الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(باب صفة الصلاة)
أي: كيفيتها؛ إذ صفة الشيء ما كان زائداً عليه، وما سيذكره هو ذات الصلاة من واجب ومندوب.
وينقسم الواجب: إلى ما هو داخل في ماهيتها، ويسمى ركناً، وإلى ما هو خارج عنها -أي: يفعل قبل التلبس بها، ثم يستمر إلى آخرها- ويسمى شرطاً كالطهارة.
وينقسم المندوب: إلى ما يجبر بسجود السهو ويسمى بعضاً وإلى ما لا يجبر ويسمى هيئة.
(فروضها) أي: أركانها (ثلاثة عشر) على ما في أكثر الكتب، يجعل الطمأنينة في محالها الأربعة هيئةً تابعة لها، ويؤيده جعلهم لها في التقدم والتأخر على الإمام، مع نحو الركوع ركناً واحداً، وقياس ذلك: أنه لو شك بعد الانتقال عن السجود مثلاً هل اطمأن فيه، أم لا؟ .. أنه لا يضر على القاعدة: إنه لا يضر الشك في شيء من الأركان بعد الفراغ من صلاة أو غيرها.
وأما الأثناء .. فيضر الشك في أصل الركن مطلقاً، لا في بعضه بعد فراغه، لكن المعتمد أنه يضر الشك فيها أثناء الصلاة مطلقاً؛ نظراً إلى القول بأنها ركن مستقل.
والأركان المذكورة ثلاثة أقسام:
قلبي وهو: النية.
وقولي وهو: تكبيرة الإحرام، والفاتحة، والتشهد الأخير، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعده والسلام.
وفعلي وهو: القيام والركوع والاعتدال والسجود والجلوس بين السجدتين، والجلوس في التشهد الأخير، والترتيب.
(الأول: النية)؛ لما مر في الوضوء، ولوجوبها في بعض الصلاة؛ لأنه بتمام التكبير يتبين دخوله فيها من أوله.
وهي (بالقلب) فلا يكفي النطق بها مع غفلته، ولا يضر النطق ما فيه، فلو
نوى بقلبه الظهر ونطق لسانه بغيره .. كان العبرة بما نواه، ثم الصلاة فرض، ونفل مقيد بوقت أو سبب، ونفل مطلق.
(فيكفيه في النفل المطلق) وهو ما لا يتقيد بوقت ولا سبب (و) ما ألحق به من المقيد، وهو ما المقصود منه إيجاد مطلق الصلاة، لا صلاة مخصوصة، وذلك نحو (تحية المسجد وسنة الوضوء) والاستخارة والطواف والزوال، والقدوم من سفر، ودخول منزل، والخروج منه أو من الحمام، وصلاة الحاجة، وبأرض لم يعبد الله فيها، ونحوها (نيةُ فعل الصلاة)؛ لتتميز عن غيرها، فلا يكفي إحضارها في الذهن مع عدم قصد فعلها، وهي هنا ماعدا النية؛ لأنها لا تنوى، وإلا .. لزم التسلسل؛ إذ كل نية تحتاج إلى نية، لكن هذا على القول أنه ينوي كل فرد فرد من أجزائها، فإن قلنا: ينوي مجموع الصلاة، وهو المعتمد .. فلا يلزم ذلك، كالعلم يتعلق بغيره ونفسه، وكالشاة من الأربعين تزكي نفسها وغيرها، وتندرج سنة الوضوء وما بعدها في غيرها من فرض أو نفل وإن لم تنو، بمعنى أنه يسقط طلبها ويثاب عليها عند (م ر)، وقال (حج): لا يثاب عليها إلا إذا نواها مع تلك الصلاة.
ٍأمَّا ما ليس في المعنى النفل المطلق كسنة الضحى .. فلا يندرج في غيره، بل إذا نوى مع ذلك غيره .. لم تنعقد الصلاة؛ لأن التشريك بين فرضين أو نفلين مقصودين أو بين فرض ونفل مقصود مبطلٌ فيما لم يبنَ على التداخل كالطهارة.
(وفي) النافلة (المؤقتة والتي لها سبب) إنما يكفيه (نية الفعل) للصلاة (والتعيين) لما أراده منهما؛ ليتمز عن غيره من الصلاة، وتمييزها إمَّا بما اشتهرت به كالضحى أو بالإضافة (كسنة الظهر) القبلية أو البعدية، ولا يجب تعين المؤكدة، بل تنصرف إليها عند الإطلاق، ويسن أن لا يطول فصل بين القبلية والبعدية وبين الفرض، وقيل: يجب، وكذا في سنة غير الظهر (أو) كسنة (عيد الفطر أو الأضحى) لا سنة العيد فقط، وإن اكتفي بذلك العز بن عبد السلام، كما في الكفارات، لكن فرقوا بأن الصلاة آكد، وكذا يقال في الكسوفين، وينوي في الجمعة قبليتها أو بعديتها، ولا يجوز أن يضيف سنة الوتر إلى العشاء وإن توقف فعلها على فعلها، بل ينوي سنة الوتر ولو في غير الأخيرة، أو مقدمة الوتر أو صلاة الليل في الأخيرة، ويصح نية الوتر، ويحمل على ما يريده عند
(حج)، وعلى ركعتين عند (م ر)، والأولى فيما زاد على ركعتين أن يقول: ركعتين من الوتر مثلاً وقيل: يجب.
(وفي الفرض) ولو نذراً أو كفاية إنما يكفيه ثلاثة أمور:
(نية الفعل، والتعيين صبحاً أو غيرها) لما مر لا فرض الوقت، ولا ينافي ذلك أنه قد ينوي الجمعة ويتم ظهراً، وينوي القصر ويتم؛ لأن ما هنا باعتبار الذات، وصلاته غير ما ما نواه لعارض اقتضاه.
(ونية الفرضية) ويجمع الثلاثة قولك: أصلي فرض الظهر، أو أصلي الظهر فرضاً، وبذلك يتميز الفرض عن النفل، ومنه المعادة؛ لأن المراد بنية الفرض فيها صورته، وهنا المراد الفرض الحقيقي، وإنما تجب نية الفرضية (للبالغ) أي: عليه لا على الصبي، واعتمده (م ر)، لكن أوجبها (حج) عليه أيضاً، ويكفي نية المكتوبة فيها، والمنذورة في النذر عن نية الفرضية.
واعلم: أن من الفرض ما لا يشترط فيه نية الفرضية بلا خلاف وهو الحج والعمرة والزكاة وما تشترط فيه على الأصح وهو الصلاة وما لا تشترط فيه على الأصح وهو الصوم.
(ويستحب ذكر عدد الركعات) فإن أخطأ فيه ولو سهواً .. لم تنعقد عند (م ر).
(و) ذكر (الإضافة إلى الله) تعالى؛ ليتحقق معنى الإخلاص، ومراعاة لمن أوجب ذلك.
(و) ذكر (الأداء والقضاء) ولو في النفل؛ ليمتاز كل عن ضده، ويصح كل منهما بنية الآخر إن جهل حال لنحو غيم، أو قصد المعنى اللغوي؛ إذ كل بمعنى الآخر لغةً، وإلا .. لم يصح؛ لتلاعبه، وظاهر الشرح الصحة عند الإطلاق، ولو صلى الصبح مثلاً قبل وقته، وعليه صبح فائتة .. وقع عن الفائته مطلقاً عند (م ر)، وقيده (حج) بما إذا لم ينو به صبح اليوم الذي هو فيه في ظنه، وإلا .. لم يصح عنه؛ للصارف، وإذا نوى الصبح وأطلق، وعليه صبح فائت .. وقع عن صبح يومه لاعن القضاء، وتردد (سم) فيمن صلى الظهر مثلاً ثانياً، ولم يقيده بأداء ولا إعاده ولا قضاء، فهل يقع إعاده أو قضاء؟
واعلم: أن لهم استحضاراً حقيقياً، بأن يستحضر أركان الصلاة مفصلات، وما يجب التعرض له من القصد والتعيين ونية الفرضية، والقصر في السفر، والمأمومية للمأموم، والإمامة للإمام، ومقارنة حقيقية (و) وهي أنه (يجب أن يقرن النية) المشتملة على جميع ما مر (بالتكبيرة) أي: بابتداء تكبيرة الإحرام، ويستمر مستصحباً لذلك كله إلى الراء، واستحضاراً عرفياً وهو أن يستحضر هيئة الصلاة إجمالاً مع ما يجب التعرض له كما مر ومقارنة عرفية بأن يقرن ما استحضره بالتكبير.
ٍقال القليوبي: (قال بعضهم: المقارنة العرفية عدم الغفلة بذكر النية حال التكبير مع بذل المجهود.
وقال شيخنا (م ر): المراد بها الإكتفاء باستحضار ما مر في أي جزء من التكبير أوله أو وسطه أو آخره.
وقال بعضهم: هو استحضار ذلك قبيل التكبير، وإن غفل عنه فيه وفاقاً للأئمة الثلاثة، والذي يتجه الأول؛ لإنه المنقول عن السلف) اهـ
والأول هو أصل المذهب، لكن المختار الثاني، وصوبه المحققون؛ إذ الأول لا تحويه القدرة البشرية.
(الثاني) من الأركان (أن يقول: الله أكبر)؛ للخبر الصحيح: "تحريمها التكبير وتحليلها التسليم". وحكمه افتتاحها بالتكبير: ليستحضر المصلي عظمة معناها الدال على عظمة من تهيأ لخدمته، حتى يتم له الهيبة والخشوع، ومن ثم زيد في تكريرها؛ ليدوم له ذانك في جميع صلاته؛ إذ لا روح ولا كمال لها بدونهما، ومر أنه يتبين بتمامها دخوله فيها بأولها كغيرها من العقود. (ولا يضر تخلل يسيرِ وصفٍ لله تعالى) بين الله وأكبر، كالله الجليل، أو عز وجل أكبر، بخلاف نحو الله لا إله إلا هو أكبر؛ إذ وجود ثلاث كلمات فاصلة بينهما مضر.
وخرج بـ (تخلل): إلحاق صفات بعد التكبير أو تقديمها على الجلالة فلا يضر، وبـ (الوصف) غيرة كـ (هو) أو (يا) نحو الله هو، أو يا رحمن أكبر، فيضر.
(أو) يسير (سكوت) كسكتة تنفس (ويترجم) وجوباً (العاجز) عن النطق بالتكبير بالعربية (بأي لغة شاء) ولا يعدل لذكر غيره.
ٍ
(ويجب تعلمه) لنفسه، ونحو طفله (ولو بالسفر) وإن طال إن قدر ووجد مؤن السفر المعتبرة في الحج.
ووقت وجوب التعلم من الإسلام فيمن طرأ إسلامه، وفي غيره من التمييز عند (حج)، ومن البلوغ عند (م ر)، وكذا غير التكبير من الواجبات.
والأخرس يحرك لسانه به إن قدر، وإلا .. نواه (ويؤخر الصلاة) عن أول الوقت (للتعلم) إن رجاه؛ حتى لا يبقى إلا ما يسعها بمقدماتها، فحينئذٍ يجب فعلها بحسب حاله، ولا يعيد إلا فيما فرط في تعلمه.
(ويشترط إسماع نفسه) جميع حروف (التكبير) حيث لا مانع من نحو لغط، وإلا .. فيرفع قدر ما يسمعه لو لم يكن مانع (وكذا القراءة، وسائر الأركان) والسنن القولية، فلا يعتد بها إلا بما ذكر.
ويشترط أيضاً لتكبيرة التحرم: إيقاعها في القيام في الفرض وإلى القبلة، وتقديم الجلالة، وعدم مد همزة الجلالة ويجوز إسقاطها إن وصلها بـ (إماماً) أو (مأموماً)، لكنه خلاف الأولى، بخلاف همزة أكبر؛ لأنها همزة قطع وعدم مد ألف لجلالة زيادة على سبع ألفات، وعدم مد باء أكبر؛ إذ مده يصيره جمع كبر، وهو طبل له وجه واحد، وعدم تشديد بائها، لكن قال الكردي:(لا يمكن تشديد الباء إلا بتحريك الكاف) وعدم زيادة واو ساكنة أو متحركة بين الكلمتين، وعدم واوٍ قبل الجلالة وإنما صح في السلام زيادتها؛ لتقدم ما يمكن العطف عليه ثم لا هنا، وتأخيرها عن جمع تكبيرة إمامه، وفقد الصارف فيضر هنا التشريك على المعتمد بخلاف تكبيرات الانتقال؛ لأن الانعقاد يحتاط له أكثر من غيره، ولو كبر للإحرام تكبيرات ناوياً بكل افتتاحاً .. دخل بالأوتار وخرج بالأشفاع إن لم يتكلم، أو ينو خروجاً أو افتتاحاً بينهما .. وإلَاّ فيخرج منها ويدخل بالتكبير، فإن لم ينو بغير الأولى شيئاً .. لم يضر.
(الثالث) من الأركان (القيام) من أول التحرم إجماعاً (في الفرض) ولو منذوراً أو كفاية، أو على صورة الفرض، كصلاة صبي ومعادة (للقادر) عليه ولو بمعين، ولو بأجرة فضلت عما يعتبر في الفطرة، أو بعكازة أطاق القيام عليها؛ لخبر البخاري:"صل قائماً، فإن لم تستطع .. فقاعداً .. فإن لم تستطع .. فعلى جنب" زاد النسائي: "فإن لم تستطع .. فمستلقياً".
(وشرطه) أن يعتمد على قدميه، و (نصب فقار) أي: عظام (ظهره) لا رقبته، ولا يضر استناده إلى شيء وأن كان بحيث لو رفع .. لسقط؛ لوجود اسم القيام، لكن يكره كقيامه على ظهر قدميه، وإنما لم يجز نظيره من السجود؛ لأنه ينافي وضع القدمين المأمور به فيه، ولو وقف منحنياً بحيث صار إلى أقل الركوع أقرب، أو مائلاً لأحد جنبيه بحيث لا يسمى قائماً .. لم يصح.
(فإن لم يقدر) على القيام إلا منحنياً أو متكئاً على شيء ( .. وقف منحنياً) في الأولى، وكما قدر في الثانية؛ إذ الميسور لا يسقط بالمعسور، ويلزمه في الأولى زيادة انحناء لركوعه إن قدر، وإلا .. ميز كلاً من القيام والركوع والاعتدال بالنية.
(فإن لم يقدر) على القيام بأن لحقته به مشقة شديدة أو ظاهرة -عبارتان معناهما واحد- وهي: التي لا تحتمل عادة وإن لم تبح التيمم، كدوران رأس. وهل التي تذهب الخشوع شديدة؟ قال (حج): لا، و (م ر): نعم، بل قال الشرقاوي: أو كماله ( .. قعد) كيف شاء ولا ينقص ثوابه.
ولو نهض محتملاً للمشقة .. قال (حج): لم تجزه القراءة في نهوضه؛ لأنه دون القيام الصائر إليه، ولا يَرد أن النهوض أعلى من الجلوس الذي هو فرضه؛ لأن الجلوس إنما هو بفرضه ما دام فيه، وفيه نظر.
وأفضل القعود هنا: الافتراش، فالتربيع؛ للخلاف في أفضليته حتى على الافتراش، فالإقعاء المسنون؛ لأنه في كل جلوس تعقبه حركة، وهو أن يلصق بطون أصابع رجليه بالأرض، ويضع ألييه على عقبيه، بخلاف الإقعاء الآخر فمكروه مطلقاً، وهو أن يجلس على وركيه ناصباً ركبتيه. (وركع) المصلي قاعداً ولو نفلاً (محاذباً جبهته) ما (قدام ركبتيه) وهذا أقله.
(والأفضل أن يحاذي محل سجوده) وهما على وِزَان ركوع القائم تقريباً.
(فإن لم يقدر) على القعود بأن نالته به مشقة شديدة ( .. اضطجع) وجوباً (على جنبه)؛ للخبر المتقدم، ويستقبل القبلة بوجهه ندباً، وبمقدم بدنه وجوباً (و) الاضطجاع على الجنب (الأيمن أفضل) ويكره على الأيسر بلا عذر.
(فإن لم يقدر) على الاضطجاع ( .. استلقى) على ظهره (ويرفع رأسه) قليلاً (بشيء) وجوباً، ليتوجه بوجهه للقبلة، فإن تعذر به .. وجب بأخمصاه، وإلا ندب .. ثم إن أطاق الركوع والسجود .. أتى بهما، أو الركوع فقط .. كرره للسجود، وزاد له قليلاً على أكمل الركوع إن أمكن؛ ليتميز عن الركوع، فإن لم يمكنه .. لم يلزمه جعل أقل الركوع له وأكمله للسجود.
(ويومىء برأسه للركوع والسجود) حتماً من عجز عما ذكر (و) يجب كونه (للسجود أكثر).
وظاهر قوله: (قدر إمكانه) أنه لا يكفي للسجود أدنى زيادة على الركوع إذا قدر على أكثر من ذلك، وبه صرح في "الإمداد"، لكنه صرح في "الفتح"، و"التحفة" بالاكتفاء.
(فإن لم يقدر) على الإيماء برأسه ( .. أومأ بطرفه) إلى أفعال الصلاة، ومن لازِمِه الإيماء بالجفن والحاجب، ولا يجب هنا زيادة إيماء للسجود، واعتمده (حج) و (م ر)، ونظر فيه (سم).
(فإن لم يقدر) عليه ( .. أجرى الأركان) الفعلية (على قلبه) وكذا القولية إن اعتقل لسانه، بأن يمثل نفسه مكبراً، وقائماً وقارئاً وراكعاً وهكذا، ولا إعادة عليه.
وقال (سم): إذا كان عدم القدرة للإكراه .. تجب؛ لندرته، ومتى قدر على مرتبة أثناء صلاته أعلى مما هو فيها .. لزمه الانتقال إليها، كما أن من عجز عن مرتبة .. انتقل لما دونها وبنى حتى على قراءته، ويقرأ في انتقاله هاوياً، لا ناهضاً.
تنبيه: كما يسقط القيام بالعجز الحسي يسقط بالعجز الشرعي، ومنه ما لو لم يمكن مداوته إلا قاعداً أو مستلقياً .. فيصلي كذلك بلا إعادة، وما لو كان دائم حدث ويستمسك بالقعود مثلاً .. فيصلي قاعداً بلا إعادة، وما لو خاف من صلاته قائماً السقوط، ومن لو صلى جماعة .. عجز عن القيام ولا يعجز عنه منفرداً، فيصلي جماعة قاعداً، ولا إعادة وإن كان الانفراد قائماً أفضل، ومن لو قام .. خاف رؤية عدو وفساد تدبير الحرب،
فيصلي قاعداً ويقضي، بخلاف ما لو خاف من رؤيته على نفسه .. فلا قضاء، وما لو صلى بمكان ضيق لا يمكنه القيام فيه حال المطر .. فيصلي فيه قاعداً، وانتظاره انقطاع المطر أفضل، وما لو كان لا يمكنه الصلاة قائماً إلا بثلاث حركات متوالية .. فيصلي قاعداً وجوباً، ولا إعادة كما قاله عبد الله بن عمر مخرمة، لكن أفتى (حج) في هذه بوجوب القيام، ومن لو صلى قاعداً توجه إلى القبلة أو قائماً فلا فيصلي قاعداً.
(ويتنفل القادر) على القيام (قاعداً) إجماعاً؛ لكثرت النوافل (ومضطجعاً) وعلى اليمين أفضل (لا مستلقياً)؛ لعدم وروده (ويقعُدُ) من صلى مضطجعاً وجوباً إن قدر (للركوع والسجود) ولا يومئ بهما، ويكفي الاضطجاع في الاعتدال وبين السجدتين.
قال في "الإمداد": ووجوب القعود للركوع والسجود لا يحيل ذلك؛ إذ يتصور بترك الطمأنينة في ذلك القعود.
(وأجر القاعد) في النفل (القادر) على القيام (نصف أجر القائم) فيه (و) أجر (المضطجع) فيه (نصف أجر القاعد) فيه؛ للخبر الصحيح بذلك، أما العاجز .. فلا ينقص أجره بالقعود والاضطجاع، وكذا الأنبياء، وللمتنفل قراءة الفاتحة في نهوضه إلى القيام؛ لأنه أعلى من الجلوس وفي هويه، وله أيضاً أن يكبر للإحرام في حال نهوضه.
(الرابع) من الأركان: قراءة (الفاتحة) في قيام كل ركعة أو بدله في الفرض والنفل للمنفرد وغيره، في السرية والجهرية، حفظاً أو تلقيناً أو نظراً في مصحف؛ لخبر الصحيحين:"لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب"، ولخبر:"لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب"(إلا لمعذور لسبقٍ) حقيقةًٍ (أو غيره) وهو السبق الحكمي، كزحمة ونسيان وبطء حركة، كأن لم يقم من السجود إلا والإمام راكع أو قريب منه، فتسقط عنه (الفاتحة) كلها في الأولى وبعضها في الثانية كما يأتي في شروط القدوة.
(والبسملة) آية كاملة منها عملاً، ويكفي في ثبوتها الظن، سيما وقد قرب من اليقين؛ لإجماع الصحابة على ثبوتها في المصحف بخطه، مع مبالغتهم في تجريده عما ليس منه حتى نقطه وشكله، وأما إثبات نحو أسماء السور والأعشار فيه .. فأحدثها
الحجاج فيه، على أنه ميز ذلك بجعله بغير خط المصحف، بل هي من المتواتر عند بعض قراء السبع، وصح عدّها آية منها. وخبر:"إذا قرأتم .. فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم"، ويجهر بها حيث يجهر بالفاتحة، كما رواه أحمد وعشرون صحابياً بطرق ثابتة.
والأصح: أنها آية من كل سورة إلا (براءة)؛ لأنها نزلت بالسيف، فتحرم أولها، وتكره أثناءها، وقال (م ر):(تكره أولها، وتسن أثناءها، وتندب أثناء غيرها اتفاقاً).
واعلم: أن واجبات الفاتحة عشرة:
الأول: قراءة جميع آياتها.
الثاني: وقوعها كلها في القيام أن وجب.
الثالث: عدم الصارف، فلو نوى بها نحو ولي .. وجبت إعادتها، بخلاف ما لو شرك.
الرابع: أن تكون قراءتها بحيث يسمع جميع حروفها لو لم يكن مانع.
الخامس: كونها بالعربية؛ فلا يعدل عنها وإن عجز عنها.
(و) السادس: مراعاة (التشديدات منها)، فلو خفف مشدداً من الأربعة عشر المشددة .. لم تصح قراءته لتلك الكلمة، ومنه فك الإدغام في حق العالم، بل تبطل صلاته إن غير المعنى، ولو شدد مخففاً .. أساء ولم تبطل صلاته ولا قراءته ما لم يغير المعنى، فتبطل قراءته، وكذا صلاته إن علم وتعمد.
والسابع: رعاية حروفها، فلو أسقط منها حرفاً ولو همزة قطع كهمزة أنعمت .. وجبت إعادة الكلمة التي هو منها وما بعدها قبل طول فصل وركوع، وإلا .. بطلت صلاته.
(ولا يصح إبدال) قادر أو مقصر بترك التعلم (الظاء عن الضاد) ولا إبدال حرف آخر منها بغيره، ومنه عند (حج) أن ينطق بالقاف مترددة بين القاف والكاف، وتبطل صلاته إن غير المعنى وعلم وتعمد، وإلا .. فقراءته لتلك الكلمة، فيبني عليها إن قصر الفصل، ويسجد للسهو، لكن قال (ب ج): المتعمد أنه متى تعمد .. ضر وإن لم يغير المعنى؛ لأن الكلمة حينئذٍ صارت أجنبية، كما نقله سلطان عن (م ر)، وقرره العزيزي.
نعم؛ إن كان الإبدال قراءة شاذة .. لم تبطل إن لم يختل المعنى.
(و) الثامن: أنه (يشترط) لصحة القراءة (عدم اللحن المخل بالمعنى) بأن غيره، كضم تاء (أنعمت)، أو كسرها، أو أبطله كـ (المستيقن) ممن يمكنه التعلم ولو بقراءة شاذة، كقراءة (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر:28] برفع الجلالة ونصب العلماء، وعليها فالخشية مستعملة في التعظيم، أي: إنما يعظم الله من عباده العلماء، وهو معنى صحيح، لكنه غيَّر معنى المتواترة، ولو قرأ:(رَبِّ الْعَالَمِينَ ِ) بكسر اللام .. لم تبطل إن قلنا: العالمين مختص بالملائكة والإنس والجن؛ لأنه حينئذٍ بمعنى العالَمين بفتح اللام، ورجح (حج) في "فتاويه" البطلان، قال:(لأن تغيير المعنى ليس المراد به رفع المعنى المقصود من أصله، بل أن تصير الكلمة لا تفيد المعنى المقصود بتمامه) اهـ
أي والحاصل: أنها تبطل بتغيير المعنى، وبإبطاله وكذا بإبدال حرف في غير القراءة الشاذة وإن لم يغير المعنى، وكذا فيها إن غيره، ولو نطق بالكلمة الواحدة مرتين .. حرم، كأن يقف ولو يسيراً بين السين والتاء من (نستعين).
تنبيه: بين اللحن المخل بالمعنى وبين الإبدال، عموم وخصوص وجهي.
(و) التاسع: (الموالاة) في (الفاتحة)، وكذا في التشهد عند (م ر)؛ بأن لا يفصل بين شيء منهما وما بعده بأكثر من سكتة التنفس؛ للاتباع، مع خبر:"صلوا كما رأيتموني أصلي"(فتنقطع "الفاتحة" بالسكوت الطويل) وهو ما يزيد على سكتة التنفس (إن تعمده) وإن لم ينو القطع؛ لإشعاره بالإعراض، فإن لم يتعمده، كأن سكت لإعياء، أو لتذكر آية، أو سهواً .. لم يضر وإن طال؛ لعذره، كما لو كرر آية منها في محلها، ولو لغير عذر أو عاد إلى ما قرأه قبل، واستمر، ولو شك أثناءها في ترك البسملة مثلاً، ثم ذكر أنه أتى بها .. لزمه إعادة ما قرأه على الشك فقط، وقال ابن سريج:(يجب استئنافها)، قال (حج) و (م ر):(إذا ما قرأه مع الشك كالأجنبي لتقصيره بقراءته)(أو كان يسيراً) أي: وتنقطع بالسكوت اليسير إن (قصد به قطع القراءة)؛ لتعديه، بخلاف مجرد قصد قطع القراءة فلا يقطعها، وإنما بطلت الصلاة بنية قطعها؛ لأن النية ركن في الصلاة، فتجب إدامتها فيها حكماً، والقراءة لا تفتقر إلى نية لها خاصة، ومن ثم لم تؤثر نية قطع الركوع أو غيره من الأركان غير النية.
تنبيه: في عبارة المتن قلاقة ظاهرة؛ لأنها تقتضي أن (الفاتحة) تنقطع بالسكوت الطويل حيث تعمده، أو كان يسيراً، فيكون البطلان بالسكوت الطويل إن كان يسيراً، وهو تنافٍ ظاهرٌ، وعبارة "المنهاج" مع بعض توضيح من "النهاية":(ويقطع الموالاة السكوت الطويل العمد، وكذا يسير قصد به قطع القراءة في الأصح) اهـ
وقد يجاب بأن الضمير في (كان) عائد على السكوت، لا بقيد كونه طويلاً، أي: فتنقطع (الفاتحة) بتعمد السكوت حيث كان طويلاً أو يسيراً قصد به قطع القراءة، وتنقطع الموالاة أيضاً بقراءة آية من غيرها. (وبالذكر) وإن قل، كالحمد ولو من عاطس وإن سن ولو فيها وكإجابة مؤذن بغير الحيعلتين؛ لعدم اختصاص ذلك بالصلاة لمصلحتها، فأشعر بالإعراض بخلاف اليسير في العقود، (إلا إذا كان ناسياً) أو جاهلاً؛ لعذره.
(وإلا إذا سن في الصلاة) بأن كان مأموراً به لمصلحتها، فلا تنقطع به القراءة، وذلك:
(كالتأمين) لقراءة إمامه (والتعوذ) من العذاب (وسؤال الرحمة) عند قراءة آيتها منه، أو من إمامه، وقوله: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين آخر (التين)، وبلى إنه على كل شيء قدير آخر (القيامة)، وآمنا بالله آخر (المرسلات)، والحمد لله آخر و (الضحى)، وسبحان ربي العظيم عند قراءة آية التسبيح، والاستغفار عند قراءة آيته، وفي ندب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره، خلاف يأتي في القنوت (وسجود التلاوة لقراءة إمامه) إن سجد (والرد عليه) أي: على إمامه إذا توقف وسكت عن القراءة ولو في غير الفاتحة، فلا تنقطع بذلك، ويندب الاستئناف للخلاف.
أما غير قراءة إمامه .. فلا يسجد لها، وإلا بطلت صلاته.
وأما فتحه عليه قبل سكوته .. فلا يسن وتنقطع به الموالاة، بل وتبطل به الصلاة إن لم يقصد القراءة على ما يأتي في شروط الصلاة.
ويجب -أيضاً ولو خارج الصلاة وهو العاشر- ترتيب (الفاتحة) بأن يأتي بها على نظمها المعروف؛ للاتباع، ولأنه مناط الإعجاز فلو قدم كلمة أو آية .. نظر فإن غير المعنى أو أبطله .. بطلت صلاته إن علم وتعمد، وإلا .. فقراءته وإن لم يغيره ولم يبطله لم يعتد بما قدمه مطلقاً، وكذا بما أخره إن قصد به عند شروعه فيه التكميل على ما قدمه، وإلا بأن قصد الاستئناف أو أطلق .. كمل عليه إن لم يطل فصل، فإن عجز عن قراءة (الفاتحة) .. قرأ سبع آيات من غيرها ولو مفرقة وإن تفاوتت ولم تفد معنى منظوماً، كـ (ثُمَّ نَظَرَ) [سورة المدثر:21]
لكن بشرط كونها بقدر حروفها ولوظناً، فإن عجز عن القرآن .. أتي بذكر، ويعتبر سبعة أنواع منه، أو من دعاء، أو منهما.
مثالها من الذكر: (سبحان الله، والحمد لله، وولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله)، فهذه خمسة أنواع.
و (ما شاء الله كان) نوع منه، و (ما لم يشأ لم يكن) نوع، فهذه سبعة أنواع، لكن حروفها لم تبلغ قدر (الفاتحة)، فيزيد ما يبلغ قدرها ولو بتكريرها، ولو أحسن شيئاً من (الفاتحة) .. أتي به في محله، ويبدل الباقي إن أحسن شيئاً من الذكر، وإلا .. كرره حتى يبلغ قدر الفاتحة، فإن عجز عن جميع ما مر .. وقف قدر (الفاتحة) معتدلة ولو ظناً؛ إذ الوقوف بقدر (الفاتحة) واجب كـ (الفاتحة)، والميسور لا يسقط بالمعسور.
ويسن الوقوف أيضاً قدر السورة والقنوت والقعود بقدر التشهد الأول.
(الخامس: الركوع)؛ للكتاب والسنة والإجماع.
وهو لغة: الانحناء، وشرعاً: انحناء خاص وسيأتي في السنن أكمله وأكمل غيره.
(وأقله) للقائم (أن ينحني) بلا انخناس (حتى تنال) يقيناً (راحتاه) وهما ما عدا الأصابع من الكفين (ركبتيه) لو وضعهما عليهما عند اعتدال خلقته، فلا يحصل مع انخناس، ولا ببلوغ الأصابع دون الراحتين أو أحدهما، ولا ببلوغ راحتي طويل يدين ولو كان معتدلهما لم تبلغهما، ولا مع الشك؛ لأنه في جميع ذلك لم يسم ركوعاً، بل وتبطل صلاته إن رفع عمداً.
والانخناس: أن يخفض عجيزته، ويرفع أعلاه، ويقدم صدره. أما القاعد .. فقد مر ركوعه.
(ويشترط أن يطمئن) في الركوع يقيناً؛ للأمر بها في خبر المسيء صلاته فيه، وفيما بعده.
وهي (بحيث تستقر أعضاؤه) حتى ينفصل رفعه من ركوعه عن هويه، ولا تقوم زيادة الهوي مقامها (وأن لا يقصد به) أي: الهوي (غيره) أي: غير الركوع فقط، بأن يوجد الصارف عنه مطلقاً وإن لم يقصده كمسألة السقوط الآتية، ومع عدم الصارف لا يجب قصده، لأن نية الصلاة منسحبة عليه كغيره من الأركان، فيكفيه أن يهوي إليه بقصده، أو بقصده مع غيره ولو مع وجود الصارف، وكذا بلا قصد حيث لا صارف.
(فلو هوى لتلاوة) أي: لسجودها، أو لقتل نحو حية (فجعله) عند بلوغه حد الراكع (ركوعاً .. لم يكفيه) بل يجب أن ينتصب، ثم يركع؛ لصرفه هويه لغير واجب فلم يقم عنه، ولو شك وهو ساجد هل ركع؟ .. لزمه الانتصاب فوراً ثم الركوع، ولا يجوز له القيام راكعاً، وإنما لم يحسب له هويه عن الركوع؛ لأنه لا يلزم من هوي السجود من قيام وجودُ هوي الركوع، بخلاف ما لو شك غير مأموم بعد تمام ركوعه في الفاتحة، فعاد للقيام، ثم تذكر أنه قرأها .. فيحسب له انتصابه عن الاعتدال، وما لو رفع من السجود يظن جلوسه للاستراحة أوالتشهد الأول، فبان له الحال بخلافه .. فيكفيه رفعه، فإنَّ القيام في الأول والجلوس في الأخيرين واحد لا يختلف، فقول الزركشي، واعتمده (م ر):(إنه لو هوى إمامه فظن أنه يسجد للتلاوة فتابعه فبان أنه ركع .. حسب له، واغتفر ذلك للمتابعة) خالفهُ فيه (حج) لما مر، وفي "الشرح":(لو أراد أن يركع فسقط .. قام ثم ركع، ولا يقوم راكعاً، فإن سقط أثناء انحنائه عاد للمحل الذي سقط منه) اهـ
وقياس ما يأتي في السقوط من الهوي من الاعتدال أنه يقوم هنا إلى الركوع، لا إلى المحل الذي سقط منه.
(السادس: الاعتدال، وهو) لغة: الاستقامة والمماثلة.
وشرعاً: (أن يعود) الراكع (إلى ما كان عليه) قبل ركوعه من قيام وغيره، فلو صلى نفلاً من قيام وركع منه .. تعين اعتداله من قيام، ولو ركع من جلوس بعد اضطجاعه مع القدرة بأن قرأ فيه، ثم جلس؛ لأنه يجب عليه الجلوس ليركع منه .. عاد إلى الاضطجاع، أو إلى الجلوس؛ لأنه أعلى منه، كما قرره الحفني، لكن رجح غيره: أنه يجب عوده للجلوس؛ لأنه ابتدأ ركوعه منه.
(وشرطه) أي: الاعتدال (الطمأنينة فيه) يقيناً (وأن لا يقصد به غيره) نظير ما مر في الركوع.
(فلو رفع) من الركوع (فزعاً من شيء .. لم يكف) ذلك الرفع للاعتدال؛ لوجوده الصارف، ولو سقط من ركوعه من قيام قبل الطمأنينة .. عاد إليه وجوباً، واطمأن ثم يعتدل، أو بعدها .. نهض معتدلاً.
ومن شرطه أيضاً: أن لايطوله كما يأتي.
وخرج بـ (فزعاً) ما لو شك راكعاً في (الفاتحة)، فرفع بعد الطمأنينة ليقرأها، فتذكر أنه قرأها .. فيكفيه هذا الرفع للاعتدال؛ لأنه ليس أجنبياً كما مر بخلاف صرفه للفزع.
(السابع: السجود مرتين) في كل ركعة؛ للكتاب والسنة والإجماع.
وهو لغة: الخضوع، وشرعاً: وضع الأعضاء السبعة الآتية.
(وأقله أن يضع) المصلي (بعض بشرة جبهته) أو بعض شعرها (على مصلاه) وبعضاً من كلًّ من كفيه وركبتيه وقدميه و (الجبهة): ما اكتنفه الجبينان وهما المنحدران عن جانبيها، وإنما وجب كشفها دون بقية الأعضاء؛ لسهولته، وذلك للحديث الصحيح:"إذا سجدت .. فمكن جبهتك، ولا تنقر نقراً"، مع خبر:(أنهم شكوا إليه صلى لله عيه وسلم شدة الحر فلم يرشدهم لسترها) ولو جاز .. لأرشدهم لذلك.
تنبيه: عد السجدتين ركناً واحداً؛ لاتحادهما، والمناسب -لما يأتي في التقدم والتأخر- عدهما ركنين، وكرر السجود دون غيره؛ لأنه أبلغ في التواضع، ولما فيه من إرغام الشيطان.
و (شرطه الطمأنينة) يقيناً (ووضع جزء) على مصلاه وإن قل ولو مستوراً، وإن لم يتحامل عليه من كل (من ركبتيه، وجزء من بطون) كل من (كفيه) يقيناً، و (الكف): ما ينتقض الوضوء بمسه الذكر، لكن لا يجزئ وضع بطن أصبع زائدة وإن نقض مسه (و) جزء من بطون (أصابع) كل من (رجليه) في آن واحد؛ للخبر الصحيح:"أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة، واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين".
(و) شرطه أيضاً (تثاقل رأسه) بحيث لو كان تحته قطن .. لانكبس وظَهَرَ أثره على يده، أي: أحست بذلك، وتخصيص الجبهة بذلك ظاهر من الحديث السابق.
(وعدم الهوي لغيره) نظير ما مر في الركوع (فلو سقط) من الاعتدال (على وجهه) قهراً .. لم يحسب له؛ إذ لا بد من نيته أو فعل اختياري، ولم يوجد واحد منهما، و (وجب العود إلى الاعتدال)؛ ليهوي منه، والطمأنينة إن لم يطمئن.
وخرج بسقوطه من الاعتدال سقوطه من الهوي إلى السجود، أو من الاعتدال بعد قصده الهوي، فلا يضر؛ لعدم الصارف؛ إذ الهوي مقصود له.
نعم؛ إن سقط على جبهته بقصد الاعتماد عليها .. وجب اعادة السجود بعد أدنى رفع لجبهته.
(و) شرطه أيضاً (ارتفاع أسافله) أي: عجزه وحولها (على أعاليه) وهي رأسه ومنكاباه يقينا؛ لما صح عن البراء أنه قال: (هكذا رأيته صلى الله عليه وسلم يفعله)، فلو ارتفع أعاليه .. لم يصح جزماً، أو استويا فكذا على الأصح، فلو لم يتمكن من ارتفاع أعاليه .. صلى بحسب حاله وأعاد، ولو عجز عن وضع جبهته إلَاّ على نحو وسادة .. وجب إن حصل به التنكيس، وإلا .. فلا؛ إذ لا فائدة فيه.
(وعدم السجود على شيء) محمول له (يتحرك بحركته) ولو بالقوة عند (م ر)، كأن يسجد على شيء لا يتحرك بحركته قاعداً ولو قام لتحرك بحركته، فلا يصح خلافاً لمالك وأبي حنيفة؛ لأنه كالجزء منه، وتبطل به صلاته إن علم وتعمَّد، وإلا .. أعاده (إلا أن يكون) شيئاً (في يده) كمنديل فيصح سجوده عليه مع الكراهة؛ لأنه في حكم المنفصل.
وخرج بمحموله نحو سرير يصلي عليه، وهو يتحرك بحركته؛ لأنه في معنى المنفصل.
وعلم مما مر أنه لا بد من مباشرة [بعض] جبهته مصلاه (فلو عصب جبهته لجراحة، وخاف من نزع العصابة) محذور تيمم، وكذا مشقة شديدة كما في "الإيعاب" .. (سجد عليها)؛ للعذر (ولا قضاء)؛ لأنه عذر غالب دائم.
تنبيه: ظاهر المتن بل صريحه أن السجود وضع الجبهة فقط، وأن وضْعَ بقية الأعضاء شروط، وهو ظاهر صنيع غيره من الكتب. قال (ب ج):(وصريح كلامه -أي: "المنهج"- أن مسمى السجود وضع الجبهة فقط، والبقية شروط له، وقيل: مسمى السجود: وضع الجميع) اهـ
ورجح هذا القيل الأشخرُ، كما بستطه في "الأصل".
(الثامن: الجلوس بين السجدتين) ولو في النفل.
(وشرطه: الطمأنينة) فيه يقيناً (وأن لا يطوله، ولا الاعتدال)؛ لأنهما شرعا للفصل، لا لذاتهما فكانا قصيرين، فإن طول أحدهما فوق ذكره المشروع فيه قدر الفاتحة في الاعتدال، وقدر أقل التشهد في الجلوس بين السجدتين عامداً عالماً .. بطلت صلاته، واختار كثيرون أنهما طويلان.
(وأن لا يقصد) بالرفع (غيره) أي: الجلوس (فلو رفع فزعاً من شيء .. لم يكفه)؛ لما مر.
(التاسع: التشهد الأخير) أي: المأتي به آخر كل صلاة، فيشمل نحو الصبح؛ لما صح من الأمر به في خبر: "قولوا التحيات لله
…
" إلخ؛ وبأنه فرض بعد أن لم يكن، كما في رواية ابن مسعود.
وسمي الكل تشهداً؛ تسمية له باسم جزئه.
(وأقله: التحيات) جمع تحية أي: جميع ما يحيا به، أي: يعظم به من سلام وغيره ثابت (لله) ومختص به بطريق الاستحقاق الذاتي (سلامٌ) بالتنوين ولو حذفه لم يضر؛ لأنه لم يغير المعنى، وخالف (سم)، أي: اسم السلام، وهو الله. (عليك) أي: حفيظ ورقيب، بالحفظ والمعونة، أو التسليم، أو السلامة من الآفات عليك، وقيل: معناه الله معك.
(أيها النبي، ورحمة الله وبركاته) خوطب به صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يكشف له عن المصلين، ولذا قال في "الإحياء":(واحضر شخصه الكريم في قلبك عند ذلك).
(سلام علينا) أي: الحاضرين من آدمي وملك وجني (وعلى عباد الله الصالحين) جمع صالح من جميع الخلق، وهو القائم بحقوق الله وحقوق عباده.
وإنما فسر في خبر: "أو ولد صالح يدعو له" بالمسلم؛ لأن المراد فيه الحث على التزوج للنسل، وهنا المراد تعظيم المدعو له، فناسب تفسيره بما مر.
(أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله) أو عبده ورسوله، وكذا: وأن محمداً رسوله عند (م ر).
(وتشترط موالاته) بمعناها في (الفاتحة).
نعم؛ يغتفر زيادة الكريم هنا بعد أيها النبي، وزيادة ياء قبله، وزيادة والملائكة المقربين بعد الصالحين، وزيادة وحده لا شريك له بعد إلا الله.
ولا يشترط ترتيبه، بل يسن، ولا موالاته عند (حج).
(وأن يكون بالعربية) -كغيره من الأذكار- إن قدر عليها، وإلا .. ترجم عن المأثور فقط.
وبقية شروط الفاتحة: شروط هنا أيضاً.
ويجب أيضاً إدغام النون في اللام في أن لا إله إلا الله، واللام في الراء من الرحمن، وكذا كل مدغم، فلو أظهر .. لم يصح، فإن أعاده على الصواب .. صحت، وإلا .. بطلت، ولا نظر لكون النون واللام لمَّا ظهرت خلفت الشدة؛ لأن في ذلك تركَ شدة أو إبدال حرف بأخر، وهو مبطل إن غير المعنى كما هنا، على ما مر.
قال في "التحفة": (فزعْمُ عدم إبطاله؛ لأنه لحن لا يغير المعنى ممنوعٌ؛ لأن محل ذلك حيث لم يكن فيه ترك حرف، والشَّدة بمنزلة الحرف، كما صرحوا به، نعم؛ لا يبعد عذر الجاهل بذلك) اهـ
لكن نازعه (سم) في الإبطال به من القادر، قال: لأنه لا يزيد على اللحن الذي لايغير المعنى، سيما وقد جوز بعض القراء الإظهار في مثل ذلك.
قال ابن الجزري في أحكام النون الساكنة والتنوين: (وخيَّر البزي بين الإظهار والإدغام فيهما، أي: النون والتنوين عندهما، أي: عند اللام والراء
…
إلخ) اهـ
وأما قوله: (لأن محل ذلك .... إلخ) فجوابه: (أنه لم يترك هنا حرفاً، بل رجع إلى الأصل هنا) اهـ، وهو ظاهر.
(العاشر: القعود) على القادر (في التشهد الأخير)؛ لأنه محله، فيتبعه في الوجوب باتفاق من أوجبه.
(الحادي عشر: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعده) أي: التشهد (قاعداً)؛ إذ القعود ركن فيها.
والمراد بالبعدية عدم تقدمها على شيء منه، لا الموالاة بينهما، فلا يضر تخلل ذكر أو سكوت طويل.
والأصل في وجوبها: آية (صَلُّوا عَلَيْهِ)[الأحزاب:56] مع الإجماع على عدم وجوبها في غير الصلاة، فتعين كونها فيها.
(وأقلها: اللهم صل) أو صلى الله (على محمد، أو على رسوله، أو على النبي) دون: أحمد، أوعليه والرسول والحاشر والعاقب ونحوها.
وإنما أجزأت دون (عليه) في الخطبة؛ لأنها أوسع من الصلاة.
وشروطها: شروط التشهد.
ولو قال بإثبات الياء: (صلي) .. حرم، وفي البطلان به خلاف بينته في "الأصل".
ولو عجز المصلي عن التشهد، أو الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام .. لم يجب بدله عند (سم)، ونقل (ب ج) عن (م ر) الوجوب.
ولو ظن مصلي فرض أنه في نفل، فكمل عليه .. لم يضر، بخلاف ما لو شك، هل نوى فرضاً أو نفلاً؟ أو هل نوى ظهراً أو عصراً؟ فيضر.
(الثاني عشر: السلام، وأقله: السلام عليكم) وشروطه عشرة:
الإتيان بأل، فلا يصح مع حذفها، بخلافه في التشهد؛ لوروده فيه لا هنا، وبكاف الخطاب، وميم الجمع، وأن يتلفظ به بحيث يسمع نفسه لو لم يكن مانع، وأن يوالي بين كلمتيه، وأن يأتي به أو ببدله من جلوس، ومستقبل القبلة بصدره إلى تمامه، وأن لا يقصد به غيره فقط، وأن لا يزيد فيه على الوراد، ولا ينقص عنه.
نعم؛ لو قال: السلام التام، أو الحسن، أو السلم -بكسر السين، أو فتحها مع
سكون اللام، أو بفتح السين واللام- وقصد به معنى السلام ولو مع غيره .. لم يضر، وكفى.
ولو جمع بين أل والتنوين في السلام، أو زاد فيه الواو .. لم يضر؛ لوجود ما يعطف عليه، بخلاف زيادتها في التكبير.
ولو قال: عليكم السلام .. صح مع الكراهة، أو سلام أو سلامي أو سلام الله عليكم أو عليك أو عليكما .. بطلت صلاته، أو عليهم لم تبطل؛ لأنه دعاء ولا خطاب فيه، لكنه لا يجزئه، بل قال الرشيدي:(ينبغي أن محل عدم ضرره حيث لم يقصد به التحلل).
(الثالث عشر: الترتيب) لأركانها، كما ذكر في عدها المشتمل على قرن النية بالتكبير في القيام، والقراءة به، والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والسلام بقعودها، فالترتيب فيما عدا ذلك، وعده ركناً بمعنى الجزء فيه .. تغليب، وبمعنى الفرض .. صحيح.
وخرج بالأركان السنن، فإذا قدّم مؤخراً .. اعتد به وفات المتروك، حتى لو أتى به بعده، أو أعادهما جميعاً .. لم يحصل.
نعم؛ لو قدّم السورة على (الفاتحة)، ثم أتى بها بعدها .. اعتد بها؛ لأن هذا ترتيب بين واجب وسنة، لا بين مندوبين.
(فإن تعمد تركه) أي: الترتيب بتقديم ركن قولي هو السلام أو فعلي مطلقاً (كأن سجد قبل ركوعه) عامداً عالماً ( .. بطلت صلاته) إجماعاً؛ لتلاعبه.
أمَّا تقديم قولي -غير السلام- على قولي أو فعلي .. فلا يضر، لكن لا يحسب ما تقدم على محله.
(وإن سها) بترك الترتيب، ثم تذكر المتروك ( .. فما) فعله (بعد المتروك لغو)؛ لوقوعه في غير محله.
(فإن تذكر) -غير مأموم- المتروك (قبل أن يأتي بمثله) من ركعة أخرى ( .. أتى به)
فوراً؛ محافظة على الترتيب، وإلا .. بطلت صلاته.
أما المأموم .. فلا يعود للمتروك، بل يأتي بركعة بعد سلام إمامه.
وكالتذكر الشك فلو شك راكعاً هل ترك الفاتحة؟ أو ساجداً هل ركع أو اعتدل .. قام فوراً وجباً، ولا يكفيه في الثانية أن يقوم راكعاً كما مر.
وما اقتضاه المتن من الاقتصار على فعل المتروك محله في غير هذه الصورة.
لكن قال (سم): (يمكن أن يستغني عن ذلك) وفيه نظر.
أو شك في قراءة الفاتحة قائماً .. لم يلزمه القراءة فوراً؛ لأنه لم ينتقل عن محلها (وإلا) يتذكر حتى أتى بمثله من ركعة أخرى ( .. تمت به) أي: بالمثل المفعول (ركعته) إن كان آخرها كالسجدة الثانية وألغى ما بينهما، وإن كان أولها أو أثناءها كالفاتحة .. حسب له عن المتروك وأتى بما بعده منها (وتدارك الباقي) من صلاته، هذا إن كان المثل من الصلاة -وإن نوى به غيره كجلوس بين السجدتين نوى به جلوس الاستراحة، وإلَاّ كسجدة التلاوة .. لم يجزه عنه- وعرف عين المتروك ومحله، وإلَاّ .. أخذ باليقين وأتى بالباقي.
نعم؛ إن جوز أن متروكه النية، أو تكبيرة التحرم .. بطلت صلاته، ولم يشترط هنا طول ولا مضي ركن؛ لأن هنا تيقُنَ ترك انضم لتجويز ما ذكر، وهو أقوى من مجرد الشك في ذلك.
وفي تلك الأحوال كلها ما عدا المبطل يسجد للسهو ما لم يكن متروكه السلام، فيأتي به ولو بعد طول الفصل، ولا سجود للسهو؛ لفوات محله بالسلام.
(ولو تيقن، أو شك في آخر صلاته) أو بعد سلامه بشرطه الآتي (ترك سجدة من الركعة الأخيرة .. سجدها، وأعاد تشهده)؛ لوقوعه في غير محله، وسجد للسهو (أو من غيرها) أي: الأخيره (أو شك فيها) هل هي من الأخيرة أو من غيرها؟ ( .. أتى بركعة)؛ لأن الناقصة في مسألة اليقين كملت بسجدة من التي بعدها، ولغى ما بينهما، وأخذ بالأسوأ في مسألة الشك وهو جعل المتروك من غير الأخيرة حتى تلزمه ركعة؛ لأنه أحوط.
(وإن قام إلى) الركعة (الثانية) مثلاً (وقد ترك سجدة من الأولى) أو شك فيها (فإن كان قد جلس) قبل قيامه وبعد سجدته التي قام عنها (ولو للإستراحة .. هوى للسجود) فوراً من قيام، واكتفى بذلك الجلوس وإن ظنه للإستراحة؛ إذ الفرض يتأدى بنية النفل حيث كانت نية الصلاة شاملة له بطريق الأصالة، كما يجزئ التشهد الأخير بنية التشهد الأول؛ لشمول نية الصلاة له، بخلاف سجدة التلاوة، فلم تشملها نية الصلاة إلا بطريق التبع للقراءة المندوبة، وبخلاف التسليمة الأولى بنية الثانية؛ لوقوعها خارج الصلاة، فلا تقوم مقام الأولى عند شكه في الأولى، بل يأتي بها.
(وإلَاّ) يجلس قبل قيامه ( .. جلس) للركن (مطمئناً، ثم يسجد، فإن تذكر) يقيناً (ترْكَ ركن غير النية وتكبير التحرم بعد السلام .. بنى على صلاته إن قرب الفصل) بأن لا يسع ركعتين بأخف ممكن (ولم) يأت بمناف كأن (يمس نجاسة) غير معفو عنها، وإلَاّ .. استأنف فيهما.
(و) لكن (لا يضر استدبار القبلة) إن قصر زمنه عرفاً، وإن خرج من المسجد مثلاً من غير فعل كثير متوال، وكذا إن حصل منه أفعال متوالية على ما هو الظاهر من حديث ذي اليدين، كما يأتي.
(ولا الكلام) إن قل، وهو ست كلمات عرفية فأقل؛ لأنه عليه الصلاة والسلام تكلم بها في قصة ذي اليدين، واستدبر القبلة، ومشى إلى ناحية المسجد.
(فأن طال الفصل) عرفاً، وهو قدر ركعتين بأخف ممكن ( .. استأنف) الصلاة وإن لم يحدث فعلاً؛ لأنه وإن كان سكوتاً، وهو ولو طويلاً لا يبطلها، انضم إليه سلام في غير محله.
أمّا النية وتكبيرة التحرم .. فبتذكر ترك أحدهما يتبين عدم انعقادها، وكذا بالشك في أحدهما وإن لم يضر الشك في غيرهما بعد السلام؛ لأن الانعقاد يحتاط له أكثر من غيره.
* * *