الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(باب الحج)
بفتح الحاء وكسرها مصدر، والأكثر الفتح، والقياس الكسر.
لغة: القصد، أو كثرته إلى من يعظم.
وشرعاً: قصد الكعبة؛ للأفعال الآتية، كما في "المجموع".
واعترض بأنه نفس الأفعال، واستدل له بخبر:"الحج عرفة"، أي: إتيانها، وهو فعل لا قصد، فالأفعال أجزاؤه لا وجود له بدونها، والأول هو الموافق للغالب من أن المعنى الشرعي مشتمل على المعنى اللغوي بزيادة.
لكن يؤيد أنه الأفعال قولهم: أركان الحج خمسة أو ستة، فدل على أنه نفس الأركان، وهي أفعال.
(والعمرة) بضم أوّليه، أو بفتح فسكون: الزيارة، وقيل: القصد إلى محل عامر.
وشرعاً: زيارة الكعبة؛ للأفعال الآتية.
وهما من الشرائع القديمة، فالمخصوص بنا ما عدا الطواف، أو كونهما على هذه الكيفية.
وفرض في السنة السادسة.
وهو -حيث كان مبروراً- يكفر جميع الذنوب حتى الكبائر وتبعات الناس عند (م ر) بشرط أن لا يتمكن من الوفاء بعده.
(هما) سنتان من صبي ورقيق، وفرضا كفاية؛ لإحياء الكعبة كل سنة مرة من جمع يظهر بهم الشعار ولو صغاراً، وهما على من لم يؤد نسكه بشرطه. (فرضان) أمّا الحج .. فإجماعاً، بل معلوم من الدين بالضرورة، ومن أركان الإسلام.
وأمّا العمرة .. فعلى الأظهر؛ لما صح عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، هل على النساء جهاد؟ قال:"نعم، جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة".
ولا يغني عنها الحج؛ لأن كلاً أصل برأسه؛ لاختلاف ميقاتهما زماناً ومكاناً.
ولا يشكل بإجزاء الغسل عن الوضوء؛ لبناء الطهارة على التداخل، ولأن ما قصد من الوضوء موجود في الغسل.
ولا يجبان بأصل الشرع غير مرة على التراخي بشرط العزم على الفعل بعد، وأن لا يتضيقا بنذر أو خوف غصب أو تلف مال بقرينة.
وإذا أخر، فمات .. تبين فسقه من وقت خروج قافلة بلده في أخر سني الإمكان إلى موته.
ولهما خمس مراتب:
صحة مطلقة، وشرطها: الإسلام، فيصح إحرام ولي عن محجوره، أي: ينوي جعله محرماً، ويحضره المواقف، ويفعل عنه بنفسه أو نائبه ما لا يتأتى منه.
والوقت القابل لما نواه، وإلا كأن نوى فيما لا يقبله أصلاً كأيام منى .. لم ينعقد، أو في غيرها ونوى حجاً في غير أيامه .. انعقد عمرة.
والعلم بالكيفية عند الإحرام، وبالأعمال عند فعلها ولو بوجه فيهما.
وصحة مباشرة، وشرطها على ما مر في الصحة المطلقة التمييز، وإذن الولي، ولو كمل بعد الإحرام وقبل غيره من الأركان .. أجزأه عن حجة الإسلام.
فلا تصح مباشرة غير مميز ومن لم يأذن له وليه.
ووقوع عن نذر، وشرطه مع ما مر في الصحة المطلقة التكليف.
ووقوع عن فرض الإسلام، وشرطه مع ما مر فيما قبله الحرية التامة.
فلو تكلف الفقير النسك .. أجزأه عن الفرض، كما لو حج القن عن نذره بلا إذن سيده .. فيكفيه عن نذره.
(وشرط وجوبهما: الإسلام) فلا يجبان على كافر أصلي إلا للعقاب على تركهما في الآخرة نظير ما مر في الصلاة، ولا أثر لاستطاعته في كفره.
أمّا المرتد .. فيجبان عليه كالمسلم، إلا أنهما لا يصحان منه في ردته.
وإذا مات مرتداً .. لا يقضيان عنه.
(والحرية، والتكليف، والاستطاعة) فلا يجبان على قن وغير مكلف ومستطيع؛ لنقصهم.
واستطاعة الحج استطاعة للعمرة؛ لتمكنه من القران، وهو لا يزيد على عمل إفراد الحج في العمل.
ولا يصح نسك غير فرض الإسلام إلا بعده، فيجب فرض الإسلام، فالقضاء، فالنذر.
نعم؛ لو أفسده حال كماله .. وقع عن حجة الإسلام وعن القضاء، وكذا عن نذره إن عين سنة وحج فيها.
والاستطاعة نوعان:
أحدهما: استطاعة مباشرة، فتمتد من خروج أهل بلده للنسك إلى عودهم، فمن لم يستطع في جزء من ذلك .. لم يلزمه، ولا عبرة بما قبل ذلك ولا بما بعده لتلك السنة.
(ولها) أي: استطاعة المباشرة (شروط) أحد عشر:
(الأول: وجود) مؤن السفر من (الزاد وأوعيته) حتى السفرة (ومؤنة) نفسه وغيرها مما يحتاجه، كأجرة خفير، مدة (ذهابه وإيابه) وإقامته على العادة وإن لم يكن له في بلده أهل ولا عشيرة.
نعم؛ لو قصر سفره للنسك بأن كان دون يومين من مكة، وكان يكتسب في أول يوم كفاية أيام الحج، وهي ما بين زوال سابع ذي الحجة وزوال ثالث عشره لمن لم ينفر النفر الأوّل .. لم يشترط في حقه وجود الزاد، وكذا غيره مما أمكن تحصيله، بخلاف ما لو لم يكتسب كذلك أو طال سفره؛ لما فيه من الجمع بين مشقة الكسب ومشقة السفر.
ولو قدر على كسب كفاية أيام الحج في الحضر .. فقياس ما مر وجوبه.
ورد بأنه إذا قدر على الكسب أوّل السفر .. عدّ مستطيعاً، ولا كذلك في الحضر، فلا يعد بها مستطيعاً، بل محصلاً لسبب الاستطاعة في السفر، وتحصيل السبب لا يجب.
ويعتبر في العمرة القدرة على مؤنة ما يسعها، وهو نصف يوم مع مؤنة مدة سفره.
(الثاني: وجود الراحلة) ولو لم تلق به، كبقرة عند (حج) بشراء أو استئجار بعوض المثل، لا بأزيد وإن قل كالتيمم، والشراء أفضل.
وإنما تجب (لما بينه وبين مكة مرحلتان) بسير الأثقال وإن قدر على المشي بلا مشقة؛ لأنها من شأنه حينئذٍ.
نعم؛ هو الأفضل؛ خروجاً من خلاف موجبه ولو لامرأة لا تخشى منه فتنة بوجه، وللعصبة منعها عند خوفها عليها.
ولو قدر على دابة إلى دون مرحلتين، ومشى الباقي أو عكسه .. قال (حج): لم يلزمه؛ لأن تحصيل السبب لا يجب، وردّ كونه من تحصيل السبب.
والمعتبر وجود الراحلة لمن لم تلحقه بها مشقة تبيح التيمم عند (م ر) أو لا تحتمل عادة عند (حج).
(أو) وجود (شق محمل لمن لا يقدر على الراحلة) بأن تلحقه بها المشقة المذكورة؛ إذ لا استطاعة معها.
فإن لحقته بالمحمل .. اشترط كنيسة، أي: محارة.
فإن لحقته بها .. فسرير يحمله رجال، ولا نظر لزيادة مؤنتهما؛ إذ الفرض أنها فاضلة، كما يأتي.
(وللمرأة) والخنثى وإن لم يتضررا، ولم يعتادا المحمل كنساء الأعراب؛ لأنه أستر لهما، ولا ينافيه ما مر من ندب المشي لهما؛ لأن الوجوب يحتاط له أكثر.
ويشترط في وجود المحمل كونه (مع وجود الشريك) عدل لائق به، غير مشهور بخلاعة، وأن يوافقه على الركوب بين المحملين إِذا نزل لنحو قضاء حاجة، ولا نحو برص به، ولا شديد العداوة له.
فإن لم يجده بشروطه .. لم يلزمه النسك وإن قدر على تمام المحمل.
نعم؛ إن سهلت معادلته بما يريد استصحابه .. تعين هو أو الشريك.
(ولا تشترط الراحلة لمن بينه وبين مكة أقل من مرحلتين وهو قوي على المشي) ولو امرأة بأن لا تلحقه به المشقة المتقدمة وإن كان إلى عرفة مرحلتان.
ومقتضاه أنه لو قرب من عرفة وبعد من مكة .. لم يعتبر؛ وذلك لأنه لا ضرر عليه في ذلك.
وحيث لم يلزمه المشي فالركوب قبل الإحرام وبعده أفضل ولو لامرأة لم تخش من المشي فتنة، وهو على القتب أفضل.
تنبيه: (الشق) بفتح أوله، و (المحمل) بفتح ميمه الأولى وكسر الثانية، -وقيل:
عكسه-: وهو شيء من نحو الخشب يجعل في جانب البعير بلا شيء يستر الراكب فيه.
و (الكنيسة) هي: المحمل إلا أن عليه أعواداً عليها ما يظلل من الشمس من الكنس، أي: الستر، ومنه (الْجَوَارِ الْكُنَّسِ) [التكوير:16]. و (المحفة): التخت.
(ويشترط كون ذلك كله) أي: ما مر من الراحلة والمؤن (فاضلاً) عما يعتبر في الفطرة بتفصيله.
ومن ذلك: كونه فاضلاً (عن دَيْنه) ولو مؤجلاً ولو لله ككفارة، ودينه الحال على مليء وبه حجة كالذي بيده، وإلا .. فكمعدوم.
(و) عن (مؤنة من عليه مؤنتهم) من زوجة وقريب ومملوك محتاج لخدمته.
والمراد بـ (المؤنة): اللائقة بهم مطعماً وملبساً، وإعفاف أصل وأجرة طبيب وثمن دواء وغيرها.
وبـ (من عليه مؤنتهم): ما يشمل أهل الضرورات من المسلمين ولو من غير أقاربه؛ لما ذكروه في "السير" من: أن دفع ضرورات المسلمين بإطعام جائع وكسوة عار ونحوهما فرض على من ملك أكثر من كفاية سنة، وقد أهمل هذا غالب الناس حتى من ينتمي إلى الصلاح.
وشرط الفضل المذكور كونه لجميع مدة غيبته (ذهاباً وإياباً) وإقامة؛ لئلا يضيعوا، بل وإن لم يكن له ببلده أهل ولا عشيرة كما مر؛ لما في الغربة من الوحشة، ولنزع النفوس إلى الأوطان.
ويحرم عليه السفر حتى يترك لممونه مؤنة مدة ذهابه وإيابه.
لكن يخيره الحاكم بين طلاق زوجته وترك مؤنتها عند (حج).
(وعن مسكن وخادم يحتاج إليه)؛ لخدمة له أو لممونه؛ تقديماً لحاجته الناجزة، وفيهما التفصيل المار في الفطرة، ومثلهما الثوب.
ولو احتاج إلى صرف ما يحج به لتزوجه مع خوف عنت .. فالأفضل له التزوّج به، لكن يستقر عليه الحج؛ لأن النكاح من الملاذ، فلا يمنع استقراره.
وأفتى الشهاب الرملي بوجوب الحج على من بيده وظيفة أمكنه النزول عنها بما يكفيه للحج وإن لم يكن له غيرها.
ونقل (سم) عن السيوطي: أنه لا يلزمه ذلك.
(الثالث: أمن الطريق) أمنا لائقاً بالسفر ولو بخفير، بأجرة مثله على نفسه، وجميع ما يحتاج لاستصحابه لسفره، لا على مال نحو تجارة أمن عليه ببلده، ولا على مال غيره إن لم يلزمه حفظه والسفر به؛ لأن خوفه على ذلك -ولو من رصدي، ما لم يكن المعطي له الإمام- يمنع الاستطاعة إن خاف في جميع الطرق.
وإلا .. وجب سلوك الذي يأمن فيه وإن طال إن وجد مؤنة سلوكه.
ويشترط أيضاً: وجود رفقة يخرج معهم وقت العادة إن خاف وحده، ولا أثر لمجرد وحشة؛ لأنه لا بدل له، وبه فارق الوضوء.
ولو اختص الخوف به .. لم يستقر في ذمته كما اعتمده (حج) و (م ر).
وقال شيخ الإسلام والخطيب: يستقر عليه.
والأظهر: وجوب ركوب البحر ولو على امرأة وجدت محلاً تنعزل فيه عن الرجال إن تعين طريقاً، ولو لجدب الأرض وغلبت السلامة فيه وقت سفره.
ويجوز للولي ركوبه البحر بنحو الصبي إن غلبت السلامة وله مصلحة فيه، لا بماله ولو لتجارة؛ إذ المال يحتاط له أكثر.
(الرابع: وجود الزاد والماء في المواضع المعتاد حمله منها بثمن مثله، وهو القدر اللائق به في ذلك المكان والزمان) وإن غلت الأسعار، ولا نظر لما مضى.
نعم؛ لا يعتبر حالة الضرورة التي يقصد فيها القوت والماء لسد الرمق.
فلو خلا بعض المنازل عن ذلك .. فلا وجوب؛ لأنه إن لم يحمل ذلك معه .. خاف على نفسه، وإن حمله .. عظمت المؤنة.
وكذا لا يجب عليه الحج إذا لم يجد أحدهما إلا بأكثر من ثمن مثله وإن قلت الزيادة.
ونقل (م ر) والخطيب عن الدميري: أنه يغتفر الزيادة اليسيرة؛ لأنه لا بدل له، بخلاف ماء الطهارة.
(و) وجود (علف الدابة في كل مرحلة)؛ لعظم المؤنة في حمله؛ لكثرته، بخلاف الماء والزاد.
لكن في "المجموع" وغيره: اعتبار العادة فيه أيضاً، واعتمدوه، وإلا .. لم يجب الحج على آفاقي.
والخامس: ما أشار إليه بقوله: (ولا يجب) ولا يستقر النسك (على المرأة) ولو عجوزاً لا تشتهى أو مكية.
(إلا إن) وجد فيها ما مر، و (خرج معها) ولو بأجرة مثل قدرت عليها (زوج أو محرم) ولو فاسقاً؛ لأنه يغار عليها من مواقع الريب.
نعم؛ لو علم أنه لا يغار عليها .. لم يكف.
أو مراهقاً أو أعمى له حذاقة تأمن معه.
وتشترط: مصاحبته لها بحيث تمنع الريبة وإن بعد عنها في بعض الأوقات، أو لم يكن معها، لكنه قريب.
ويكفي عبدها، أو أجنبي ممسوح إن كانت هي وهو ثقتين (أو نسوة ثقات) -أي: ثلاث فأكثر- ذوات عدالة ولو إماء.
ويتجه الاكتفاء بالمراهقات بقيده السابق، وبمحارم فسقهن بغير زنا أو قيادة وإن لم يكن معهن نحو محرم لإحداهن؛ لانقطاع الأطماع باجتماعهن.
ومن ثَمّ جازت خلوة رجل بامرأتين دون عكسه.
واعتمد في شرحي "المنهج"، و"التحرير" و (م ر)، والخطيب: الاكتفاء باثنتين.
قال الكردي: ومحله: إن كانت واحدة منهما لا تفارقها.
أمّا الجواز .. فلها أن تخرج لفرض الإسلام ككل واجب ولو وحدها إذا أمنت.
ومن الواجب: خروج المرأة إلى محل حراثتها؛ لأن طلب الحلال واجب ولو شابة، لكنهن قد فرطن في عدم ستر جميع البدن وغيره.
(الخامس) وهو في الحقيقة السادس: (أن يثبت على الراحلة بلا مشقة شديدة) وإلا .. لم يجب عليه بنفسه، بل هو معضوب، وسيأتي.
السابع: وجود ما مر من الزاد وغيره وقت خروج الناس من بلده.
الثامن: أن يبقى بعد الاستطاعة ما يمكنه الوصول فيه إلى مكة بالسير المعتاد، بحيث لا يحتاج في بعض الأيام أو الليالي لقطع أكثر من مرحلة شرعية وإن اعتيد، وإلا .. لم يجب.
وإنما وجبت الصلاة بأوّل وقتها قبل مضي ما يسعها؛ لإمكان تتميمها بعده، بخلاف الحج، على أن ابن الصلاح قال: يجب ثم يسقط.
وفائدته عنده: وصفه بالإيجاب، وأنه لو مات يقضي من تركته قطعاً، ويلزمه الشروع في المقدمات.
أمّا العمرة .. فيعتبر لها ما يسع أعمالها، وقدر بثلثي يوم.
التاسع: أن يجد رفقة حيث لم يأمن وحده، يخرج معهم في الوقت المعتاد لا قبله؛ لزيادة المؤنة عليه، ولا بعده؛ لأنه يحتاج إلى قطع أكثر من مرحلة شرعية في بعض الأيام، وكل منهما يمنع الوجوب، وإن كان الأفضل خروجه معهم.
العاشر: أن يجد ما مرَّ من الزاد ونحوه بمال حاصل عنده، أو بدين حال على مليء، فلا تلزمه الاستدانة لذلك وإن تعينت لوفائه جهة ظاهرة، ولا اتهاب، ولا قبول نحو هبة؛ للمنة، ولا شراؤه بأكثر من ثمنه.
والحادي عشر: ما أشار إليه بقوله: (ولا يجب على الأعمى الحج) ولا العمرة (إلا إذا وجد قائداً) يقوده ويهديه عند ركوبه ونزوله، ولو بأجرة مثل قدر عليها، ويشترط فيه ما في الشريك المتقدم، ولا على أقطع إلا إن وجد معيناً، ولا على سفيه إلا إن وجد حافظ نفقة له.
تنبيه: لو استطاع ثم افتقر .. لزمه الكسب والمشي إن قدر عليه ولو فوق مرحلتين، وكذا السؤال على ما في "الإحياء".
لكنه لا يجب لدين آدمي عصى به، فالحج أولى.
النوع الثاني: استطاعة تحصيله بإنابة غيره عنه، وإنما تكون في ميت ومعضوب كما أشار إليه بقوله:
(ومن عجز عن) نسك (الحج) أو العمرة وقد أيس عن مباشرته (بنفسه)؛ لزمانة أو مرض لا يرجى برؤه أو هرم، ويسمى معضوباً -بمعجمة- من العضب، أي: القطع، كأنه قطع عن الحركة، أو بمهملة، كأنه قطع عصبه.
( .. وجب عليه الاستنابة) فيه عن نفسه فوراً إن عضب بعد الوجوب والتمكن.
وعلى التراخي إن عضب قبل الوجوب أو معه أو بعده ولم يمكنه الأداء؛ لأنه مستطيع؛ إذ الاستطاعة بالمال كهي بالنفس، ولخبر الصحيحين:(إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: "نعم") وهذا في حجة الوداع، وهذا فيمن بينه وبين مكة مسافة قصر، وإلا .. وجب أن يتكلفه بنفسه كما يأتي.
وإنما تجب عليه الاستنابة (إن قدر عليها) بعد عضبه (بماله) بأن وجد أجرة من يحج عنه بأجرة مثل، فاضلة عما يحتاجه من نحو مسكن وخادم، ونحو كتب فقه وإن كانت تبقى سنين عديدة، وكذا مؤنة ممونه وجميع ما يحتاجه يوم الاستئجار لا ما بعده؛ لأنه لم يفارقهم، فيمكنه تحصيل مؤنة ممونه لما بعده.
ويكلف استئجار من رضي بأقل من أجرة مثل، كالإذن للمطيع الآتي بالأولى، وليست المنة هنا كهي بالمال.
ولو لم يجد إلا أجرة ماش .. لزمه استئجاره.
(أو) قدر عليها (بمن يطيعه) بأن وجد متبرعاً يحج عنه غير معضوب، وهو عدل تصح منه حجة الإسلام، ولا حج عليه.
أمّا الفاسق .. فلا تصح إنابته عن غيره مطلقاً ولو مع المشاهدة؛ لأن النية لا اطلاع عليها.
نعم؛ المعضوب نفسه يصح استئجاره فاسقاً ليحج عنه.
ويقبل قول الأجير: حججت ولو فاسقاً؛ لأن ذلك لا يعرف إلا منه.
وإذا اجتمعت الشروط في المطيع ولو أنثى معها محرم .. لزمه القبول فوراً وإن لزمه الحج على التراخي.
نعم؛ إن كان المطيع بعضاً وهو ماش .. لم تجب إجابته؛ لأن مشيه يشق عليه، وكذا إن لم يجد كفايته لسفره وإن كان راكباً كسوباً، ما لم يكن قريباً من مكة، ويكسب في يوم كفاية أيام الحج.
والفقير المعوّل على الكسب أو السؤال كالبعض عند (حج). فيما ذكر.
وللولي منع أنثى من المشي فيما لا يلزمها، وللوالد منع ولده من حج تطوّع.
ولو توسم الطاعة من قريب أو أجنبي .. لزمه سؤاله، بخلاف ما لو بذل له مالاً ليستأجر به من يحج عنه ولو بعضه؛ للمنة.
نعم؛ لو استأجر بعضه من يحج عنه، أو قال له: استأجر، وأنا أدفع للأجير الأجرة .. لزمه الإذن في الأولى، والاستئجار في الثانية كما في "التحفة".
لكن اعترض بأن فيهما لزوم قبول المال من البعض، وهو لا يجب.
قال الونائي: وليس لمطاع أذن رجوع مطلقاً، ولا لمطيع أحرم.
ولا يُلزم وارث إجابة متطوع عن ميته، ولا يحج عن معضوب إلا بإذنه؛ لافتقاره إلى نية، والمعضوب من أهلها، ولا يصح عنه حج تطوّع.
وفي "الفتح": وتجوز نيابة رقيق وصبي مميز عنه وعن ميت في نفل لا فرض.
وفي "التحفة": (ولو مات أجير عين قبل الإحرام .. لم يستحق شيئاً، أو بعده .. استحق القسط بأن توزع أجرة المثل على السير والأعمال، ويعطى ما يخص عمله من أجرة المثل وإن لم يجز عن المستأجر له، ولا تصح على زيارته صلى الله عليه وسلم؛ لعدم انضباطها.
نعم؛ إن انضبطت، كأن كتب ما يدعو له بورقة، أو جاعله على الدعاء .. صحت) اهـ
قال الكردي: (وتجوز استنابة معضوب أجيراً بأكثر من أجرة مثل، أو مطيعاً معضوباً أو معوّلا على الكسب أو السؤال أو بعضاً ماشياً أو امرأة ماشية، أو لم يجد ما يكفيه أيام الحج، أو بذل له مالاً؛ ليستأجر به من يحج عنه، أو استأجر المطيع الأجنبي عنه، أو قال: ائذن لي في الاستئجار، ويجب فيما عدا ذلك) اهـ
وعلى كلٍّ فتصح استنابته (إلا إذا كان بينه وبين مكة دون مسافة القصر) وإلا ( .. فيلزمه) أن يحج (بنفسه)؛ لأنه لا يتعذر عليه الركوب فيما مر من محمل فمحفة فسرير، ولا نظر للمشقة عليه؛ لاحتمالها في حد القرب وإن كانت تبيح التيمم كما في "التحفة".
وفي "المغني"، كـ"النهاية": عدم اللزوم عند كثرتها.
وفي "حاشية متن العباب" لـ (حج): عدم الصحة للمكي مطلقاً، والصحة لمن دون مسافة القصر، وتعذر عليه بنفسه ولو على سرير.
ولو امتنع المعضوب من الإذن في النسك .. لم يأذن الحاكم عنه، ولا يجبره عليه مطلقاً، ولا يلزم الفرع امتثال أمر أصله المعضوب في الحج عنه.
تنبيه: الإحجاج عن المعضوب قلَّ في دائرة الإسلام، بل لا يكاد يوجد، فينبغي التنبيه عليه.
وأمّا من مات بعد استقرار النسك عليه ولم يؤده .. فعلى وصيه، فوارثه، فالحاكم إنابة من يؤديه عنه من تركته فوراً؛ لخبر البخاري:(إن أمي نذرت أن تحج، فماتت قبل أن تحج، أفأحج عنها؟ قال: "حجي عنها، أفرأيت أن لو كان على أمك دين أكنت قاضيه؟ " قالت: نعم، قال: "فالله أحق بالوفاء").
فإن لم تكن تركة .. سن للوارث والأجنبي وإن لم يأذن له الوارث أن يؤدي نسكه وإن لم يستطع؛ لأنه بالدين أشبه.
بخلاف الصوم فلا بد من إذنه؛ لأنه عباده بدنية محضة.
ولا يجوز التنفل عنه به إلا إن أوصى به.
فرع:
الإجارة: إجارة عين، كاستأجرتك لتحج عني، أو عن ميتي بكذا.
فيشترط: أن يحج بنفسه، وأن يكون قادراً على الشروع في العمل.
فلا يصح استئجار من لا يمكنه الشروع لنحو مرض أو خوف، أو قبل خروج القافلة، لكن لا يضر انتظار خروجها بعد الاستئجار.
فالمكي ونحوه يستأجر في أشهر الحج؛ لتمكنه من الإحرام، وغيره يستأجر عند خروجه بحيث يصل الميقات في أشهر الحج.
وإجارة ذمة، كألزمت ذمتك الحج عني، أو عن ميتي، فتصح ولو لمستقبل بشرط حلول الأجرة، وتسليمها في مجلس العقد.
وله أن يحج بنفسه، وأن يحج غيره، ويجوز أن يحج عن غيره بالنفقة.
واغتفرت الجهالة فيه؛ لأنه ليس إجارة ولا جعالة، بل إرزاق.
* * *