الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمَّا العاصي بقتاله كباغ، أو بنحو هربه .. فلا يجوز له شيء من ذلك.
ولا يصليها طالب عدو خاف فوته لو صلاها متمكنا؛ لأن الرخصة إنما وردت في خوف فوت ما هو حاصل وهي لا تتجاوز محلها، وهذا محصل إلا أن يخشى كرهم، أو كميناً، أو انقطاعاً عن الرفقة، وخاف محذوراً .. فله ذلك؛ لأنه خائف.
ولو أخذ له مال وهو في الصلاة .. جاز له صلاة شدة الخوف في طلبه إن خاف ضياعه عند (م ر).
وله وطئ نجس لا يعفى عنه مع القضاء، ولا يجوز عند (حج)؛ لأنه غير خائف، بل طالب، ويجوز قطعها عنده؛ ليتبعه، وكذا الخلاف في نظائر ذلك.
ولا تجوز اتفاقاً منهما، لخائف فوت الوقوف لو لم يصل صلاة شدة الخوف، بل يجب إخراج الصلاة عن وقتها، وإن كثرت وإدراك الوقوف.
ومثل الحج العمرة المنذورة في وقت معين عند (م ر).
* * *
(فصل) في اللباس
.
(ويحرم) استعمال (الحرير) وإن لم ينسج، وكذا اتخاذه عند (حج) وهو ما حل عن الدود بعد موته (والقز) وهو نوع من الحرير كَمِد اللون، وهو ما قطعه الدود وخرج منه حياً (للذكر) أي: على الذكر والخنثى (البالغ) العاقل ولو كافراً، لكنه لا يُمنع منه؛ لأنه لم يلتزم أحكامنا في ذلك، فيعاقب على لبسه في الآخرة.
ويحرم الحرير والقز على من ذكر بسائر وجوه الاستعمالات، كالتستر والتدثر والاستناد إليه والجلوس عليه إلا ما استثني مما يأتي بعضه؛ إجماعاً في اللبس، إلا وجه شاذ في القز؛ للخبر الصحيح:"إنه حرام على ذكور أمته"، وللنهي عن لبسه والجلوس عليه، ولأن فيه خنوثة لا تليق بشهامة الرجال.
(إلا لضرورة) كحرٍّ، وبرد خشي منهما مبيح التيمم، وكحرب جائز ولم يجد غيره. قال الشوبري: وإن لم يفجأه، بل خرج إليه باختياره، لكن نظر فيه بأنه حينئذٍ لحاجة. والكلام في الضرورة أو لحاجة كستر عورة ولو في الخلوة، وكذا ما زاد عليها
عند خروجه إلى الناس، و (كجرب وحكة وقمل) وقد تأذى بلبس غير الحرير تأذياً لا يحتمل عادة، أولم يؤذه، لكنه يزيلها.
والحكة: الجرب اليابس، فيحل استعماله حضراً وسفراً إن كان القمل لا يندفع بدونه، ولا بأسهل منه؛ لخبر الصحيحين بالإرخاص فيه لعبد الرحمن بن عوف والزبير؛ لحكة كانت بهما.
وفي الصحيحين أيضاً: "أنه أرخص لهما في غزاة بسبب القمل".
بل لو لم يجد غيره .. وجب لبسه لنحو ستر عورة؛ لقاعدة: ما جاز بعد الامتناع .. وجب، لكنها لا تطرد، فقد تخلفت هنا للبس الحرير؛ للحاجة بلا ضرورة، فإنه يجوز بعد الامتناع، ولم يجب.
(ويحل المركب من حرير وغيره) لذكر وغيره إن زاد وزن غير الحرير ولو ظناً؛ تغليباً لحكم الأكثر، وكذا (إن استويا في الوزن)؛ لأنه حينئذٍ لا يسمى ثوب حرير.
والأصل: الحِلُّ، وصح خبر ابن عباس:(إنما نهي عن الثوب المصمت) أي: الخالص من الحرير.
ولو تغطى بلحاف حرير وغشاه، فإن خاط الغشاء من أعلاه وأسفله .. جاز؛ لكونه كحشو الجبة.
وإنما حل الجلوس على حرير بحائل، وإن لم يخطه عليه؛ لأن الحائل فيه يمنع الاستعمال، بخلاف هذا.
ولو شك في كثرته .. فالأصل الحل عند (حج)، كالشك في كبر الضبة.
وخرج بالاستعمال: المشي عليه، فلا يحرم، وبالذكر والخنثى: الأنثى، فيحل لها إجماعاً لبساً، وعلى الأصح في الافتراش ولو خليه، وبالبالغ العاقل: الصبي والمجنون، فيحل (إلباس الصبي) ولو مراهقاً، والمجنون (الحرير و) حلي (الذهب والفضة) اتفاقاً في العيد، وعلى الأصح في غيره؛ إذ ليس لهما شهامة تنافي خنوثة ذلك، وكالإلباس سائر الاستعمالات.
والمراد بالحلي: ما يتزين به النساء، لا نحو الخنجر المعروف بمصر، فيحرم إلباسه لهما، وجوز أبو حنيفة افتراشه وتوسده.
(و) يحل (الحرير للكعبة) أي: سترها به إن خلا عن نقد، سواء الديباج وغيره؛ لفعل السلف والخلف، وكذا قبره صلى الله عليه وسلم وسائر الإنبياء.
ويكره تزيين البيوت ولو لغير ذكر، حتى مشاهد الصلحاء، والمساجد بالثياب غير الحرير، ويحرم به وبالصور؛ لعموم الأخبار.
لكن في "الإحياء": وتزيين الحيطان بالديباج لا ينتهي إلى التحريم.
ويجوز الاستناد إلى ثياب الكعبة والدخول بينهما.
وكما يحرم استعمال الحرير .. يحرم اتخاذه على صورة يختص بها الرجال البالغون، أو جدران البيوت، أو الدواب عند (حج).
(و) يحل (تطريف معتاد) أي: تسجيف ظاهر الثوب وباطنه بحرير قدر العادة الغالبة لأمثاله في كل ناحية وإن جاوزت أربع أصابع، وزاد وزن الحرير، كما هو قضية إطلاقهم؛ وذلك للخبر الصحيح:"أنه صلى الله عليه وسلم كانت له جبة مكفوفة الفرجين والكمين بالديباج".
وفارق الطراز بأنه محل حاجة، وقد يحتاج لأكثر، والطراز: مجرد زينة، فيتقيد بالوارد.
قال (م ر): (وقضيته: أنه يجوز فيه الزيادة على أربع أصابع؛ للحاجة، وفي "الروضة": المنع) اهـ
ولو سجف بزائد على عادة أمثاله .. حرم عليه وعلى غيره وإن أعتيد لأمثاله مثله؛ لأنه وضع بغير حق.
وأفتى ابن زياد بأنه لو غطى عمامته مثلا بالقصب .. حرم وإن لم يحصل منه شيء بالعرض على النار.
والفرق بينه وبين المموه بأن هذا ملبوس يتصل بالبدن كما قاله البلقيني، بخلاف ذاك.
ويؤيده إطلاق قول النهاية: وأفتى الوالد بحرمة عرقية طرزت بذهب؛ أخذاً بعموم كلامهم.
لكن قال الشرقاوي: الشاش الذي في أطرافه القصب يحل إن لم يحصل منه شيء بالعرض على النار.
نعم؛ إن قلد أبا حنيفة .. جاز؛ لأنه يجيز قدر أربع أصابع من ذلك.
(وتطريز) أي: وضع خرقة من حرير خالص على ثوب، وتخاط عليه بالإبرة كالشريط (وترقيع)؛ لخبر ابن عباس السابق، مع خبر مسلم:(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا موضع أصبع أو أصبعين أو ثلاث أو أربع).
ويفرق بينهما وبين المنسوج بأن الحرير هنا متميز بخلافة ثم.
وإنما يحل التطريز والترقيع (قدر أربع أصابع) معتدلة مضمومة.
قال (ق ل)، و (ح ل): أي: عرضاً ولو احتمالاً، وإن زاد طولاً، أي: ولم يزد وزنها على وزن الثوب.
قال (ب ج): بأن لا يزيد كل طراز أو رقعة على أربع أصابع.
وفي "الشرح" وفي "شرحي الإرشاد": أن لا يزيد المجموع على أربع أصابع.
وفي "التحفة": أن لا يزيد المجموع على ثمان أصابع وإن زاد على طرازين.
وفي "الإيعاب": لا تجوز الزيادة على طرازين أو رقعتين، ويجوز كون كل أربع أصابع.
وعن "الجواهر": يجوز أن يجعل في طرفي العمامة قدر أربع أصابع في كل منهما.
والظاهر: أنه يجري في الحضاية المعروفة.
وأما التطريز بالإبرة .. فكالنسج، يعتبر فيه أن لا يكون أكثر وزناً مما طرز عليه ومن ذلك المناشف والعمائم المطرزة به.
نعم؛ إن كان مختصاً بالنساء .. حرم عند من يقول بحرمة التشبه بهن، وعكسه وهو الأصح.
(و) يحل (حشو) لنحو مخدة وجبة وكوفية بالحرير؛ لاستتاره بالثوب كإناء نقد غشي بغيره، فيحل استعمالها؛ لأنه لا يعد مستعملاً لحرير، وبهذا فارق حرمة البطانة منه.
(وخياطة به، وخيط سبحة) ومفتاح وميزان وكوز ومنطقة وليقة دواة وتكة لباس وخيط الخياطة والأزرار وكيس مصحف، وكذا كيس الدراهم عند (حج)، وغطاء كوز لا عمامة رجل، وخلع الملوك إن خشي بعدم لبسها فتنة.
(والجلوس عليه فوق حائل) من ثوب أو غيره ولو رقيقا ومهلهلاً، إذ لا يعد مستعملاً له عرفا، وإن مسه من خلال المهلهل مساً .. لا يعد استعمالاً.
(ويحرم على الرجل) والخنثى استعمال (المزعفر).
وفي "التحفة": حكمه: حكم الحرير، حتى لو صبغ به أكثر الثوب .. حرم. وفي "الإمداد": أن الأقرب تحريم ما زاد على أربع أصابع منه.
نعم؛ إن صبغ به السدى، أو اللحمة .. أتى فيه تفصيل المركب من حرير وغيره.
وفي "النهاية": إن صح إطلاق المزعفر عليه .. حرم، وإلا .. فلا.
(والمعصفر) سواء صبغ قبل نسجه أم بعده كما في "التحفة"؛ أخذاً بإطلاقهم، كما صحت به الأحاديث، واختاره البيهقي وغيره، ولم يبالوا بنص الشافعي على حله، ولا بكون جمهور العلماء على حله.
وفي "الإمداد": إن صبغ قبل النسج .. حل، وإلَاّ .. حرم، وجرى (م ر) والخطيب وغيرهما على حله مطلقا.
والمعتمد في المورس: حلة؛ لما صح (أنه صلى الله عليه وسلم كان يصبغ ثيابه بالورس حتى عمامته).
ويحل استعمال الورس والزعفران في البدن على خلاف كبير.
ففي "التحقيق": يكره التطلي بـ (الخلوق)، وهو: طيب من زعفران وغيره، فلو حرم الزعفران .. لحرم هذا.
نعم؛ في الورس تشبُّه بالنساء؛ لاختصاصه في قطرنا بهن، ومرَّ حرمته.
ويحرم نحو جلوس على جلد سبع، كنمر وفهد به شعر.
(ويسن التختم بالفضة للرجل) ولو غير ذي منصب؛ للاتباع.
وإنما يسن له حيث كان (دون مثقال)؛ لخبر إبي داوود: أنه صلى الله عليه وسلم قال لمن وجده لابس خاتم حديد: "ما لي أرى عليك حلية أهل النار؟! " فطرحه، وقال: من أي شيء اتخذه؟ قال: "من فضة، ولا تبلغه مثقالاً" وحسنه الحافظ ابن حجر.
وفي "التحفة": (وسنده حسن وإن ضعفه النووي) اهـ
وقال المناوي في "شرح الشمائل": (جرت عادة أهل القرن العاشر الإنتصار لكلام النووي كيفما كان، والإنصاف: أن خبر النهي صالح لكراهة التنزيه) اهـ
ومنه يعلم: أن غالب الخواتم مكروهة؛ لبلوغها المثقال، بل تزيد ولا تغتر بما تجده في الكتب من إباحة ذلك أو سَنِّهِ، فإنما بنوه على ضعف الحديث، وقد علمت حسنه، واختلفوا في تعدده.
وفي "التحفة": ويتجه اعتماد كلام "الروضة" الظاهر في حرمة التعدد مطلقاً؛ لأن الأصل في الفضة التحريم على الرجل، إلا ما صح الإذن فيه، ولم يصح في الأكثر من الواحد، ثم رأيت المحب علل بذلك وهو ظاهر جلي.
ولبسه (في الخنصر) اليمنى أو اليسرى أفضل؛ للاتباع، (و) كونه في (اليمنى أفضل)؛ إذ حديث لبسه فيها أصح، وله التختم بما نقش عليه اسمه، ولا كراهة في نقشه بذكر الله.
والأفضل: جعل فصه داخل الكف؛ لأن حديثه أصح من حديث جعله ظاهر الكف.
والأفضل في اللباس: كونه من قطن، ويليه الصوف، والكمين إلى الرسغ ونحو القميص والإزار إلى نصف الساقين.
(ويكره نزول الثوب) والإزار (من الكعبين) أي: عنهما، ونزول الكم عن الرسغ، وإفراط توسعة الثياب والأكمام.
(ويحرم) نزول ذلك كله عما ذكر (للخيلاء) أي: بقصده، بل ويفسق؛ للوعيد الشديد الوارد فيه، فإن لم يقصد به ذلك .. كره إلا لعذر، كأن يكون ذلك شعار العلماء وهو منهم، فلبسه؛ ليعرف فَيُسأَل، كما وقع للشيخ عز الدين: أنه أنكر على من أخل في إحرامه فلم يقبل منه، فلبس شعار العلماء فأمرهم فامتثلوا.
واستدل له السيوطي بآية: (خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ)[الأعراف:199] وهذا في الرجل.
أما المرأة .. فلها إرسال ثوبها على الأرض ذراعاً.
والذراع من الكعبين كما في "الإمداد" و"النهاية"، أو من نصف الساق، كما في "التحفة"، أو من أول ما يمس الأرض كما في "الفتح".
وتسن العمامة للصلاة، ولقصد التجمل؛ للأحاديث الكثيرة فيها، واشتداد ضعف بعضها يجبره كثرة طرقها.
وتحصل السنة بكونها على الرأس، أو على نحو قلنسوة تحتها، وضبطها طولاً وعرضاً بما يليق بلابسها، فإن زاد .. كره، وعليه يحمل إطلاقهم كراهة كبرها.
وتتقيد كيفيتها بعادته أيضاً، فتنخرم مروءة فقيه بلبسه عمامة سوقي لا تليق به، وعكسه، ولو اطردت عادة محل بإزرائها من أصلها .. لم تنخرم بها المروءة؛ لأن وضعها عام، فلم ينظر لعرف يخالفه.
ولا تختل المروءة بلبس قلنسوة بلا عمامة لمن اعتاد ذلك وإن كانتِ العمامة أفضل، ولا يسن تحنيك العمامة.
واختار بعضهم ما عليه كثيرون من سَنِّه؛ وهو: تحديق الرقبة وما تحت الحنك واللحية ببعض العمامة، وجاء في العذبة أحاديث كثيرة صحاح وحِسان، ناصة على فعله صلى الله عليه وسلم لها لنفسه ولجماعة من أصحابه، وعلى أمره بها وتركُه لها في بعض الأحيان إنما يدل على عدم وجوبها أو على عدم تأكد ندبها.
واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم أرسلها بين كتفيه تارة، وعلى جانبه الأيمن أخرى، على إن كلاً منهما سنة، وهذا تصريح بأن أصلها سنة، وإرسالها بين الكتفين أفضل منه على الأيمن؛ لأن حديث الأول أصح، وإرسال الصوفية لها على الجانب الأيسر؛ لكونه جانب القلب، لكونهم لم يبلغهم في ذلك شيء، ولا عذر لهم بعد إن يبلغهم ذلك.
واقل ما ورد في طولها: أربع أصابع، وأكثره: ذراع، وبينهما شبر.
ويحرم إفحاش طولها بقصد الخيلاء، وإلا .. كره.
وبحث الزركشي حرمة التزيي بزي صالح على غير صالح إن غرَّبه غيره؛ ليعطيه مثلاً، وهو ظاهر إن قصده.
وأما حرمة القبول .. فهو من قاعدة: أن من أعطي لصفة ظنت فيه .. لم يجز له قبوله، ولا يملكه إلا إن كان كذلك باطنا.
واعلم: أن الطيلسان سنة في حق من لاق به، وإلا كلبس سوقي طيلسان فقيه .. كره، بل ربما لا يندب له مطلقا، وقد تختل المروءة بتركه، فيكره تركه.
قال في "التحفة": وهو قسمان: (محنك)، وهو طويل عريض قريب من طول، وعرض الرداء، مربع يجعل على الرأس فوق نحو العمامة، ويغطى به أكثر الوجه، وهذا الأكمل فيه، ثم يدار طرفه، والأولى اليمين من تحت الحنك إلى أن يحيط بالرقبة جميعها، ثم يلقي طرفيه على الكتفين، وهذا أحسن ما قيل فيه.
وبينت في "الأصل" كيفيتين أخريين تقاربان هذه، وقد تلحقان بها في تحصيل السنة، ويطلق مجازاً على الرداء الذي هو حقيقة ما يجعل على الكتفين.
والثاني: مقوّر، والمراد به ما عدا الأول، فيشمل المدور والمثلث والمربع والمسدول، وهو ما يرخى طرفاه من غير إن يضمهما أو احدهما ولو بيده.
ثم قال: (وحكم الأول: الندب باتفاق العلماء، بل يتأكد للصلاة وحضور الجماعة، وجاءت فيه أحاديث صحاح، وآثار عن الصحابة فمن بعدهم.
والحاصل: أن ما كان مشتملاً على هيئة السدل -بأن يلقي طرفي نحو ردائه من الجانبين، ولا يردهما على الكتفين، ولا يضمهما بيده ولا غيرها- مكروه) اهـ مختصراً.
وحاصل السدل: أن العلماء اختلفوا فيه، فقال بعضهم: لا بأس به، ومنهم مالك، وكرهه بعضهم مطلقا، ومنهم الشافعي، وبعضهم في الصلاة، وحجتهم: صحة النهي عنه.
وقال في "در الغمامة": (قال ابن الأثير في "شرح مسند الشافعي": "الرداء الآن يسمى طيلساناً، فتارة يكون على الرأس، وهو مع التحنيك الطيلسان الحقيقي، وتسميته بالرداء مجاز، وتارة يكون على الأكتاف، وهو الرداء الحقيقي، وتسميته طيلساناً مجاز"، وقال فيه -في مبحث تحويل الرداء في الاستسقاء-: "الرداء: الثوب الذي يطرح على الأكتاف يلقى فوق الثياب، وهو مثل الطيلسان إلا أن الطيلسان يوضع على الرأس والأكتاف، والرداء على الأكتاف، وربما وضع في بعض الأحيان على الرأس) اهـ
واستفيد من قوله: "مثل الطيلسان .. الخ" أنه مثله في طوله وعرضه، وأنه يندب كف طرفيه ولو بيده، حتى يخرج عن السدل المكروه.
وقال فيه أيضاً بعد كلام طويل: "والسدل مكروه في الصلاة وغيرها، كما في "المهذب" و"البيان"، وغيرهما؛ لصحة النهي عنه".
وفسره أئمتنا وغيرهم، كصاحب "المغني" وغيره من الحنابلة، وصاحب "الهداية" وغيره من الحنفية بأن يسبل الثوب الموضوع على الرأس والكتف من غير أن يضم جانبية باليد أو غيرها، وتفسيره بأنه وضع وسط الرداء على الرأس وإرساله حتى يصل الأرض، للغالب بالنسبة لذكر الوسط والأرض.
وإلَاّ .. فظاهر كلامهم، بل صريحة أن لا يتقيد بذلك.
ومن ثم حرر ذلك بعضهم، فقال: (يكره السدل، وهو أن يلقي طرفي ردائه من الجانبين، ولا يردهما على الكتفين، ولا يضمهما بيده.
وظاهر هذا التفسير وما قبله: أن كراهة السدل لا تنتفي بإلقاء أحد الطرفين أو ضمه فقط، وهو محتمل.
ويؤيده قولهم -بعد ذكر كيفياته-: وإنما كره بهذه الكيفية؛ لأنها من زي اليهود والنصارى) اهـ
ويحتمل خلافه؛ لأن المقصود زوال هيئته التي هي شعار اليهود، لينتفي التشبه بهم، وقد زالت إلى آخر ما ذكره فيها.
وقد مرَّ في خصال الفطرة أن سدل الرداء يكون في الارتداء على أحد الكتفين، وهو ظاهر إطلاق ما مر هنا أيضاً، ومر ثم كراهة جعل الرداء على أحد الكتفين؛ لعدم العدل.
وعليه: فلا بد لنفي الكراهة في الرداء من جعله على الكتفين، ورد طرفيه على الكتفين، أو ضمهما بيده.
أورد أحدهما أو ضمه بيده، وإنما أطلت في ذلك؛ لأن غالب من يرتدي أو كلهم، لا يسلم من الكراهة.
(ويكره لبس الثياب الخشنة لغير غرض شرعي) كالزهد في الدنيا وكسر النفس وحله، وفي "الإمداد" كـ"النهاية": أنه خلاف الأولى، ويقاس به أكل الخشن.
وندب إن يبدأ بيمينه لبساً، ويساره خلعاً، وأن يخلع نعليه إذا جلس، ويجعلهما وراءه، أو بيساره إن لم يكن فيهما إنسان، وإلا فتحته وإن يطوي ثيابه ذاكراً اسم الله؛ لئلا يلبسها الجن كما في الخبر.
ويتأكد لمن يقتدي به تحسين الهيئة، والمبالغة في التجمل والنظافة، والمتوسط من نحو الملبوس بقصد التواضع أفضل، فإن قصد بالأعلى إظهار نعمة الله عليه .. ساوى
المتوسط تواضعاً، والمشي حافياً في بعض الأوقات بقصد التواضع، ويندب نفض نحو فراش احتمل حدوث مؤذ عليه.
تتمة: يحل لآدمي لبس متنجس في غير نحو صلاة حيث لا رطوبة؛ لأن نجاسته عارضة، وفي تكليف إدامته الطاهر مشقة، أمَّا مع الرطوبة .. فيحرم؛ لحرمة التضمخ في البدن والثوب بالنجس لغير حاجة، وكذا لا يحل المكث به في المسجد بلا حاجة؛ لوجوب تنزيهه منه، أمَّا نجس العين .. فلا يحل إلا لضرورة.
وخرج باللبس: غيره، كفرش جلد ميتة، فيحل، وبالآدمي: غيره، فيحل إلباس دابته جلد ميتة غير مغلظ، ومحل ذلك كله حيث لا ضرورة، وإلا كفجأة قتال وخوف على عضو له ولم يجد طاهراً .. فيحل.
ويحل مع الكراهة استصباح بدهن نجس أو متنجس بغير مغلظ، كالشمع المتخذ من دهن الحمير؛ لخبر: الفأرة تموت في السمن الذائب، فقال صلى الله عليه وسلم:"استصبحوا به، أو انتفعوا به" ودخان النجس يعفى عن قليله.
نعم؛ يحرم ذلك في المسجد مطلقاً، لكن مال الإسنوي إلى جوازه معللاً بقلة الدخان.
وكالمسجد دار غيره ولو مستأجرة إن أدَّى إلى تنجيس شيء منها.
نعم؛ ما جرت به العادة .. يتسامح به، وكذا قليل دخانها الذي لا يؤثر نقصاً.
ويجوز تنجيس البدن لغرض، كعجن سرجين، ووطء مستحاضة، وإصلاح فتيلة في دهن نجس، والتداوي به، وتنجيس ملكه كوضع نجس في إناء طاهر ما لم يضع به مالاً.
* * *