الإخبار عن علم، وليس كذلك، بل هو مما يجتهد به، كما بينته في "الأصل".

(ويستحب المبادرة بقضاء الفائتة) بعذر كنوم ونسيان لم يتعد بهما؛ تعجيلاً لبراءة الذمة، وللأمر به.

(و) يندب أيضاً ترتيب الفوائت مطلقاً و (تقديمها) إن فاتت بعذر (على الحاضرة التي لا يخاف فوتها وإن خاف فوت الجماعة فيها) أي: الحاضرة على المعتمد خروجاً من خلاف من أوجب الترتيب، ولا يرد أن أحمد يوجب الجماعة عيناً؛ لأنها ليست شرطاً للصحة عنده على الأصح، بخلاف من يوجب الترتيب كالحنفية، فكان رعاية خلافه أولى، وإن كان الترتيب عندنا سنة، والجماعة فرض كفاية.

نعم؛ لو لم يقم الشعار لجماعة الحاضرة .. لم يبعد تقديمها على الفائته؛ لتعين الجماعة عليه أمّا إذا خاف فوت الحاضرة بأن يقع بعضها خارج الوقت عند (حج)، أو بأن لا يدرك في الوقت عند (م ر) .. فتلزمه البداءة بها؛ لتعين الوقت لها، ولئلا تصير قضاءً أيضاً.

(وتجب المبادرة بالفائته إن فاتت بغير عذر)؛ تغليظاً عليه ويجب صرف جميع

ص: 179