الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كتاب الصوم)
هو لغة: الإمساك، ومنه:(إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً)[مريم:26] أي: سكوتاً.
وشرعاً: الإمساك عما يأتي على وجه مخصوص.
وفرض في شعبان ثاني سني الهجرة، وينقص ويكمل.
وثوابهما واحد من حيث الثواب المترتب على رمضان من غير نظر لأيامه وإن زاد الكمال بما يترتب على يوم الثلاثين من الواجب والمندوب.
وهو من خصوصياتنا، وقيل: ليس من أمة إلا وفرض عليها رمضان إلا أنهم ضلوا عنه.
(يجب صوم رمضان) إجماعاً، وهو معلوم من الدين بالضرورة، يكفر جاحد وجوبه، وأحد أركان الإسلام.
من (الرمض) وهو شدة الحر؛ لأن وضع اسمه على مسماه وافق ذلك.
وكذا بقية الشهور؛ بناء على أن اللغات اصطلاحية، والراجح أنها توقيفية، أي بتوقيف الله تعالى عليها لآدم عليه السلام.
وهو أفضل الشهور حتى من عشر ذي الحجة؛ لخبر: "رمضان سيد الشهور"، كما أن ليلة القدر أفضل الليالي، ويوم عرفة أفضل الأيام مطلقاً، ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع.
نعم؛ يوم ولادته صلى الله عليه وسلم أفضل الأيام مطلقاً في حق أمته، وليلة الإسراء أفضل الليالي في حقه، لكنهما غير دائرين في بقية السنين.
وأفهم المتن أنه لا يكره ذكر رمضان بلا ذكر شهر، وهو كذلك.
(باستكمال شعبان ثلاثين) يوماً، حتى لو رأى شعبان وحده ولم يثبت .. ثبت في حقه باستكمال شعبان ثلاثين من رؤيته.
(أو) بثبوته عند قاض ولو بعلمه إن بين مستنده.
أو (برؤية عدل) واحد (الهلال) بعد الغروب وإن كان حديد البصر، لا بواسطة نحو مرآة ليلة الثلاثين من شعبان.
وفي "التحفة": (ولو دل الحساب القطعي باتفاق أهله على عدم رؤيته، وكان المخبر منهم بذلك عدد التواتر .. ردت الشهادة به) اهـ
والمراد عدل شهادة لا رواية، فلا يكفي فاسق وصبي وعبد وامرأة، بخلافهما في الرواية.
ولا تشترط هنا العدالة الباطنة في الشاهد، وهي التي يرجع فيها إلى قول المزكين، بل تكفي العدالة الظاهرة، وهي التي لا يعرف لصاحبها مفسق وإن لم يعلم له تقوى؛ احتياطاً للعبادة.
ولا بد من لفظ الشهادة كأشهد أني رأيت الهلال، أو أنه هلَّ، لا أن غداً من رمضان عند (حج) وإن لم يتقدم دعوى؛ لأنها شهادة حسبة.
ومن قول القاضي ثبت عندي، أو حكمت بشهادته.
وليس المراد حقيقة الحكم؛ لأنه إنما يكون على معين مقصود، ومن ثَمَّ لو ترتب عليه حق لآدمي ادعاه .. كان حكماً حقيقة، ولا أثر لتردد يبقى بعد الحكم بشهادته.
نعم؛ إن علم قادحاً فيه .. عمل به باطناً، كفسق الشاهد، وكذا القاضي إن انعزل بالفسق بأن لم يعلم بفسقه موليه، أو بزيادته، ولا لدلالة الحساب على عدم الرؤية ما لم يكن قطعياً كما مر.
ودليل الاكتفاء بواحد خبر ابن عمر: (أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيت الهلال، فصام، وأمر بصيامه) وغيره.
وقوله: أخبرت، أي: شهدت عنده؛ لأنه من باب الشهادة، لا الرواية.
ولا يكلف الشاهد ذكر صفة الهلال، لكن لو ذكر محله، ثم بان الليلة الثانية بخلافه مما لم يمكن عادة .. ردت شهادته.
ولو تعارضا في محله .. عمل باتفاقهما على أصل الرؤية ولا أثر لرجوع شاهد أو حاكم بعد الحكم بثبوته، أو بعد الشروع في الصوم ولو بلا حكم .. قال الونائي: فإن رجعا .. امتنع العمل بالشهادة والحكم.
ومحل ثبوته بواحد بالنسبة للصوم، وكذا توابعه، كتراويح، ونحوها مما يتعلق برمضان، وكذا كل عبادة ثبتت بواحد، لا بالنسبة لنحو أجل وطلاق وعتق علقا به إلا في حق من رآه.
وخرج برؤية العدل: شهادته بثبوته في بلد آخر، فلا بد من اثنين، وما مر في ثبوته على العموم.
وأمَّا ثبوته على الخصوص .. فعلى من رآه ولو فاسقاً، وعلى من تواتر عنده -ولو من كفار- رؤيته أو ثبوته في محل متفق مطلعه مع مطلع محله، وعلى من أخبره موثوق به أنه رآه، أو ثبت فيما يوافق مطلعه مطلع محله ما لم يعتقد خطأه، أو غير موثوق به، كصبي أو فاسق وقع في قلبه صدقه، وعلى من عرفه بحسابه أو تنجيمه، ولا يجزئهما عن صوم رمضان عند (حج)، وعلى من أخبراه ممن اعتقد صدقهما، وكله مشكل؛ فإنَّ الحساب والتنجيم غايتهما إن يدلا على وجوده، وقد قالوا: لا عبرة به، بل العبرة برؤيته.
وعلى من رأى العلامات التي تدل على ثبوته، كقناديل معلقة بالمنائر وسماع مدافع أو طبول مما يحصل له به اعتقاد جازم على ثبوته، وعلى من ظن دخوله بالاجتهاد في حق نحو محبوس جهل وقته.
وهذه المذكورات كما يجوز له بها صوم رمضان يجوز بها الفطر عنه.
وإذا صمنا ثلاثين بعدل .. أفطرنا وإن لم نر الهلال بعدها، ولم يكن غيم، كما لو صمنا بعدلين.
والشيء قد يثبت ضمناً بطريق لا يثبت فيها مقصوداً، كالنسب والإرث لا يثبتان بالنساء، ويثبتان بهنّ ضمناً؛ تبعاً للولادة الثابتة بهنّ.
ولو صام بقول من اعتقد صدقه ثلاثين، ولم ير الهلال ليلة إحدى وثلاثين .. لم يفطر عند (حج)؛ لأنه إنما صومناه؛ احتياطاً، فلا نفطره احتياطاً.
وفارق العدل بأنه حجة شرعية.
(وإذا رئي الهلال ببلد .. لزم) الصوم (من وافق مطلعهم مطلعه) دون من خالفه، كما في طلوع الفجر والشمس وغروبهما، أي: في إلحاق من لا فجر أو لا نهار أو لا ليل له بمن له ذلك في دخول أوقات ذلك باتحاد المطلع، لا بمسافة القصر.
قال في "التحفة": (ولأن الهلال لا تعلق له بمسافة القصر، ولأن المناظر تختلف باختلاف المطالع والعروض، فكان اعتبارها أولى، وتحكيم المنجمين إنما يضر في الأصول دون التوابع كما هنا) اهـ
قال (ب ج): (ولأن اعتبار مسافة القصر يؤدي إلى أن يجب الفطر على من بالبلد،
والصوم على من هو خارجها؛ لوقوعهم في مسافة القصر؛ إذ هي تحديد، وإلى أن يكون من خرج من البلد .. لزمه الإمساك، ومن دخلها .. لزمه الفطر، وهذا يجري أيضاً على قول (م ر) في اختلاف المطلع أن يكون بين البلدين أربعة وعشرون فرسخاً) اهـ
وقال الشرقاوي: (الذي عليه الفقهاء أنَّ ما بينهما أربعة وعشرون فرسخاً، مطلعهما مختلف، وما دونهما متحد، ذكره (ح ل) على "المنهج"، وقرره شيخنا عطيه) اهـ
وفي شرح "المنهج" قال الإمام: (اعتبار المطالع يحوج إلى حساب وتحكيم المنجمين، وقواعد الشرع تأبى ذلك، بخلاف مسافة القصر التي علق بها الشارع كثيراً من الأحكام، والأمر كما قال) اهـ
واتحاد المطلع: أن يكون غروب الشمس والكواكب وطلوعها في المحلين في وقت واحد، فإن طلع أو غرب شيء من ذلك في أحد المحلين في وقت قبل الآخر، أو بعده .. فمختلف.
والشك في اختلافها كتحققة؛ إذ الأصل عدم الوجوب ما لم يبن اتفاقها.
ومعرفته فرض كفاية كالقبلة، وكذا ترائي الأهلة.
ولا يمكن اختلاف الهلال في أقل من أربعة وعشرون فرسخاً.
ولو أثبت مخالف الهلال مع اختلاف المطالع .. لزمنا العمل بمقتضى إثباته.
ولو سافر من محل الرؤية إلى محل يخالفه في المطلع، ولم ير أهله الهلال .. وافقهم في الصوم آخر الشهر، فيمسك معهم وإن كان معيِّداً؛ لأنه صار منهم.
وكذا ولو وصل صائم لمحل أهله معيِّدون .. فيفطر معهم، وقضى يوماً إن صام ثمانية وعشرين ما لم يرجع منه قبل تناوله مفطراً.
ولا يختص ذلك بالصوم، بل لو صلى المغرب بمحل، فسافر لمحل آخر لم تغرب فيه .. وجبت إعادتها.
وخرج بـ (آخر الشهر): ما لو انتقل إليهم من محل رأوه فيه إلى محل لم يروه .. فلا يفطر معهم، كما في "التحفة".
قال (سم): والوجه التسوية بين الأول والآخر، ونقله (ب ج) عن (ح ل) عن (م ر).
وبه يلغز بأن شخصاً رأى الهلال ليلاً، وأصبح مفطراً بلا عذر.
وفي (ب ج): (أن القمر لا يستتر أكثر من ليلتين، أي: لا يطلع بعد الفجر آخر الشهر أكثر منهما قبل الشمس، فإذا استتر ليلتين .. فالليلة الثالثة أوَّل الشهر بلا ريب) اهـ
وفي "النهاية" و"الإمداد": (يلزم من رؤيته بالمشرق كمكة .. رؤيته بالمغرب كمصر، دون العكس، وأنه لو مات متوارثان أحدهما بالمشرق، والآخر بالمغرب، كل منهما وقت زوال محله .. ورث الغربي الشرقي؛ لتأخر زوال بلده) اهـ
وهو ظاهر في الإرث غير ظاهر في الرؤية؛ إذ ما ذكر يستلزم وجود الشهر، لا رؤيته، والمدار عليها لا عليه.
(ولصحة الصوم) لرمضان وغيره (شروط) أي: أمور لابد منها، بعضها أركان، وهي الأربعة الأول:
(الأول) منها (النية)؛ لخبر: "إنما الأعمال بالنيات".
وإنما وجبت فيه، وهو ترك، وهو لا تجب فيه نية؛ لأنه كف قصد به قمع الشهوة، فالتحق بالفعل.
وهي: واجبة بالقلب، سنة باللسان.
ويصح تعليقها بأن شاء الله إن قصد التبرك، لا التعليق، ولا أن أطلق.
ولا يجزئ عنها التسحر وإن قصد به التقوي على الصوم، ولا الامتناع من تناول مفطر قبل الفجر ما لم يخطر بباله الصوم بصفاته التي يجب التعرض لها في النية -أي: من الإمساك والتعيين- لأن ذلك يستلزم قصده غالباً.
أي: (ويجب التبييت) ولو لصبي، اي: إيقاع النية فيما بين غروب الشمس وطلوع الفجر ولو قبل الفطر من اليوم الماضي (في الفرض) كرمضان، ولو قضاء وكفارة ومنذوراً وما أمر به الإمام؛ للخبر الصحيح:"من لم يبيت الصيام قبل الفجر .. فلا صيام له".
والأصل في النفي حمله على الحقيقة إلا لدليل، ولم يوجد.
وتشترط النية (لكل يوم)؛ إذ كل يوم عبادة مستقلة؛ لتخلل اليومين بما يناقض الصوم، كالصلاتين يتخللهما السلام.
ولو تيقن النية وشك بعد الفجر، أوقعت قبل الفجر أو بعده؟ أو شك عند النية أطلع الفجر أم لا؟ لم يصح؛ إذ الأصل عدم تقدمها، وقد يقال: الأصل بقاء الليل فيصح.
بخلاف ما لو نوى مع عدم الشك، ثم شك هل طلع الفجر عند نيته أم لا؟ فيصح؛ إذ الأصل بقاء الليل مع جزمه بالنية.
ولو شك في النية أو التبييت فذكره قبل الغروب، كما في "التحفة". وقال (م ر): ولو بعد أيام .. لم يضر.
ولو شك بعد الغروب، هل نوى أو لا؟ لم يضر.
وإنما ضر في الصلاة بعد السلام؛ للتضييق في نيتها، لأن نية الخروج تضر فيها، لا فيه.
ولو نوى مع طلوع الفجر .. لم يصح؛ لحديث التبييت السابق، وقيل: يصح كسائر العبادات.
ويسن لمن لم يبيتها أو ينوي قبل الزوال، وقبل تعاطي مفطر؛ ليصح له على مذهب أبي حنيفة، لكن لا بد من تقليده.
ويسن أيضاً أن ينوي أوَّل ليلة من رمضان صوم جميع رمضان على مذهب مالك؛ لأنه يجزئ لجميع الشهر، ويقلده؛ خشية أن ينسى التبييت في بعض الليالي.
ولا يضر بعد النية ليلاً حدوث مناف للصوم كأكل وجماع قبل الفجر، بخلاف منافي النية، كنية تركه.
ولا يجب فيه نية الفرضية؛ لأنه من البالغ العاقل لا يكون إلا فرضاً، بخلاف الصلاة، فالمعادة منها نفل؛ لأنها وإن وجبت فيها نية الفرضية .. فالمراد صورة الفرض لا حقيقة (دون النفل) فلا يجب فيه.
(فتجزئه نيته قبل الزوال) وإن نذر إتمامه، كأن قال: إن نويت صوم يوم كذا .. فعلي إتمامه، فنواه.
وخبر التبييت السابق حملوه على الفرض؛ لما روى الدارقطني عن عائشة قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال:"هل عندكم من شيء؟ " قلت: لا، قال:"إني إذاً أصوم"، ويوماًً آخر، فقال:"أعندكم شيء؟ "فقلت: نعم، قال:"إذاً أفطر وإن كنت فرضت الصوم" أي: شرعت فيه وأكدته.
واختص بما قبل الزوال؛ لما في رواية له، وقال: إسنادها صحيح: "هل عندكم من غداء" و (الغداء): اسم لما يؤكل قبل الزوال.
(ويجب التعيين أيضاً) للمنوي في النية، كصوم غد من رمضان، أو نذر، أو كفارة وإن لم يعين سببها، فإن عينه وأخطأ .. لم يجز؛ لأن ذلك عبادة مضافة إلى وقت، فوجب التعيين كالمكتوبة.
وفي "التحفة": (نعم؛ لو تيقن أن عليه صوماً، وشك أهو قضاء أو نذر أو كفارة؟ أجزأه نية الصوم الواجب وإن كان متردداً؛ للضرورة ولم يلزمه الكل، كمن شك في واحدة من الخمس؛ لأن الأصل بقاء وجوب كل منها، وهنا الأصل براءة الذمة، ومن ثَمَّ لو كانت الثلاثة عليه فأدى اثنين، وشك في الثالث الباقي عليه .. لزمه الكل) اهـ
واستوجه (م ر): أنه يكفيه صوم يوم واحد في هذا أيضاً بنية الصوم الواجب.
وشمل إطلاق المصنف التعيين الفرضَ والنفلَ بقسميه، وهو المنقول عن "المجموع" واعتمده الإسنوي.
لكن اعتمد (حج) في غير "التحفة" و (م ر) والخطيب وغيرهم: أن الصوم في الأيام المتأكد صومها منصرف إليها وإن نوى به غيرها.
قال: الشرقاوي: بل وإن نفاه.
وفي "الفتح": فرع: أفتى جمع متأخرون بحصول ثواب عرفة وما بعده بوقوع صوم فرض فيها. وقال الإسنوي: إنه إن لم ينو التطوع .. حصل الفرض، وإن نواهما .. لم يحصل واحد منهما اهـ
وإنما يتم له إن ثبت أن الصوم فيها مقصود لذاته.
والذي يتجه: أن القصد وجود صوم فيها، فهي كالتحية.
فإن نوى التطوع أيضاً .. حصلا، وإلا .. سقط الطلب عنه، وبه يجمع بين العبارات المختلفة في ذلك.
وعليه: لو نوى ليلاً الفرض، وقبل الزوال النفل .. فهل يثاب على النفل حينئذٍ؛ لأن التقرب بالصوم عن الجهتين، وقد حصل، أو لا؟ لأن صحة نية الصائم صوماً آخر بعيدة، كلٌ محتمل) اهـ
ونحوه "الإمداد"، لكنه كالمتردد في "التحفة".
(دون) نية (الفرضية في) صوم (الفرض)؛ لما مر.
وكمال النية في رمضان أن ينوي صوم غد عن أداء فرض رمضان هذه السنة لله تعالى، وبهذه النية يصح الصوم اتفاقاً، ويتميز عن أضدادها.
ولإطلاق الأداء على الفعل ذكر معه هذه السنة وإن اتحد محترزهما، وأضيف رمضان لهذه السنة؛ لأن قطعه عن الإضافة يوهم أن هذه السنة ظرف لنويت، ولا معنى له.
وذكر الغد لا يجب التعرض له بخصوصه، بل إمًّا أن يأتي به، أو يدخله في نية صوم الشهر، كأن يقول ليلاً: نويت الصوم عن رمضان، أو صوم رمضان، ويحصل به اليوم الذي يعقب الليلة التي نوى فيها، ولو كان عليه قضاء رمضانين، فنوى صوم غد عن قضاء رمضان .. صح وإن لم يعين؛ لأنه كله جنس واحد. ولو أخطا في صفة المعين، فنوى صوم الغد، وهو الأحد بظن الإثنين، أو رمضان سنة، وهي سنة اثنتين بظن أنها سنة ثلاث .. صح صومه، بخلاف ما لو نوى الأحد ليلة الإثنين، أو رمضان سنة اثنتين، وهي سنة ثلاث؛ لأنه لم يعين الوقت.
ولو كان عليه يوم من رمضان من سنة معينة، فنوى يوماً من سنة أخرى غلطاً .. لم يجزئه.
ولو كان عليه قضاء أول رمضان، فنوى قضاء ثانية .. لم يجزئه.
ولو نوى صوم الغد يوم الأحد، وهو غيره .. صحح الأذرعي الإجزاء من الغالط.
ولو نوى ليلة الثلاثين من شعبان صوم غد نفلاً إن كان منه، وإلا فمن رمضان .. صح له نفلاً؛ لأن الأصل بقاء شعبان ما لم يبن أنه من رمضان، فلا يصح؛ إذ رمضان لا يقبل غيره. أو نوى به: أنه من رمضان .. لم يصح عن رمضان؛ لعدم الجزم بالنية ولا أصل يستصحبه، بخلاف ما لو نواه آخر ليلة من رمضان .. فيصح إن لم يبن أنه من شوال؛ لأن الأصل بقاء رمضان، ولا نفلاً؛ لأنه لم ينوه.
نعم؛ إن ظن أنه من رمضان بقول من يثق به ولو عبداً أو امرأة .. صح.
ومع ذلك لا بد أن لا يأتي بما يشعر بالتردد كـ (من رمضان، فإن لم يكن منه .. فتطوع).
لكن قال في "التحفة": (والذي يتجه أنه لا نزاع في المعنى، وأنه متى زال بذكر ذلك ظنه .. لم يصح، وإلا .. صح.
ولا ينافي هذا ما يأتي أن بكلام عدد من هؤلاء يتحقق يوم الشك الذي يحرم صومه؛
لأن الكلام هنا في صحة النية؛ اعتماداً على خبرهم، ثم إنْ بان أنه من رمضان ولو بعد الفجر .. لم يحتج لإعادتها، وإلا .. كان يوم الشك، فلا يجوز صومه، وفارق ما مر من وجوب الصوم على معتقد صدق مخبره؛ لأن ذاك في اعتقاد جازم، وهذا في الظن، وشتان ما بينهما) اهـ وسيأتي تتمة له.
(الثاني: الإمساك عن الجماع) في فرج، بحيث يجب بالإيلاج فيه الغسل (عمداً) أي: من عامد عالم بالتحريم مختار، ودخل في ذلك الواطئ والموطوء، وفرج الآدمي وغيره، من قبل أو دبر ولو زائداً أو مباناً، أنزل أم لا.
وأمَّا ما لا يجب الغسل بالإيلاج فيه كأحد فرجي المشكل .. فلا فطر بالإيلاج به ولا فيه.
نعم؛ إن أولج فيه .. أفطر.
(وعن الاستمناء) أي: بإخراج المني بغير جماع حراماً كان كإخراجه بيده، أو حلالاً في غير نحو صوم كإخراجه بيد حليلته، فيفطر به واضح ومشكل، خرج من فرجيه ولو بحائل إن علم وتعمد واختار؛ لأنه أولى من مجرد إيلاج.
ولو حك ذكره لنحو جرب فأنزل .. لم يفطر إن لم يعلم من عادته الخروج بذلك، أو لم يطق الصبر، وإلا .. أفطر، وكإخراجه بلمسِ ما ينقض لمسه كقبلة ومضاجعة بلا حائل، لا بإخراجه بلمس محرم وصغير وأمرد وإن تكرر ما لم يقصد به الإنزال، وإلا .. أفطر، ولا بلمس فرج بهيمة أو بنظر أو فكر وإن كررهما وإن قلنا بحرمة ذلك عند خوف الإنزال على ما في "الأسني"، و"النهاية".
وحرم على صائم فرض لمس بنحو قبلة إن حرك شهوته بحيث يخاف الإنزال أو الجماع، لا مجرد انتصاب ذكر وخروج مذي، لكن يكره.
أمَّا الجاهل المعذور والناسي والمكره .. فلا يفطرون بجماع، ولا بإخراج مني؛ لعذرهم.
لكن في (ب ج): أنه لو أكره على الزنا .. أفطر؛ لأن الإكراه على الزنا لا يبيحه، بخلافه على الأكل ونحوه.
(الثالث: الإمساك عن الاستقاءة) فيفطر من استدعى القيء عامداً عالماً بالصوم والتحريم مختاراً؛ لخبر: "من ذرعه القيء .. فليس عليه قضاء، ومن استقاء ..
فليقض"، أي: وإن لم يعد لجوفه منه شيء؛ لأنها مفطرة بنفسها.
(ولا يضر تقيؤه) ناسياً أو جاهلاً إن عذر بنحو قرب إسلام، وفي "الفتح" يعذر مطلقاً.
قال في "الإيعاب": ومنه يؤخذ: أن ما يجهله أكثر العامة يعذر فيه.
ولا تقيؤه (بغير اختياره)؛ للخبر المتقدم، ولا قلعه نخامة من دماغه أو باطنه ومجها على الأصح؛ لتكرر الحاجة إليه، فرخص فيه.
أمَّا لو نزلت بنفسها أو بغلبة نحو سعال فلفظها .. فلا يفطر قطعاً.
وكذا لو لم يقدر على مجها حال دخولها من ظاهر لباطن وما لو قلعها من باطن لباطن.
ولو أصبح وفي فمه خيط متصل بباطنه، فإن أبقاه .. لم تصح صلاته، وإن بلعه أو نزعه مختاراً .. بطل صومه.
فطريقه أن ينزعه غيره وهو غافل، أو يجبره على نزعه حاكم ولا يفطر؛ لأنه غير مختار فيهما، وإلا .. ابتلعه أو نزعه؛ لتصح صلاته، ويفطر؛ لأنها أغلظ من الصوم.
ولو أصبح صائم وفي أذنه أو دبره نحو عود .. لم يفطر بإخراجه، لاختصاص الاستقاءة بالخارج من الفم.
ومن الاستقاءة ما لو دخلت ذبابة جوفه قهراً .. فأخرجها، فيفطر إن علم وتعمد.
(الرابع: الإمساك عن دخول عين) من أعيان الدنيا وإن قلت ولم تؤكل كحجر، فيفطر بإدخاله لها، وبدخولها بنفسها مع تمكنه من دفعها (جوفاً) له وإن لم تكن فيه قوة تحيل الغذاء أو الدواء.
(كباطن الأذن) وهو ما وراء المنطبق، وباطن الأنف، وهو ما وراء القصبة جميعها.
(و) باطن (الإحليل) وهو مخرج البول من الذكر، ومخرج اللبن من الثدي، وباطنه ما لا يظهر عند تحريكه، وكخريطة الدماغ من مأمومة وإن لم يصل باطنها أو جوف من نحو طعنه من نفسه أو غيره بإذنه وإن لم تصل الأمعاء.
قال (سم): ويفطر بمجاوزة ما يظهر من رأس الذكر والدبر، لكنه في الدبر بشرط
أن يصل إلى محل المجوف، بخلاف أول المسربه، فلا يسمى جوفاً.
وإنما يفطر (بشرط) إدخاله أو (دخوله) أي: دخول ما ذكر من العين المذكورة إلى الجوف من ظاهر إلى باطن، و (من منفذ مفتوح) مع العلم والعمد والاختيار.
فخرج بـ (العين): الأثر، كطعم وريح، فلا يفطر بما وصل الجوف من ذلك من غير عين.
قال (م ر): (ومنه يؤخذ أنه لا يفطر بوصول الدخان إلى الجوف وإن تعمد فتح فِيْه لذلك؛ إذ ليس هو عيناً عرفاً وإن كان ملحقاً بها في باب الإحرام) اهـ
لكن استثنوا منه دخان التنباك؛ لأنه يتحصل منه العين، بل نازع (سم) في كون الدخان ليس بعين؛ لأنه إذا كان من نجس .. ينجس.
وبـ (من أعيان الدنيا) أعيان الجنة، لو حصلت كرامة وأكلها، لا يفطر بها؛ لأنها من جنس الثواب، والكرامة لا تبطل العبادة.
وبـ (جوفاً): وصولها لنحو مخ ساقه، وبطن فخده مما لا يسمى جوفاً.
وبـ (من ظاهر لباطن): ما لو ابتلع نخامة من رأسه لبطنه؛ لأنه من باطن لباطن، ومثله بلع ريقه الصرف من فمه؛ لأنه عدوه في ذلك من باطن إلى باطن.
قال في "الشرح": (مخرج الهاء والهمزة باطن، ومخرج الخاء والحاء ظاهر، ثم داخل الفم إلى منتهى الغلصمة، والأنف إلى منتهى الخيشوم له حكم الظاهر في الإفطار، بإخراج القيء إليه وابتلاع النخامة منه، وفي عدم الإفطار بدخول شيء فيه ووجوب غسله إذا تنجس، وله حكم الباطن في عدم الإفطار ببلع الريق منه، وسقوط غسله عن نحو الجنب، وإنما وجب غسل النجاسة عنه؛ لغلظها) اهـ
وبـ (من منفذ مفتوح) وصولها من منفذ غير مفتوح.
(و) من ثم (لا يضر تشرب المسام) بتشديد الميم الأخير، جمع سَمٍّ بتثليث أوله، والفتح أفصح، ثقب البدن من محال الشعر، وهي ثقب لطيفة لا تدرك.
(بالدهن والكحل والاغتسال) فلا فطر بذلك وإن وصل لجوفه ووجد لونه في نحو نخامة؛ لأنه لما لم يصل من منفتح .. كان في حيز العفو، لكنه خلاف الأولى؛ لخلاف مالك.
وبـ (مع العلم) .. إلخ: الناسي والجاهل والمكره، كما أشار إليه بقوله:
(فإن أكل أو شرب) أو أدخل نحو عود في نحو أذنه (ناسياً) للصوم (أوجاهلاً) بأن ذلك مفطر، أو مكرهاً على الأكل مثلاً، سواء أكل (قليلاً أو كثيراً .. لم يفطر)؛ لعموم خبر الصحيحين:"من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب .. فليتم صومه"، وفي رواية:"فإنما أطعمه الله وسقاه"، وصح "ولا قضاء عليه".
وخبر: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
نعم؛ من أكل ناسياً مثلاًً، فظن أنه أفطر فأكل .. أفطر، والجاهل كالناسي بجامع العذر.
ولو علم تحريم الأكل مثلاً، وجهل الفطر به .. لم يعذر؛ لن حقه مع علم التحريم الامتناع.
(ولا يعذر الجاهل) هنا، وفيما مر (إلا إن قرب عهده بالإسلام) ولم يكن مخالطاً أهله بحيث يعرف منهم أن ذلك مفطر.
(أو نشأ ببادية) أي: محل، ولو بلداً (بعيدة عن العلماء) بذلك، بحيث لا يستطتع النقلة إليهم، أو كان المفطر من المسائل الخفية كإدخاله عوداً في أذنه؛ لعذره حينئذٍ، بخلاف غير من ذكر؛ لتقصيره بترك تعلمه ما يجب عليه تعلمه.
ولا يفطر عود مقعدة مبسور وإن اضطر لدخول إصبعه معها، ولا بدخول نحو ذبابة جوفه بغير اختياره.
نعم؛ إن أخرجها منه أفطر إن علم تحريمه وتعمد، ويأثم حيث لا ضرر في إبقائها.
(ولا بغبار) نحو (الطريق) ولا بغربلة نحو دقيق (وإن تعمد فتح فمه)؛ لأن التحرز عن ذلك شأنه أن يشق، فهو بدخول ذلك غير مختار.
وقضية إطلاقه: عدم الفرق بين القليل والكثير، والطاهر والنجس، واعتمده (م ر).
والذي اعتمده في "التحفة": أن النجس يضر مطلقاً، والطاهر إن تعمده. عفي عن قليله، وإلا .. عفى حتى عن كثيره.
(ولا) يفطر أيضاً (ببلع الريق) أي: ريقه (الطاهر الخالص من معدنه) وهو ما تحت لسانه، والمراد به جميه فمه (وإن) جمعه و (أخرجه على لسانه)؛ لتعسر الاحتراز عنه.
ومرَّ أنهم جعلوا الفم في الريق الصرف، والوضوء والغسل باطناً، وفي إزالة النجاسة، ودخول غير الريق منه، وخروج شيء من الباطن إليه ظاهراً.
وخرج بـ (ريقه): ريق غيره، وما جاء:(أنه صلى الله عليه وسلم كان يمص لسان عائشة) .. فيحتمل؛ أنه يمجه.
وبـ (الطاهر) المتنجس ولو بدم لثته وإن صفى؛ لأنه لما تنجس .. حرم ابتلاعه، وصار تنجسه بمنزلة عين.
واستظهر في "التحفة": العفو عما ابتلى به من دم اللثة بحيث لا يمكنه الاحتراز عنه؛ قياساً على مقعدة المبسور، ولنا وجه بالعفو عنه مطلقاً إذا كان صافياً، وفي تنجس الريق به إشكال؛ لأنه نجس عمَّ اختلاطه بمائع، وما كان كذلك لا ينجس ملاقيه، كما في الدم على اللحم إذا وضع في الماء للطبخ، فإن الدم لا ينجس الماء.
وبـ (الخالص): المختلط بما تغير به لونه أوطعمه أو ريحه إن نشأت من عين، بخلاف تغيره بمجاور فلا يضرمطلقاً، كما أنه يضر بالمخالط مطلقاً.
وبـ (من معدنه): ما ابتلعه من نحو سواك أو خيط أخرجه عن الفم، ثم رده إليه وابتلعه، أو من ظهر شفته، فيفطر العالم بحرمة ذلك لا الجاهل؛ لأنه مما يخفى.
ولو حال بينه وبين اللسان حائل .. قال (ب ج): اعتمد الحفني الإفطار.
(ويفطر بجري الريق بما بين أسنانه) وبما في حنكه (بقدرته) -أي: مع قدرته- حال جريانه (على مجه) وإلا .. فلا، وإن قدر على مجه قبل جريانه ولو نهاراً.
قال (ب ج): وهل يجب عليه الخلال ليلاً إذا علم جري ريقه بما بين أسنانه نهاراً، ولا يمكنه التمييز والمج؟ الأوجه لا، كما هو ظاهر إطلاقهم.
ويوجه بأنه يخاطب بالتمييز والمج عند القدرة عليهما حال الصوم، لا قبله، لكن ينبغي أن يتأكد ذلك ليلاً؛ خروجاً من خلاف من قال: إنه لم يتخلل .. أفطر.
(و) يفطر أيضاً (بالنخامة كذلك) بأن وصلت حد الظاهر من الفم فأجراها هو وإن
عجز بعد ذلك عن مجها، أو جرت بنفسها وقدر على مجها؛ لتقصيره مع أن نزولها منسوب إليه، بخلاف ما لو جرت بنفسها وعجز عن مجها .. فلا يفطر؛ لعذره، وكذا لو لم تصل لحد الظاهر؛ لما مر.
(و) يفطر أيضاً (بوصول ماء المضمضة) أو الاستنشاق (إلى الجوف) من باطن أو دماغ إن بالغ مع تذكره للصوم وعلمه بعدم مشروعيته، وإلا .. لم يفطر.
وضابط المبالغة: أن يكون بحيث يسبق غالباً إلى الجوف، وهذا (إن بالغ في غير نجاسة) في الفم أو الأنف وإلا .. لم يفطر بالمبالغة لها ولو معفواً عنها أو مشكوكة؛ لطلب غسلها حينئذٍ ولو بمبالغة توقف يقين الطهارة عليها، وبه فارقت المضمضة لنحو الوضوء، إذ لا تتوقف فيه عليها.
(و) يفطر أيضاً بوصول ما ذكر لجوفه ولو (بغير مبالغة من مضمضة) أو استنشاق؛ (لتبرد أو رابعة) أو من انغماس في الماء حيث تمكن من الغسل بغيره؛ لأن ذلك جميعه غير مأمور به.
والقاعدة: أن ما سبق لجوفه من غير مأمور به يفطر به، أومن مأمور به ولو مندوباً لم يفطر به.
وأخذ منه أنه لو وصل إلى جوفه من أذنيه في الغسل الواجب أو المندوب ماء .. لم يفطر؛ لتولده من مأمور به، ولا نظر لإمكان إمالة رأسه بحيث لا يدخل الماء جوفه؛ لعسره.
وفي (ب ج): (ولو وضع في فمه ماء بلا غرض، فسبقه .. أفطر، أو ابتلعه ناسياً .. لم يضر، أو وضعه فيه كتبرد وعطش فوصل جوفه بغير فعله، أو ابتبعه ناسياً .. لم يفطر، كما قاله شيخنا في "الشرح") اهـ
قال: ونحوه في "شرح الغاية") لـ (سم).
ويحرم أكل الشاك آخر النهار لا آخر الليل؛ لأن الأصل بقاؤهما، فإن ظن انقضاء النهار باجتهاد .. جاز له الإفطار.
والأحوط أن لا يتعاطى مفطراً إلا بعد اليقين بجوازه.
(و) إن تعاطاه بغير يقين .. بطل صومه (بتبين الأكل) أو غيره من المفطرات
(نهاراً) بخلاف ما إذا بان الأمر كما ظنه، أو لم يتبين غلط ولا إصابة وقد تعاطاه باجتهاد فيهما أو هجوماً في أوله؛ لأن الأصل بقاء الليل.
فإن هجم بإفطاره أو أخذ فيه بظن غير اجتهاد في آخره .. فصومه باطل ما لم يبن إفطاره ليلاً؛ لأنه لم يعتمد في إفطاره على ظن يعتمد، ولا على أصل؛ إذ الأصل بقاء النهار.
ويجوز اعتماد خبر عدل أو فاسق اعتقد صدقه بالغروب، وبالأولى في بقاء الليل.
وإن أخبره بالفجر .. وجب العمل بقوله (لا بالأكل) أو مفطر غيره (مكرهاً) فلا يفطر به إلا الجماع كما مر.
نعم؛ شرط عدم الفطر بالإكراه أن لا يتناوله لشهوة نفسه، بل لداعي الإكراه لا غير.
(الخامس والسادس والسابع: الإسلام، والنقاء عن الحيض والنفاس، والعقل في جميع النهار) في الكل، فإن ارتد أو حاضت أو نفست أو جن ولو لحظة .. بطل صومه كالصلاة، وإن كان الجنون بشرب مجنن ليلاً، وكذا لو ولدت وإن لم تر دماً؛ لأن الولادة مفطرة؛ بناءً على الراجح أنها توجب الغسل.
لكن نفل في "الإسعاد" عن النووي: (أن الأقوى دليلاً عدم بطلان الصوم بها؛ لأنهم عللوا وجوب الغسل بها بأن الولد مني منعقد، وخروجه يوجب الغسل، ولا يفطر من غير استمناء ولا مباشرة) اهـ
ويحرم على حائض ونفساء الإمساك بنية الصوم، لكن لا يجب عليهما تعاطي مفطر، وكذا في نحو العيد؛ اكتفاء بعدم النية.
ولا يضر النوم المستغرق جميع النهار؛ لبقاء أهلية الخطاب فيه، وبه فارق الإغماء.
(ولا يضر الإغماء والسكر) الذي لم يتعد به (إن أفاق) أي: خلا عنهما (لحظة في النهار)؛ اكتفاء بالنية مع الإفاقة في جزء.
وإن لم توجد إفاقة منهما، كأن طلع الفجر ولا إغماء ولا سكر، ثم طرأ أحدهما واستمر إلى الغروب .. فهذا خلا لحظة عنهما لا أفاق، والحكم واحد، فإن لم يخل لحظة عنهما .. لم يصح صومه؛ لأنهما في الإستلاء على العقل فوق النوم ودون الجنون.
فلو قلنا بعدم ضرر المستغرق منهما كالنوم .. لألحقنا الأقوى بالأضعف، ولو قلنا بضرر اللحظة منهما كالجنون .. لألحقنا الأضعف بالأقوى فتوسطنا وقلنا: إفاقة لحظة منهما كافية.
وأمَّا إذا تعدى به .. قال الكردي: (فيأثم به، ويبطل صومه ويلزمه القضاء وإن كان في لحظة من النهار، وكذا إن شرب مزيلاً للعقل تعدياً، فإن كان لحاجة .. فهو كالإغماء.
وأمَّا الجنون من غير تسبب فيه، فمتى طرأ لحظة من النهار .. بطل صومه، ولا قضاء، ولا إثم) هذا ملخص ما في "التحفة" ثم اضطرب كلامه، اهـ
وفي (م ر): لا يضر إغماء أو سكر بعض النهار ولو بتعد، وبه قال (سم) و (حج) في "شرحي الإرشاد"، بل فيهما: لا يبطل صوم غير المتعدي منهما وإن استغرق النهار.
ولو مات أثناء النهار .. بطل صومه في أحكام الدنيا، لا الآخرة.
ومن شروط الصوم قابلية الوقت له.
(ولا) يجوز، ولا (يصح) صوم رمضان عن غيره وإن أبيح له فطره لنحو سفر؛ لأنه لا يقبل غيره بوجه.
ولا (صوم يوم العيدين) عيد الفطر والأضحى مطلقاً اتفاقاً.
(و) لا صوم يوم من (أيام التشريق) ولو لمتمتع عادم للهدي؛ لعموم النهي عن صيامها.
والقديم: جواز صيامها لمتمتع عن الثلاثة الواجبة في الحج أو لنحو كفارة، وهو مذهب مالك وإحدى الروايتين عند أحمد، وهو الراجح دليلاً في "المجموع"، و"الروضة"؛ لصحة الحديث فيه.
(ولا) صوم يوم من (النصف الأخير من شعبان)؛ للنهي عنه.
ولا صوم يوم الشك؛ لقول عمار بن ياسر: (من صام يوم الشك .. فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم رواه الترمذي وغيره، وصححوه. فيحرم صومه؛ لكونه يوم الشك مع حرمة كونه من النصف الثاني.
والمعنى فيه القوة على صوم رمضان.
وفهم منه أنه لو صام الخامس عشر وتالييه، وأفطر السابع عشر .. حرم الصوم؛ لأنه
صوم بعد النصف بلا سبب، ولم يصله بما قبله.
ويوم الشك: يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث برؤيته اثنان فأكثر، بحيث يتولد من ذلك الشك في رؤيته.
وإن أطبق الغيم ولم يعلم من رآه، أو شهد برؤيته عدد يردّ كعبيد أو فسقه، وظن صدقهم.
قال (ب ج): (وظن الصدق بمعنى احتمل، بخلاف المقطوع بكذبه، ومظنون الصدق، فلا يكون به يوم شك.
لكن مرَّ أنه مع ظن الصدق يوم الشك، فتجوز معه النية، فإن تبين كونه من رمضان، وإلا .. حرم صومه.
وحاصله: أنه مع اعتقاد صدق المخبر تجب النية والصوم ويصح وإن لم يبن كونه من رمضان، ومع ظن الصدق تصح النية، وكذا الصوم إن تبين كونه من رمضان ليلاً أو نهاراً، وكذا بعد مضي اليوم وإن حرم عليه، وإلا .. لم يصح.
ومع الشك تحرم النية والصوم، ولا يصحان وإن بان أنه من رمضان) اهـ ملخصاً
قال (م ر): (عمت البلوى بثبوت هلال ذي الحجة يوم الجمعة مثلاً، ثم يتحدث الناس برؤيته ليلة الخميس، ويظن صدقهم ولم يثبت، فهل يندب صوم اليوم المذكور؛ لكونه يوم عرفة ظاهراً، أو يحرم؛ لاحتمال كونه يوم عيد؟ أفتى الوالد بالثاني؛ إذ دفع مفسدة الحرام مقدم على جلب تحصيل مصلحة المندوب) اهـ
وعليه: فيحرم صومه ولو قضاء عن فرض وإن وصله بما قبله؛ لأنه بتقدير كونه يوم عيد لا يقبل صوماً ألبته، بخلاف يوم الشك فيقبله عما ذكر.
لكن اعترضه البرلسي بأن التحريم لا يثبت بالشك أي والمعنى الذي حرم لأجله صوم يوم الشك غير موجود هنا (إلا لورد)، كأن اعتاد صوم الدهر، أو صوم يوم وفطر يوم، أو يوم الإثنين، أو السود، فصادف ما بعد النصف، أو يوم الشك، فيصح صومه؛ لخبر الصحيحين بذلك.
وتثبت العادة بمرة (أو نذر) مستقر في ذمته، كأن نذر صوم كذا فوافق النصف الثاني من شعبان، بخلاف ما لو نذر صوم غد وهو عالم أنه يوم شك مثلاً .. فلا ينعقد، بخلاف ما لو لم يعلم ذلك.
(أو قضاء) ولو لنفل يشرع قضاؤه (أوكفارة) فيجوز صوم ما بعد النصف عنها ولو يوم الشك، ولا كراهة في صوم ما ذكر؛ لأن له سبباً فجاز كنظيره من الصلاة في الأوقات المكروهة، ومن ثَمَّ يأتي في التحري هنا ما مرَّ ثمَّ، ومسارعة لبراءة ذمته في غير الأول.
(أو وصل) صوم (ما بعد النصف بما قبله) ولو بيوم الخامس عشر وإن اقتضى خبر: "إذا انتصف شعبان .. فلا تصوموا" حرمة صومه؛ حفظاً لأصل مطلوبية الصوم.
* * *
(فصل: شروط من يجب عليه) صوم (رمضان):
(العقل، والبلوغ) فلا يجب على مجنون غير متعد بجنونه، ولا على صبي أداءً ولا قضاءً؛ لرفع القلم عنهما، ويجب على من تعدى بجنونه أو سكره أو إغمائه مطلقاً على ما مر وجوب انعقاد سبب؛ ليترتت القضاء عليهم، لا وجوب أداء.
(والإسلام) ولو فيما مضى بالنسبة للمرتد حتى يلزمه القضاء إذا أسلم، بخلاف الكافر الأصلي نعم؛ يعاقب على تركه في الآخرة نظير ما مر في الصلاة، ويحرم إطعامه في نهار رمضان؛ لأنه إعانة على معصية وإن لم نمنعه منه، ولم يصح صومه منه؛ لأنه قادر عليه بالإسلام، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فالإسلام واجب لذاته ولإداء العبادة، فإذا لم يصح صومه .. وجب عليه الإمساك؛ لتعديه.
نعم؛ إنما يتجه إن كان الإمساك مجمعاً عليه؛ لأنه إنما يخاطب بما أجمع عليه، فإن لم يجمع عليه .. حرم على من يوجب الإمساك -كالشافعية- إطعامه؛ لأنه معصية في اعتقاده.
قال في "التحفة" في فصل: لا تزوج امرأة نفسها: (لا يجوز لشافعي التسبب فيه، أي: العقد الذي لا يرى صحته، إلا إن قلد القائل بحله) اهـ
ولو اعتقد الصبي الكفر عند النية .. لم ينعقد صومه، بخلافه بعده.