الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صلاة الجمعة
من حيث ما تميزت به من اشتراط أمور لصحتها، وأخرى للزومها، وكيفية لأدائها، وتوابع لذلك.
وهي بإسكان الميم وتثليثها، والضم أفصح، وبالسكون فقط: اسم للأسبوع.
وسميت بذلك؛ لاجتماع الناس لها، أو لاجتماع آدم بحواء فيه، أو لأن الله جمع خلق آدم فيه، ويسمى في الجاهلية: يوم العروبة.
وهي فرض عين.
وروي أن يومها سيد الأيام وأعظمها.
وصحح ابن حبان خبر: "لا تطلع الشمس ولا تغرب على يوم أفضل من يوم الجمعة".
وفي خبر مسلم: "إنه خير يوم طلعت عليه الشمس".
وفي الخبر: "يعتق الله فيه ست مئة ألف عتيق من النار، من مات فيه .. كتب له أجر شهيد، ووقي فتنة القبر".
وهي من خواص هذه الأمة، وأفضل أيام الأسبوع، بل عند أحمد إنه أفضل من يوم عرفة، وفضَّل كثير من أصحابه ليلته على ليلة القدر.
والجديد: أن صلاتها مستقلة لا ظهر مقصورة؛ لأنه لا يغني عنها، ولقول عمر: (إنها تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم.
وهي: ركعتان، وهي كغيرها في الأركان والشروط والآداب.
ولكن إنما (تجب الجمعة على كل مكلف) أي: بالغ عاقل، وكذا متعد بمزيل عقله، وإن لم يكن مكلفاً .. فتلزمه كغيرها لزوم انعقاد سبب؛ إذ لا تصح منه فيقضيها عند إفاقته فوراً (حرٍّ، ذكرٍ، مقيم) بمحل الجمعة، أو بمحل يسمع النداء منه (بلا مرض، ونحوه مما تقدم) في أعذار الجمعة والجماعة.
فدخل في (مكلف حر
…
إلخ) الأخير؛ إذ المعتمد أن المعتمد أن الإجارة غير عذر في
الجمعة، بخلاف جماعة غيرها إن طال زمنها على زمن الانفراد، ويفرق بأن الجماعة صفة تابعة وتتكرر، فاشترط لاغتفارها أن لا يطول زمنها على زمن الانفراد وإلا .. اكتفي لتفريغ الذمة بالصلاة فرادى، بخلاف الجمعة فلم تسقط وإن طال زمنها على زمن الانفراد، والكلام في الصحيحة.
أمَّا الفاسدة .. فتجب فيها الجماعة ما لم يضع يده على ما يتلف أو يفسد عمله فيه بحضوره الجمعة أو الجماعة، وإلا .. فلا تجب وإن أثم؛ وذلك للخبر الصحيح:"الجمعة حق واجب على كلّ مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض".
فلا جمعة على غير مكلف ومن أُلحق به كصبي ومجنون ومغمىً عليه، ولا على من فيه رق وإن قل، ولا على غير ذكر من امرأة أو خنثى، ولا على مسافر ولو سفراً قصيراً، ولا على من له عذر من أعذار الجمعة السابقة مما يمكن إتيانه هنا، كمرض يشق معه الحضور كمشقة المشي في المطر أو الوحل.
نعم؛ تسن لمريض أطاقها، ولعجوز مبتذلة، ولسيد قن أن يأذن له في حضورها، ويجب أمر الصبي بها كغيرها من مأمورات الشرع.
ومن العذر: إبرار قسم من حلف عليه أنه لا يخرج من بيته مثلاً خوفاً عليه، ومن حلف أنه لا يصلي خلف زيد فولي إمامة الجمعة، وقيل: يصلي خلفه ولا يحنث؛ لأنه مكره شرعاً، ولو اجتمع في الحبس أربعون .. لزمهم إقامتها فيه عند (م ر).
(وتجب) الجمعة على أعمى وجد قائداً ولو بأجرة فاضلة عما يعتبر في الفطرة، وإلا .. فلا وإن أحسن المشي بالعصا أو قرب منزله، ولم يخش ضرراً عند (حج)، وعلى زمن وجد مركباً لا يشق عليه ركوبه، و (على المريض، ونحوه) ممن عذر بمرخص في ترك الجماعة (إن حضر) محل إقامتها، أو قريباً منه مما لا يبقى معه مشقة في الحضور (وقت إقامتها) ولا يجوز له الانصراف إن لم يصل الظهر قبل حضوره؛ لزوال المشقة بحضوره، لكن لو انصرف .. لا يجب عليه العود.
نعم؛ إن كان هناك مشقة في عدم انصرافه لا تحتمل عادة، كمن به إسهال ظن انقطاعه، فحضر ثم عاد .. فله الانصراف وإن أحرم بها، حيث علم أنه إن استمر فيها .. جرى جوفه، بل يجب، وكذا إن زاد ضرره بتطويل الإمام.
(أو حضر في الوقت) أي: بعد الزوال (ولم يشق عليه الانتظار) بأن لم يزد ضرره بالانتظار، فلا يجوز له الانصراف؛ لأن المانع: مشقة الحضور وقد حضر، أمَّا إذا حضر قبل الوقت .. فله الانصراف وإن لم يتضرر بالانتظار، ولمن لا تلزمه الانصراف مطلقاً ما لم يحرم بها.
(و) كما تجب على أهل محل إقامتها تجب أيضاً (على) غيرهم من (من بلغه) نداء الجمعة، بحيث يعلم أن ما سمعه نداؤها وإن لم تبن له كلماته، وبحيث يكون معتدل السمع؛ لخبر:"الجمعة على من سمع النداء"، وهو ضعيف، ولكن له شاهد جيد، وهو خبر:"من سمع النداء، فلم يأته .. فلا صلاة له إلا من عذر"، أي: تجب على مقيم بمحل بحيث يبلغه ولو بالقوة، وهو واقف بطرف محلته الذي يلي (نداء) شخص (صيت) أي: عالي الصوت عرفاً، يؤذن كعادته في علو الصوت، وهو واقف بمستو ولو تقديراً (من طرف موضع الجمعة) الذي يلي السامع (مع سكون الريح) ولو تقديراً؛ لأنها تارة تعين على السمع، وتارة تمنعه.
(والصوتِ)؛ لأنه يمنع وصول النداء.
وتجب أيضاً على مسافر من محلها إلى المحل المذكور، وعلى العاصي بسفره.
وأفهم قولنا: بمستو ولو تقديراً: أنه لو علت قرية وسمعوا النداء، ولو استوت .. لم يسمعوا، أو انخفضت .. فلم يسمعوا، ولو استوت .. لسمعوا .. وجبت في الثانية دون الأولى؛ لتقدير الاستواء.
ولمن حضر صلاة عيد يومُه يوم جمعة الانصراف بعده قبل دخول وقتها، وعدم العود إليها وإن سمعوا النداء؛ تخفيفاً عليهم، فإن لم يحضروا العيد .. لزمتهم.
وهذا في محل لا يبلغ أهله أربعين كاملين، وإلا .. فتجب عليهم ببلدهم وإن لم تكن مصراً، ويحرم ذهابهم لها لبلدة أخرى.
و (لا) تجب (على مسافر سفراً مباحاً طويلاً أو قصيراً) إن فارق محل إقامته قبل الفجر.
(ويحرم على من لزمته) وإن لم تنعقد به، كمقيم غير متوطن (السفر بعد الفجر)
ولو قصيراً أو طاعةً؛ لأنها منسوبة إلى اليوم وإن كان وقتها بالزوال، ولذا دخل غسلها بالفجر، ولزم بعيد الدار السعي قبل وقتها من الفجر؛ ليدركها.
(إلا مع إمكانها) بأن يغلب على ظنه إدراكها (في طريقه)، أو مقصده؛ لحصول المقصود، وحينئذٍ فلا يحرم وإن تعطلت بلده عن الجمعة بأن كان تمام الأربعين فيها؛ لأنه تعطيل لحاجة .. فلا يضر، بخلاف ما لو عطل أربعون بلدهم عن الجمعة؛ لأنه لغير حاجة، ولو تبين خلاف ظنه أنه يدركها .. فلا إثم، لكن لو أمكنه العود وإدراكها .. وجب.
(أو توحش بتخلفه عن الرفقة) وإن لم يخف ضرراً.
وفي "التحفة" كـ"النهاية": أن مجرد الوحشة ليس بعذر.
ولو احتاج للسفر؛ لإدراك عرفة أو مال .. جاز ولو بعد الزوال، بل يجب لإنقاذ حيوان.
ويكره السفر ليلة الجمعة؛ لما روي بسند واهٍ: "من سافر ليلة الجمعة .. دعا عليه ملكاه".
(وتسن الجماعة في ظهر المعذورين) الذين ببلد الجمعة؛ لعموم الأدلة الطالبة للجماعة (ويخفونها) كأذانها ندباً (إن خفي العذر)؛ لئلا يتهموا بالرغبة عن صلاة الإمام، ولذا كره إظهارها، بخلاف من هم خارج البلد أو فيها وقد ظهر عذرهم، فيظهرونها ندباً.
ولو زال العذر أثناء الظهر قبل فوات الجمعة .. أجزأتهم.
ويسن لهم الجمعة (ومن صحت ظهره) ممن لا تلزمه الجمعة، كالصبي ( .. صحت جمعته) إجماعاً؛ لأنها أكمل في المعنى وإن كانت أقصر صورة، فإذا اجزأت الكاملين الذين لا عذر لهم .. فأصحاب الأعذار أولى.
قال (ق ل): قوله: صحت جمعته، أي: أجزأته عن ظهره؛ لأنها تسقط الظهر عن غير أهل الأعذار، فأهل الأعذار بالأولى.
والفرق بين الإجزاء والصحة أن الإجزاء يستلزم اسقاط القضاء، بخلاف الصحة.
(ومن وجبت عليه) الجمعة وإن لم تنعقد به ( .. لا يصح إحرامه بالظهر قبل سلام الإمام) من الجمعة يقيناً ولو بعد رفع رأسه من ركوع الثانية؛ للزومها له ما أمكن، كما
يأتي؛ إذ يمكن أن يشك الإمام في فعل ركن من الأولى، فيأتي بركعة ويدركها معه المأموم، فإن سلم إمامها قبل إحرامه بها .. لزمه فعل الظهر في وقته فوراً، ويكون حينئذٍ أداء على الأصح فيهما.
تنبيه: لو جرت عادة أربعين ببلد بعدم إقامة الجمعة .. قال (حج): لا يجوز لهم صلاة الظهر إلا بعد اليأس منها، بأن يضيق الوقت عن واجب الخطبتين والصلاة، واعتمد (م ر) جواز الظهر وإن لم يضق الوقت.
(ويندب للراجي زوال عذره) قبل فوات الجمعة، كقن يرجو العتق ومريض يرجو الشفاء، أي: يتوقعانه وإن لم يظناه (تأخير ظهره إلى اليأس من) إدراك (الجمعة) بأن يرفع الإمام رأسه من ركوع الثانية، أو يكون بمحل لا يصل منه لمحل الجمعة إلا وقد رفع الإمام رأسه منه، كما في "التحفة".
نعم؛ لو أخروا الجمعة إلى أن يبقى من الوقت قدر أربع ركعات .. لم يسن تأخير الظهر قطعاً، ولا يشكل بما لو أحرم بالظهر قبل سلام إمام الجمعة ولو احتمالاً، حيث لم يصح؛ لأن الجمعة في هذه لازمة، فلا ترتفع إلا بيقين، بخلافها في المعذورين.
أمَّا من لا يرجو زوال عذره كالمرأة والزمن .. فيسن له -حيث عزم أن لا يصلي الجمعة- تعجيل الظهر لأول وقتها؛ ليحوز فضله.
واعتمد (م ر) ندب التعجيل مطلقاً.
* * *
(فصل: للجمعة) أي: لصحتها (شروط زوائد) على شروط غيرها من بقية الصلاة.
(الأول:) أن تقع كلها مع خطبتيها في (وقت الظهر)؛ للاتباع، رواه البخاري، وعليه عمل الخلفاء الراشدين، وخبر الشيخين بـ (الانصراف منها، وليس للحيطان ظل يستظل به) لا ينافي ذلك؛ لأنه إنما يدل على شدة التعجيل، ومعه لم يحصل عند الانصراف منها ظل يستظل به، خصوصاً وبيوتهم غير مرتفعة.
وقال (حج)، و (م ر): (ولو أمر الإمام بالمبادرة بها أو عدمها .. وجب ما أمر به، قال السيد عمر البصري: يحتمل أن المراد بالمبادرة قبل الوقت، وبعدمها تأخيرها
إلى وقت العصر، كما قال بكلٍّ بعض الائمة، ولا بعد فيه وإن لم يقلد؛ لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف) اهـ
وبينت في "الأصل" أن هذا من أمر الحاكم لا من حكمه، وقد قالوا: العبرة بعقيدة المأمور لا الآمر.
ومنه: لو أمر الإمام بقتل الحر بالعبد وهو يرى ذلك والجلاد لا يراه، فقتله الجلاد بذلك الأمر بلا إكراه .. لزمه القصاص وحده، وغير ذلك.
(فلا) يجوز الشروع فيها مع الشك في بقاء وقتها، ولا تصح، ولا (تقضى جمعة)؛ لأنه لم ينقل، بل إذا فات الوقت .. يصلي الظهر قضاء عنه لا عنها، وكذا لا تقضى راتبتها (فلو ضاق الوقت) عن أن يسعها مع خطبتيها بأقل مجزئ، ولو بخبر عدل أو فاسق اعتقد صدقه، أو شكوا في بقائه ( .. أحرموا بالظهر) وجوباً؛ لفوات الوقت، ولو شك في بقائه - فنوى الجمعة إن بقي الوقت، وإلا .. فالظهر- فبان بقاؤه .. صح عند (م ر)، ولا يضر هذا التعليق؛ لاستناده إلى أصل بقاء الوقت، كما لو نوى صوم غد ليلة الثلاثين من رمضان إن كان منه.
ولو مد الركعة الأولى حتى لو يبق من الوقت ما يسع الثانية .. أثم، وانقلبت ظهراً من الآن عند (حج)، وعند خروج الوقت عند (م ر)، فعليه يجهر إلى خروجه؛ وذلك لأنهما صلاتا وقت واحد، فجاز بناء أطولهما على أقصرهما كصلاة الحضر مع السفر.
ولو خرج الوقت وهم فيها .. أتموا ظهراً وجوباً، ولا يشترط تجديد نيته.
ولو سلم بعض العدد في الوقت وبعضه خارجه جهلاً .. بطلت جمعة الكل، فيتمونها ظهراً إن قرب الفصل بين سلامهم وعودهم إلى الظهر، ولا يضر الشك في أثنائها في خروج الوقت؛ لأن الأصل بقاؤه.
ولو قام المسبوق ليكمل، فخرج الوقت .. انقلبت له ظهراً أيضاً.
(الثاني) من الشروط: (أن تقام في خِطة) -بكسر الخاء- محل الأبنية، وما بينها من كل محل معدود منه بأن لم يجز لمريد السفر القصر فيه، وإن لم يكن مسجداً، سواء كان ذلك من (بلد أو قرية) ولو مبنية من نحو خشب أو قصب أو سعف؛ للاتباع، ويشترط اجتماع الأبنية عرفاً.
وكالبلد والقرية بناء واحد يجتمع فيه العدد المعتبر، والسراديب والغيران بحيث تعد إقامتهم كالقرية الواحدة.
ولو تعددت مواضع متقاربة، وتميز كل باسمٍ .. فلكل حكمه إن عد مع ذلك كل قرية مستقلة عرفاً، وحريم القرية لا تجوز فيه الجمعة إلا تبعاً لأربعين في الخطة، وغير الحريم لا يجوز فيه إن جاز القصر فيه، وإلا .. جازت، قاله (ب ج).
وفي (حج): أنه لا يضر خروج من عدا الأربعين إلى محل القصر، وقد تجب إقامتها في غير أبنية كأن خربت قريتهم، فأقاموا لعمارتها، أو بقصد عدم التحول منها، ولو في غير مظال، بخلاف غير أهلها، أو بقصد التحول منها، وما لو نزل أربعون بمكان؛ ليعمروه قرية .. فلا تقام في جميع ذلك.
فعلم: أنه لا يشترط لها مسجد، بل تصح في الفضاء، ولا إذن إمام، لكن يشترط لتعددها.
وخرج بالأبنية: الخيم؛ لأنهم كالمستوفزين، ولأن قبائل العرب حول المدينة لم يؤمروا بها.
نعم؛ إن سمعوا النداء من قرية أو بلد .. لزمتهم، وكذا لو كانت الخيام في خلال الأبنية.
(الثالث) من الشروط: (أن لا يسبقها، ولا يقارنها جمعة في تلك البلد) مثلاً وإن عظمت وكثرت مساجدها؛ للاتباع (إلا لعسر الاجتماع) بأن لم يكن في محل الجمعة موضع يسعهم بلا مشقة ولو غير مسجد.
والعبرة بمن يغلب فعلهم لها عادة، كما في "التحفة"، و"النهاية"، و"المغني".
أو بمن تصح منه، من تلزمه ومن لا تلزمه، واعتمده جمع، وفيه فسحة عظيمة.
واعتمد (سم) في "حاشية التحفة": أن العبرة بمن يحضر بالفعل في تلك الجمعة.
قال في "الإيعاب": وهو القياس، فإن عسر اجتماعهم إمَّا لكثرتهم، أو لقتال بينهم، أو لبعد أطراف البلد، وحدُّه هنا: كما في الخارج عن البلد؛ أي: بأن لا يبلغهم النداء بشرطه المتقدم .. جاز التعدد بحسب الحاجة، وتبطل فيما زاد عليها.
ومن شك أنه من الأولين أو الآخرين، أو أن التعدد لحاجة، أو لا .. لزمته إعادة الجمعة إن أمكن، وإلا .. فالظهر.
أمَّا إذا سبقت واحدة مع عدم عسر الاجتماع .. فهي الصحيحة، وما بعدها باطل، وأمَّا إذا تقارنتا .. فهما باطلتان، والعبرة في السبق، والمقارنة بالراء من تكبيرة إحرام الإمام وإن تأخر إحرام العدد إلى ما بعد إحرام الأخرى، وإن علم سبق وأشكل الحال، أو علم السابق ثم نسي .. فالواجب الظهر على الجميع؛ لالتباس الصحيحة بالفاسدة.
وإن علمت المقارنة أو شك فيها، أو لم يعلم سبق ولا مقارنة .. أعيدت الجمعة إن اتسع الوقت؛ لعدم وقوع الجمعة مجزئة، فإن أيس من إعادتها .. صلى الظهر، واكتفى (م ر) باليأس العادي.
وقال (حج): لابد من الحقيقي كما مر.
والاحتياط للمصلي ببلد تعددت جمعته لحاجة، ولم يعلم سبق جمعته أن يعيدها ظهراً؛ خروجاً من خلاف من منع التعدد ولو لحاجة، وهو ظاهر النص، وألَّف فيه السبكي أربعة مصنفات، قال: وهو الصحيح مذهباً ودليلاً، وقول أكثر العلماء.
(الرابع) من الشروط: (الجماعة) في الركعة الأولى، فلو أحدث الإمام في الثانية أو فارقوه فيها .. لم يضر، ويتمونها فرادى.
أمَّا العدد .. فيشترط: بقاؤه إلى السلام، حتى لو أحدث واحد من الأربعين قبل سلامه ولو بعد سلام من عداه .. بطلت جمعة الجميع.
(وشرطها) أي: الجماعة فيها زيادة على شروط الجماعة في غيرها: (أربعون)؛ لأن هذا العدد فيه كمال، ولذا كان زمن بعث الأنبياء، وقدر ميقات موسى وغير ذلك، والجمعة ميقات المؤمنين، فاعتبر لها هذا العدد الكامل، حتى قيل: إنه لم يجتمع أربعون إلا وفيهم ولي لله، فلا بد فيها من أربعين ولو بالإمام؛ للإجماع على اشتراط العدد فيها، ولا مدخل للرأي فيه، فاشترط فيه توقيف؛ إذ الغالب على أحوالها التعبد.
وقد صح: أن أول جمعة صليت بالمدينة كانت أربعين، ولقول جابر:(مضت السنة: أن في كل ثلاثة إماماً، وفي كل أربعين جمعة)، وخبر:"لا جمعة إلا في أربعين"، وغير ذلك.
لكن قال بعضهم: لم يثبت في الجمعة حديث، لكن الخبر الصحيح، وهو "صلوا كما رأيتموني أصلي" قد يدل لذلك؛ إذ لم تثبت صلاته لها بأقل من ذلك.
وأمَّا خبر انفضاضهم فلم يبق إلا اثنا عشر .. فمحتمل لعودهم أو لمجيء غيرهم، فلم يصلح دليلاً لما دون الأربعين.
ولو صلاها شخص في قرية، أو صلى مريض الظهر، ثم حضر أحدهما محل جمعة .. حسب من الأربعين، وتكون الجمعة للمريض نفلاً مطلقاً كما رجحه (ب ج)، وقيل: الظهر نفلاً مطلقاً والجمعة الفرض.
ولا بد في كل من الأربعين في كونه: (مسلماً، ذكراَ، مكلفاً) أي: بالغاً عاقلاً (حراً) مميزاً؛ ليخرج السكران، بناء على أنه غير مكلف، فلا تلزم أضداد هؤلاء؛ لنقصهم كما قدمته، ولا تنعقد بهم كما ذكره هنا، فلا تكرار (متوطناً) بمحل إقامتها، فلا تنعقد بغير أهل محل إقامتها وإن لزمهم حضورها.
قال في "التحفة": (لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقم الجمعة بعرفة في حجة الوداع مع عزمه على الإقامة أياماً وفيه نظر؛ لأنه كان مسافراً؛ إذ لم يقم بمحل أربعة أيام صحاح، وعرفة لا أبنية بها، فليست دار إقامة إلا أن يجاب بأنه لم يقم فيها الجمعة؛ لعدم أبنية ومستوطن) اهـ
قال السبكي: (لم يقم عندي دليل على عدم انعقادها بالمقيم غير المتوطن) اهـ
ومن توطن خارج السور .. لا تنعقد به الجمعة داخله، وعكسه؛ لأنه يجعلهما كبلدتين منفصلتين، كما في "التحفة"، وفي "الأصل" هنا ما له تعلق بذلك.
والمتوطن هنا من (لا يظعن) أي: يسافر عن محل إقامته شتاءً، ولا صيفاً (إلا لحاجة) كتجارة وزيارة، فلا تنعقد بمسافر ومقيم ناوٍ العودَ لبلده ولو بعد مدة طويلة، كالمتفقهة، ومتوطن خارج بلد الجمعة وإن لزمته.
وفي صحة تقدم إحرام من لا تنعقد بهم خلاف رجح في "الإيعاب" كـ"شرح المنهج" لزوم تأخرهم.
وفي "المغني"، و"النهاية" و"التحفة" عدم اللزوم.
(فإن نقصوا) عن العدد المعتبر بانفضاض أو غيره في الخطبة، أو بينها وبين الصلاة، أو (في) الركعة الأولى من (الصلاة .. بطلت) الخطبة في الأوليتين، والجمعة
في الثالثة (وصارت ظهراً) وإن أمكن استئنافها جمعة إلا إن تموا على الفور ممن سمع أركان الخطبتين .. فحينئذٍ يبني في الصور الثلاث على ما مضى إن أدركوا الفاتحة والركوع قبل ارتفاع الإمام عن أقله، كما في تباطئهم الآتي، أو أحرم قبل الانفضاض من كمل العدد به وإن لم يسمع الخطبة؛ لأنهم لما لحقوا والعدد تام .. صار حكمهم واحداً.
ثم إن أدرك الأوّلون الفاتحة .. لم يشترط تمكنهم منها؛ لأنهم تابعون لمن أدركها، وإلا .. اشترط أن يدركها هؤلاء مع الركوع قبل ارتفاع الإمام عن أقله.
ولو أحرم تسعة وثلاثون لاحقون بعد رفع الإمام من ركوع الأولى، ثم انفض الأربعون الذين أحرم بهم .. فالجمعة باقية وإن لم يدرك اللاحقون الركعة الأولى؛ لما مر.
ولا يضر تباطؤ المأمومين بالإحرام بعد إحرام الإمام بشرط أن يتمكنوا من الفاتحة والركوع قبل ارتفاع الإمام عن أقله، وإلا .. لم تصح.
ولو كان في الأربعين أمي قصر في التعلم .. لم تصح؛ لارتباط صحة صلاة بعضهم ببعض، فصار كاقتداء القارئ بالأمي.
وجرى في "التحفة" أخذاً من التعليل: أنه لا فرق بين أن يقصر، وأن لا، وأَنَّ الفرق بينهما غير قوي؛ لما تقرر من الارتباط.
ومنه يعلم: أنه لا بد من إغناء صلاة كل من الأربعين عن القضاء كما في (حج) و (م ر).
ولو جهلوا الخطبة كلهم .. لم تصح الجمعة.
(ويجوز كون إمامها عبداً أو مسافراً أو صبياً) أو محدثاً لم يبن حدثه إلا بعد الصلاة على ما في "الشرح"، وفي "فتاويه"، و (سم). وإن بان في الصلاة.
ومثله ما لا يطلع عليه، كنجاسة خفية ونحوها، أو محرماً برباعية كالعصر.
(إن زاد على الأربعين) ولم يتحمل على أحد منهم الفاتحة، ولا أثر لحدثه؛ لأنه لا يمنع الجماعة، فإن لم يكن زائداً على الأربعين .. لم تنعقد؛ لانتفاء العدد المعتبر.
ومثله: لو بان كافراً أو امرأة، أو ذا نجاسة ظاهرة، ونحو ذلك مما يطلع عليه وإن زاد على الأربعين.
ولو بان حدث المأمومين، أو بعضهم بعد الصلاة .. صحت للإمام وللمتطهر منهم؛ تبعاً له وإن لم يبلغوا الأربعين.
واغتفر في حقه فوات العدد هنا، ولم يغتفر في تبين حدثه؛ لأنه -مع عذره لكون ذلك مما يخفى- متبوعٌ مستقل، كما اغتفر في حقه انعقاد صلاته جمعة قبل أن يحرموا خلفه. وأمَّا تعليل "الشرح" بأنه لم يكلف العلم بطهارتهم .. فيقال بمثله في المأمومين لو بان حدثه، وهو غير صحيح.
تنبيه: الناس في الجمعة ستة أقسام:
من تلزمه وتنعقد به، وتصح منه، وهو من اجتمعت الشروط المذكورة فيه، ولا عذر له.
ومن لا تلزمه ولا تنعقد به، وتصح منه، وهو من فيه رق ومسافر وعبد وصبي وامرأة ومن لم يسمع النداء.
ومن لا تلزمه وتنعقد به، وهو من له عذر كمريض.
ومن تلزمه ولا تصح منه، وهو المرتد.
ومن لا تلزمه ولا تنعقد به، وهو الكافر الأصلي، وغير المميز.
ومن تلزمه وتصح منه ولا تنعقد به، وهو المقيم غير المتوطن، ومتوطن بمحل خارج بلد يسمع منه النداء.
(الخامس) من الشروط: (خطبتان قبل الصلاة)؛ للاتباع.
وأخرت خطبة نحو العيد؛ للاتباع أيضاً، ولأن هذه شرط للجمعة، وهو مقدم، بخلاف تلك فتكملة، فكانت الصلاة أهم منها.
(وفروضهما) من حيث الجميع ثمانية، ومن حيث المجموع (خمسة: حمد الله)؛ للاتباع، أي: الحمد، وما اشتق منه مع إضافته للجلالة، كالحمد لله، أو لله الحمد، أو أحمد الله، أو أنا حامد لله.
فلا يكفي نحو لا إله إلَاّ الله، خلافاً لمالك وأبي حنيفة، ولا الشكر لله، ولا الحمد للرحمن.
(والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: مصدرها، وما اشتق منه، كاللهم صل، أو صلى الله، أو أصلي، أو نصلي، أو الصلاة والسلام على سيدنا محمد أو على محمد أو أحمد أو الرسول أو النبي أو الحاشر أو البشير أو نحو ذلك.
لا سلام الله على محمد، ولا رحم الله محمداً ولا صلى الله عليه.
(والوصية بالتقوى)، للاتباع، ولأنها المقصود الأعظم من الخطبة، فلا يكفي مجرد التحذير من الدنيا؛ لظهوره لكل أحد، بل لا بد من الحث على الطاعة والزجر عن المعصية، أو أحدهما ولو بغير لفظ الوصية؛ إذ الغرض منها الوعظ نحو احذروا عقاب الله أو النار، او أطيعوا الله.
(وتجب هذه الثلاثة في) كل من (الخطبتين)؛ اتباعاً للسلف والخلف، إذ كل واحدة مستقلة ومنفصلة عن الأخرى.
(الرابع: قراءة آية مفهمة) وإن تعلقت بحكم مسوخ، أو قصة، لا بعض آية وإن طال وأفهم عند (حج)؛ وذلك للاتباع.
ولو قرأ آية وعظ بقصد الوعظ والقراءة .. حصلت ركنية القراءة، وكذا إن أطلق، فإن قصد بها أحدهما .. حصل.
وتكفي الآية (في إحداهما) وقبلهما وبعدهما وبينهما؛ لثبوت أصل القراءة من غير تعين محلها، ويسن كونها في الأولى؛ لتكون في مقابلة الدعاء في الثانية، وخروجاً من خلاف من أوجبها فيها، وكونها في آخرها، بل تسن قراءة (ق) بكمالها بعد فراغ الأولى دائماً وإن لم يرض الحاضرون، ويحصل أصل السنة بقراءة بعضها، فإن تركها .. قرأ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70].
(الخامس:) ما يقع عليه اسم (الدعاء للمؤمنين والمؤمنات) خصوصاً كالحاضرين، أو عموماً ولو لجميع المؤمنين ما لم يُرد جميعَ ذنوبهم، فيحرم؛ لما مر، وذلك لاتباع السلف والخلف، وذكر المؤمنات سنة، وإلا .. فيكفي المؤمنين، لأن المراد بهم الجنس الشامل للإناث، بل لو قصد به أربعين من الحاضرين .. كفى، ولا يكفى تخصيصه للغائبين وإن كثروا.
ومنه يعلم: أنه لا يحصل بالدعاء للصحابة، والولاة ركن الدعاء، ولا بأس بالدعاء للسلطان بعينه حيث لامجازفة في وصفه.
ويسن الدعاء لولاة المسلمين وجيوشهم، لاسيما ولاة الصحابة وولاة العدل، وذكر الولاة المخلطين بما فيهم من الخير مكروه، وبما ليس فيهم حرام إلا لخوف فتنة، فيستعمل التورية.
وصرح القاضي بأن الدعاء لولاة الأمر لا يقطع الولاء ما لم يقطع نظم الخطبة.
وفي (التوسط) بشرط أن لا يطيله إطالة تقطع المولاة، كما يفعله كثيرٌ من الخطباء الجهال.
(وشرطهما) أي: وشروط كل منهما:
(القيام) فيهما (لمن قدر) عليه بالمعنى السابق في قيام فرض الصلاة، فإن عجز عنه .. خطب جالساً، فإن عجز .. فمضطجعاً، والأولى أن يستخلف، ويجوز الاقتداء به وإن لم يتبين عذره؛ لأن الظاهر أنه معذور، فإن بانت قدرته على القيام .. لم يؤثر، كما لو بان الإمام الزائد على الأربعين محدثاً.
ولو علم بعضهم قدرته .. صحت جمعة الباقين إن تم بهم العدد.
(وكونهما) أي: أركانهما فقط (بالعربية) وإن كان الكل أعجميين؛ للاتباع.
نعم؛ إن لم يكن فيهم من يحسنها، ولم يمكن تعلمها قبل ضيق وقت .. خطب غير الآية واحد منهم بلسانهم.
أمَّا الآية .. فيأتي ما مر في الفاتحة فيها، وإن أمكن تعلمها .. وجب على كل منهم، فإن مضت مدة إمكان التعلم ولو لواحد ولم يتعلم .. عصوا كلهم، ولا جمعة، بل يصلون الظهر.
وفائدتها بالعربية مع عدم معرفتهم لها العلم بالوعظ في الجملة.
والواجب: سماعها لا معرفة معناها.
(و) كونهما (بعد الزوال)؛ للاتباع، ولو هجم وخطب فبان أنهما في الوقت .. صح عند (ع ش)، وقال (سم): لا تصح.
(والجلوس بينهما)؛ للاتباع، فلو تركه .. لم تصح ولو سهواً، خلافاً للأئمة الثلاثة، والجالس يفصل بسكتة ولا تجب لها نية، بل عدم الصارف، لكن تسن، ولو لم يجلس بينهما .. حسبتا واحدة.
وأقل الجلوس بينهما كونه (بقدر الطمأنينة) في الصلاة، وأكمله بقدر سورة (الإخلاص)، وأن يقرأها فيه.
(وإسماع العدد الذي تنعقد به) الجمعة لأركانها ولو بالقوة، بحيث يكون لو
أصغى .. لسمع عند (م ر)، فلا تصح مع الإسرار ولا مع صمم ولو لبعضهم، ولا مع لغط أو نوم يمنع سماع ركن.
ولا يشترط طهرهم ولا سترهم، ولا كونهم بمحل الصلاة، ولا داخل السور أو العمران، بخلاف الخطيب.
نعم؛ لا يضر عدم سماع الخطيب؛ لأنه يفهم ما يقول.
قال (سم): أي: يعلم ما يقوله من الألفاظ.
ولا يشترط الفهم كما مر، ولا سماع الأربعين غير الأركان.
وفي "التحرير": يشترط تقدم خطبتين ممن تصح الصلاة خلفه.
قال الشرقاوي: هذا يفيد كونه لا تلزمه الإعادة.
(والمولاة بينهما) أي: بين أركانهما (وبينهما وبين الصلاة) بأن لا يفصل طويلاً عرفاً بما لا تعلق له بهما.
قال في "التحفة": (ثم رأيت بعضهم فصل فيما إذا أطال القراءة بين أن يكون فيها وعظ فلا تقطع، وإلا .. فتقطع) اهـ
ومنه يؤخذ أن الزائد على الآية من القراءة ليس من الركن وهو قاعدة: ما يتجزأ كالركوع، إنَّ أقل مجزئ منه يقع واجباً، والزائد عليه سنة.
وحينئذٍ فما زاد على الواجب وطال الفصل به .. يقطع الموالاة، وبمثله يقال في الدعاء.
لا يقال: القراءة قيدوا الركن فيها بكونها بآية، ولم يقيدوا الدعاء بشيء، قلت: بل قيدوا الركن منه بما يقع عليه اسم الدعاء.
ومنه يعلم: أن طول الدعاء بما يقطع الموالاة يضر خصوصاً في الدعاء للصحابة وولاة الأمر؛ لأنه ليس من ركن الدعاء كما مر، وطول الفصل هنا قدر ركعتين بأقل مجزئ، كما في الموالاة بين صلاتي السفر.
(وطهارة الحدثين) الأصغر والأكبر، فإن سبقه .. تطهر واستأنف وإن قرب الفصل؛ لأن الخطبة تشبه الصلاة، أو نائبة عنها.
(وطهارة الخبث) الذي لا يعفى عنه في ثوب وبدن ومكان، وما يتصل بها بتفصيله في المصلي.