الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإنها في مُفْرَداتِ العشر
…
تُعْرَفُ من يوم ابتداءِ الشَّهر
فبالأحدْ والأربعاء التاسعة
…
وجمعةٍ مع الثلاثا السابعةْ
وإن بدا الخميسُ .. فالخامسة
…
وإن بدا بالسبت .. فالثالثةُ
وإن بدا الإثنينُ .. فهي الحادي
…
هذا عن الصوفية الزهادِ
قال الكردي: ورأيت قاعدة أخرى تخالف هذه.
(ويقول) ندباً (فيها: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)؛ لما صح من أمر عائشة بذلك إن وافقتها.
(ويكتمها) ندباً من رآها؛ لأن رؤيتها كرامة، وهي لا ينبغي إظهارها باتفاق أهل الطريق إلا لغرض شرعي.
(ويحييها ويحيي يومها كليلتها) بالعبادة، بإخلاص وبذل وسع.
(ويحرم الوصال في الصوم) فرضاً ونفلاً، وهو صوم يومين فأكثر من غير تناول مفطر بينهما؛ للنهي عنه في الصحيحين وإن لم يكن فيه ضعف.
ومن ثَمَّ لو أكل ناسياً كثيراً قبل الغروب .. حرم عليه الوصال مع انتفاء الضعف.
ولو ترك غير الصائم الأكل أياماً ولم يضره .. لم يحرم، ولا ينتفي إلا بتعاطي ما من شأنه أن يقوي، كسمسة لا نحو جماع.
* * *
(فصل) في بيان كفارة جماع رمضان
.
(تجب الكفارة) الآتية مع القضاء، وكذا التعزير في غير من جاء مستفتياً تائباً، وهذا مستثنى من: أنَّ ما فيه حد أو كفارة لا تعزير فيه.
(على من) أي: واطئ بشبهة أو نكاح أو زناً (أفسد) حقيقة أو حكماً كأن طلع الفجر وهو مجامع فاستدام (صوم يوم) تام (من رمضان) يقيناً على نفسه (بالجماع) وحده الذي يأثم به؛ لأجل الصوم وحده، وهو: صوم رمضان، ولا شبهة (ولو) كان
الجماع (في دبر) رجل أو امرأة، ولو ميتاً (أو بهيمة)؛ لما صح من أمر المجامع في نهار رمضان بالإعتاق.
فإن لم يجد .. فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع .. فإطعام ستين مسكيناً.
(لا على المرأة) الموطوءة، ولا الرجل الموطوء وإن فسد صومهما بالجماع، بأن أولج فيه مع نوم الموطوء، ثم استدامه بعد الاستيقاظ، وإلا .. فيفطر بدخول رأس الذكر قبل تمام الحشفة.
والجماع إنما يتحقق بدخول جميع الحشفة؛ لأنه لم يؤمر بها في الخبر إلا الرجل المجامع مع الحاجة إلى البيان، ولأنها غرم مالي يتعلق بالجماع، فيختص بالرجل الواطئ كالمهر.
ولو علت على رجل .. فلا كفارة عليها؛ إذ لا كفارة على المرأة ولا على الرجل، لعدم الفعل منه.
فإن لم ينزل .. لم يفسد صومه، وإلا .. فسد بالإنزال، كالإنزال بمباشرة.
(ولا على من) أي: واطئ لم يفسد صومه، كأن (جامع ناسياً) للصوم أو جاهلاً بالحرمة لنحو قرب عهده بالإسلام (أو مكرهاً)؛ إذ صومهم لا يبطل بذلك؛ لعذرهم، بل لا كفارة عليهم وإن قلنا: إن ذلك مفسد؛ لانتفاء الإثم.
ولو علم تحريم الجماع وجهل الكفارة به .. وجبت قطعاً.
(ولا على من أفسد) بجماعه غير صوم، أو صوم غيره كمسافر مفطر جامع صائمة فأفسد صومها؛ إذ لو أفسدت صومها بالجماع .. لم تلزمها كفارة، فالأولى أن لا يلزم غيرها إذا أفسده.
ولا على من أفسد بجماعه (صوم غير رمضان) كقضائه؛ لورود النص في رمضان، وهو مختص بفضائل لا يشاركه فيها غيره، فلا يقاس عليه غيره.
ولا على من أفسد صوم يوم منه ظناً، كمنجم صامه بتنجيمه وجامع فيه، إلا إن علم بعد أنه منه.
ولا على من أفسد صوم بعض يوم كأن جن فيه بعد الجماع، بخلاف من سافر بعده.
(ولا على من أفطر بغير جماع) كاستمناء وإن جامع بعده؛ لأن الجماع أغلظ، فلا يقاس عليه غيره.
ولا على من أفطر بجماع وغيره، كأن وقع جماعه وأكله معاً؛ لوجود المقتضي والمانع، فقدم المانع.
لكن كون الأكل مانعاً من الكفارة فيه نظر، فالأولى التعليل بأن إسناد الفساد إلى الجماع ليس أولى من إسناده إلى الأكل.
(ولا على) من لم يأثم بجماعه، كـ (المسافر والمريض) إذا جامعا بنية الترخص.
ولا على من أثم به لا من حيث الصوم وحده كمريض ومسافر وطئا حليلتهما.
(و) كذا (إن زنيا)، قال في الشرح:(فإثمهما ليس لأجل الصوم وحده، بل له مع عدم نية الترخص في الأولى، أي: أنهما علة واحدة مركبة منهما، أو لأجل الزنا في الثانية، أي: إن نوى الترخص، وإلا .. فلهما، ولأن الإفطار لهما مباح، فيصير شبهة في درء الكفارة) اهـ
وفيه أن علة الإثم في الأولى عدم نية الترخص لا الصوم، كما قاله (ب ج).
أمَّا إذا كان الصوم علة تامة في الحرمة سواء وجدت مع حرمته حرمة أخرى أم لا، كمقيم أفطر بالزنا .. فتجب عليه الكفارة وإن أثم لأجل الصوم والزنا؛ لأن كلاً منهما علة على حدتها في الأثم.
(و) مر أن الكفارة (لا) تجب (على) غير آثم، ومنه (من ظن أنه) أي: الزمن الذي جامع فيه (ليل) بأن غلط، فظن بقاء الليل أو شك فيه (فتبين نهاراً) وكذا لو ظن دخول الليل أو شك فيه، فجامع، فبان أنه جامع في النهار، أو أكل ناسياً وظن أنه أفطر به، فوطئ عالماً عامداً، أو كان صبياً؛ لعدم الإثم في غير الشك في دخول الليل، ولسقوط الكفارة بالشبهة.
ولو رأى هلال رمضان .. لزمه صومه وإن لم تقبل شهادته، فإن جامع فيه .. لزمته الكفارة.
ويلحق به: من أخبره من اعتقد صدقه؛ لما مر أنه يلزمه الصوم بذلك.
(وهي) أي: الكفارة هنا، وكذا في الظهار والقتل إلا أنه لا إطعام فيه.
(عتق رقبة) كاملة الرق، خالية عن شائبة عوض، لا تستحق العتق بغير جهة الكفارة.
(مؤمنة) ولو تبعاً لأصل أو سابٍ أو دار؛ حملاً للمطلق هنا، والظهار على المقيد في آية القتل.
(سليمة من العيوب التي تخل بالعمل) إخلالاً بيَّناً وإِن لم تسلم عما يُثبت الرد في المبيع ويمنع الإجزاء في الغرة؛ إذ المقصود استقلاله بكفاية نفسه.
فيجزئ مقطوع أصابع رجلين، ومقطوع خنصر أو بنصر من يد واحدة، أو أناملها العليا من غير الإبهام، وأعرج يتابع المشي، وأعور لم تضغف سليمته ضعفاً بيَّناً، ومقطوع أذنين وأنف، وأجذم وممسوح، وفاقد أسنان وضعيف بطش، ومن لا يحسن صنعة وفاسق، ونحو آبق علمت أو بانت حياته.
وخرج بـ (كاملة الرق): مستولدة ومكاتب كتابة صحيحة.
أمَّا المبعض .. فإن أعتق بعض عبدين عن كفارة وكان موسراً ولو بأحدهما أو باقي أحدهما له، أو حر .. صح؛ لحصول الاستقلال المقصود ولو في أحدهما، ويصير في السراية كأنه باشر عتق الجميع.
ويجزئ المدبر والمعلق عتقه بصفة إذا نجَّزَ عتقه، أو علقه بصفة تسبق الأولى، وإلَاّ .. عتق عنها لا عن الكفارة.
وبـ (خالية)
…
إلخ: ما لو أعتق بعوض عن كفارته على القن أو أجنبي .. فلم يجزئ عن الكفارة؛ لعدم تجرد العتق لها، ومن ثم استحق العوض على الملتمس.
وبـ (لاتستحق العتق
…
إلخ): الأصل والفرع، فلا يجزئان عن كفارة؛ لاستحقاق عتقهما بملكه لهما.
وبـ (سليمة
…
إلخ): نحو مجنون ومريض لا يرجى برؤه، ومقطوع خنصر وبنصر من يد أو إبهام أو سبابة أو الوسطى، أو أنملتين من أحدهما، أو أنملة من الإبهام، والشلل كالقطع.
تنبيه: الإعتاق بمال كطلاق به، فيكون معاوضة فيها شوب تعليق من المالك، وشوب جعالة من الملتمس، فيجب فوراً الجواب، وإلَاّ .. عتق على المالك مجاناً.
ولو قال لغيره: أعتق أم ولدك على ألف، ولم يقل: عني، سواء قال: عنك، أم أطلق، فأعتق فوراً .. نفذ عتقه، ولزم الملتمس العوض؛ لأنه افتداء من جهته، كاختلاع أجنبي.
فإن قال: عني فأعتقها عنه .. فتعتق، ولا عوض؛ لاستحالته.
بخلاف: طلق زوجتك عني؛ فإنه يتخيل انتقال شيء إليه.
وكذا لو قال: أعتق عبدك على ألف، ولم يقل: عني، سواء قال: عنك، أم أطلق، فأعتق فوراً .. نفذ العتق، فيستحق المالك الألف في الأصح؛ لأنه افتداء كأم الولد.
ولو قال: أعتقه عني على كذا، أو أطعم ستين مسكيناً ستين مداً عني بكذا، ففعل فوراً .. نفذ عن الطالب، وأجزاءه عن كفارته إن نواها به؛ لتضمن ذلك للبيع، فكأنه قال: بعنيه بكذا، وأعتقه عني، فقال: بعتكه وأعتقته عنك، وعليه المسمى إن ملكه، وإلَاّ .. فبدله كالخلع، فإن قال: مجاناً .. لم يلزمه شيء؛ لأنه هبة بخلاف ما لو سكت عن العوض.
فالمعتمد: أنه إن قال: عن كفارتي، أو عني، وعليه عتق، ولم يقصد المعتق العتق عن نفسه .. تلزمه قيمته، كما لو قال: اقض ديني، وإلا .. فلا.
(فإن لم يجد) رقبة كاملة وقت الأداء بأن يعسر عليه فيه تحصيلها؛ لكونه يحتاجها، أو ثمنها؛ لكفايته أو كفاية لممونه مدة العمر الغالب مطعماً وملبساً ومسكناً وأثاثاً، أو لدينه ولو مؤجلاً، أو لخدمة له أو لممونه لمنصب ونحوه، بحيث تحصل له مشقة لا تحتمل عادة بعتقه لا فوات رفاهية، ويأتي في نحو كتب الفقيه، وحلي المرأة وآلة المحترف، ما مر في قسم الصدقات.
ولا يجب بيع أرض لا تفضل غلتها عن كفايته، ولا صرف مال تجارة لا يفضل ربحه عنها فيها، ومثل ذلك الماشية ونحوها، ولا شراء الرقبة بزيادة على ثمن مثلها وإن قلت، لكن يمنع ذلك إجزاء الصوم، فيصبر إلى وجودها بثمن مثلها، كغيبة ماله ولو فوق مسافة قصر ولا نظر لتضررهما بفوات التمتع مدة الصبر في الظهار؛ لأنه المتسبب في ذلك وإن جاز العدول بذلك إلى الصوم في دم التمتع؛ لأن هذا أغلظ.
ولا يجب بيع مسكن أو عبد ألفهما وإن وجد بثمن العبد مثلاً عبداً يخدمه وعبداً يعتقه، إن لحقه بذلك مشقة لا تحتمل عادة.
نعم؛ إن كفاه بعض المسكن وحصل بباقيه رقبة .. لزمه.
واحتياجه لأمة للوطء كاحتياجه القن للخدمة.
( .. صام شهرين متتابعين) إن لم يتكلف العتق، وهما هلالان.
فإن انكسر الأول .. تمم ثلاثين من الثالث، فإن فسد صوم يوم أو لم يصمه ولو بعذر كمرض وإن أوجبه .. استأنفهما.
نعم؛ لا يضر الفطر بحيض أو نفاس أو جنون أو إغماء مستغرق؛ لمنافاتها له مع كونها اضطرارية.
نعم؛ إن اعتادت انقطاع الحيض شهرين، وشرعت في وقت يتخلله الحيض .. استأنفتهما.
ويجب في الصوم التبييت، وكونه بنية الكفارة وإن لم يعينها ولم ينو تتابعاً.
فلو صام أربعة أشهر وعليه كفارتا قتل وظهار، ولم يعين .. أجزأته عنهما.
(فإن لم يقدر) بأن عسر عليه صومهما، أو تتابعه لنحو هرم أو مرض يدوم شهرين غالباً، أو خاف زيادة مرضه به، أو معه شهوة للوطء، أو غير ذلك مما يحصل به مشقة لا تحتمل عادة ( .. أطعم) - أي: ملك- أي: دفع لهم ولو بلا لفظ تمليك (ستين مسكيناً) أو فقيراً من أهل الزكاة.
ولو كفر عن المجامع غيره بإذنه .. جاز له صرف ذلك له ولممونه؛ إذ المكفر غيره، ولعلها واقعة المجامع في الحديث المتقدم.
(كل واحد) منهم (مداً) يجزئ فطرة، ويكفي أن يضع الستين بين أيدي ستين، ويقول: ملكتكم ذلك، أو خذوه، ونوى به الكفارة وإن لم يقل بالسوية.
ولهم التفاوت في قسمتها في الأولى؛ لأنهم بالقبول ملكوه، بخلافه في الثانية فلم يملكوه إلا بالأخذ، فلا يجزئ إلا لمن أخذ منه مداً لا دونه.
ولو صرف الستين إلى مئة وعشرين بالسوية .. حسب له ثلاثون مداً، فيصرف ثلاثين أخرى لستين منهم بالسوية، ويسترد الباقي من الباقين إن علموا أنها كفارة، وإلا .. فلا.
ويجوز أن يدفع لمسكين مدين من كفارتين، وأن يعطي رجلاً مداً ويشتريه منه، ثم يصرفه لآخر ويشتريه منه، وهكذا إلى الستين، لكنه مكروه؛ لشبهه بالعائد في صدقته.
(وتسقط الكفارة) هنا (بطروء الجنون والموت في أثناء النهار) الذي جامع فيه وإن تعدى بهما؛ لأنه بان بطروء ذلك أنه لم يكن في صوم، وبانتقاله لبلد أهله معيدون ومطلعهم مختلف وإن عاد لبلده؛ إذ الساقط لا يعود.
ولو جامع في بلده يوم العيد، فانتقل لبلد أهله صيام .. فلا كفارة أيضاً.
(لا بالمرض والسفر) والإغماء والردة؛ إذ الأولان لا ينافيان الصوم، فيتحقق هتك حرمته، وطرو الردة لا يبيح الفطر، فلم يؤثر فيما وجب من الكفارة.
(ولا بالإعسار) بل إذا عجز عن الخصال الثلاثة .. استقرت في ذمته، فإذا قدر على خصلة .. فعلها، ولا أثر للقدرة على بعض خصلة إلا في الإطعام، ولو بعض مدّ، والباقي إذا أيسر.
(ولكل يوم يفسده) بالجماع السابق (كفارة) ولا تتداخل وإن لم يكفر عما قبل الأخير؛ إذ كل يوم عبادة مستقلة بنفسها لا ارتباط لها بما بعدها، بدليل تخلل منافي الصوم من نحو أكل بين الأيام من غير إفساد لما قبله.
فعلم: أن على المفسد خمسة أشياء: الإثم، والقضاء، والكفارة، والتعزير إن لم يتب، والإمساك.
* * *
(فصل) في الفدية الواجية بدلاً عن الصوم.
وأنها تارة تجامع الصوم، وتارة تنفرد عنه، وفيمن تجب عليه.
(ويجب)[مع القضاء] الفدية، وهي (مد من غالب قوت البلد) في غالب السنة كالفطرة.
والمراد بـ (البلد): المحل الذي هو فيه عند أوّل مخاطبته بالقضاء.
(ويصرف إلى) واحدٍ لا أكثر من (الفقراء أو المساكين) دون غيرهما من مستحقي الزكاة؛ لأنّ المسكين ذكر في الآية، والفقير أسوأ حالاً منه.
وله الصرف أمدادٍ لواحد، لا مدّ لاثنين، ومد وبعض آخر لواحد؛ لأن كل مدًّ فدية
تامة، وبه فارق ما مرَّ في كفارة الجماع، وقد وجب صرف الفدية لواحد، فلا ينقص عنها.
وفي "التحفة": (وإنما جاز صرف فديتين لواحد كزكاتين، ويجوز بل يجب صرف صاع الفطرة لاثنين وعشرين ثلاثة من كل صنف، والعامل؛ لأنه زكاة مستقلة، وهي بالنص يجب صرفها لهؤلاء؛ إذ تعلق الأطماع بها أشد. وإنما صرف جزاء الصيد لمتعددين؛ لأنه قد يجب التعدد فيها ابتداء بأن أتلف جمع صيداً، وأيضاً فهو مخير، وهو يتسامح فيه ما لا يتسامح في المرتب، وأيضاً فإنّ فيه جمع المساكين، كآية الزكاة، بخلاف الآية هنا) اهـ
ويجب المد (لكل يوم) لما مرَّ: أنَّ كل يوم عبادة مستقلة.
وتجب الفدية بثلاث طرق:
الأولى: فوات نفس الصوم، فحينئذٍ (يخرج) بعد مؤن تجهيزه لكل يوم مد (من تركه من مات وعليه صوم) واجب (من رمضان أو غيره) كنذر وكفارة (و) قد (تمكن من القضاء) ولم يقض (أو تعدى بفطره) وإن لم يتمكن من القضاء، ويأثم بالتعدي والتأخير بعد التمكن، وكذا كل عبادة وجب قضاؤها، فأخره مع التمكن حتى مات وإن ظنَّ السلامة، فيعصي من آخر زمن التمكن كالحج.
بخلاف المؤقت المعلوم الطرفين لا إثم فيه بالتأخير عن زمن إمكانه أدائه.
وأفهم قوله: (من تركه): أنه ليس لأجنبي إخراجها؛ لأنها بدل عن بدني، بخلاف الحج، وكذا إطعام الأنواع الآتية.
ومرَّ أنه لا يجوز إخراج الفطرة بلا إذن، ومثلها الكفارة.
وخرج بـ (الأجنبي): الوارث، فله إمساك التركة وإخراجها من ماله كالدين، بل مثل الوارث قريب غير وارث؛ لأن له الصوم عنه، فالإطعام أولى.
والجديد: تحتم الإطعام عن الميت ومنع الصوم؛ لأنه عبادة بدنية، وهي لا تدخلها النيابة، وأولوا الأحاديث بالصيام على بدله، وهو الإطعام.
والقديم: إمَّا أن يطعم -كما مر- (أو يصوم عنه قريبه) البالغ وإن لم يكن وارثاً ولا عصبة ولا ولي مال، كسفيه ولو بغير إذن الميت (أو) يصوم عنه (من) أي: أجنبي
بالغ (أذن له) أي: أذن القريب المذكور، سواء (الوارث) وغيره (أو الميت) للأجنبي في الصيام عنه بأجرة أو دونها؛ للأخبار الصحيحة، كخبر:"من مات وعليه صيام .. فليصم عنه وليه وغيره".
ولو تعدد الأقارب .. قسم بينهم، وخير من خصه شيء من الأقارب بين الإطعام والصوم بنفسه، أو بالإذن فيه لغيره.
ولو صام أحد الأقارب بغير إذن الباقين .. صح، ولو لم تكن تركة سن الإطعام أو الصوم.
واعلم: أن التركة مرهونة بما عليه من صوم أو كفارة حتى يفعل عنه، وقلَّ أن يخلو أحد عن كفارة اليمين.
أمَّا الأجنبي الذي لم يأذن له الميت ولا القريب .. فلا يصح منه صوم عن الميت، ولا إطعام.
وإنما صحت حجة الإسلام عن الميت من الأجنبي وإن لم يستطع ولا أذن فيها له هو ولا قريبه؛ لأن الصوم لا يقبل النيابة في الحياة، بخلاف الحج، ولأن للصوم بدلاً، وهو الإطعام، ولا بدل للحج، فلذا ضيق في الصوم.
وخرج بقوله: (تمكن) من لم يتمكن وقد أفطر بعذر، فلا فدية عليه كما مر.
ولو مات وعليه صلاة أو إعتكاف .. فلا قضاء عنه ولا فدية.
ولا يصح الصوم عن حيَّ ولو هرماً اتفاقاً، وحكى القفال عن بعض أصحابنا: أنه يطعم عن كل صلاة، أي: مداً، كما في "التهذيب".
وحكى عن القديم: أنه يجب على الولي أن يصلي عنه ما فاته، واعتمده جمع من محققي المتأخرين، وفعل به السبكي عن بعض أقاربه.
وعن البويطي أنَّ الشافعي قال في الاعتكاف: يعتكف عنه وليه.
فائدة: قال في "شرح السنة" للمحب الطبري: إنه يصل للميت ثواب عبادة تفعل عنه واجبة أو مندوبة، ونقله في "شرح المنهج" عن جماعات من الأصحاب.
قال (ب ج): (كأن صلى أو صام، وقال: اللهم أوصل ثواب ذلك إليه) وهو ضعيف. اهـ
والضعف ظاهر إن أريد الثواب نفسه، فإن أريد مثله .. فلا ينبغي أن يختلف فيه.
نعم؛ الصدقة يصل نفس ثوابها للمتصدّق عنه إجماعاً، وكأنه هو المتصدّق، ويثاب المتصدق ثواب البر لا على الصدقة، وكذا يصله ما دعا له به إن قبله الله تعالى.
وأمَّا ثواب الدعاء .. فهو للداعي.
(ويجب المد) إن لم يتكلف الصوم بلا قضاء لكل يوم (أيضاً على من لا يقدر على الصوم) الواجب من رمضان وغيره بأن عجز عنه؛ لضعف (لهرم) أو زمانة (أو) لأجل (مرض لا يرجى برؤه)؛ بأن لحقه مشقة لا تحتمل عادة بالصوم.
قال الكردي: أي: تبيح التيمم؛ لأن ذلك جاء عن جمع من الصحابة ولا مخالف لهم، ولآية (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) [البقرة:184]؛ إذ المراد لا يطيقونه، أو يطيقونه في الشباب، ويعجزون عنه في الكبر.
وقرأ ابن عباس وعائشة: (وعلى الذين يطوقونه)، أي: يكلفونه فلا يطيقونه، والقراءة الشاذة حجة، والأكثرون أنها منسوخة.
والفدية -هنا- واجبة ابتداء لا بدلاً عن الصوم.
ومن ثم لو نذر صوماً .. لم يصح.
ولو قدر على الصوم قبل إخراج الفدية .. لم يلزمه، بخلاف المعضوب لو قدر على الحج بعد الإنابة؛ لأنه مخاطب بالحج، وإنما جازت له الإنابة؛ للضرورة، وقد بان عدمها.
وهنا مخاطب بالمد ابتداءً، وإذا عجز عنه .. لم يثبت في ذمته، كالفطرة عند (حج).
أمَّا من تكلف الصوم .. فلا فدية عليه؛ لأن محل مخاطبته بالمد ابتداءً إن لم يرد الصوم، وإلا .. خوطب به.
وأمَّا من يرجو البرء .. فواجبه الصوم عند برئه.
ومثله: من لا يطيقه إلا في الأيام القصيرة أو الباردة، فيصوم فيها.
ولو أخر نحو الهرم الفدية عن السنة الأولى .. لم يجب شيء للتأخير؛ لأنّ وجوبها على التراخي، كما في (ب ج) عن "الإيعاب".
الطريق الثاني: يجب المد أيضاً بفوات فضيلة الوقت.
(و) من ثم وجب (على) الحرة والأمة بعد عتقها (الحامل والمرضعة) غير المتحيرة ولو مستأجرة أو متطوّعة، أو كانتا مريضتين أو مسافرتين (إذا أفطرتا خوفاً على الولد) فقط أن تجهض أو يقلَّ اللبن، فيتضرر بمبيح تيمم وإن لم تتعين بأن تعددت المراضع؛ لآية السابقة، لقول ابن عباس: إنها منسوخة إلا في حقهما.
ولو امتنعت من الفطر .. فللمستأجر الخيار، والفدية على الأخيرة.
وفارقت كون دم التمتع على المستأجر بأن فعل تلك من تمام المنفعة الواجبة عليها، وفعل هذا من تمام الحج الواجب على المستأجر، وأيضاً فالعبادة هنا لها، وثَمَّ للمستأجر.
وأمَّا المتحيرة .. فلا فدية عليها إن أفطرت ستة عشر فأقل، وإلا .. وجب لما زاد.
فلو أفطرت كل رمضان .. لزمها مع القضاء فدية أربعة عشر يوماً.
والفطر فيما ذكر جائز، بل يجب إن خيف تضرر الولد بمبيح تيمم.
ومحله كما في "الشرح": في المستأجرة والمتطوعة إذا لم توجد مرضعة مفطرة أو صائمة لا يضرها الإرضاع.
لكن الإجارة للإرضاع إجارة عين، ولا يجوز فيها إبدال المستوفى منه.
وفي "التحفة": جواز الفطر لمن تبرعت أو استؤجرت وإن لم تتعين، وهو منقول المذهب، كما قال الكردي.
ولا تعدد الفدية بتعدد الأولاد؛ لأنها بدل الصوم وهو غير متعدد، بخلاف العقيقة فإنها فداء عن كل واحد.
ولو أفطرت المريضة أو المسافرة بنية الترخص لأجل السفر لا للولد .. لم يلزمهما فدية، وكذا إن أطلقتا أو أفطرتا للسفر والولد.
وأطلق "الأسني": وجوب الفدية عليهما، و"الإيعاب": عدمها.
وخرج بقوله: (على الولد): ما لو خافتا على أنفسهما ولو مع الولد .. فلا فدية عليهما، كالزمن المرجو البرء.
ولا تلزمها الفدية وحدها، بل (مع القضاء) وفارق لزومها لهما -كغيرهما ممن ارتفق بفطره شخصان- عدمه على عاص بفطره بغير جماع، بأن فطرهما ارتفق به شخصان، فجاز أن يجب به أمران كالجماع لمَّا كان من شأنه أن يحصل به مقصود الواطئ
والموطوء .. أوجب القضاء والكفارة العظمى.
وأيضاً فالفدية مما استأثر الله بعلم حكمته، وليست منوطة بالإثم؛ إذ الردة في رمضان لا كفارة فيها مع أنها أفحش من الجماع.
(و) كذا يجب القضاء والمد (على من أفطر لإنقاذ حيوان) محترم (مشرف على الهلاك) أو تلف عضو، أو منفعة بغرق أو صائل أو غيرهما، ولم يمكنه تخليصه إلا بالفطر كالحامل والمرضع بجامع أنَّ في كلٍّ إفطاراً لآجل الغير.
ويأتي في المتحيرة والمريض والمسافر المنقذين ما مر فيهم في الإرضاع والحمل.
وأفهم: تقييده الفدية بإنقاذ الحيوان لزومها فيه وإن كان للمنقذ، وعدم لزومها في غيره، واعتمده (م ر).
واعتمد (حج): أنَّ الحيوان المحترم تجب الفدية بالفطر لإنقاذه؛ لأنه إن كان آدمياً حراً أو غير آدمي وهو له .. ارتفق به شخصان، أو رقيقاً أو حيواناً آخر لغيره .. ارتفق به ثلاثة.
وإن كان غير حيوان، فإن كان لغيره .. فالفدية لارتفاق المنقذ بالفطر ومالكه بتخليصه له، وإن كان له .. فلا فدية.
الطريق الثالث: تأخير القضاء.
(و) حينئذٍ تجب الفدية لكل يوم (على من أخر القضاء) أي: قضاء رمضان، أو شيء منه سواء فاته بعذر أو بغيره (إلى رمضان آخر بغير عذر) بأن أمكنه القضاء في تلك السنة بخلوه فيها عن سفر ومرض قدر ما عليه من القضاء؛ لخبر ضعيف فيه.
لكن وافقه إفتاء ستة من الصحابة به، ولا مخالف لهم، ولتعدية بالتأخير.
وإنما جاز تأخير قضاء الصلاة إلى ما بعد صلاة أخرى؛ لأنَّ تأخير الصوم إلى رمضان آخر تأخير إلى زمن لا يقبله، بخلاف قضاء الصلاة فيصح كل وقت.
أمَّا تأخيره بعذر كسفر وإرضاع ونسيان وجهل حرمة التأخير ولو مخالطاً لنا .. فلا فدية فيه؛ لأن تأخير الأداء جائز به، فالقضاء أولى وإن استمر سنين.
نعم؛ مرَّ حرمة التأخير لما أفطره بغير عذر ولو في نحو السفر، وإذا حرم .. كان بغير عذر، فتجب الفدية، واعتمده الخطيب.
وأجيب بأنه لا يلزم من الحرمة الفدية، ومالا إليه في "الإمداد" و"النهاية" ولم يرجح في "التحفة" شيئاً.
وقضية كلامهم: أنه لو شفي أو أقام مدة تمكن فيها من القضاء، ثم سافر في شعبان مثلاً، ولم يقض .. لزمته الفدية.
نعم؛ القن لا تلزمه الفدية بتأخير القضاء؛ إذ لا مال له، وفي لزومها بعد عتقه خلاف.
وتلزم الفدية بتحقق الفوات وإن لم يدخل رمضان، فلو فاته عشر من رمضان، فمات باقي خمس من شعبان .. لزمه خمسة عشر مداً، عشرة لأصل الصوم، وخمسة للتأخير؛ إذ لو عاش .. لم يمكنه إلَاّ قضاء خمسة.
* * *
(فصل: صوم التطوّع سنة).
وللصوم من الفاضائل ما لا يحصى؛ ولذا اضافه تعالى إليه دون غيره من العبادات، فقال:"كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به"، فهو مع كونه من أعظم قواعد الإسلام بل أعظمها عند جمع، لا يطَّلع عليه من غير إخبار به غير الله، حتى قيل: إنَّ التبعات لا تتعلق به، وقيل: التضعيف له ولغيره لا يؤخذ فيها.
والراجح: خلافهما.
(وهو) أي: المؤكد منه (ثلاثة أقسام):
الأول: (ما يتكرر بتكرر السنين، وهو صوم) يوم (عرفة) وهو تاسع ذي الحجة؛ لخبر مسلم: "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده".
وآخر الأولى سلخ الحجة وأوّل الثانية أوّل المحرّم الذي يلي ذلك.
وفي "التحفة": (المكفَّر: هو الصغائر الواقعة في السنتين، فإن لم تكن له .. رفعت درجته) اهـ
ومال (م ر) إلى ما قاله ابن المنذر بأنه يكفر الكبائر.
قال الكردي: (ما صرحت الأحاديث بأن شرط التكفير اجتناب الكبائر .. لا شبهة في عدم تكفيره الكبائر، وما صرحت فيه أنه يكفر الكبائر .. لا ينبغي التوقف أنه يكفرها، وما أطلقت الأحاديث في التكفير به .. ملت في الأصل: أنَّ الإطلاق يشمل الكبائر، والفضل واسع) اهـ
ونقل الشرقاوي عن ابن عباس رضي الله عنه أن في الحديث بشرى بحياة السنة المقبلة لمن صامه.
وإنما يسن صومه (لغير الحاج والمسافر) ولو سفراً قصيراً والمريض.
أمَّا الحاج .. فيسن له فطره وإن لم يضعفه؛ تأسياً به صلى الله عليه وسلم، ويتقوّى على الدعاء.
فصيامه له خلاف السنة، وقيل: مكروه، واستوجهه في التحفة؛ لصحة النهي عنه.
نعم؛ يسن صومه لحاج غير مسافر لا يصل عرفة إلا ليلاً.
وأمَّا المسافر .. فيسنّ له الفطر إن أتعبه الصوم، ومثله: المريض.
وظاهر كلامهم أنَّ باقي ما يطلب صومه لا فرق فيه بين المسافر وغيره؛ لأنهم خصوا التفصيل المذكور بعرفة.
وأجاب بعضهم بأنه يجري في غير عرفة بالأولى؛ لأنه دون عرفة في التأكيد.
وظاهر إطلاقهم: عدم انتفاء الكراهة بضم يوم إلى عرفة قبله أو بعده، بل فرقوا بينه وبين الجمعة وإن اتحدت العلة فيهما.
ويسن صوم الثمانية الأيام قبله، وهي المراد بقوله:(وعشر ذي الحجة).
لكن الثامن مطلوب؛ احتياطاً ليوم عرفة، ولدخوله في الثمانية، كما أن يوم عرفة مطلوب؛ لكونه من عشر ذي الحجة.
ويوم عرفة (وعاشوراء) بالمد -كما بعده- عاشر المحرم؛ لخبر: "أحتسب على الله -أي: أدّخر عنده، أو أرجو منه- أن يكفر السنة التي قبله".
ولعظم فضل هذه الأمة شاركت أهل الكتاب في فضيلة هذا اليوم، واختصت بعرفة الذي فيه الأجر ضعفه وبغيره.
وصَرف الأمر بصومه في الإخبار عن الوجوب إلى الندب المؤكد خبر الصحيحين:
"إنّ َهذا اليوم يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، فمن شاء .. فليصم، ومن شاء .. فليفطر".
(وتاسوعاء) وهو: تاسع المحرم؛ لخبر: "لئن بقيت إلى القابل .. لأصومنّ التاسع"، فمات قبله.
والحكمة في صومه: الاحتياط لعاشوراء؛ لاحتمال الغلط والمخالفة لأهل الكتاب، والاحتراز من إفراده على ما قيل: إنه مكروه.
(و) لذا يسنّ صوم (الحادي عشر منه)؛ لحصول الاحتياط به كالتاسع، بل يسنّ صوم عشر المحرم الأول نظير ما في الحجة، ذكره الغزالي.
(و) صوم (ست من شوّال)؛ لأنها مع صوم جميع رمضان "كصيام الدهر" رواه مسلم؛ إذ الحسنة بعشر أمثالها، كما جاء:(أنّ َصيام رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام -أي: من شوال- بشهرين، فذلك صيام السنة) أي: مثل صيامها بلا مضاعفة.
نظير ما قالوه في (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)[الإخلاص:1]: تعدل ثلث القرآن، والمراد ثواب الفرض، وإلا .. لم يكن لخصوصية ست شوّال معنى.
وحاصله: أنَّ من صامها مع رمضان كل سنة .. كان كمن صام الدهر فرضاً بلا مضاعفة.
وقضية إطلاق المتن: ندب صومها حتى لمن أفطر رمضان.
وقيده (حج) بغير من تعدّى بفطره؛ لأنه يلزمه القضاء فوراً.
قال (م ر): أي: يحصل له أصل السنة وإن لم يحصل له الثواب المذكور؛ لترتبه في الخبر على صيام رمضان).
ثم قال: (وقضيةُ قول المحاملي: يكره لمن عليه قضاء تطوّع بالصوم كراهةُ صومها لمن أفطره بعذر، فينافي ما مرَّ، إلا أن يجمع بأنه ذو وجهين، أو يحمل ذاك على: من لا قضاء عليه كصبي بلغ، وهذا: على من عليه قضاء) اهـ
وإذا لم يصمها في شوّال .. سنَّ له قضاؤها بعده؛ لتوقيتها.
(وسنّ تواليها واتصالها بالعيد)؛ مبادرة بالعبادة، ولما في التأخير من التعريض للفوات، ويحصل أصل السنة بصومها منفصلة عن العيد.
ويظهر أنَّ اتصالها بالعيد أفضل من صومها أيام البيض والسود وإن تأدى بذلك ثلاث
سنن؛ لما في ذلك من الخلاف القوي، خصوصاً إذا نوى ست شوّال مع البيض والسود؛ لما مر في الكلام على التعين في النية عن الإسنوي من عدم حصول شيء منها.
(و) القسم الثاني: صوم (ما يتكرر بتكرر الشهور، وهي أيام) الليالي (البيض، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر)؛ لصحة أمر أبي ذر بصومها.
والاحتياط: صوم الثاني عشر معها، وخروجاً من الخلاف أنه أوَّلها، لكنه مخالف للسنة الصحيحة.
نعم؛ في الحجة يصوم بدل الثالث عشر السادس عشر أو يوماً بعده.
وحكمة كونها ثلاثة: أنَّ الحسنة بعشر أمثالها، فصومها كصوم الشهر كله، ولذا حصل ذلك أيضاً بصوم ثلاثة من أيّ أيام الشهر، وكان صومها في أيام البيض سنة ثانية.
وخصت هذه؛ لتعميم لياليها بالنور المناسب للشكر بالعبادة عليه، ولتعسر تعميم اليوم بعبادة غير الصوم.
(و) صوم (الأيام السود، وهي الثامن والعشرون وتالياه) أي: أيام الليالي السود.
وإن نقص الشهر .. صام أوّل يوم من الشهر الداخل، ويتأدّى به أيضاً سنة صوم أوّل يوم من الشهر؛ إذ يسن صوم ثلاثة أيام أول كل شهر.
وإذا فاتته البيض وأراد صوم السود .. ينويهما؛ ليحوز فضلهما.
وسميت سوداً؛ لسواد لياليها.
وحكمة صومها: تزويد الشهر بالعبادة، وطلباً لكشف سواد القلب؛ فإنّ الشيء بالشيء يذكر.
وينبغي أن يصوم معها السابع والعشرين؛ احتياطاً، وخروجاً من الخلاف.
(و) القسم الثالث: (ما يتكرر الأسابيع، وهو الإثنين والخميس)؛ للخبر الحسن: أنه صلى الله عليه وسلم كان يتحرّى صومهما ويقول: "إنهما تعرض الأعمال فيهما، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم" أي: فتعرض فيهما عرضاً إجمالياً، وكذا في ليلتي النصف من شعبان والقدر.
وتعرض عرضاً تفصيلياً كل يوم وليلة، بالليل مرة وبالنهار مرة؛ إذ تجتمع ملائكة الليل والنهار عند صلاة العصر ثم ترتفع ملائكة النهار، وتبقى ملائكة الليل وتجتمع عند صلاة الصبح، فترتفع ملائكة الليل وتبقى ملائكة النهار، وهو معنى خبر:"يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار"، وعرض أعمال الأسبوع من ملائكة الليل والنهار، والعرض جميعه على الله تعالى.
وفائدته: إظهار شرف الطائعين، وإلا .. فهو تعالى لا يخفى عليه شيء.
وفي (ب ج): أنها تعرض أيضاً على النبي صلى الله عليه وسلم سائر الأيام، وعلى الأنبياء والآباء والأمهات يوم الجمعة.
والراجح: أنَّ أوّل الأسبوع السبت، وقيل: الأحد.
(ويسن صوم الأشهر الحرم) بل هي أفضل الشهور للصوم بعد رمضان (وهي: ذو القَعدة) -بفتح القاف- (وذو الحجة) -بكسر الحاء على الأشهر- (ومحرم ورجب).
وعليه: فهن من سنتين، وقيل: من سنة، فيقال: المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة.
(وكذا) يسنّ (صوم شعبان)؛ لما صح: أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم غالبه. (وأفضلها) أي: الأشهر المذكورة وغيرها بعد رمضان (المحرم)؛ لخبر مسلم بذلك (ثم باقي الحرم).
وفي "الأسنى": تقديم رجب وفي "الإيعاب" تقديم ذي الحجة، فرجب فذي القعدة.
(ثم) بعد الحرم (شعبان)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم غالبه، وظاهره أَنَّ بقية الشهور سواء.
(ويكره إفراد الجمعة) بالصوم؛ لصحة النهي عن صومه، إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده، وليتقوّى بفطره على الوظائف الدينية.
قال في "الشرح"، و"الإمداد":(ومن ثمَّ لو لم يضعف عنها بالصوم .. لم يكره إفراده) اهـ
ورده في "التحفة" كـ"النهاية" بندب فطر عرفة وإن لم يضعف به؛ لأن من شأنه الضعف.
(و) إفراد (السبت والأحد) بالصوم؛ للنهي عن الأول، وقيس به الثاني بجامع أن اليهود تعظم الأوّل، والنصارى تعظم الثاني، فقصد بذلك الشارع مخالفتهم.
قال في" الإيعاب": (ففي الصوم تشبه بهم في مطلق التعظيم، وإلا .. فتعظيمهم إياه بتحريم الشغل، والتخلي للعبادة والتبسط بالتنعم بالأكل وغيره، وكذلك النصارى تعظم الأحد) اهـ
والكراهة من حيث الإفراد، أمَّا الصوم .. فمندوب، ولذا يصح نذره إن لم يقيده بالإفراد، ومحلها حيث لا سبب له.
أمًّا صومه لسبب كقضاء ونذر وعادة، كأن يصوم ويفطر يوماً فوافق صومه يوماً منها .. فلا كراهة.
وخرج بـ (الإفراد): جمع اثنين منها ولو الجمعة والأحد، وجمع غيرها معها، فلا كراهة؛ إذ المجموع لم يعظمه أحد.
وفي "الإيعاب": أنَّ العزم على وصله بما بعده يدفع الكراهة وإن لم يصم غيره ولو لغير عذر.
ولا يكره تخصيصه بالاعتكاف، ولا فراد صوم يوم عيد من أعياد أهل الملل؛ لأنه لم يشتهر.
ويسن صوم الدهر غير العيدين، وأيام التشريق لمن لم يخف ضرراً، أو فوات حق ولو مندوباً راجحاً على الصوم، أو متعلقاً بحق الغير كالزوجة؛ لخبر:"من صام الدهر .. ضيقت عليه جهنم هكذا، وعقد تسعين".
فإن خاف ما ذكر .. حرم إن خاف فوات واجب، وإلا .. كره إن كان راجحاً على الصوم، وإلا كأن خاف فوت صلاة الضحى من صوم يوم .. فلا كراهة، بل يسن، ومع ندبه فصوم يوم وفطر يوم أفضل منه كما قال.
(وأفضل الصيام: صوم يوم وفطر يوم)؛ لخبر: "أفضل الصيام صيام داوود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً".
وفي "التحفة": (وظاهر كلامهم: أنَّ من فعله فوافق فطره يوماً يسن صومه
كالبيض: يكون فطره فيه أفضل، لكن بحث بعضهم: أن صومه أفضل) اهـ
وبه أفتى الشهاب الرملي، قال: ولا يخرجه ذلك عن صوم يوم وفطر يوم.
ومن تلبس بتطوع من صوم أو غيره .. فله قطعه، لكن يكره لغير عذر؛ لخبر:"الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام، وإن شاء أفطر".
وقيس بالصوم غيره، ولا يجب قضاؤه خلافاً للأئمة الثلاثة.
وأمَّأ قوله تعالى: (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)[محمد:33] .. فمحمول على الفرض أو النهي فيه للتنزيه؛ للحديث المذكور، لكن يندب قضاؤه، وكذا ما اعتاده، وهذا في نفل غير نسك؛ لوجوب إتمامه.
وحرم قطع فرض عيني ولو غير فوري، بل هو من الكبائر.
أمَّا فرض الكفاية .. فالأصح أنه يجوز قطعه إلا جهاداً ونسكاً، وتجهيز ميت.
نعم؛ لا بأس بترك نحو غسله؛ ليدخل غيره محله وإن لم يتعب؛ إذ لا محذور فيه، كما قاله الشوبري.
وحرَّم جمعٌ قطعه مطلقاً، إلا طلب علم إن كان غير فرض عين؛ لأن كل مسألة مستقلة برأسها، فلا قطع في الحقيقة فيه.
فرع: يحرم على مزوجة صوم نفل مما يتكرر في السنة أو الأشهر أو الأسبوع، وقضاء موسع وزوجها حاضر بالبلد، إلا بعلم رضاه وإن جرت عادته بغيبته جميع النهار؛ إذ قد يأتي على خلاف عادته نهاراً.
أمَّا ما يتكرر بتكرر السنين كعرفة .. فلها إن لم يمنعها صومه، وحيث حرم فصامت صح، ولزوجها وطؤها، والحرمة عليها.
وكالزوج السيد إن حلت له أو حصل لها ضرر ينقص الخدمة، والعبد كالأمة التي لا تحل له.
ولا يلحق صلاة التطوع بالصوم؛ لقصر زمنها.
أمَّا الفرض غير الموسع ولو نذراً نذرته بلا إذنه .. فليس له قطعه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
* * *