الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأن لا يعلق النية، فلو قال: نويت الوضوء إن شاء الله .. لم يصح إلا إن نوى التبرك.
(ودخول الوقت) يقيناً أو ظناً، وتقديم استنجاء وتحفظ، (والولاء) بينهما، وبينهما وبين الوضوء وبين أفعاله، وبينه وبين الصلاة (لدائم الحدث) الأصغر أو الأكبر.
* * *
(فصل) في المسح على الخفين
، وأحاديثه كثيرة، بل صرح جمع من الحفاظ بتواترها، وعن الحسن قال:(حدثني سبعون من الصحابة بالمسح على الخفين)، واختلف في كفر منكره، وهو من خصائصنا.
(ويجوز المسح على الخفين بدلاً عن غسل الرجلين في الوضوء) قال (ق ل): (أي: كاف عن غسلهما؛ لأنه أصل كما في خصال الكفارة، وليس المراد حقيقة البدلية المتوقفة على تعذر الأصل) اهـ
لكن غسلهما أفضل.
وقد يسن المسح، كما إذا تركه؛ لثقله عليه لعدم إلفه له، لا لإيثاره الغسل الأفضل، أو كان ممن يقتدى به، أو خاف فوت جماعة لو لم يسمح، وكذا بقية الرخص.
وقد يجب إذا توقف عليه إدراك واجب، كالوقوف بعرفة أو وقت صلاة فرض أو إنقاذ غريق.
وخرج بـ (الرجلين) مسح خف واحدة وغسل الأخرى. وبـ (الوضوء): الغسل، وإزالة النجاسة.
(وشرط جواز المسح) على كل من الخفين:
(أن يلبسه على طهارة) من وضوء أو غسل أو تيمم لغير فقد ماء (كاملة) بأن لا يبقى من بدنه لمعة بلا طهارة، فلو غسل رجلاً ولبس خفها، ثم الأخرى ولبس خفها .. نزع الأولى ثم ردها إن أراد المسح.
(وأن يكون الخف) ولو بعد اللبس وقبل الحدث عند (حج)(طاهراً) ولو حراماً، كمغصوب وذهب، لا نجس العين، ولا متنجس بما لا يعفى عنه، أما المتنجس بمعفو عنه .. فيصح المسح على محل طاهر منه وإن اختلط بالنجاسة ماء المسح بعد بلا قصد.
وأن يكون (قوياً يمكن متابعة المشي عليه) بلا نعل ولو لمقعد في التردد (للمسافر) سفر قصر (في الحاجة) عند حط وترحال وغيرهما مما جرت العادة به ثلاثة أيام بلياليها، ولمقيم ومسافر سفر غير قصر يوماً وليلة في حاجات إقامته، وقيل: حاجات سفره.
وأن يكون (ساتراً لمحل الغسل) الواجب في غسل الرجل وهو القدم بكعبيه.
ويشترط فيه: الستر من الجوانب (لا من أعلى) عكس ستر العورة؛ إذ الخف يلبس من أسفل ويتخذ لستره، بخلاف القميص ونحوه، ولكون السراويل من جنس ساتر العورة .. ألحق بها وإن كان يلبس من أسفل.
وأن يكون (مانعاً نفوذ الماء) لو صب عليه، لكن المعتبر منعه (من غير) مواضع (الخرز).
(و) يشترط لجواز المسح لمدة ثانية: (أن ينزعه المقيم) ونحوه (بعد يوم وليلة، والمسافر سفر قصر بعد ثلاثة أيام بلياليها، وابتداء المدة) فيهما (من) نهاية (الحدث بعد لبس)؛ إذ وقت المسح يدخل به، فاعتبرت مدته منه.
(فإن مسح) خفيه (حضراً) أو نحوه (ثم سافر أو عكس) بأن مسح سفراً ثم أقام ( .. أتم مسح مقيم) إن أقام قبل تمامها؛ تغليباً للحضر؛ لأنه الأصل، وإلا .. انتهت مدته بمجرد إقامته، وأجزأه ما صلاه فيما مضى بالمسح وإن زاد على مدة مقيم؛ إذ الإقامة إنما تؤثر في المستقبل.
ويشترط أيضاً: أن لا يحصل له حدث أكبر، وإلا .. لزمه النزع وإن أمكنه غسل رجليه في ساق الخف.
وأن لا تنحل العرى وإن لم يظهر شيء من محل الفرض؛ لأنه يخرج بانحلالها عن كونه خفاً، ثم إن كان بطهارة المسح .. غسل رجليه فقط، وإلا .. فالجميع.
(ويسن مسح أعلاه وأسفله وعقبه) وحروفه وكونه (خطوطاً) بأن يضع يسراه تحت عقبه، ويمناه على ظهر الأصابع، ثم يمر مفرجاً أصابعه هذه إلى آخر ساقه، وتلك إلى أطراف أصابعه.
ويسن أن لا يزيد في مسحه على (مرة)؛ لما مر أن تثليثه خلاف الأولى.
(والواجب: مسح أدنى شيء من ظاهر أعلاه) فلا يجزىء على باطنه، ولا الاقتصار على عقبه أو حروفه أو أسفله؛ لعدم وروده.
* * *
(فصل: نواقض) أي: الأسباب التي ينتهي بكل منها (الوضوء) لو كان، أو التي شأنها ذلك (أربعة) فقط، وقدم هذا الفصل جمع؛ ليعرف ما يتوضأ منه، وأخره آخرون ومنهم المصنف؛ ليعرف ما يبطل بتلك الأسباب.
والحدث: أكبر -وسيأتي- وأصغر، وهو المراد عند الإطلاق، أي: في عبارة الفقهاء.
أما الناوي: فيحمل إطلاقه له على الحدث القائم به.
ويطلق شرعاً -كالأكبر- على الأسباب، وعلى أمر اعتباري يقوم بأعضاء الوضوء، يمنع صحة الصلاة حيث لا مرخص، وهو في الرأس قائم بجزء مبهم، ويتعين بالمسح، وعلى المنع من الصلاة ونحوها.
(الأول) من الأربعة: خروج (الخارج) يقيناً (من أحد السبيلين) -أي: القبل والدبر- من حي واضح وإن تعدد مخرج كل منهما، أو تعدد كل منهما، كأن وجد له دبران أصليان، أو أحدهما أصلي واشتبه.
والأصح: أن أصالة الذكر منوطة بالبول لا بالوطء، فينقض الخارج المذكور بأي صفة كان ولو نحو عود، ولا ينقض إدخاله، ولذا جاز -قبل خروجه- مس مصحف، لا نحو صلاة؛ لحمله متصلاً بنجس، ودودة أخرجت رأسها وإن رجعت، وريح ولو من
قبل، ودم باسور داخل الدبر، ورطوبة فرج أنثى خرجت إلى ما يجب غسله، ومقعدة مزحور ولو توضأ ثم أدخلها .. لم ينقض، وإن اتكأ عليها بنحو قطنة حتى دخلت وإن انفصل شيء منها؛ لخروجه منها، وهي من خارج، وذلك للنص في الغائط والبول والمذي والريح، وقيس بها كل خارج.
(إلا المني) أي: مني الشخص نفسه وحده الخارج أول مرة، فلا ينقض كأن احتلم متوضئ وهو قاعد ممكن؛ لأنه أوجب أعظم الأمرين، وهو الغسل بخصوص كونه منياً، فلم يوجب أدونهما، وهو الوضوء بعموم كونه خارجاً، وإنما أوجبهما الحيض والنفاس؛ لغلظهما، أما لو خرج منه مني غيره ولو مع منيه، أو مني نفسه وحده ثانياً .. فينتقض الوضوء، ولو رأى بللاً على ذكره .. لم ينتقض وضوءه إن احتمل طرؤه من خارج، ولو ألقت ولداً جافاً، أو مضغة جافة .. انتقض وضوءها عند (حج)؛ لأن بعض ذلك من مني الرجل، وخروج مني الغير ينقض، وقال (م ر):(لا ينقض؛ لأنه قد استحال إلى الحيوانية).
(الثاني: زوال العقل) يقيناً، أي: الغلبة عليه -بما يأتي- أو أن المراد زوال التمييز إما بارتفاع العقل (بجنون) وهو مرض يزيل الشعور من القلب مع بقاء القوة والحركة في الأعضاء، ولا يجوز على الأنبياء.
وإما بانغماره بنحو صرع (أو سكر أو إغماء) ولو ممكناً.
(أو) باستتاره (بنوم)؛ لخبر: "من نام .. فليتوضأ" وألحق به ما قبله؛ لأنه أبلغ.
و (الإغماء): مرض يزيل الشعور من القلب مع فتور الأعضاء.
و (السكر): خبل في العقل مع طرب واختلال نطق.
و (النوم): استرخاء أعصاب الدماغ بسبب رطوبة الأبخرة الصاعدة من المعدة، ولا نقض بنوم الأنبياء؛ إذ قلوبهم لا تنام، ولا بإغمائهم، لأنه يخل بحواسهم الظاهرة دون الباطنة.
(إلا النوم) من المتوضئ (قاعداً ممكناً مقعده) من مقره، كأرض وظهر دابة ولو سائرة ولو محتبياً وإن طال، ولو في الصلاة؛ للأمن حينئذ من خروج شيء.
و (التمكين): أن لا يكون بين بعض مقعده ومقره تجاف، ولا عبرة باحتمال خروج ريح من القبل؛ لندرته، حتى لو كثر من شخص .. فلا ينتقض وضوءه بنومه ممكناً ولم يتيقن خروج شيء؛ وذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا ينامون وهم منتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم الأرض، ثم يصلون من غير أن يتوضؤوا وحمل على أنهم ينامون ممكنين، وأنهم انتبهوا قبل زوال تمكينهم.
ولا تمكين لقاعد هزيل بحيث يبقى بين بعض مقعده ومقره تجاف، ولا لمن نام على قفاه ملصقاً مقعده بمقره، ولا نقض بالشك في حصول ناقض، ولا بالنعاس، ولا حديث النفس، فلو شك هل نام أو نعس؟ أو هل نام ممكناً أو لا؟ أو هل زالت إحدى أليتيه قبل يقظته أو بعدها؟ أو أن ما رآه رؤيا أو حديث نفس؟ .. فلا نقض.
وعلامة النعاس سماع كلام الحاضرين ولم يفهمه، فإن لم يسمعه .. فهو نوم، وعلامته الرؤيا.
ولو نام غير ممكن، فأخبره معصوم أنه لم يخرج منه شيء .. انتقض وضوءه، خلافاً لـ"الإمداد"؛ لأن النوم حينئذ ناقض، أو نام ممكناً فأخبره عدلٌ بخروج شيء منه .. انتقض عند (حج).
(الثالث:) تيقن (التقاء بشرتي الرجل والمرأة) أي: الذكر والأنثى.
الواضح: كل منهما المشتهى لذوي الطباع السليمة، ولو صبياً وممسوحاً، أو عنيناً أو صبية أو مكرهاً أو ميتاً، لكن لا ينقض الميت، أو بعضو أشل أو زائد ولو جنياً عند (م ر)، أو كان ذلك التلاقي بإخبار عدل عند (حج)؛ وذلك لآية (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) [النساء:43] أي: لمستم، كما في قراءة.
و (اللمس): الجس باليد وغيرها، والمعنى في النقض به أنه مظنة التلذذ المثير للشهوة التي لا تليق بالمتطهر.
و (البشرة): ظاهر الجلد، وألحق بها نحو لحم الأسنان واللسان، وكذا باطن عين وكل عظم ظهر عند (م ر)، وقال الشرقاوي:(وكذا باطن أنف).
وخرج بما ذكر: التقاء بشرتي ذكرين وإن كان أحدهما أمرد حسناً، أو أثنين، أو خنثى وغيره، أو ذكر وأنثى بحائل وإن رق ولو بشهوة.
(وينتقض) وضوء (اللامس والملموس)؛ لاشتراكهما في مظنة اللذة، كاشتراكهما في لذة الجماع.
(ولا ينقض صغير أو صغيرة) كل منهما (لا يشتهي) غالباً لذوي الطباع السليمة، ولا يتقيد بسبع سنين؛ لاختلاف ذلك باختلاف الصغار.
(و) لا (شعر وسن وظفر و) لا ينقض (محرم بنسب أو رضاع أو مصاهرة)؛ لانتقاء مظنة الشهوة في جميع ذلك، وخرج بـ (المحرم): المحرمة لاختلاف دين كمجوسية، أو لعان، أو وطء شبهة كأم الموطوءة بشبهة وبنتها، وزوجات الأنبياء؛ إذ تحريمهن ليس لذلك، وبـ (تيقن التقاء البشرتين) الشك فيه، فلا نقض به، وكذا لا نقض بلمس من شك في محرميتها، ولا بلمس أجنبيات اشتبهت محرمه بهن وإن تزوج منهن، حيث لم يلمس منهن أكثر من عدة محارمه، ولا بلمس مجهولة نسب تزوجها، ثم استلحقها أبوه ولم يصدقه، فيستمر نكاحها مع ثبوت أخوتها له وعدم نقضها عليه، والبعض لا ينقض إلا إن أطلق عليه الاسم عند (م ر).
وقال (حج): لا ينقض إلا إن كان فوق النصف.
(الرابع: مس) واضح أو خنثى جزءاً من (قبل الآدمي) الواضح، ومنه القلفة.
(و) مس (حلقة دبره) أي: جزء منها من حي أو ميت صغير أو كبير؛ ذكر أو أنثى، من نفسه أو غيره ولو أشل، أو زائداً عاملاً، أو على سنن الأصلي أو مشتبهاً به؛ لخبر:"من مس ذكره، وفي رواية: ذكراً .. فليتوضأ"، والناقض من الدبر ملتقى المنفذ، ومن قبل المرأة متلقى شفريها على المنفذ فقط عند (حج).
وإنما ينقض ذلك (بباطن الكف) الأصلية ولو شلاء ذلك لخبر: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه، وليس بينهما ستر ولا حجاب .. فليتوضأ"، والإفضاء باليد: المس بباطن الكف، فيتقيد به إطلاق المس في بقية الأخبار؛ ولأنه هو مظنة التلذذ، وهو الراحة وبطون الأصابع.
(ولا ينتقض) وضوء (الممسوس)؛ إذ لا هتك منه، قال في "الأسنى": (بخلاف
الملموس؛ لأن الشرع ورد بالمس، والممسوس لم يمس، وبالملامسة وهي: مفاعلة تقتضي المشاركة إلا ما خرج بدليل.
(وينقض فرج الميت والصغير)؛ لشمول الاسم له (ومحل الجب) كله لا الثقبة فقط؛ لأنه أصل الذكر، وكذا ما نبت فيه من نحو سلعة لا شعر.
(والذكر المقطوع) وكذا بعضه إن بقي اسمه إلا ما انقطع في الختان؛ إذ لا يقع عليه اسم الذكر.
(ولا ينقض فرج البهيمة) من جميع الحيوانات غير الآدمي؛ إذ لا يشتهي طبعاً، ولذا حل نظره، وانتقى الحد به.
(ولا المس برؤوس الأصابع وما بينها) وحروفها وحرف الكف؛ لأنها خارجة عن سمت الكف.
نعم؛ المنحرف الذي يلي بطن الكف من حرفه ورؤوسها، وهو ما بعد موضع الاستواء منها ينقض.
تنبيه: يخالف المس اللمس: أن اللمس لا يكون ألا بين شخصين، وبين ذكر وأنثى، وبجميع البدن، وينتقض به اللامس والملموس، ولا يكون محرمية ولا صغر، والمس يخالفه فيما ذكر.
* * *
(فصل: يحرم بالحدث) الأصغر ولأكبر، وإن كان الأصغر هو المراد في إطلاق الأئمة غالباً، فإن أرادوا الأكبر .. قيدوه به، أما الناوي .. فإذا أطلقه .. انصرف إلى حدثه الذي عليه؛ نظراً إلى أن الحالة أو الهيئة يقيدان الإطلاق به، وأن رفع الماهية يستلزم رفع كل جزء من أجزائها.
(الصلاة) فتحرم على غير دائم الحدث، وفاقد الطهورين ولو نفلاً، وصلاة جنازة (ونحوها) كسجدة تلاوة وشكر وخطبة الجمعة.
(والطواف)؛ لخبر: "الطواف بمنزلة الصلاة إلا أن الله قد أحل فيه النطق".
(وحمل المصحف) بتثليث ميمه (ومس ورقه) وحواشيه لغير ضرورة، أما لها، كأن خاف عليه تنجيساً أو ضياعاً، وعجز عن الطهارة، واستيداعه مسلماً .. فيجوز؛ لخبر:"لا يمس القرآن إلا طاهر".
(و) كالمصحف (جلده) المتصل به، وكذا المنفصل عنه حتى تنقطع نسبته عنه بأن يتصل بغيره، أو يذهب بحرق، أو ضياع عند (م ر).
(وخريطته، وعلاقته، وصندوقه) المعدات له وحده (وهو فيه) أي: فيما ذكر من الخريطة وما بعدها، فإن لم تعد له وحده كالخزائن .. حرم مس المحاذي منها للمصحف فقط، أو لم يكن فيها .. لم يحرم حملها، ولا مسها.
ومن الصندوق بيت الربعة المعروف، فيحرم مسه وفيه شيء من الأجزاء، ولا يحرم مس الخشب الحامل لبيتها، ولا مس كرسي المصحف على ما نقل عن (سم) في "حاشية المنهاج".
(وما كتب لدراسة قرآن) ولو بعض آية مفهماً على ما يأتي (ولو) كان المكتوب منه، أو المس (بخرقة)؛ لشبهه بالمصحف.
ومنه: ما يكتب في الألواح ونحوها مما يكتب فيه عادة، فلو كبر كباب كبير وعمود .. جاز مس الخالي عن القرآن منه.
ولا يحرم مس ما محي بحيث لا يقرأ إلا بكبير مشقة، ويحرم محو ما كتب من القرآن بالريق؛ لأنه مستقذر، ووضعه على الأرض، وجعل نحو نقد في ورق فيه اسم الله أو قرآن، ووضعه عليه، وجعله وقاية كجلد ولو لما فيه علم أو قرآن عند (حج)، ومسه بمستقذر ولو ريقاً في نحو قلب ورقه وكتابته به.
وكره مسه بجزء طاهر من عضو متنجس، وقراءته بفم متنجس، ولبس ما كتب عليه، وأخذ الفأل منه.
وخرج بـ (ما كتب للدارسة): ما كتب لغيرها كالتمائم، وما على نحو النقد؛ إذ لم يكتب للدراسة، وهو لا يكون قرآناً إلا بقصده حال الكتابة، والعبرة بالكاتب لنفسه أو
تبرعاً، وإلا .. فبآمره أو مستأجره، وخرج بـ (المصحف) نحو التوراة ومنسوخ التلاوة.
(ويحل حمله في) أي مع (أمتعة) أو متاع وإن صغر جداً إن قصد المتاع وحده، وكذا إن قصدهما، خلافاً لـ"التحفة"، وكذا مع الإطلاق عند (م ر).
ولا يقصد المصحف وحده، فيحرم، ويحل حمل حامل المصحف عند (م ر) مطلقاً، وعند (حج) فيه التفصيل المذكور.
(و) في (تفسير) أكثر منه مع الكراهة؛ للخلاف فيهما، وكذا مع الشك في الأكثر أو المساواة عند (حج)، كالضبة والحرير، ويجري ذلك فيما لو شك هل قصد به الدراسة أو التبرك.
وليس من التفسير مصحف حشي من تفسير، كما في "حاشية الفتح" لـ (حج)، وخالفه (م ر)، وحيث كان التفسير أكثر لا يحرم مسه مطلقاً وقال (م ر):(العبرة في الحمل بالجميع، وفي المس بموضعه، فإن كان فيه التفسير أكثر .. حل، وإلا حرم).
(و) يحل (قلب ورقه بنحو عود) قال الكردي: (يظهر من كلامهم: أن الورقة المثبتة فيه لا يضر قلبها بنحو العود مطلقاً، وغير المثبتة لا يضر قلبها إلا إن انفصلت على العود عن المصحف).
(ولا يمنع الصبي المميز) ولو جنباً وحافظاً (من حمله ومسه للدراسة) وتعلمه فيه، ووسيلتهما كحمله للمكتب؛ لمشقة دوام طهره، أما غير المميز .. فيحرم تمكينه منه، وأما حمل المميز له لغير الدراسة ووسيلتها .. فحرام.
(ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة .. بنى على يقينه) وهو الطهارة في الأولى، والحدث في الثانية، باعتبار الاستصحاب، فلا ينافي اجتماع الشك معه؛ وذلك لنهيه صلى الله عليه وسلم الشاك في الحدث عن أن يخرج من المسجد إلا أن يسمع صوتاً أو يجد ريحاً.
والمراد بـ (الشك) هما وفي معظم أبواب الفقه: التردد مع استواء أو رجحان، وقد
يفرقون، كما في القضاء بالعلم والأكل من مال الغير، وركوب البحر، فيصح مع ظن ثبوت الحق ورضا المالك وغلبة السلامة لا مع الشك، وكالطلاق يقع مع الظن لا الشك.
* * *
(فصل: يستحب الوضوء) لأمور، قال في "الرحيمية":(تبلغ: ثمانية وسبعين).
وذلك كخروج الدم السائل (من الفصد والحجامة والرعاف) وغيرها (والنعاس والنوم قاعداً ممكناً، والقيء، والقهقهة في الصلاة، وأكل ما مسته النار، ولحم الجزور، والشك في الحدث) ومس أمرد وصغيرة ومحرم، ونحو شعر وفرج بهيمة، ومس فرج آدمي بظهر الكف، وما بين الأصابع، ومس الأثنين؛ خروجاً من الخلاف في جميع ذلك.
(و) ويسن: أيضاً من (الغيبة والنميمة والكذب والشتم والكلام القبيح)؛ إذ الوضوء يكفر الخطايا (والغضب)؛ إذ الوضوء يطفئه (ولإرادة النوم) من طاهر أو جنب، ولليقظة (وقراءة القرآن) وتفسيره (والحديث والذكر) وسماعها (والجلوس في المسجد والمرور فيه، ودراسة العلم) الشرعي وآلته، وسماع ذلك، وكتابته وحمله؛ ليكون فيها على أكمل الأحوال؛ وتعظيماً لها (وزيارة القبور) ولو غير صالحين (ومن حمل الميت ومسه)؛ لاستقذاره، ولقول قديم إن مسه ينقض، ولجماع وإنشاد شعر محرم واستغراق ضحك، وخوف؛ لأنه يذهبه، وللرؤيا المشوشة، ولإزالة شارب وشعر، ولجنب أراد أكلاً أو نوماً أو جماعاً، وشرب لبن الإبل، وركوب بحر، وخطبة غير جمعة، وارتكاب
ذنب كنظر بشهوة، وللوقوف بعرفة، ولسعي، وأذان وإقامة، ولغسل، وللمعيان إذا أصاب بالعين وغيرها.
وينوي به في جميع ذلك رفع الحدث، أو فرض الوضوء، أو غيرهما من النيات المعتبرة في الوضوء، كما مر.
ولا يصح بنية السبب كنويت الوضوء؛ لقراءة القرآن عن قصد التعليق بها أو لا، بخلاف ما إذا لم يقصده إلا بعد ذكره الوضوء مثلاً؛ لصحة النية حينئذ، فلا يبطلها ما وقع بعد إلا في الوضوء للغسل، فيصح أن ينوي به سنة الغسل.
وإدامة الوضوء سنةٌ، ولها فوائد، منها: سعة الرزق، ومحبة الحفظة، والتحصن، والحفظ من المعاصي.
* * *
(فصل: يستحب لقاضي الحاجة بولاً أو غائطاً) ولو بمحل غير معد.
(أن يلبس نعليه، ويستر رأسه) ولو بكمه؛ للاتباع (ويأخذ أحجار الاستنجاء) وإن أراد الاستنجاء بالماء، إذ يسن الجمع بينهما؛ وذلك للأمر بذلك، وحذراً من انتشار النجاسة، ويندب إعداد الماء أيضاً.
(ويقدم يساره) أو بدلها (عند الدخول) ولو بغير معد؛ إذ يصير مستقذراً بإرادة قضائها فيه كالخلاء الجديد، وما له دهليز طويل يقدمها عند أوله وعند وصوله لمحل قضائها، وكالخلاء نحو سوق وصاغة، ولا يحرم دخولها إلا إن علم بمعصية فيها حين دخوله، ولم يحتج لدخولها.
(ويمناه عند الخروج) فاليسرى للمستقذر، واليمنى لما فيه تكرمة، وكذا ما لا تكرمه فيه عند (حج)، ولو انتقل من شريف إلى أشرف، أو من مستقذر إلى أقذر منه .. قدم اليمنى للأشرف واليسار للأقذر، أو من شريف أو خسيس لمثله .. تخير، والمحل الواحد لا تتفاوت بقاعه.
وقال السيد عمر البصري: (يقدم اليمنى للشريف، واليسرى للقذر؛ نظراً لمطلق
الشرف والخسة، تساوياً في الشرف والخسة أم تفاوتاً) ولو جعل نحو مسجد محل معصية .. قدم فيه اليمنى عند (سم)، ونازعه الكردي بقول "الإيعاب":(وكالخلاء الحمام والسوق وإن كان محل عبادة كالمسعى).
(وكذا يفعل في الصحراء) فيقدم يساره لمكان قضاء حاجته، ويمناه عند انصرافه.
(و) يندب أيضاً: أن (لا يحمل) معظماً كقرآن، والحرمة فيه مع الحدث زائدة على الكراهة وكما علم عدم تبديله من التوراة، وكما كتب فيه (ذكر الله تعالى) أو اسم معظم ولو مشتركاً، كالرحيم إن قصد به المعظم، ومحمد صلى الله عليه وسلم، وسائر أسماء الأنبياء والملائكة، وفي إلحاق صلحاء الأمة بهم خلاف، وحمله المعظم المذكور مكروه وإن غيبه، بل اختار الأذرعي حرمة إدخال المصحف الخلاء.
(ويعتمد) ولو قائماً عند (حج)(على يساره) ويضع أطراف أصابع اليمنى بالأرض، ويرفع باقيها؛ لأن ذلك أسهل لخروج الخارج؛ إذ المعدة في الشق الأيسر، والمثانة لها ميل إليه، ولأنه المناسب في الاستقدار.
(ويبعد) إن سهل إلى أن لا يسمع لخارجه صوت، ولا يشم له ريح إن كان ثم غيره، بل يسن تغييب شخصه، فإن لم يبعد .. سن لهم الإبعاد عنه.
(ويستتر) عن الأعين بما طوله ثلثا ذراع في القاعد، وإلى السرة في القائم، وقد قرب منه ثلاثة أذرع فأقل، ولا بد هنا من كونه عريضاً يمنع رؤية عورته، بخلاف الساتر للقبلة في الصلاة، وكذا في قضاء الحاجة عند (حج).
نعم؛ إن كان بمحل مسقف، أو يمكن تسقيفه .. كفى الستر هنا بنحو جدار وإن بعد؛ إذ القصد هنا عدم رؤيته، بخلاف القبلة؛ لقصد تعظيمها وهو لا يحصل بذلك، ولو كان ثم من يحرم نظره لعورته ولم يظن غضه عنها .. وجب الستر ما لم يضطر، ولو تعارض الستر والإبعاد .. وجب الستر، أو الستر والاستقبال .. وجب الستر إن وجب.
(ولا يبول) ولا يتغوط (في ماء راكد) لم يستبحر؛ للنهي عنه (و) لا في (قليل جار) كالراكد، فإن فعل .. كره، وفي "المجموع": يحرم إن كان ينجسه؛ إذ فيه إتلاف عليه وعلى غيره، وإمكان طهره بالمكاثرة لا يدفع الإثم؛ إذ لا يحصل إلا بمشقة وقد لا يتيسر، وقد يوقع من لا يعلمه في استعماله فينجسه.
ويكره قضاء الحاجة ليلاً في الماء، كالاغتسال فيه ليلاً لما قيل: إنه مأوى الجن، والكلام في مباح، ومملوك له لم يتعين الطهر به، وإلا .. حرم ذلك فيه مطلقاً، لكن قال (ق ل) بجوازه في مستبحر بحيث لا تعافه نفس ألبتة ولو لغيره أو مسبلاً.
ويحرم الاستنجاء بجدار الغير، ويكره البول قرب الماء.
(ولا في جحر) وهو الثقب المستدير، وأراد به ما يشمل السرب، وهو المستطيل؛ للنهي عنه، ولأنه مأوى الجن، وقد يكون فيه حيوان فيؤذيه، أو يتأذى هو منه، فإن غلب على ظنه كونه فيه .. حرم، والكلام في غير معد -كما يأتي- ولا يكفي الإعداد بالقصد.
(ولا في طريق) مسلوك، وقيل: يحرم التغوط؛ لصحة النهي فيه.
نعم؛ المملوك للغير، والمسبل يحرمان فيه، ولا في مستحم لا منفذ له؛ لأنه يجلب الوسواس.
(ولا تحت شجرة مثمرة) أي شأنها ذلك ولو في غير وقت الثمر، ما لم يظن مجيء ما يطهر المحل قبل حصولها (يؤكل ثمرها) أو ينتفع به.
(ولا يتكلم) حال خروج الخارج ولو بغير ذكر؛ لنهي عنه، وكذا في حال غير خروجه مادام في المعد وإن دخله لغير قضاء الحاجة عند جمع، وإذا عطس .. حمد الله بقلبه فقط، كالمجامع والمؤذن، ويثاب عليه من حيث ما في قلبه من معنى الحمد الدال على تعظيم المولى.
(إلا لضرورة) كالتنبيه على ما يخشى من محذور .. فيجب، بل اختار الأذرعي: تحريم القراءة عليه.
(ولا يستنجي) في غير معد (بالماء في موضعه)؛ لئلا يصيبه الرشاش، وسن لمستنج بحجر أن يبادر به؛ لئلا يجف، بل قد تجب إذا وجبت الطهارة به؛ ولا ماء يكفيه لها مع الاستنجاء (ويستبرىء من البول) ندباً، وقيل: وجوباً إن ظن عوده بنحو تنحنح ونتر ذكر بلطف إلى أن يظن أنه لم يبق بمجرى الذكر ما يخاف خروجه، ويختلف باختلاف الناس، ولا يتقيد بسبعين خطوة، ولم يجب وإن كان ظاهر حديث:"تنزهوا من البول"؛ لأن الظاهر عدم عوده، ولأنه يمكنه إذا أحس به تلقيه بنحو حجر، ويجوز تجفيف بوله بيده عند (م ر).
(ويقول) ندباً (عند) إرادة (دخوله) للخلاء ولو لغير قضاء حاجة (باسم الله) أي: أتحصن (اللهم إني أعوذ بك من الخبث) -بضم الخاء والباء، وسكونها- جمع خبيث (والخبائث) جمع خبيثة.
(وعند خروجه) من بابه أو انصرافه إن لم يكن له باب: (غفرانك) أي: اغفر غفرانك، أو أسألك غفرانك (الحمد الله الذي أذهب عني الأذى، وعافاني)؛ للاتباع.
وحكمة ذلك: تسهيل الطعام، وتسهيل خروجه مع عدم قيامه بشكر ذلك كما ينبغي، ويكرر غفرانك مرتين أو ثلاثاً، ويزيد بعده (
…
ربنا وإليك المصير، الحمد الله الذي أذاقني لذته، وأبقى في قوته، ودفع عني أذاه).
(ولا يستقبل) عين (القبلة) ببول (ولا يستدبرها) بغائط في غير معد؛ فانه خلاف الأولى إن استتر بساتر، وهو للجالس قدر: ثلثي ذراع فأكثر، وقد قرب منه ثلاثة أذرع فأقل ولو بإرخاء ذيله وإن لم يكن له عرض عند (حج).
(ويحرم) الاستقبال والاستدبار (إن لم يكن بينه وبينها ساتر، أو) كان، لكنه (بعد عنه أكثر من ثلاثة أذرع) بذراع آدمي معتدل (أو) لم يبعد عنه ما ذكر، لكنه (كان أقل من ثلثي ذراع) وإن كان في مسقف؛ تعظيماً للكعبة (إلا في المواضع المعدة لذلك) .. فمباح الاستقبال والاستدبار مطلقاً، لكنهما خلاف الأفضل إن أمكن الميل عن القبلة بلا مشقة، وفيه ما بينته في "الأصل" هنا، وفي مكروهات الصلاة، وهذا التفصيل جمع به الشافعي رحمه الله بين الأحاديث المتعارضة.
ولو استقبلها وحول ذكره عنها وبال .. جاز، ولو اشتبهت القبلة ولا ساتر .. وجب الاجتهاد، وإلا .. ندب، ويأتي هنا جميع ما يأتي قبيل الصلاة المحرمة.
ومنه: حرمة التقليد لمن يمكنه الاجتهاد، ووجوب تعلم أدلة القبلة، وهذا كله حيث لم يغلبه الخارج أو يضره كتمه، وإلا .. جاز.
(ومن آدابه: أن لا يستقبل الشمس ولا القمر) ليلاً بلا ساتر ولو سحاباً؛ لأنهما من
آيات الله الباهرة، فيكره ذلك، بخلاف استدبارهما؛ إذ الاستقبال أفحش.
قال الزيادي: (المراد: عند طلوعهما وغروبهما؛ إذ لا يمكنان في غيرهما إلا إن نام على قفاه).
(ولا يرفع ثوبه) إلا شيئاً فشيئاً (حتى يدنو من الأرض) فينهي حينئذ رفعه؛ محافظة على الستر، فإن خشي تنجسه .. كشفه بقدر الحاجة.
(ولا يبول) ولا يتغوط مائعاً (في مكان صلب)؛ لئلا يترشش، ومن ثم لو دقه بنحو حجر أو جعل فوقه تراباً .. زالت الكراهة.
(ولا ينظر) بلا حاجة (إلى السماء، ولا إلى فرجه، ولا إلى ما يخرج منه، ولا يعبث) ولا يأكل ولا يشرب ولا يطيل الجلوس ولا يلتفت يميناً او شمالاً ولا يستاك؛ إذ كل ذلك لا يليق بحالته.
(وأن يسبل ثوبه) عند فراغه شيئاً فشيئاً (قبل انتصابه)؛ لما مر.
(ويحرم البول) ونحوه (في المسجد ولو في إناء)؛ إذ لا يصلح له، كما في خبر مسلم، بخلاف نحو الفصد؛ لأنه اخف، ولذا عفي عن نحو الدم، لا البول (وعلى القبر) المحترم، وبين قبور نبشت؛ لاختلاطه بأجزاء الموتى، وبقرب قبر نبي، وعلى ما يحرم الاستنجاء به، ومحل نسك ضيق كالمشعر الحرام والصفا لا واسع، كمنى.
(ويكره عند القبر) المحترم، وتشتد عند قبر صالح، وقرب جدار مسجد، وبين بياض تخلل بين المزارع؛ لأنه مأوى الجن (وقائماً)؛ للنهي عنه (إلا لعذر) كفقد محل يصلح للجلوس (وفي متحدث الناس).
نعم؛ إن كان اجتماعهم على معصية كغيبة .. فلا كراهة
(فإذا عطس .. حمد الله) تعالى (بقلبه) ولا يحرك لسانه.
* * *