المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل) في الإحصار والفوات وما يذكر معهما - شرح المقدمة الحضرمية المسمى بشرى الكريم بشرح مسائل التعليم

[سعيد باعشن]

فهرس الكتاب

- ‌(فصل) في الاجتهاد

- ‌(فصل) في سنن الوضوء

- ‌(فصل) في شروط الوضوء

- ‌(فصل) في المسح على الخفين

- ‌(فصل) في الاستنجاء

- ‌(فصل) في موجبات الغسل

- ‌(باب النجاسة وإزالتها)

- ‌(فصل) في إزالة النجاسة

- ‌(باب التيمم)

- ‌(فصل) في الحيض

- ‌(باب الصلاة)

- ‌(فصل) في مواقيت الصلاة

- ‌(فصل) في الصلاة المحرمة من حيث الوقت

- ‌(فصل) في الأذان والإقامة

- ‌(باب صفة الصلاة)

- ‌(فصل: في سنن الصلاة)

- ‌(فصل): في شروط الصلاة

- ‌(فصل): في مكروهات الصلاة

- ‌(فصل:) في سجود السهو

- ‌(فصل): في صلاة النفل

- ‌(فصل): في شروط الإمام

- ‌(فصل): في صفات الأئمة المستحبة

- ‌(فصل): في بعض سنن الجماعة

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌(فصل) فيما يتحقق، وينتهي به السفر، وبعض شروط القصر

- ‌(فصل) في بقية (شروط القصر)

- ‌(فصل) في الجمع بين الصلاتين بالسفر والمطر

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌(فصل): في بعض سنن الخطبة والجمعة

- ‌(فصل): في سنن الجمعة

- ‌(فصل) في اللباس

- ‌(باب صلاة العيدين)

- ‌(فصل) في توابع ما مر

- ‌(باب صلاة الكسوف)

- ‌(باب صلاة الاستسقاء)

- ‌(فصل) في توابع ما مر:

- ‌(فصل) في حكم تارك الصلاة

- ‌(باب الجنائز)

- ‌(فصل) في غسل الميت وما يتعلق به

- ‌(فصل) في أركان الصلاة على الميت

- ‌(فصل:) في الدفن وما يتعلق به

- ‌(باب الزكاة)

- ‌(فصل) في زكاة الغنم

- ‌(فصل) في بعض ما يتعلق بما مر

- ‌(باب زكاة النبات)

- ‌(فصل) في واجب ما ذكر وما يتبعه

- ‌(باب زكاة النقد)

- ‌(فصل) في زكاة التجارة

- ‌(فصل) في زكاة الفطر

- ‌(فصل) في النية في الزكاة وتعجيلها

- ‌(فصل) في صدقة التطوع

- ‌(كتاب الصوم)

- ‌(فصل) فيما يبيح الفطر

- ‌(فصل) في سنن الصوم

- ‌(فصل) في بيان كفارة جماع رمضان

- ‌(كتاب الاعتكاف)

- ‌(باب الحج)

- ‌(فصل) في المواقيت

- ‌(فصل) في أركان الحج

- ‌(فصل) في سنن تتعلق بالإحرام

- ‌(فصل) في واجبات السعي وبعض سننه

- ‌(فصل) في الوقوف بعرفة وما يذكر معه

- ‌(فصل) في الحلق

- ‌(فصل:للحج تحللان)

- ‌(فصل) في أوجه أداء النسكين

- ‌(فصل) في دم الترتيب والتقدير

- ‌(فصل) في محرمات الإحرام

- ‌(فصل) في الإحصار والفوات وما يذكر معهما

- ‌(باب الأضحية)

- ‌(فصل) في العقيقة

- ‌(فصل) في محرمات تتعلق بالشعر ونحوه

- ‌خاتمة

الفصل: ‌(فصل) في الإحصار والفوات وما يذكر معهما

وساكن نحو مكة يقول: إلى نبيك، وأرزقني العفو والعافية في الدنيا والآخرة، وردنا سالمين غانمين.

ثم ينصرف تلقاء وجهه، وليكن خروجه من المدينة من طريق الشجرة؛ للاتباع.

وفي زيارته صلى الله عليه وسلم آداب كثيرة لم نأت منها إلا بقطرة من بحر، فمن أراد ذلك .. فعليه بالمؤلفات فيها، والله أعلم.

* * *

(فصل) في الإحصار والفوات وما يذكر معهما

.

والإحصار لغة: المنع. واصطلاحاً: المنع عن إتمام أركان النسك من حج أو عمرة.

فلو منع عن الرمي أو المبيت .. لم يتحلل؛ لأنه متمكن من الطواف والحلق، ويجبر الرمي والمبيت بالدم.

(ويجوز للأبوين) أي: لكل منهما وإن علا ولو رقيقاً، ومن جهة الأم ومع وجود أقرب منه (منع الولد) وإن سفل (غير المكي من الإحرام بتطوع حج أو عمرة) ابتداءً ودواماً، بأن يأمره بالتحلل فيلزمه؛ إذ التطوع أولى باعتبار إذنهما فيه من فرض الكفاية؛ لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم لمن استأذنه في الجهاد:"ألك أبوان؟ " قال: نعم، قال:"استأذنتهما؟ "، قال: لا، قال:"ففيهما فجاهد".

ومحله: ما لم يسافر المانع في ذلك، وما لم يقصد معه طلب علم أو نحو تجارة أو إجارة، وزاد ربحه في السفر فيهما على مؤنة سفره، وإلا .. لم يشترط إذن أحدهما إن أمن الطريق، ولم يكن أمرد يخاف عليه. أمَّا المكي .. فلا يمنعانه.

قال في "الشرح" على ما بحثه الأذرعي: وإنما يمنع الأصل الفرع من نسك النفل (دون الفرض) أي: حجة الإسلام وعمرته أداءً وقضاءً، ومثلهما النذر، فليس له منعه منه ولو فقيراً؛ لأنه إذا تكلفه .. أجزأه عن فرضه.

وندب استئذان أصل فيه، فإن أذن، وإلا .. أخَّر ما لم يتضيق كالقضاء.

ص: 683

نعم؛ للأصل منع فرعه من الفرض لنحو خوف طريق، ولغرض شرعي كسفره مع غير مأمونين أو ماشياً وهو لا يطيقه، وله منعه من السفر حتى يترك له نفقة أو منفقاً، حيث وجبت مؤنته عليه، وكذا الزوجة يلزمه لها ذلك، أو طلاقها عند (حج).

وقال (م ر) في "شرح الإيضاح": هذا فيما بينه وبين الله، أمَّا الحاكم .. فلا يجبره عليه.

(و) الثاني من الموانع: الزوجية فـ (للزوج منع الزوجة) ولو أمة وإن أذن لها سيدها (من) النسك (الفرض والمسنون).

أمَّا المسنون .. فظاهر، إذ به يفوت تمتعه الواجب عليها ومن ثم أثمت بذلك.

وأمَّا الفرض .. فلأن حقه فوري، والنسك على التراخي باعتبار أصلهما.

فلا نظر لتضيقه عليها بنحو خوف عضب. قال في "التحفة": على ما اقتضاه إطلاقهم. واعتمد (م ر) وغيره: أنه لا يملك حينئذٍ تحليلها.

ولا لامتناع تمتعه بنحو إحرامه أو صغرها، وشمل الفرض هنا النذر ما لم يكن قبل النكاح أو بعده بإذنه، والقضاء الذي لزمها لا بسبب من جهته.

ومحل منعه النفل والفرض إن لم يأذن، فإن أحرمت بإذنه .. امتنع تحليلها، ولو سافرت معه بإذنه وأحرمت بعد إحرامه وكان إحرامها يفرغ مع إحرامه .. لم يكن له منعها؛ إذ لم يفت به تمتع عليه، ولو حبست نفسها لقبض المهر .. لم يكن له منعها، وتحليله لها بأن يأمرها به كما في السيد، فإن أبت .. وطئها، وعليها الإثم، لكن ليس لها أن تتحلل بغير إذنه، كما أنه ليس له وطؤها إلا بعد امتناعها من التحلل.

قال في "التحفة": ولو قيل بجوازه حيث حرم الإحرام، كأن كان بغير إذنه .. لم يبعد، ومرَّ أن لا كفارة عليها عند (م ر) مطلقاً، وعند (حج) فيه تفصيل مرَّ أيضاً.

ويسن للزوج أن يحج بزوجته؛ للأمر به في الصحيحين، وللزوجة أن لا تحرم بفرض إلا بإذنه.

أمَّا النفل .. فيحرم بغير إذنه، وإنما حرم الإحرام على القن بغير إذن سيده مطلقاً؛ لأنه لا يجب عليه، ولا يقع منه إلَاّ نفلاً، بخلاف الحرة يقع عنها فرضاً، فبإحرامها ..

ص: 684

انتقلت من فرض طاعة الزوج إلى فرض الحج.

(و) الثالث: الملك، فـ (للسيد) أي: مستحق المنفعة كموصى له بها (منع رقيقه) ولو مكاتباً وأم ولد ومبعضاً، حيث لا مهايأة، أو أحرم في نوبة السيد أو في نوبة نفسه والمدة لا تسع نسكاً.

(من ذلك) أي: النسك (فرضاً) كان كقضاء ونذر (أو سنة) كغيره إن لم يأذن له مالك المنفعة في الإحرام ولا في المضي، أو بعد الإذن وقبل دخول الوقت الذي عينه، وإلا .. فيمتنع تحليله وإن أفسده، لكن لا يلزمه أن يأذن له في القضاء؛ لأنه لم يأذن له في الإفساد.

(فإن أحرموا) أي: الفرع والزوجة والقن (بغير إذنهم) أي: الأصل والزوج والسيد .. جاز لهم تحليلهم بأن يأمروهم به، فيلزمهم حينئذٍ التحلل.

فإن امتنعت الزوجة والأمة مع تمكنهما منه .. فللزوج والسيد وطؤهما وسائر التمتعات، والإثم والكفارة عليهما على ما مرَّ، بل يحرم على القن الإحرام بغير إذن سيده، وتلزمه المبادرة بعد الأمر بالتحلل.

والأولى لسيده أن يأذن له في إتمام نسكه، ولو لم يمتثل أمره بالتحلل .. فله أن يفعل به محرمات الإحرام، والإثم على القن فقط، وله أن يأمره بالذبح، ومذبوحه حلال بالنسبة لغيره؛ لأنهم نزَّلوا امتناعه منزلة تحلله حتى أبيح للسيد إجباره على فعل المحرمات كما في "التحفة"، لكن اعتمد (م ر): حرمة ذبيحته.

وليس لفرع وزوجة تحلل بغير إذن أصل وزوج.

ويفرق بأن العبد منافعه مستغرقة للسيد مع عدم مخاطبته بالنسك بخلافهما، فكان إقدامه على الإحرام أشد، وكان القياس وجوب تحلله؛ ليخرج من المعصية، لكن لشبهة التلبس بالنسك مع احتمال أن يؤذن له فيه أبيح له البقاء إلى أن يأمره به سيده.

وإذا أمروهم بالتحلل .. (تحللوا) وجوباً بما يأتي.

الرابع: الدين، فلدائن منع مدينه من السفر ولو ميلاً، ويحرم عليه السفر بلا إذنه ولو لفرض تضيق عليه ما لم يعسر أو يتأجل الدين وإن لم يبق من الأجل إلا لحظة إن بقي الأجل إلى مفارقته محل الإقامة؛ إذ لا يسمى مسافراً إلا حينئذٍ.

الخامس: الحصر العام بأن يمنع المحرم من إتمام أركان نسكه من جميع الطرق دون

ص: 685

الرجوع أو مع الرجوع، سواء كان العدو مسلماً أم كافراً وإن أمكن المضي بقتال أو بذل مال؛ إذ لا يجب احتمال الظلم، فحينئذٍ يجوز له التحلل بما يأتي؛ لآية (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) [البقرة:196]، أي: وأردتم التحلل؛ إذ مجرد الإحصار لا يوجب هدياً.

نعم؛ الأولى الصبر لمن رجا زوال حصره قبل فوات الوقت، بل لو ظن زواله قبل فوات الحج وقبل مضي ثلاثة أيام في العمرة .. امتنع تحلله.

أمَّا إذا أحصر من بعض الطرق فقط .. فيجب سلوك التي لم يحصر منها ولو بحراً غلبت سلامته ووجدت شروط الاستطاعة فيه وإن علم الفوات؛ لأن سبب التحلل الحصر ولم يوجد.

فإذا وصل وقد فات .. تحلَّلَ بما يأتي في الفوات.

وأمَّا إذا خشي فوات الحج لو صبر .. فالأولى التحلل؛ لئلا يدخل في ورطة لزوم القضاء.

وبما قررناه علم: أن التحلل يكون تارةً ممتنعاً، وتارة تركه أولى، وتارة تركه مباحاً، وهو الأصل فيه.

أمَّا المحصر عن الواجبات كمبيت ورمي .. فلا يتحلل لها، ويجبرها بدم كم قاله (حج) و (م ر).

وقال الزيادي وغيره: يسقط دم المبيت بالحصر.

السادس: الحصر الخاص بنحو حبس ظلماً، أو بدين وهو معسر، فله التحلل به، أمَّا حبسه بحق .. فلا يتحلل به.

وإذا أراد الفرع والزوجة والمدين التحلل .. فليتحللوا (هم والمحصر) بقسميه (عن الحج، و) كذا عن (العمرة بذبح ما يجزئ في الأضحية) من شاة أو سبع بدنة أو بقرة وإن شرط التحلل بلا دم؛ للآية السابقة.

وفارق ما يأتي في نحو المرض بأنَّ هذا لا يتوقف على شرط، فلم يؤثر فيه الشرط، بخلاف نحو المرض فإنه لا يبيح التحلل، وإنما يبيحه شرطه به، فلذا توقف التحلل به عليه، وكان على حسب ما شرطه من الدم وعدمه، ويتعين ذبح ذلك ككل ما لزمه من الدماء والإطعام وما معه من هدي تطوّع، حيث أحصر ولو في الحل، وإن تمكن من طرف الحرم.

ص: 686

نعم؛ يسن بعثه إلى ما يقدر عليه من مكة أو الحرم، وواضح أنه لا يحل حتى يغلب على ظنه ذبحه ثمَّ بخبر من يقع في قلبه صدقه، لا مجرد طول الزمن؛ وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم ذبح هو وأصحابه بالحديبية.

ويفرقه على مساكين ذلك المحل ثم مساكين أقرب محل إليه؛ لأنه صار في حقه كالحرم، ومن ثم حَرُم نقله من حل إلى حل لا حَرَم.

قال الكردي: (المراد بمحل الإحصار: المحل الذي يمتنع القصر فيه لو كان مقيماً، ولو ذبحه بمحل لا فقراء به .. جاز النقل، ومتى أمكن الذبح فيه ونقل لحمه إليهم بلا تغير .. تعين، وإلا .. نقله إليهم حياً، ولو أحضره في طرف الحرم .. لم يجز له ذلك في الحل، فإن ذبح ظاناً وجود الفقراء فتبين فقدهم، أو عدموا بعد الذبح .. لم ينقل، وتحلل وتصرف في اللحم عند خوف فساده، ويبقى في ذمته إلى وجود المستحقين، فيفرق لحماً بلا ذبح، ولا يكفيه تفرقته قديداً، ولو ذبح عالماً بالفقد .. لم يجزه الذبح) اهـ

(ثم) بعد الذبح (الحلق) أي: إزالة ثلاث شعرات فأكثر على ما مر (مع اقتران نية التحلل بهما)؛ لأنهما يكونان لغير تحلل، فاحتاجا لنية مقارنة لهما تخصصهما به.

وإنما اشترط الترتيب هنا بخلافه في تحلل الحج؛ لأن زمن الحج يطول، فوسع فيه بأن جعل له تحللان، وبعدم الترتيب بخلافه هنا، فليس له إلا تحلل واحد، فاشترط الترتيب؛ لعدم المشقة فيه كالعمرة.

(ومن عجز عن الذبح) بالطريق السابق في دم التمتع ( .. أطعم) مع الحلق والنية حيث عذر؛ لأنه أقرب إلى الحيوان من الصوم؛ لكونهما مالاً (بقيمة الشاة) طعاماً.

(فإن عجز) عن الإطعام ( .. صام بعدد الأمداد) والمنكسر، ولا يتعين للصوم محل، ولا يتوقف عليه التحلل، بخلاف الذبح والإطعام كما مر.

(والرقيق) إنما (يتحلل بالنية مع الحلق فقط).

قال في "الإيضاح": (وكل دم لزمه -أي: القن- لمحذور أو تمتع أو قران أو فوات أو إحصار لا يجب على سيده منه شيء، سواء أحرم بإذنه أم لا، وواجبه الصوم، وللسيد

ص: 687

منعه منه، أي: لغرض كضعف به -إلا صوم تمتع أو قران أذن لهما فيهما) اهـ

قال في "حاشيته": (ومثلهما دم إحصار لإذنه في سببه، وله الذبح عنه بعد موته؛ لحصول اليأس من تكفيره، وتمليكه بعد موته ليس بشرط، ولذا لو تصدق عن ميت .. جاز لا في حياته؛ لتضمنه تمليكه وهو ممتنع) اهـ

زاد في "النهاية": (فإن عتق الرقيق وقدر على الدم .. لزمه؛ اعتباراً بحالة الأداء، والمكاتب يكفر بإذن سيده؛ لأنه يملك.

والمبعض إن ارتكب محظوراً في نوبته .. فعليه دم، وإلا .. فالصوم.

والحر الذي لم يجد دماً يتحلل بالحلق مع النية إن كان برأسه شعر، وإلا .. فبالنية فقط، وتثبت الشاة في ذمته يخرجها متى قدر عليها أو على بدلها) اهـ

وسيأتي في الضحية أنَّ له أن يشرك غيره في ثواب ضحيته، وهو ينافي ما مر إلا أن يفرق.

(ولا قضاء عليهم) أي: الستة المذكورين من حيث الإحصار إذا تحللوا وإن اقترن به فوات؛ إذ لم يرد الأمر به، وقد أحصر عام الحديبية ألف وأربع مئة، ولم يعتمر منهم في العام القابل إلا نحو نصفهم، ولم يؤمر البقية بالقضاء.

ولا يرد: أنَّ المحصر يلزمه القضاء إذا أخر التحلل عن الحج مع إمكانه من غير رجاء أمن حتى فاته، أو فاته ثم أحصر، أو زال الحصر والوقت باق ولم يتحلل، ومضى في نسكه ففاته، أو سلك طريقاً مساوياً للذي أحصر منه ففاته الوقوف؛ لأن القضاء في جميع ذلك للفوات لا للحصر.

وخرج بـ (من حيث الإحصار): لزوم القضاء لغيره، كأن يكون ما حصر فيه فرضاً مستقراً عليه، كحجة إسلام بعد أولى سني الإمكان، وكنذر قدر عليه قبل عام الحصر، أو معين فيه وقضاء.

فهذه فروض مستقرة قبل الحصر، فتبقى بعده على ما كانت قبله.

ولو أحصر بعد الوقوف وتحلل ثم زال حصره .. لم يجز أن يحرم ويبني، كما في الصلاة والصوم.

(ومن شرط التحلل) من إحرامه بأن قارن نية شرطه -الذي تلفظ به عقب نية الإحرام- نية الإحرام بأن وجدت قبل تمام نية الإحرام.

ص: 688

(لفراغ زاد أو مرض) يبيح ترك الجمعة، كما في "التحفة"، أو تلحقه به مشقة لا تحتمل عادة كما في "النهاية"، أو تبيح التيمم كما في "الفتح" (أو غير ذلك) كضلال طريق وخطأ في العدد وفوات. ( .. جاز)؛ للخبر الصحيح:"حجي واشترطي، وقولي: اللهم محلي حيث حبستني".

ومن العذر: وجود من يستأجره، والحيض وغيره من كل غرض مباح مقصود، فإن عين شيئاً .. لم يتحلل لغيره، وإن قال: إن عرض عذر .. جاز تحلله لكل غرض مباح مقصود، ثم إن شرط التحلل بهدي .. لزمه، وإلا .. كان تحلله بالنية مع الحلق، ولا يلزمه الدم.

ولو قال: إن مرضت فأنا حلال .. صار حلالاً بوجود المرض من غير حلق ولا نية ولو بعد الوقوف، فإن أراد المضي في النسك .. فبإحرام جديد.

وله شرط انقلاب حجه عمرة عند نحو المرض، وتجزئه حينئذٍ عن عمرة الإسلام.

فإن قال: فلي أن أقلبه عمرة .. توقف قلبه على أن ينوي قلبه عمرة، فإن وجد العذر من غير شرط التحلل به .. لم يتحلل به، بل يصبر حتى يزول عذره، ثم إن كان نسكه عمرة .. أتمها، أو حجاً وبقي وقته .. أتمه، وإلا .. تحلل بعمل عمرة، وكان فواتاً؛ لأن المرض لا يزول بالتحلل، ولا يمنع الإتمام.

(ويتحلل من فاته الوقوف) بعرفة بعذر أو غيره، وفواته بطلوع فجر يوم النحر، فلا يجوز التحلل قبله، وإن علم عدم إدراكه، وبعده يحرم عليه استدامة إحرامه؛ لئلا يصير محرماً بالحج في غير وقته، ولو استمر محرماً إلى العام القابل مع تحمله الإثم .. لم يجزئ له؛ لأن إحرام سنة لايصلح لسنة أخرى.

قال في "التحفة": ولم نعلم أحداً جوزه إلا رواية عن مالك.

ثم إن لم يمكنه أن يتحلل بعمل عمرة .. تحلل بما مر في المحصر.

وإن أمكنه .. وجب وله تحللان، ويحصلان (بطواف وسعي) إن لم يقدمه بعد طواف القدوم (وحلق) بنية التحلل وإن لم ينو العمرة، ولا تجزئه عن عمرة الإسلام.

ويحصل الأول بواحد منهما، والثاني بفعل الثاني منهما، وسقط الرمي كالمبيت.

وإنما لم يجزه عن عمرة الإسلام؛ لأن إحرامه انعقد بالحج، فلا ينصرف لغيره،

ص: 689

وقيل: يجزئه عنها؛ وذلك لما في الموطأ: (أن هبار بن الأسود فاته الوقوف، فأمره عمر رضي الله عنه بالطواف والسعي، وبنحر ما معه من الهدي وبالحلق، والحج والهدي في القابل) ولم ينكره أحد.

(ويقضي) -إن لم ينشأ الفوات من الحصر- حجه فوراً، سواء كان فرضاً أو تطوعاً عند (م ر)؛ لأن الفوات لا يخلو عن تقصير، ولذا لم يفرق فيه بين المعذور وغيره، بخلاف الإحصار.

واعتمد (حج): القضاء فوراً في التطوع؛ لأنه أوجبه على نفسه بالشروع فيه، فتضيق عليه.

وأمَّا الفرض .. فلم يغير الشرع حكمه، بل يبقى على ما كان قبل الإحرام.

ويراعي في إحرام القضاء ما كان عليه إحرامه في الأداء، فلو أحرم به من الحليفة، ففاته ثم أتى على طريق قرن في القضاء .. لزمه أن يحرم من مثل مسافة الحليفة.

أمَّا لو نشأ الفوات من الحصر، كأن أحصر فسلك طريقاً آخر ففاته؛ لصعوبته أو طوله .. لم يقض، بل له حكم المحصر.

(وعليه) أي: من فاته الوقوف ولو بعذر (دم كدم التمتع) فيكون دم ترتيب وتقدير (ويذبحه) وجوباً (في حجة القضاء) بعد الإحرام بها، ويجوز بعد دخول وقت الإحرام بالقضاء.

كما أن دم التمتع وقت جوازه الفراغ من العمرة، ووقت وجوبه بعد الإحرام بالحج، ولا يجوز صوم الثلاث إلا بعد الإحرم بالحج في التمتع، وبالقضاء في الفوات.

قال الكردي: (ومحل الذبح -أي: وجوبه في حجة القضاء- في حجة التطوّع عند (حج)، أمَّا الفرض .. فلا قضاء عنده فيه، وقد نبه على ذلك في "الإيعاب"، وعلى هذا: فانظر متى يكون الذبح؟) اهـ

واعلم: أن كل دم أو بدله وجب في نسك يجب في عامه إلا دم الفوات .. فيجب في نسك القضاء كما مر.

(وكل دم واجب) في نسك (يجب ذبحه) وتفرقته أو تفرقة بدله من الطعام (في الحرم) على مساكينه.

ص: 690

وتجب النية عند الصرف، كما يأتي (إلا دم الإحصار) وسائر ما معه من الدماء، كما مر .. فحيث أحصر. (والأفضل) لذبح ما وجب أو ندب (في الحج) ولو لقارن ومتمتع (منى، وفي العمرة) المنفردة عن حج (المروة)؛ لأنهما محل تحللهما، وكل دم وجب في النسك أو ندب لترك سنة متأكدة كركعتي الطواف.

والجمع بين الليل والنهار بعرفة، لا يختص ذبحه بوقت، فيذبحه (في أي وقت شاء)؛ إذ الأصل عدم التأقيت، ولم يرد ما يخالفه، لكن يسن ذبحه في وقت الأضحية.

نعم؛ إن عصى بسببه .. لزمته المبادرة إليه؛ للخروج عن المعصية، كما في الكفارة.

(ويصرفه) أي: الدم أو بدله المالي جميعه (إلى) ثلاثة أو أكثر من (مساكينه) -أي: الحرم- الشاملين للفقراء؛ لأن القصد من الذبح بالحرم: إعظامه بتفرقة اللحم فيه، لا مجرد الذبح؛ لأنه تلويث له، وهو مكروه كما في "الكفاية".

والمستوطنون أولى إلا إن كان الغرباء أحوج، ولا يجب استيعابهم وإن انحصروا، ويجوز أن يدفع لكل منهم مُدّاً أو أقل أو أكثر إلا في دم التخيير والتقدير كما مر.

فإن عدموا من الحرم .. أخَّرَ الواجب المالي حتى يجدهم، ولا ينقل كالزكاة؛ إذ لا نص فيها صريح بتخصيص البلد، وأنما فيها أحاديث ظاهرها ذلك.

بخلاف ما هنا ففيه الآية، وهي (هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ) [المائدة:95] والحديث وهو "منى كلها منحر"، وخبر أبي داوود:"كل فجاج مكة منحر" وذلك صريح في التخصيص.

أمَّا الواجب البدني، وهو الصوم .. فيصومه حيث شاء، وكذا الإطعام الذي هو بدل الصوم إذا كفر عنه بالإطعام.

ولو سرق المذبوح في الحرم أو غصب ولو بغير تقصير وإن كان السارق له أو الغاصب من مساكين الحرم سواء نوى الدفع اليهم أم لا .. ذبح بدله، وهو أولى، أو اشترى بقيمته لحماً وتصدق به عليهم؛ لأن الذبح قد وجد، وينبغي أن يشتري غير اللحم أيضاً ككبد،

ص: 691

وإذا ذبح بدله .. أجزأ ما يجزئ أضحية وإن كان أقل من المسروق كما في "الإيعاب"، وتجب النية عند التفرقة أو العزل أو الذبح.

قال في "التحفة": (وظاهر كلامهم هنا: أن الذبح لا تجب النية عنده، وهو مشكل بالأضحية ونحوها إلا أن يفرق بأن القصد هنا إعظام الحرم بتفرقة اللحم فيه كما مر، فوجب اقترانها بالمقصود دون وسيلته، وثَمَّ إراقة الدم؛ لكونها فداء عن النفس، ولا يكون كذلك إلا إن قارنت نية القربة ذبحها فتأمله) اهـ

ودم غير الواجب لأجل النسك من هدي تطوّع أو نذر، كدم الجبران في المكان والأفضلية، فيختص بالحرم، والأفضل في منى لحاج، وفي المروة لمعتمر.

وأمَّا وقته .. فوقت الأضحية حيث لم يعين في نذره وقتاً، فلو أخره عن أيام التشريق .. فات إن كان تطوعاً، ووجب ذبحه قضاءً، وصرفه لمساكين الحرم إن كان واجباً، وإن عين في نذره غير وقت الأضحية .. تعين كما في "التحفة".

وقال (م ر): لم يتعين؛ إذ ليس في تعيين اليوم قربة.

وأمَّا ما ساقه الحلال .. فلا يختص بزمن كدم الجبرانات، والله سبحانه وتعالى أعلم.

* * *

ص: 692