الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وثان: يحل به ما عدا ما يتعلق بالنساء من عقد ووطء ومباشرة.
وثالث: فيحل به ما بقي.
وجرى الزركشي وتبعه عبد الرؤوف وابن جمال على جواز إزالة شعور البدن بدخول وقت التحلل وإن لم يفعل شيئاً من الثلاثة.
وجرى في "التحفة" و"الإيعاب" على: عدم حل ذلك إلا باثنين من الثلاثة.
* * *
(فصل) في أوجه أداء النسكين
.
(ويؤدي النسكان) أي: الحج والعمرة (على أوجه)؛ لأنه إمَّا يحرم بهما معاً، أو يبدأ بحج أو بعمرة.
(أفضلها: الإفراد)؛ لأن رواته أكثر، ولأن جابراً منهم، وهو أقدم صحبة وأشد عناية بضبط المناسك، ولأنه صلى الله عليه وسلم اختاره أوّلاً، وللإجماع على أنه لا كراهة فيه ولا دم، بخلاف التمتع والقران، والجبر دليل النقص.
قال في "التحفة": ولأن بقية الروايات يمكن ردّها إليه.
ومحل أفضليته: (إن اعتمر في سنة الحج) بأن لا يؤخرها عن ذي الحجة، وإلا .. كان كل منهما افضل منه؛ لكراهة تأخيرها عن سنته وإن أطال السبكي في أنه أفضل وإن اعتمر في سنة أخرى؛ لأنه لم ينقل عن فعله صلى الله عليه وسلم اعتمار بعد حجه.
قال الكردي: ومن صور الإفراد الفاضل بالنسبة للتمتع الموجب للدم ما لو اعتمر قبل أشهر الحج ثم حج من عامه، لكنها مفضولة بالنسبة للإتيان بالعمرة بعد الحج فيما بقي من ذي الحجة، ويسمى ذلك تمتعاً أيضاً.
(وهو) أي: الإفراد الأفضل (أن يحج) أولاً (ثم) بعد الفراغ من الحج (يعتمر) من سنته.
وقد يطلق الإفراد على الإتيان بالحج وحده، وعلى ما إذا اعتمر قبل أشهر الحج ثم حج، فهو من صور الإفراد الفاضل، كما مر.
(ثم) يليه في الفضلية (التمتع، وهو أن يعتمر) أوّلاً في أشهر الحج أو قبلها (ثم) بعد فراغها (يحج).
سمي تمتعاً؛ لتمتعه بسقوط عوده للإحرام بالحج من ميقات طريقه، وقيل لتمتعه بين النسكين بما كان ممنوعاً منه.
(ثم) بعدهما (القران بأن يحرم بهما) أي: الحج والعمرة معاً (أو بالعمرة) وحدها، ولو قبل اشهر الحج (ثم يحرم بالحج قبل) شروعه في (الطواف) ثم الحج وحده ثم العمرة وحدها.
أمَّا بعد شروعه فيه ولو بخطوة .. فلا يصح إدخاله عليها؛ لأخذه في اسباب التحلل، ولا يؤثر استلامه الحجر بينة الطواف.
وشمل ما لو أفسد العمرة ثم أدخل عليها الحج، فينعقد إحرامه به فاسداً، ويلزمه المضي وقضاء النسكين، والإثم؛ لتلبسه بعبادة فاسدة، ولا يجوز عكسه؛ إذ لا يستفيد به شيئاً آخر.
(ويجب على المتمتع دم) إجماعاً؛ لربحه الميقات؛ إذ لو أحرم أوّلاً بالحج من ميقات طريقه .. لاحتاج بعده أن يحرم بالعمرة من أدنى الحل، وبالتمتع لا يخرج من مكة، بل يحرم بالحج منها.
وبهذا علم: أن من كرر العمرة في أشهر الحج أنه لا يتكرر عليه وإن أخرج الدم قبل التكرر؛ لأن ربحه الميقات بالمعنى المذكور لم يتكرر.
والدم هنا وحيث طلق شاة أضحية، أو ما يقوم مقامها.
وإنما تجب الدم (بأربعة شروط:
الأوّل: أن لا يكون من أهل الحرم، ولا بينه) أي: بين مسكنه (وبين الحرم دون مسافة القصر)؛ لآية (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)[البقرة:196].
وأهله: من استوطنوا محلاً دون مرحلتين من مكة، والأصح من الحرم؛ لأن المسجد الحرام في كل موضع في القرآن المراد به جميع الحرم، إلا في آية، (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) [البقرة:144] وأية (سُبْحَانَ)[الإسراء:1] فالمراد به: الكعبة في الأول وحقيقته
في الثاني، ولأن من على دون مسافة القصر من محل كالحاضر فيه، بل حاضر له، قال تعالى:(وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْر)[الأعراف:163]، أي: أيلة، وهي ليست عند البحر، بل قريبة منه.
ومن لمسكنه طريقان إلى الحرم أحدهما دون مرحلتين .. فهو حاضر؛ إذ الأصل براءة الذمة من الدم.
فمن جاوز الميقات غير مريد نسك ثم اعتمر حين عنّ له بمكة أو قربها .. لزمه دم على المعتمد؛ لآنه ليس من الحاضرين، لعدم الاستيطان.
(الثاني: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج) من ميقات طريقه، ويفرغ منها ثم يحرم بالحج من مكة ولو أجيراً فيهما لشخصين، ثم إن أذنا له في التمتع .. فالدم عليهما، أو أحدهما .. فعليه نصفه وعلى الأجير نصفه، كما لو كان أحد النسكين له والآخر لغيره وإذن في القران.
فإن أحرم بها في غير أشهره ثم أتمها ولو في أشهره ثم حج في سنته .. لم يلزمه دم؛ لأنه لم يجمع بينهما في وقت الحج، فأشبه المفرد، ولأن دم العمرة منوط بربح الميقات، وبوقوع العمرة بتمامها في أشهر الحج؛ لأن الجاهلية كانوا لا يزاحمون بها الحج في وقت إمكانه، فرخص في التمتع للآفاقي مع الدم؛ لمشقة استدامة الإحرام من الميقات، وتعذر مجاوزته بلا إحرام.
ولو أحرم آفاقي بعمرة في أشهر الحج وأتمها، ثم قرن من عامه .. لزمه دمان كما قاله البغوي.
لكن صوّب السبكي: لزوم دم واحد للتمتع؛ لأن من وصل مكة فقرن أو تمتع .. فهو حاضر، أي: على الضعيف، القائل بعدم اشتراط الاستيطان في الحاضر ثم قال: نعم؛ إن قيل: الحاضر هو المستوطن .. استقام وجوب دمين مع احتمال فيه من جهة التداخل.
قال (حج) في "الحاشية": والتداخل احتمال له، لكن وجهه قوي، ويؤيده ما مر فيمن أفسد عمرته ثم أدخل عليها الحج.
(الثالث: أن يكونا) اي: الإحرام بالعمرة ثم بالحج (في سنة واحدة).
فلو اعتمر في سنة وحج في أخرى .. فلا دم.
(الرابع: أن لا يرجع إلى الميقات) الذي أحرم منه إحراماً جائزاً وإن لم يكن ميقاتاً، كأن لم يخطر له إلا قبيل دخول الحرم، فأحرم منه، فيكفيه العود إليه أو إلى مثل مسافته؛ لأنه ميقاته، أو إلى ميقات آخر ولو أقرب منه، أو إلى مسافة قصر، فإن لم يعد لشيء من ذلك .. لزمه الدم، وإن عاد له محرماً أو ليحرم منه .. فلا دم، بشرط عوده قبل تلبسه بنسك واجب كالوقوف، أو مندوب كطواف قدوم بأن يخرج المتمتع بعد فراغ عمرته من مكة لدون مسافة قصر منها، ثم يدخلها ولو حلالاً، ثم يطوف ولو بعد طواف القدوم.
قال في "الحاشية": أو طاف للوداع أي: بعد إحرامه بالحج عند خروجه لعرفة، فلا ينفعه العود إلى الميقات حينئذٍ؛ لأنه أتى بما يشبه التحلل.
وهذه الشروط تعتبر لوجوب الدم لا لتسميته تمتعاً.
(وعلى القارن دم، بشرطين:
الأول: أن لا يكون من أهل الحرم) أي: من حاضري المسجد الحرام كما تقدم في المتمتع؛ لأنه وجب بالقياس عليه، ودم التمتع لا يجب على الحاضر، ففرعه أولى، والجامع بينهما: الترفه فيهما.
فالمتمتع ترفه بربح ميقات الحج؛ لأنه يحرم به من مكة، ولو قدم الحج .. احتاج أن يحرم بالعمرة من أدنى الحل، كما مر.
والقارن ترفه بترك أحد الميقاتين أيضاً (ولأنه صلى الله عليه وسلم ذبح عن نسائه البقر، وكن قارنات).
(الثاني: أن لا يعود إلى الميقات بعد دخول مكة) وقبل الوقوف بعرفة، فإن عاد قبل دخولها أو بعد الوقوف .. لم يسقط عنه الدم، أو بعد دخولها وقبل الوقوف .. سقط.
ومحله: إن لم يشرع في طواف القدوم، وإلا .. لم يسقط، كما في المتمتع، وإن لم يسع بعده كما اعتمداه في "الفتح" و"الشرح" و"الأسني".
لكن مال في "الحاشية" و"الإمداد" إلى أنه ينفعه العود ما لم يقف بعرفة.
وفرق في "الحاشية" بين المتمتع والقارن، كما بينته في "الأصل"، والله أعلم.
* * *