الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(باب الزكاة)
وهي لغة: التطهير والإصلاح، قال تعالى:(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا)[الشمس:9]، أي: طهرها أو أصلحها، والنماء والمدح، ومنه:(فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ)[النجم:32]. وشرعاً: اسم لما يخرج عن مال أو بدن على وجه مخصوص.
والأصل فيها: الكتاب والسنة والإجماع. وهي معلومة من الدين بالضرورة، يكفر جاحد أصلها أو بعض جزيئاتها الضرورية. بخلاف المختلف فيه منها؛ كوجوبها في مال الصبي والتجارة.
وبخلاف غير المعلوم من الدين بالضرورة، قال الونائي نقلاً عن الشيخ خضر:(وذلك كزكاة الفطر فمن جحدها .. عرّف، فن جحدها بعد ذلك .. كفر) اهـ
وفي كونها غير معلومة من الدين بالضرورة مع كفر جاحدها ولو بعد التعريف .. نظر؛ إذ (الإيمان): التصديق بما علم من الدين بالضرورة، و (الكفر): ضده، وهو جحد شيء مما علم من الدين بالضرورة، فما لم يعلم .. كذلك ليس التصديق به داخلاً في حقيقة الإيمان، ولا جحده داخلاً في حقيقة الكفر.
نعم؛ لو قيل: إنها معلومة من الدين بالضرورة، ولكن جهل ذلك شخص؛ لعظم غباوته بأمر الدين لم يبعد فيعرف، فإن جحدها بعد ذلك .. كفر؛ لأنه لا يكفر إلا بجحد ما علم من الدين بالضرورة، وعلمه الجاحد كما حققه (حج) في:"فتح المبين"، و"الفتاوى الحديثية".
نعم؛ يمكن أنه أراد بقوله: فإن حجدها، أصل الزكاة، بأن كان غبياً، وعليه فهو واضح.
وفرضت في شعبان في السنة الثانية من الهجرة مع زكاة الفطر.
والمشهور عند المحدثين: أنها فرضت في شوال من السنة المذكورة، وزكاة الفطر قبل العيد بيومين بعد فرض رمضان، وفي كونها من الشرائع القديمة خلاف.
وقدمها على الصوم والحج مع أنهما أفضل منها؛ مراعاة للحديث، واهتماماً بشأنها؛ لأنها مظنة البخل بها.
وكما أنها اسم للمال المخرج، فهي أيضاً اسم للإخراج، فتكون بمعنى التزكية.
ووجبت في ثمانية من المال لثمانية أصناف من الناس.
ويسن لآخذ الزكاة الدعاء لمعطيها، وقيل: يجب، وأن يقول المعطي ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.
(لا تجب الزكاة) للأموال الإ بخمسة شروط، زيادة على كل ما يأتي لكل في بابه:
الأول: الحرية، فلا تجب (إلا على الحر) ولو مبعضاً، ملك ببعضه الحر نصاباً لتمام ملكه؛ ولذا كفَّر كالموسر، بخلاف الرقيق؛ لأنه لا يملك، وبخلاف المكاتب؛ لضعف ملكه.
والثاني: الإسلام؛ للخبر الصحيح: "فرضها على المسلمين"، فلا تجب إلا على (المسلم) ولو أصالة كالمرتد إن عاد للإسلام، أو وجبت عليه قبل الردة.
ولو أخرجها في ردته .. اجزأته إن عاد للإسلام، واغتفر عدم النية.
وشمل المسلم: الصبي والمجنون، فلا تجب على الكافر بالمعنى المتقدم في الصلاة.
والثالث: قوة الملك، ويعبر عنه بالملك التام، فلا زكاة على مكاتب؛ لضعف ملكه عن احتمال المواساة، ولذا لا تلزمه نفقة قريبه، ولم يرث ولم يورث، ولا على سيده فيما له عليه من دين الكتابة؛ لأنه في معرض السقوط بتعجيزه.
الرابع: تعين المالك، فلا زكاة في مال مسجد نقداً أو غيره، ولا في موقوف مطلقاً، ولا في نتاجه وثمرتِه إن كان على جهة كالفقراء أو على نحو رباط أو قنطرة.
أمَّا ثمرة الموقوف على معين .. ففيه زكاة.
وفي ثمرة الموقوف على إمام مسجد ونحوه خلاف، والراجح: عدم الوجوب.
الخامس: تيقن وجود المالك، بأن يكون (غير الجنين) فلا زكاة فيما وقف له ولو جميع التركة؛ لأنه لا ثقة بوجوده فضلاً عن حياته، حتى لو انفصل ميتاً .. لم تجب على بقية الورثة زكاة ذلك؛ لضعف ملكهم على خلاف في ذلك.
فمتى وجدت الشروط المذكورة .. وجبت الزكاة في المال عيناً أو ديناً، وفي مغصوب، وضال، ومجحود وإن تعذر أخذه، ومملوك بعقد قبل قبضه، لكن لا يجب دفعها مما ذكر إلا إذا قبضه أو تمكن من قبضه وتركه اختياراً، وتمكن من الإخراج.
والمخاطب بإخراجها من مال المحجور عليه: الولي الذي يعتقد وجوبها في مال المولى عليه، ويعصي بتأخيرها وإن كان المولى عليه حنفياً؛ إذ العبرة بعقيدة الولى.
ولو لم يخرجها الولى المعتقد للوجوب .. أثم، ولزم المولى عليه إخراجها ولو حنفياً إذا كمل كما في "التحفة".
ولا يمنع الدين من وجوبها وإن حجر به، وقيل: يمنع وجوبها مطلقاً.
ولو اجتمع زكاة أو غيرها من حقوق الله كحج وكفارة ودين آدمي في تركة، وضاقت عنهما .. قدم حق الله تعالى وإن سبق تعلق غيرها عليها؛ لخبر:"فدين الله أحق بالقضاء"، ولأنه يصرف للآدمي ففيه حق الله وحق الآدمي.
نعم؛ الجزية ودين الآدمي يستويان، وكون حق الله مبنياً على المسامحة كما في الحدود.
ولو اجتمعت زكاة وغيرها من حقوق الله .. استويا ما لم تتعلق الزكاة بعين المال بأن بقي النصاب، وإلا .. قدمت.
وخرج بـ (تركة): اجتماعهما على حي ضاق ماله، فإن لم يحجر عليه .. قدمت الزكاة جزماً، وإلا .. قدم دين الأجنبي جزماً ما لم تتعلق بالعين، وإلا .. فتقدم مطلقاً.
ثم شرع في بيان ما تجب الزكاة فيه بقوله:
(وذلك) أي: وجوب الزكاة (في أنواع) خمسة أو ستة؛ لأنها إمَّا زكاة بدن، وهي زكاة الفطر، أو زكاة مال، وهي إما متعلقة بالعين، وهي زكاة النعم والمعشرات والنقد والركاز، وإمَّا متعلقة بالقيمة، وهي زكاة التجارة.
(الأول: النعم) الإبل والبقر والغنم، فلا تجب في غيرها من الحيوانات إلا لتجارة، ولا في متولد بين زكوي وغيره، كبين غنم وظباء.
وإنما لزم المحرم جزاؤه؛ تغليظاً عليه، وتجب في متولد بين زكويين، كبين بقر وإبل، لكن تعتبر بأخفهما؛ لأنه المتيقن، لكن بالنسبة للعدد لا للسن.
فتجب في أربعين متولدة بين ضأن وبقر ما له سنتان.
(ففي كل خمس من الإبل إلى عشرين) منها (شاة) ففي خمس: شاة، وعشر: شاتان، وخمسة عشر: ثلاث شياه، وعشرين: أربع شياه.
والمراد بالشاة (جذعة، أو جذع ضأن له سنة) أو أجذع قبل تمامها، أو تمت لها سنة وإن لم تجذع (أو ثنية معز، أو ثني له سنتان) كاملتان.
وإنما أجزأ الذكر هنا؛ لصدق اسم الشاة عليه؛ إذ تاؤها للوحدة، لا لتأنيث، ولأنها من غير الجنس.
وشرط الشاة هنا: كونها من غنم البلد أو مثلها، أو أعلى منها قيمة، وأن تكون صحيحة وإن كانت إبله مريضة أو معيبة؛ لأن الواجب هنا في الذمة، فلم يعتبر فيه صفة المخرج عنه بخلافها فيما يأتي.
فإن لم يجد صحيحة .. فرّق قيمتها، كمن فقد بنت مخاض مثلاً فلم يجدها، ولا ابن لبون .. فيفرق قيمتها؛ للضرورة.
(وفي خمس وعشرين بنت مخاض) وهي ما (لها سنة) كاملة، سميت بذلك؛ لأن أمها آن لها أن تحمل مرة أخرى، فتصير من المخاض، أي: الحوامل، وتجزئ في أقل من خمس وعشرين وأن زادت قيمة الشاة عليها.
(أو ابن لبون) ولو خنثى، وهو ما (له سنتان) وإن لم يساو قيمة بنت مخاض؛ لأن زيادة السن تجبر نقص الذكورة.
وإنما يجزئ (إن فقدها) -أي: بنت المخاض- بأن لم يملكها، أو ملكها معيبة أو مغصوبة وعجز عن إخراجها من الغاصب عند الإخراج، أو مرهونة، ولا يكلف تحصيلها بشراء أو غيره، وله إن لم يطلب جبراناً إخراج بنت لبون فما فوقها ولو مع وجود ابن لبون.
نعم؛ لو كانت عنده بنت مخاض كريمة .. منعت إخراج ابن لبون فما فوقه، فيخرجها، أو يحصل بنت مخاض أخرى بنحو شراء، ولا يكلف عن الحوامل حاملاً.
(وفي ست وثلاثين بنت لبون) وهي ما (لها سنتان) كاملتان، سميت بذلك؛ لأن أمها آن لها أن تضع ثانياً، وتصير ذات لبن.
(وفي ست وأربعين حقة) وهي ما (لها ثلاث) من السنين، سميت بذلك؛ لأنها آن لها أن تركب، ويطرقها الفحل.
(وفي إحدى وستين جذعة) -بالذال المعجمة- وهي ما (لها أربع) سنين تامة، ويلزم من تمامها طعنها فيما بعدها، وكذا فيما قبلها، سميت بذلك؛ لأنها أجذعت، أي: أسقطت مقدم أسنانها.
(وفي ست وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان، وفي مئة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون، وفي مئة وثلاثين حقة وبنتا لبون، ثم) بزيادة كل عشر يتغير الواجب، فيجب (في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة) وما بين النصب عفو.
وأعلم: أن أسنان الزكاة تحديدية لا يغتفر فيها نقص، بل لا بد من الزيادة بأن تطعن بنت المخاض في الثانية، وبنت اللبون في الثالثة، والحقة في الرابعة، والجذعة في الخامسة.
والأصل في ذلك: كتاب أبي بكر لأنس، كما في "البخاري".
(ومن فقد واجبه) أو ما نزل منزلته من الإبل ( .. صعد إلى أعلى منه) بدرجة، كالحقة إن كانت سليمة، وقال الزيادي: مطلقاً.
(وأخذ) جبراناً، أعني:(شاتين كالأضحية) أي: يجزئان فيها بأن يكون كل ثنية معز، أو جذعة ضأن، أو لها سنة وإن لم تجذع، (أو) أخذ (عشرين درهماً) نقرة خالصة (إسلامية)؛ لأنها المراد عند الإطلاق.
نعم؛ لو لم يجدها أو غلبت المغشوشة .. أجزأ منها ما يكون فيه من النقرة قدر الواجب.
ولا يبعض جبران واحد، فلا يجوز شاة وعشرة دراهم إلا إن كان الآخذ له المالك، ورضي بذلك (أو نزل إلى أسفل منه) أي: من واجبه بدرجة، كبنت المخاض، كما في المثال المذكور.
(وأعطى بخيرته) جبراناً، أي:(شاتين، أو عشرين درهماً) إسلامية كما مر بخيرة الدافع فيهما.
ومصرف الجبران بيت المال، فإن تعذر .. فمن مال المستحقين.
وقي "شرح سم" على "الغاية": قضية نص "الأم": أنه فيما يقبضه من الزكاة، ويعمل العامل بالمصلحة لهم في دفعه وأخذه، أي: طلبه، وإن لم يجب على المالك موافقته.
ويجوز أن يصعد أو ينزل درجتين فأكثر مع تعدد الجبران عند فقد قربى في جهة المخرجة، كأن لم يجد من لزمته بنت مخاض إلا حقة، أو إلا جذعة، فيخرج الحقة مع أخذه جبرانين، أو الجذعة مع أخذه ثلاثة.
وكأن لم يجد من لزمته حقة إلا بنت مخاض، فيخرجها مع فقد بنت لبون، ويعطى جبرانين.
وللمالك الصعود أكثر من درجة إذا قنع بجبران واحد مطلقاً، أمَّا إذا لم يفقد واجبه .. فيمتنع النزول وكذا الصعود إن طلب جبراناً.
والمعيب والكريم هنا كالمعدوم؛ لخبر: "إياك وكرائم أموالهم".
وإنما منعت بنت مخاض كريمة ابن لبون؛ لأن الذكر لا مدخل له في فرائض الإبل، فكان الانتقال إليه أغلظ من الصعود والنزول، وأكثر الصعود أربع درجات، وأكثر النزول ثلاث.
ولو اتفق في إبل أو بقر في نصاب واحد فرضان .. وجب الأغبط منهما للمستحقين، ففي مئتي بعير يجب الأغبط من أربع حقاق، أو خمس بنات لبون إن وجدا بماله بصفة الإجزاء كاملاً.
ولو أخذ الساعي غير الأغبط .. لم يجزئ فيرد، هذا إن قصر الساعي أو دلس المالك، وإلا .. أجزأ، وجبر تفاوت النقص من نقد البلد، أو بجزء من الأغبط، لا من المأخوذ.
وإن وجد أحدهما بماله فقط .. أخذ وإن وجد بعض من الآخر، وإن لم يوجدا أو أحدهما بماله بصفة الإجزاء .. فله تحصيل ما شاء منهما كلاً أو بعضاً متمماً به ما عنده بشراء أو غيره ولو غير أغبط؛ لما في تحصيل الأغبط من المشقة.
* * *