المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل): في شروط الإمام - شرح المقدمة الحضرمية المسمى بشرى الكريم بشرح مسائل التعليم

[سعيد باعشن]

فهرس الكتاب

- ‌(فصل) في الاجتهاد

- ‌(فصل) في سنن الوضوء

- ‌(فصل) في شروط الوضوء

- ‌(فصل) في المسح على الخفين

- ‌(فصل) في الاستنجاء

- ‌(فصل) في موجبات الغسل

- ‌(باب النجاسة وإزالتها)

- ‌(فصل) في إزالة النجاسة

- ‌(باب التيمم)

- ‌(فصل) في الحيض

- ‌(باب الصلاة)

- ‌(فصل) في مواقيت الصلاة

- ‌(فصل) في الصلاة المحرمة من حيث الوقت

- ‌(فصل) في الأذان والإقامة

- ‌(باب صفة الصلاة)

- ‌(فصل: في سنن الصلاة)

- ‌(فصل): في شروط الصلاة

- ‌(فصل): في مكروهات الصلاة

- ‌(فصل:) في سجود السهو

- ‌(فصل): في صلاة النفل

- ‌(فصل): في شروط الإمام

- ‌(فصل): في صفات الأئمة المستحبة

- ‌(فصل): في بعض سنن الجماعة

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌(فصل) فيما يتحقق، وينتهي به السفر، وبعض شروط القصر

- ‌(فصل) في بقية (شروط القصر)

- ‌(فصل) في الجمع بين الصلاتين بالسفر والمطر

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌(فصل): في بعض سنن الخطبة والجمعة

- ‌(فصل): في سنن الجمعة

- ‌(فصل) في اللباس

- ‌(باب صلاة العيدين)

- ‌(فصل) في توابع ما مر

- ‌(باب صلاة الكسوف)

- ‌(باب صلاة الاستسقاء)

- ‌(فصل) في توابع ما مر:

- ‌(فصل) في حكم تارك الصلاة

- ‌(باب الجنائز)

- ‌(فصل) في غسل الميت وما يتعلق به

- ‌(فصل) في أركان الصلاة على الميت

- ‌(فصل:) في الدفن وما يتعلق به

- ‌(باب الزكاة)

- ‌(فصل) في زكاة الغنم

- ‌(فصل) في بعض ما يتعلق بما مر

- ‌(باب زكاة النبات)

- ‌(فصل) في واجب ما ذكر وما يتبعه

- ‌(باب زكاة النقد)

- ‌(فصل) في زكاة التجارة

- ‌(فصل) في زكاة الفطر

- ‌(فصل) في النية في الزكاة وتعجيلها

- ‌(فصل) في صدقة التطوع

- ‌(كتاب الصوم)

- ‌(فصل) فيما يبيح الفطر

- ‌(فصل) في سنن الصوم

- ‌(فصل) في بيان كفارة جماع رمضان

- ‌(كتاب الاعتكاف)

- ‌(باب الحج)

- ‌(فصل) في المواقيت

- ‌(فصل) في أركان الحج

- ‌(فصل) في سنن تتعلق بالإحرام

- ‌(فصل) في واجبات السعي وبعض سننه

- ‌(فصل) في الوقوف بعرفة وما يذكر معه

- ‌(فصل) في الحلق

- ‌(فصل:للحج تحللان)

- ‌(فصل) في أوجه أداء النسكين

- ‌(فصل) في دم الترتيب والتقدير

- ‌(فصل) في محرمات الإحرام

- ‌(فصل) في الإحصار والفوات وما يذكر معهما

- ‌(باب الأضحية)

- ‌(فصل) في العقيقة

- ‌(فصل) في محرمات تتعلق بالشعر ونحوه

- ‌خاتمة

الفصل: ‌(فصل): في شروط الإمام

يحدث في طريق ما لم يعلمه ويتأذى به، واشتغال بتجهيز ميت، ووجود من يؤذيه في طريقه، وليالي زفاف في مغرب وعشاء، وتطويل إمام على المشروع، وتركه سنة مقصودة، وسرعة قراءته والمأموم بطيئها.

وهذه الأعذار تمنع الإثم أو الكراهة لمن لم تتأت له الجماعة في بيته، ولا تحصل فضيلة الجماعة.

نعم؛ من كان ملازماً لها قبل العذر وقاصداً أنه لولا العذر لخرج إليها .. فيحصل له أجر يحاكي أجر الفاعل لها.

أمَّا من تأتت له الجماعة في بيته .. فلا يسقط عنه الطلب وإن قام الشعار بغيره.

* * *

(فصل): في شروط الإمام

.

(شرط صحة القدوة) في الإمام (أن يعلم) المقتدي (بطلان صلاة إمامه بحدث أو غيره) مما اتُّفق على بطلان الصلاة به ككفر، وكشف عورة؛ لأنه حينئذٍ ليس في صلاة مع تقصير المأموم.

(وأن لا يعتقد بطلانها) أو يظنه بظن مستند لاجتهاده، أو اجتهاد مقلده (كمجتهدَيْن اختلفا) اجتهاداً (في القبلة) ولو بالتيامن والتياسر، فصلى كل لجهة غير التي صلى إليها الآخر.

(أو) في ماءين في (إناءين أو ثوبين) طاهر ومتنجس، فتوضأ أو لبس كل منهما ما ظن طهارته، فليس لأحدهما الاقتداء بالآخر؛ لاعتقاده بطلان صلاته، فإن تعدد الطاهر ولم يظنّ من حال غيره شيئاً .. صح اقتداء بعضهم ببعض على الأصح ما لم يتعين إناء أو ثوب واحد للنجاسة.

فلو اشتبه خمسة من آنية فيها واحد متنجس على خمسة من الناس، فاجتهدوا، فظن كلٌّ طهارة إناء فاستعمله، وأمَّ بالباقين في صلاة من الخمس .. أعاد كل ما ائتم فيه آخراً، فلو ابتدؤا بالصبح .. أعادوا العشاء، إلا إمامها .. فيعيد المغرب؛ لتعين إنائي إماميهما للنجاسة.

ص: 334

(وكحنفي علمه) شافعي اقتدى به (ترك فرضاً) عند الشافعي كالبسملة أو الاعتدال.

قال (حج): ما لم يكن أميراً، وإلا .. فتصح عند خوف الفتنة، وخالفه (م ر) وغيره، أو أخل بشرط، كأن لمس زوجته ولم يتوضأ، فلا يصح اقتداء الشافعي به حينئذٍ؛ اعتباراً بعقيدة المأموم، بخلاف ما لو علمه .. افتصد؛ لأنه يرى صحة صلاته وإن اعتقد هو بطلانها.

وقيده جمع بما إذا نسي الحنفي أنه افتصد؛ لجزمه حينئذٍ بالنية، وإلا .. فهو متلاعب، واعتمده (م ر)، ورده (حج) لجزمه بأنه متلاعب في اعتقاده، لا في اعتقادنا.

أما إذا لم يعلم أنه ارتكب ما يخل بصلاته وإن شك فيه .. فتصح خلفه؛ لأن الظاهر أنه يراعي الخلاف، ويأتي بالأكمل عنده، بل يجب على إمام منصوب بمحل لم تجر العادة فيه بمذهب معين، وكان يصلي خلفه غير أهل مذهبه أن يراعي غيره من أهل غير مذهبه، وإلا .. حرم عليه، ولم يستحق معلوم تلك الإمامه.

(و) الثاني: (أن لا يعتقد) المأموم (وجوب قضائها) على الإمام (كمقيم تيمم)؛ لفقد ماء بمحل يغلب فيه وجوده، ومحدث صلى مع حدثه؛ لفقد الطهورين، ومتحيرة وإن كان المأموم مثله على الأصح؛ لعدم الاعتداد بصلاته من حيث وجوب قضائها، فكانت كالفاسدة وإن صحت؛ لحرمة الوقت، هذا إن علم المأموم بحاله قبل الصلاة وإن نسي، وإلا .. صحت خلفه ولا قضاء وإن علم ذلك بعد الصلاة. أما من لا قضاء عليه .. فتصح خلفه، وإن كان قاعداً أو مضطجعاً.

(و) الثالث: (أن لا يكون) الإمام (مأموماً) حال الاقتداء به؛ لاستحالة كونه تابعاً ومتبوعاً (ولا مشكوكاً فيه) أي: في كونه إماماً أو مأموماً.

فلو رأى رجلين يصليان وتردّد في أيهما الإمام .. لم يصح اقتداؤه بواحد منهما، وإن ظنه الإمام بالاجتهاد عند (حج)؛ إذ لا مميز إلا النية، ولا اطلاع عليها.

وأجاب (م ر) بأن للقرائن مدخلاً في النية كما قالوه في: بيع الوكيل المشروط عليه الإشهاد بالكناية عند توفر القرائن، وكالشك في كونه مأموماً: الشك في أنه هل تلزمه الإعادة، أم لا؟

وخرج بـ (حال الاقتداء به): ما لو انقطعت القدوة، فقام مسبوق فاقتدى به آخر، أو مسبوقون فاقتدى بعضهم ببعض .. فتصح إلَاّ في الجمعة مطلقاً عند (م ر).

ص: 335

(و) الرابع: أن (لا) يكون (أمياً) ولو في سرية وإن لم يعلم بحاله؛ لأن الإمام بصدد التحمل عن المأموم، وهذا غير صالح له (وهو) هنا (من لا يحسن حرفاً من "الفاتحة") بأن عجز عنه بالكلية، أو عن إخراجه من مخرجه، أو عن أصل تشديد منها لرخاوة في لسانه ولو في السرية في الجديد.

ويجوز اقتداؤه بمن يجوز كونه أمياً، أو به مانع اقتداء آخر إن لم تقم قرينة ظاهرة على ذلك كإسراره في محل الجهر، وإلا .. لم يصح الاقتداء به، فإن حدث له ذلك أثناء الصلاة خلفه .. فارقه وجوباً.

(إلا إذا اقتدى به مثله) في الحرف المعجوز عنه، وإن اختلفا بدلاً، كأن عجزا عن الراء، وأبدله الإمام غيناً، والمأموم لاماً، بخلاف عاجز عن راء بعاجز عن سين وإن اتفقا في البدل؛ لإحسان أحدهما ما لا يحسنه الآخر، وإلا إذا كان الإبدال قراءة شاذة، كما مر في الفاتحة.

ومن الأمي: أرتٌ يدغم في غير محله، كالمتقيم بإبدال السين تاءً، وإدغام أحدهما في الآخر.

وألثغ يبدل حرفاً، بآخر كمن يقرأ غير المغضوب بالعين المهملة في (غير) سواء أدغم، أم لا، فكل أرت ألثغ، ولا عكس.

نعم؛ لا تضر لثغة يسيرة بأن لم تمنع أصل مخرجه وإن لم يكن الحرف صافياً.

وتكره القدوة بـ (التمتام)، وهو من يكرر التاء، والقياس: التأتأء.

وبـ (الفأفأه) -بهمزتين وبالمد- وهو من يكرر بالفاء، و (الوأواء) وهو من يكرر الواو، وكذا سار الحروف من الفاتحة وغيرها.

وكذا تكره بلاحن لحناً لا يغير المعنى، فإن غيره ولو في غير (الفاتحة) أو أبطله .. أبطل صلاة من أمكنه التعلم ولم يتعلم؛ لإتيانه بما ليس بقرآن.

وكاللحن هنا: الإبدال، لكنه يبطل وإن لم يغير المعنى كما مر وإن عجز لسانه أو لم يمض زمن يمكن فيه التعلم، فإن كان في (الفاتحة) أو بدلها .. فكأمي، أو في غيرها وغير بدلها .. صحت صلاته والقدوة به، وكذا إن جهل وعذر، أو نسي أنه لحن أو أنه في الصلاة.

ص: 336

لكن قال الرشيدي: فيه -أي: الأخير- وقفة؛ لأن حقه الكف عن ذلك وإن لم يكن في صلاة.

(و) الشرط الخامس: (أن لا يقتدي الرجل) أي: الذكر (بالمرأة) أو الخنثى، ولا الخنثى بامرأة أو خنثى؛ لما صح خبر:"لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، وروى ابن ماجه:"لا تؤمنّ المرأة رجلاً".

بخلاف اقتداء المرأة بالمرأة وبالخنثى وبالرجل، والخنثى بالرجل، والرجل بالرجل فيصح؛ إذ لا محذور.

(ولو صلى خلفه) أي: خلف من ظنه أهلاً للإمامه (ثم تبين) بعد الصلاة (كفره) ولو مخفياً كزنديق (أو جنونه أو كونه امرأة) أو خنثى لغير امرأة (أو مأموماً أو أمياً) أو تاركاً للفاتحة في جهرية -قال الشرقاوي: أو في سرية- أو للبسملة، أو تجب عليه الإعادة، أو تاركاً تكبيرة الإحرام أو الاستقبال، ونحو ذلك مما من شأنه أن لا يخفى، ولو على بعد ( .. أعادها) وجوباً؛ لتقصيره بترك البحث عما ذكر.

(لا إن بان) إمامه متلبساً بما شأنه أن يخفي .. فلا إعادة؛ لعدم تقصيره، وذلك كأن بان (محدثاً أو جنباً) ولو في جمعه وزاد على الأربعين، أو حائضاً، أو تاركاً للنية أو للفاتحة في سرية أو للتشهد (أو عليه نجاسه خفية) في ثوبه أو بدنه أو ملاقيهما (أو ظاهرة) -على ما في "التحقيق"- وهي التي تأملها المأموم .. رآها، ويفرض نحو البعيد قريباً، وقيل: هي العينية، والخفية ضدها (أو قائماً لركعة زائدة) وقد ظنه في أصلية فقام معه وأتى بأركانها كلها لحسبان هذه الركعة ولو في جمعة؛ لعدم تقصيره بخفاء الحال عليه.

بخلاف ما لو تحمل عنه المحدث ومن بعده الفاتحة .. لم تحسب له الركعة التي تحملها عنه فيها، وما لو علم الخلل قبل الاقتداء .. فلا تنعقد وكذا لو ظنه وإن بان أن لا خلل؛ لعدم الجزم بالنية، فإن علمه في أثنائها: فإن كان مما لا يطلع عليه كالحدث .. لم يضر، لكن تجب مفارقته إن بقي في الصلاة؛ لبقاء القدوة الصورية.

ص: 337

أو مما يطلع عليه عادة .. وجب استئنافها؛ لتبين عدم انعقادها؛ إذ القاعدة: أنَّ كل ما يوجب الإعادة إذا طرأ في الأثناء ولم يفارقه حالاً، أو ظهر .. يوجب الاستئناف، ولا يجوز الاستمرار مع نية المفارقة، وما لا يوجبها لا يوجب الاستئناف، ويجوز الاستمرار مع نية المفارقة عند علمه به.

(ولو نسي حدثه) -أي: إمامه أو شيئاً مما بعده بعد علمه لذلك- فاقتدى به ولم يحتمل زواله (ثم تذكره .. أعاد)؛ استصحاباً لحكم العلم مع نسبته في النسيان إلى نوع تقصير، والله أعلم.

* * *

(فصل): في باقي شروط الاقتداء وبعض آدابه ومكروهاته.

(يشترط لصحة الجماعة) بعد توفر صفات الإمام المتقدمة (سبعة شروط:

الأول: أن لا يتقدم) المأموم (على إمامه) في الموقف -أي: المكان- لا بقيد الوقوف، فإن تقدم يقيناً عليه في غير شد خوف .. لم تصح؛ لخبر:"إنما جعل من الإمام ليؤتم به" و (الائتمام): الاتباع، أما لو شك فيه .. فلا يضر سواء جاء من خلفه، أم من أمامه.

والعبرة في التقدم في القائم (بعقبه) أي التي اعتمد عليها من رجليه أو إحداهما، وهو مؤخر القدم مما يلي الأرض (أو بأليتيه إن صلى قاعداً) ولو راكباً (أو بجنبه إن صلى مضطجعاً) أو برأسه إن صلى مستلقياً.

فمتى تقدم في جزء من صلاته بشيء مما ذكر في غير شدة خوف .. لم تصح، ولا عبرة بغير ما ذكر ما لم يعتمد على ذلك الغير وحده، كأصابع القائم وركبتي القاعد، وإلا .. فالعبرة بما اعتمد عليه.

فلو اعتمد على إحدى رجليه، وقدم الأخرى على رجل الإمام .. لم يضر، وإن اعتمد عليهما .. ضر عند (حج)، ولم يضر عند (م ر)، وهو قياس الاعتكاف فيما لو أخرج إحدى رجليه من المسجد، واعتمد عليهما.

ص: 338

والضابط في ذلك: أن لا يتقدم المأموم بجميع ما اعتمد عليه على جزء مما اعتمد عليه الإمام في قيام أو غيره وإن اختلفا، كأن كان الإمام مثلاً قائماً، والمأموم ساجداً، وفي هذه الحالة قد يتقدم المأموم على الإمام إذا لم يعتمد المأموم على قدميه، بل على ركبتيه ويديه وكذا في نهوضه إلى القيام، فليتنبه له.

(فإن ساواه .. كره) كراهة مفوتة لفضيلة الجماعة فيما ساواه فيه فقط، وكذا يقال في كل مكروه من حيث الجماعة.

قال في "التحفة" كـ"النهاية": الفائت هنا فيما إذا ساواه في بعض السبعة والعشرون في ذلك البعض الذي وقعت فيه المساواة، لكن قال السيد عمر البصري: إن أراد فوت فضيلة السبعة والعشرين من حيث ذلك المندوب الذي فوته .. فواضح، أو مطلقاً، فعدم الإتيان بفضيلة لا يخل بفضيلة ما أتى به، وسبقه إلى ذلك (سم) والطبلاوي، ويجري ذلك في غيره من المكروهات الآتية وغيرها.

(ويندب) للمأموم ولو امرأة اقتدى وحده بمستور (تخلفه عنه) أي: الإمام (قليلاً)؛ إظهاراً لرتبة الإمام، ولأنه الأدب، والأفضل في الذكر أن تتأخر أصابعه عن عقب الإمام يسيراً بحيث يخرج عن محاذاته.

ووقع في عبارت: أن لا يزيد ما بينهما على ثلاثة أذرع، ولعله الأقل في أداء السنة، بدليل أنه:(إذا جاء آخر .. أحرم عن يساره، ثم يتقدم أو يتأخران)؛ إذ التقدم والتأخر لا يكون بعد ثلاثة أذرع (وأن يقف الذكر) إن لم يحضر ذكر غيره (عن يمينه) وإن فاته نحو سماع قراءته؛ لخبر ابن عباس رضي الله عنهما: (أنه وقف عن يساره صلى الله عليه وسلم، فأخذ برأسه، فأقامه عن يمينه) فيدب لمن رأى من يفعل خلاف السنة أن يرشده إليها، فإن لم يقف عن يمينه بل عن يساره أو خلفه أو تأخر عنه كثيراً .. كره وفاتته فضيلة الجماعة.

(فإن جاء) ذَكَرٌ (آخر .. فعن يساره) يحرم إن وجد محلاً، وإلَاّ .. فخلفه، ثم يتأخر إليه مَنْ على اليمين، فإن خالف ما ذكر .. كره، فإن زالت المخالفة بنحو تأخر من عن يمينه إلى من أحرم خلفه .. زالت الكراهة.

قال (ب ج): ولو قيل: إن الجاهل يغتفر له تلك المخالفة ولو مخالطاً .. لم يبعد.

ص: 339

(ثم) بعد إحرام الثاني (يتقدم الإمام أو يتأخران) في القيام أو الاعتدال أو الركوع (وهو) أي: تأخرهما (أفضل) من تقدم الإمام؛ لأنه متبوع، فلا يناسبه الانتقال.

ولو استمرا على حالهما من غير ضم أحدهما للآخر بعد تقدم الإمام أو تأخرهما .. استمرت الفضيلة؛ لطلبه ابتداء قاله (ب ج)، ولو لم يمكن إلا تقدم الإمام أو تأخرهما .. فعل الممكن، فإن لم يفعل .. كره في حق من أمكنه فقط.

وأصل ذلك: خبر مسلم عن جابر، قال:(قام صلى الله عليه وسلم فقمت عن يساره، فأدارني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر، فقام عن يساره، فأخذ بأيدينا جميعاً حتى أقامنا خلفه).

أما إن تأخر من على اليمين قبل إحرام الثاني أو لم يتأخرا، أو تأخرا في غير ما مر .. فيكره.

(ولو حضر ذكران) ابتداء معاً أو مرتباً ( .. صفا خلفه) بحيث يكونان محاذيين لبدنه.

(وكذا) إذا حضرت (المرأة) وحدها (أو النسوة) فقط، فتقف هي أو هن خلفه، ولو محارمه؛ للاتباع.

ولو جاء ذكر وامرأة .. أحرم الذكر عن يمينه، والمرأة خلفهما، وحينئذٍ يحصل لكل فضل الصف الأول.

(و) أن (يقف خلفه الرجال) ولو أرقاء إن وسعهم الصف، وإلا .. قدم الأحرار إن لم يسبق إليه الأرقاء، ولم يفضلوا الأحرار بنحو علم.

(ثم) إن تم صفهم .. صف خلفهم (الصبيان) وإن كانوا أفضل من الرجال، أو كان الرجال فسقة، فإن لم يتم صف الرجال .. كمل بالصبيان، فيدخلون الصف على أي صفة اتفقت، وهذا (إذا لم يسبقوا) أي: الصبيان (إلى الصف الأول) أو غيره (فإن سبقوا إليه .. فهم أحق به) فلا ينحون منه للرجال ولو قبل التحرم؛ لأنهم من جنسهم يقيناً، بخلاف الخناثى والنساء فينحون عنه ولو بعد التحرم إن لم يشق.

(ثم) بعد الصبيان وإن لم يكمل صفهم (الخناثى، ثم) بعدهم وإن لم يكمل صفهم (النساء).

ص: 340

وظاهر إطلاقهم: أن البالغات وغيره سواء، وقياس الرجال: تقديم البالغات؛ وذلك لخبر مسلم: "ليليني منكم أولو الأحلام والنهي" أي: البالغون العاقلون، ثم الذين يلونهم ثلاثاً، ومتى خولف الترتيب المذكور .. كره، وكذا كل مندوب يتعلق بالموقف وتفوت به فضيلة الجماعة.

(وتقف) ندباً (إمامتهن) أي: النساء (وسطهن)؛ لأنه أستر لهن، ولثبوته من فعل عائشة وأم سلمة.

قال الكردي: المعروف من كلامهم ندب مساواة إمامتهن لهن، لكن قال الشوبري: مع تقدم يسير.

(و) يقف (إمام العراة) أو المستورين (غير المستور) إن كان فيهم بصير ولا ظلمة (وسطهم) -بسكون السين- ويقفون صفاً واحداً إن أمكن؛ لئلا ينظر بعضهم عورة بعض، فإن كانوا عمياً أو في ظلمة .. تقدم إمامهم.

وفي "التحفة": ويسن أن لا يزيد بين كل صفين -والأول والإمام- على ثلاثة أذرع فإن زاد على ذلك .. كره للداخلين أن يصفوا مع المتأخرين، بل يصفوا بينهما.

(ويكره) للمأموم (وقوفه منفرداً عن الصف) من جنسه ابتداء ودواماً؛ للنهي الصحيح عنه، وللخلاف في صحتها حينئذٍ، فينبغي أن يدخل الصف وإن فاتته الركعة ولو الأخيرة؛ لأن الخلاف في هذا أقوى من القول بأن الجماعة لا تدرك إلا بركعة، وهذا إن وجد سعة بأن كان لو دخله .. وسعه وإن عدمت الفرجة، ولو وجدت فرجة، وكذا سعة عند (حج)، وبينها وبينه صفوف .. خرقها جميعها ليدخل؛ لأنهم مقصرون بتركها؛ لأن تسوية الصفوف بأن لا تكون في كل منها فرجة أو سعة متأكدة، فيكره تركها.

نعم؛ إن كان تأخرهم لعذر، كوقت الحرَّ بالمسجد الحرام .. فلا كراهة؛ لعدم التقصير.

(فإن لم يجد سعة) في الصف ( .. أحرم) مع الإمام (ثم جر) ندباً من القيام (واحداً) حراً يظن بقرائن الأحوال أنه يساعده من صف فيه أكثر من اثنين، فإن جر مع وجود سعة، أو لم يظن موافقته مع خوف الفتنة، أو قنّاً بل ويدخل في ضمانه .. حرم،

ص: 341

وكذا قبل إحرامه، أو مَن صفه اثنان عند (حج)، أو مِن غير القيام .. كره، وإذا لم توجد شروط الجر المذكورة؛ فإن أمكنه الخرق ليصطف مع الإمام .. خرق، ولا تكره حينئذٍ مساواته في المكان، وله -إن كان مكانه يسع أكثر من اثنين- جرُّهما إليه، والخرق أولى إن سهل، ولا تفوت بصفة مع الإمام فضيلة الصف الأول على من خلف الإمام، (ويندب) مع الشروط المتقدمة (أن يساعده المجرور)؛ لينال فضل المساعدة على البر، وذلك يعادل فضيلة صفه كما في "النهاية"، و"شرحي الإرشاد"، بل في "التحفة"؛ لأن فيه إعانة على البر مع حصول ثواب صفه.

(الشرط الثاني) لصحة القدوة: (أن يعلم انتقالات إمامه) أو يظنها قبل أن يشرع في الركن الثالث؛ ليتمكن من متابعته.

ويحصل ذلك (برؤية) للإمام أو لبعض المأمومين (أو سماع نحو صوت ولو من مبلغ) عدلِ روايةٍ، أو اعتقد صدقة ولو غير مصل، ولو ذهب المبلغ .. لزم المأموم المفارقة إن لم يرج عوده قبل مضي ركنين.

(الشرط الثالث: أن يجتمعا) أي: الإمام والمأموم في مكان؛ إذ من مقاصد الاقتداء اجتماع جمع في مكان واحد، كما عهد عليه الجماعات في العصور الخالية، ومبنى العبادات على رعاية الاتباع، ثم هما إمَّا أن يكونا بمسجد أو غيره من فضاء أو بناء، أو أحدهما بمسجد والآخر بغيره.

فإن كانا (في مسجد) أو مساجد متلاصقة، تنافذ أبوابها وإن انفرد كلٌّ بمؤذن وصلاة .. فيصح الاقتداء (وإن بعدت المسافة) جداً (وحالت الأبنية) المتنافذة أو اختلفت، كبئر وسطح ومنارة داخلات فيه (و) إن (غلق الباب) أو الأبواب المنصوبة على كلًّ بنحو ضبة بلا تسمير وإن لم يكن لها مفتاح؛ لأنه كله مبني للصلاة، فالمجتمعون فيه مجتمعون لإقامة الجماعة مؤدون لشعارها، فلم يؤثر اختلاف الأبنية والمساجد المتلاصقة كمسجد واحد.

(بشرط إمكان المرور) العادي من كل منهما للآخر ولو بانعطاف وازورار؛ لأنها حينئذٍ كالبناء الواحد، بخلاف ما إذا كانا في أبنية لا تتنافذ كأن سمر الباب بينهما، أو كان

ص: 342

أحدهما بسطحه الذي لا مرقى له من المسجد وإن كان له مرقى من درج خارجه، أو أمكن الاستطراق من فرجة أو بنحو وثبة؛ إذ لاعبرة باستطراق غير معتاد.

ولو سمر الباب بينهما أثناء الصلاة .. ضر، كزوال مرقى أثناءها، لكن قال (ب ج): يغتفر في في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء.

وبخلاف ما لو حال -بين جانبيه أو بين المساجد- نهر، أو طريق قديم بأن سبق أو قارن وجود ما ذكر .. فلا تصح القدوة حينئذٍ مع بعد المسافة أو الحيلولة الأتية.

وفي "التحفة": (تسمير أبواب المساجد المتنافذة المتلاصقة يمنع كونها كمسجد واحد قطعاً، بخلاف تسمير باب أو أبواب المسجد الواحد لا يصيره كمسجدين، وهو ظاهر "المنهاج" وغيره، ثم قال: ومحله ما لم يفتح لكل من النصفين باب مستقل، ولم يمكن التوصل من أحدهما للآخر) اهـ

وعلم من اشترط إمكان المرور: أن الشباك يضر.

قال (ب ج): (ويشترط في المأموم خلف الشباك من خارج المسجد وصوله للإمام من غير ازورار) اهـ

ومن المسجد: رحبته -وهي صحن المسجد على ما قاله ابن الصلاح، أو ما كان خارج المسجد محوطاً عليه؛ صيانة له، كما قاله ابن عبد السلام، سواء علم وقفيتها مسجداً، أم لا؛ عملاً بالظاهر وهو التحويط، وإن كانت منتهكة، أو فصل بينهما طريق حادث- لا حريمه، وهو موضع اتصل بالمسجد وهيِّئ لمصلحته، كانصباب ماء وطرح قمامة .. فليس له من أحكام المسجد شيء.

(فإن كانا) أي: الإمام والمأموم (في غير مسجد) كفضاء وبيت واسع وسفينتين وسطحين ( .. اشترط) مع ما مر أن يجمعهما ثلاث مئة ذراع، وأن لا يكون بينهما حائل يمنع مروراً أو رؤية، وأن يصل إلى الإمام لو سار إليه بالسير المعتاد بغير انعطاف.

فإذا علمت ذلك .. فيشترط:

(أن لا يكون بينهما) أي: بين الإمام ومَنْ خلفه، أو بجنبه الأيمن أو الأيسر (و) لا (بين كل صفين) أو شخصين ممن يصلي خلفه أو بجانبه (أكثر من ثلاث مئة ذراع) بذراع الآدمي المعتدل وإن بلغ ما بين الإمام والأخير فراسخ.

ص: 343

بشرط إمكان متابعته، وأن لا يتقدم المتأخر في الأفعال على من قبله إذا كان لا يرى الإمام؛ لأنه له كالرابطة وليست الثلاث مئة الذراع تحديداً، بل (تقريباً، فلا يضر زيادة ثلاثة أذرع) كما في "التهذيب"، وغيره، واعتمده في "الإمداد"، وأكثر المحشين المتأخرين، لكن قال في "المجموع": ونحوها وما قاربها، واعتمداه في "التحفة"، و"النهاية"، وهذا التقدير مأخوذ من العرف في القدوة، لا في غيرها، بدليل أنه لو حلف لا يدخل مكاناً فيه زيد، أو لا يجتمع به، فاجتمع به في المسجد .. لا يحنث.

واشتراط القرب حيث لم يجمعها مسجد يعم ما لو كانا في فضاء أو فلكين مكشوفين، أو مسقوفين، لكن المكشوفان، كالفضاء يشترط فيهما القرب فقط، والمسقوفان كبناءين يشترط فيهما القرب وعدم الحائل.

وما لو كان أحدهما في البر والآخر بسفينة، أو في بناءين كبيتين وصحن وصفه من مكان أو مكانين، سواء في ذلك المدرسة والرباط وغيرهما، فالشرط في الكل القرب، وعدم حائل يمنع الاستطراق، ورؤية الإمام أو مَنْ خلفه، وما ذكر من اعتبار القرب فقط، وهو المعتمد، تبع النووي فيه العراقيين.

واعتمد الرافعي كالمراوزة: أنه لا بد في البناءين من اتصال المناكب، بحيث لا يكون بين البناءين فرجة تسع واقفاً، فيما إذا صلى بجنبه، بأن يتصل بمنكب آخر واقف ببناء الإمام بمنكب آخر واقف ببناء المأمومين، وما عدا هذين من أهل البناءين لا يضر بُعدُهم عنهما بثلاث مئة ذراع.

وإن صلى خلفه .. فالشرط أن لا يزيد ما بين الصفين أو الشخصين الواقفين بطرفي البناءين على ثلاثة أذرع تقريباً؛ لأن هذا المقدار غير مخل بالاتصال، (و) إنما يكتفي بالقرب على الأول بشرط:

(أن لا يكون بينهما جدار أو باب مغلق) ومن ذلك صفف المدارس الشرقية والغربية إذا كان المأموم لا يرى الإمام ولا من خلفه، فلا تصح القدوة على الطريقين؛ لأن الجدار معد للفصل بين الأماكن، وفي معناه الباب المغلق ابتداء، فإن طرأ غلقه في أثنائها بغير فعله، وعلم بانتقالات الإمام .. لم يضر.

(أو) أن لا يكون بينهما باب (مردود)؛ لمنعه الرؤية وإن لم يمنع الاستطراق، ومثله الستر المرخي (أو شباك)؛ لمنعه الاستطراق وإن لم يمنع الرؤية.

ص: 344

وألحق به الخوخة الصغيرة، وعند إمكان المرور والرؤية لا يضر انعطاف في جهة الإمام، بحيث لو مشى إليه المشي المعتاد .. لا يستدبر القبلة وإن انحرف عنها وصارت لأحد جنبيه.

(ولا يضر تخلل الشارع) بين الإمام والمأموم وإن كثر طروقه.

(و) لا (النهر الكبير) وإن لم يمكن عبوره، ولا النار ونحوها (و) لا تخلل (البحر بين السفينتين)؛ لأن هذه لا تعد للحيلولة، فلا يسمى واحد منهما حائلاً عرفاً.

نعم؛ لو كان في الجدار منفذ يمكن الاستطراق منه، ولا يمنع المشاهدة، ووقف أحد المأمومين في مقابل ذلك المنفذ أو بأحد جنبيه، كما في "التحفة"، و"النهاية" بحيث يرى الإمام أو من معه في بنائه، ويصل إليه من غير ازورار .. صحت قدوة من في أحد البناءين بالآخر، وهذا في حق من بالبناء الآخر، كالإمام بالنسبة لمن خلفه، فلا يتقدمون عليه بالإحرام أو الموقف، وكذا لا يجوز بالأفعال، ولا كونه امرأة لغير نساء عند (م ر).

قال (سم): وقياسه عدم جواز كونه أمياً، ولا تلزمه الإعادة.

ولا يضر زوال الرابطة أثناء الصلاة، ولا ردّ باب المنفذ، ولا بناء حائل بينهما حيث لا تقصير.

وفي (ب ج): ويظهر اشتراط وصول من خلف الرابطة إليه من غير ازورار؛ لأن هذا إذا ألغي في حق الإمام .. فلا يلغى في حق الرابطة، وإلا .. لزم إلغاؤه بالكلية، وهو لا يصح في غير مسجد.

(إذا وقف أحدهما) أي: الإمام والمأموم (في سفل، والآخر في علو .. اشترط) في غير مسجد (محاذاة أحدهما الآخر) بأن يكون الأسفل بحيث لو مشى جهة الأعلى مع فرض اعتدال قامته .. أصاب رأسه قدميه مثلاً.

وليس المراد كون الأعلى لو سقط .. سقط على الأسفل، وهذا على طريق المراوزة.

والمعتمد: أنه لا يشترط إلا القرب وعدم الحيلولة، أمَّا في المسجد .. فليس ذلك بشرط باتفاق الطريقين.

ص: 345

(ولو كان الإمام في المسجد والمأموم خارجه .. فالثلاث مئة) الذراع (محسوبة من آخر المسجد) أي: طرفه الذي يلي من خارجه؛ لأنه مبني للصلاة، فلا يعد فاصلاً، هذا إن لم تخرج الصفوف عنه، وإلا .. فمن آخر صف.

وفي عكس صورة المتن تعتبر من طرفه الذي يلي الإمام.

(نعم؛ إن صلى) المأموم (في علو داره بصلاة الإمام في المسجد .. قال الشافعي) رضي الله عنه: (لم تصح) صلاته سواء كانا محاذيين، أم لا؛ إذ المحاذاة عند القائل بها إنما تعتبر في غير مسجد كما مر وفي غير مرتفع من الأرض؛ لأن ذلك قرار، بل في نحو سطح، كما مر.

وإنما لم تصح هنا؛ لعدم الاتصال، لأن الهواء لا قرار له.

والمعتمد: نصه الآخر بالصحة كما في "التحفة"، و"النهاية"، وغيرهما.

قال في "الإيعاب": وصرح به في "التتمة"، واعتمده ابن الرفعة، فقال: لو كانا على سطحين .. فالشارع بينهما كالنهر عريضاً أو لا، ولا ينافيه ما مر عن القمولي؛ أي: من أنه لو صلى الإمام بصحن المسجد والمأموم بسطح داره .. اشترط إمكان الاستطراق العادي، ولا يكفي المشاهدة؛ لأن السطح وصحن المسجد ثَمَّ كبناءين، فاشتراط إمكان الاستطراق العادي بخلاف السطحين هنا، فالواقفان عليهما كأنهما في صحراء وبينهما نهر، وقد تقرر أنه لا يضر.

ويحمل النص بعدم الصحة على ما إذا بعدت المسافة أو حالت أبنية منعت الرؤية.

تنبيه: يؤخذ من اعتبارهم في السير كونه سيراً معتاداً أن السير في السفن، من المرتفع منها كالأسطحة إلى المنخفض، لا يمنع قدوة من بأحدهما بالآخر؛ لأنه يصل إلى الإمام في ذلك بالسير المعتاد فيه؛ إذ العادة في كل شيء بحبسه.

أمَّا السفن الكبار .. فلأنهم يفعلون في ذلك سلماً.

وأمَّا الصغار .. فالوثبة التي يحتاجها إلى التوصل من المرتفع إلى المنخفض لطيفة لا تمنع كون ذلك سيراً معتاداً، وكذا الفرمان إذا حال بين الإمام والمأموم لا يضر؛ إذ المعتبر في الحائل العرف، والفرمان لا يعد حائلاً عرفاً.

ص: 346

ويؤيد ذلك: أنه يفعل لسطوح البيوت تحويط بجدار، لو فرض الاستطراق منه .. لاحتاج في ذلك إلى وثبة لطيفة مع أن ذلك لم يعدوه حائلاً ولا مانعاً للمرور إلى الإمام، هذا ما ظهر، والله أعلم.

(ويكره ارتفاع أحدهما) أي: الإمام والمأموم (على الآخر) ارتفاعاً يظهر في الحس وإن قل إن أمكن وقوفهما بمستوٍ، سواء المسجد وغيره، وعند ظهور تكبر من المرتفع وعدمه؛ للنهي عن ارتفاع الإمام على المأموم، وقياساً في ارتفاع المأموم.

وإنما يكره الارتفاع (لغير حاجة) تتعلق بالصلاة، كتبليغ توقف عليه سماع المأمومين وكتعليمهم صفة الصلاة، وإلا .. استحب، فإن لم يمكن استواؤهما ولا حاجة .. أبيح، لكن ينبغي حينئذٍ أن يكون المرتفع هو الإمام إن أمكن.

ولو تعارض الصف المتقدم مع ارتفاع أو نخفاض، والصف الثاني مع بقاء فرجة في المتقدم .. صف في الثاني.

(الشرط الرابع: نية) نحو (القدوة أو الجماعة) ولو أثناءها، أو الائتمام بالإمام، أو بمن في المحراب ومع الإطلاق عند غير الخطيب؛ لأن المتابعة عمل، فافتقرت للنية، ولا يضر كون الجماعة تصلح للإمام أيضاً؛ لأنها تنزل في كل على ما يليق به؛ لأن قرائن الأحوال قد تخصص النيات.

واعلم: أن النية القدوة تجب مطلقاً في جمعة ومعادة ومجموعة مطر، ولا تنعقد فرادى، والمنذورة جماعة تجب فيها الجماعة، لكن تنعقد فرادى، وأمَّا غيرها .. فإنما تجب على من أراد الاقتداء.

(فلو تابع) قصداً في فعل ولو مندوباً أو سلام بأن وقف سلامَه على سلامِه (بلا نية) اقتداء به (أو مع الشك فيها .. بطلت) صلاته (إن طال) عرفاً (انتظاره) له؛ ليتبعه في ذلك، لأنه وقف صلاته على صلاة غيره بلا رابطة بينهما.

وفي "الإمداد" أن ذلك يغتفر للجاهل، وخالفه (م ر).

وقيل: وقف فعله على فعل هو نية الاقتداء، أمَّا لو تابع اتفاقاً أو بعد انتظار يسير أو طويل بلا متابعة .. فلا يضر جزماً؛ إذ لا يسمى متابعاً في الأولى، واغتفر في الثانية؛ لقلته، وفي الثالثة لم يتحقق بفائدته، وهي المتابعة، فألغي.

ص: 347

وتقييده مسألة الشك بالطول والمتابعة هو المعتمد وإن كان ظاهر "العزيز" وغيره أن الشك هنا كهو في أصل النية، فتبطل بانتظار طويل وإن لم يتابع، ويسير مع المتابعة؛ لأن الشاك في أصلها ليس في صلاة، بخلافه هنا، فإن غايته أنه كالمنفرد، فلا بد من مبطل، وهو الانتظار الكثير مع المتابعة، ومن ثم أثر الشك في الجمعة إن طال، أو مضى معه ركن وإن قصر؛ لأن الجماعة شرط فيها، ولا تنعقد فرادى.

والانتظار الكثير هو ما يسع ركناً، أو ما يفهم من صاحبه المتابعة.

ولو انتظر في كل ركن قليلاً ولو جمع كان كثيراً .. فله حكم الكثير عند الطبلاوي، وحكم القليل عند (سم).

ولو ركع مع الإمام فشك في نية الاقتداء، ولم يكن أتم الفاتحة .. لزمه العود فوراً لإتمام الفاتحة؛ لأنه منفرد.

وأفهم كلام المصنف: أنه لا يجب تعيين الإمام، لكن لو عينه فأخطأ .. بطلت صلاته؛ لأن ما يجب التعرض له جملة وتفصيلاً كالصلاة، أو جملة لا تفصيلاً كنية الاقتداء، فإنها يجب التعرض لها جملة كـ (مأموماً) لا تفصيلاً كـ (مأموماً بزيد) يضر الخطأ فيه، وما لا يجب التعرض له جملة ولا تفصيلاً كعدد الركعات .. لا يضر الخطأ فيه، فالخطأ في تعيين الإمام مبطل ما لم يشر إليه كـ (بزيد هذا) أو (من في المحراب)؛ لأنه مع تعليق القدوة بالشخص لا يضر الخطأ في الاسم.

وأفهم أيضاً: أن نية الإمامة لا تجب على الإمام في غير ما مر، بل تسن، ولو نواها في الأثناء .. حصلت له حينئذٍ.

(الخامس: توافق نظم صلاتيهما) أي: الإمام والمأموم، بأن يتفقا في الأفعال الظاهرة وإن اختلفا عدداً ونية (فإن اختلف) نظمهما (كمكتوبة) أو منذورة أو جنازة أو نفل (وكسوف) فعل بقيامين وركوعين في كل ركعة (أو) كفرض ولو نذراً أو نفل أو كسوف (وجنازة .. لم تصح القدوة) وكذا عكسهما، سواء علم نية الإمام أم جهلها وإن بان له ذلك قبل التكبيرة الثانية من صلاة الجنازة خلافاً للروياني؛ لتعذر المتابعة.

ومن ثم يصح الاقتداء في القيام الثاني من الركعة الثانية من الكسوف، وتدرك به الركعة عند (م ر)، وكذا في آخر تكبيرات الجنازة، وبعد سجود التلاوة، والشكر عند (حج).

ص: 348

أمَّا لو صلى الكسوف كسنة الصبح .. فيصح الاقتداء بمصليها مطلقاً في غير مصلِّ كسوف بالكيفية الأولى وغير جنازة.

ويصح الفرض خلف صلاة التسبيح، وعند تطويل بما يبطل تطويله في غيرها ينتظره في الركن الذي بعده.

(و) حيث توافق نظم صلاتيهما (يصح) الاقتداء في جميع الصلوات، وحينئذٍ يصح (الظهر خلف) مصلي (العصر، و) خلف مصلي (المغرب) أو الصبح، والمقتدي في الأخيرتين كمسبوق، فيتم صلاته بعد سلام الإمام، ولا يضر متابعته في قنوت الصبح، والتشهد الأخير في المغرب كالمسبوق، بل هي أفضل من المفارقة وإن لزم عليه تطويل الاعتدال بالقنوت وجلسة الاستراحة في التشهد؛ لأنه للمتابعة، وله فارقه إذا اشتغل بهما، وهو فراق بعذر لا تفوت به فضيلة الجماعة، وكذا كل مفارقة بعذر، وكما يصح ما مر يصح أيضاً عكسه.

وإذا تمت صلاته قبل إمامه، فإن شاء .. فارقه، وانتظاره أفضل، وعند انتظاره يتشهد، ثم يطيل بالدعاء، وهذا إن لم يخش خروج الوقت ما لم يشرع فيها وقد بقي منه ما لا يسعها، وإلا .. فالمد جائز، وحيث لم يحدث في انتظاره جلوساً لم يفعله الإمام، كأن صلى المغرب خلف مصلي العشاء، وإلا .. تعينت مفارقته قبل أن يجلس للتشهد الأخير، أو ينتظره في السجود قبله.

(و) يصح (القضاء خلف) مصلي (الأداء وعكسه، والفرض خلف) مصلي (النفل وعكسه)؛ لاتفاق النظم في الجميع، والانفراد هنا أفضل؛ خروجاً من الخلاف؛ لأنه -وإن كان ضعيفاً ولم يقتض الكراهة- يؤثر نقصاً في الصلاة، فالصلاة منفرداً -من حيث كونها متفقاً على صحتها- أفضل منها جماعة مع وجود الخلاف فيها، ومحل كون الانفراد فيما ذكر أفضل في غير مصلي مكتوبة خلف معادة وعكسه؛ لأن المعادة لمَّا اختلف في فرضيتها .. لم تكن كالنفل المحض.

(لسادس: الموافقة في سنة فاحشة المخالفة) أي: تفحش مخالفة المأموم للإمام فيها فعلاً أو تركاً.

ص: 349

(فلو ترك الإمام سجدة التلاوة، وسجدها المأموم أو عكسه) بأن سجدها الإمام، وتركها المأموم، (أو ترك الإمام) جميع (التشهد الأول وتشهده المأموم .. بطلت) صلاته إن علم وتعمد وإن لحقه على القرب؛ لعدوله عن فرض المتابعة إلى سنة.

ويخالف ذلك سجود السهو والتسليمة الثانية؛ لأنهما يفعلان بعد فراغ القدوة.

أمَّا غير الفاحشة المخالفة كجلسة الاستراحة، وقنوت أتى به وأدرك الإمام في السجدة الأولى .. فلا يضر، كما مر؛ لأنه يسير.

وفارق القنوت التشهد الأول حيث يضر التخلف له وإن أدرك الإمام في القيام بأنه في التشهد .. أحدث جلوساً لم يفعله الإمام، وفي القنوت .. أطال ما كان فيه الإمام، فإن أتى الإمام ببعض التشهد الأول .. جاز للمأموم إكماله؛ لأنه مستصحب.

(وإن تشهد الإمام وقام المأموم) سهواً .. لزمه العود، فإن لم يعد .. بطلت صلاته، أو (عمداً .. لم تبطل) صلاته بتقدمه، وكذا لو سجد عمداً وإمامه في القنوت .. لم تبطل؛ لانتقاله من واجب إلى واحب فيهما كما مر وهذا كالمستثنى من بطلان ما فيه فحش مخالفة.

(السابع: المتابعة) للإمام، وهي تكون في المكان والتحرم والأفعال، وكل واجب ومندوب.

أمَّا الأولى .. فمر أن الواجب: أن لا يتقدم على إمامه ولا يتأخر عنه في غير المسجد بأكثر من ثلاث مئة ذراع على ما مر.

والمندوب: أن يخرج عن محاذاته بثلاثة أذرع فما دون.

وأما الثاني .. فالواجب فيه: أن يتأخر جميع تكبير إحرامه عن جميع تكبير إمامه، والمندوب: أن يحرم بعده فوراً.

(فإن قارنه في التحرم) أو في بعضه، أو شك أثناء التكبير في المقارنة أو بعده، وطال الزمن، أو أعتقد تأخر تحرمه فبان تقدمه ( .. بطلت) أي: لم تنعقد صلاته؛ لخبر: "إذا كبر الإمام .. فكبروا"، ولأنه إنما يتبين دخوله في الصلاة بتمام التكبير، فالاقتداء قبل ذلك اقتداء بمن ليس في صلاة، أو بمن لم يعلم كونه فيها، ولإمكان الاطلاع على حال الإمام في الآخيرة.

ص: 350

وفارق ما لو بان جنباً، فإفتاء البغوي: أنه لو كبر فبان أن إمامه لم يكبر .. انعقدت له منفرداً، ضعيف.

أمَّا لو زال الشك عن قرب .. فلا يضر، كالشك في أصل النية، وأمَّا لو لم يبن تقدمه بعد اعتقاد تأخر إحرامه .. فلا يضر أيضاً، وهذا من المواضع التي فرقوا فيها بين الظن والشك.

وأما المتابعة في الأفعال .. فتكون مندوبة بأن يجري على إثر إمامه في الأفعال والأقوال، بحيث يكون ابتداءه بكل منهما متأخراً عن ابتداء إمامه، ومتقدماً على فراغه منه.

وأكمل من هذا أن يتأخر ابتداء فعل المأموم عن جميع حركة الإمام، فلا يشرع حتى يصل الإمام لحقيقة المنتَقَل إليه.

نعم؛ لو علم من حاله أنه لو أخر، كذلك لم يدركه في المنتَقَل إليه .. قدم انتقاله، بحيث يظن إدراكه فيه.

وتكون واجبة بأن لا يتأخر عنه بركنين، ولا يتقدم عليه بركنين.

(وكذا) تبطل صلاة المأموم مع الحرمة (إن تقدم عليه) -أي: على الإمام- عامداً عالماً بالتحريم (بركنين فعليين) متوالين طويلين، أو طويل وقصير؛ لفحش المخالفة، وذلك بأن يركع ويعتدل ويهوي للسجود، والإمام قائم، كما اعتمده شيخ الإسلام، والخطيب، و (م ر) وغيرهم.

قال في "التحفة": (أو أن يركع قبل الإمام، فلما أراد الإمام أن يركع .. رفع، فلما أراد أن يرفع .. سجد، فلم يجتمع معه في ركوع ولا اعتدال، وفارق التخلف بأن التقدم أفحش، ومن ثم حرم بركن مع العلم والعمد بخلاف التخلف به، فمكروه) اهـ

وبما ذكره تعلم: أن (أو) في كلامه للتنويع، لا للترديد.

(أو تأخر) عنه (بهما) أي: بالركنين التامين، بأن فرغ الإمام منهما، وهو فيما قبلهما، كأن يزول عن حد الاعتدال، والمأموم في القيام، وهذا إن كانا (لغير عذر) -مما يأتي، كالتخلف؛ لإكمال سنة كالسورة- وإلا .. لم تبطل.

والعذر في التقدم أن يكون ناسياً أو جاهلاً معذوراً، لكن لا يعتد له بهما، فإن لم يعد

ص: 351

للإتيان بهما مع الإمام .. أتى بعد سلام إمامه بركعة، وإلا .. بطت صلاته، وفي التخلف بما ذكر، وبما يلأتي في قوله:(فإن تخلف بعذر)

إلخ.

(فإن قارنه في غير التحرم) من أفعال الصلاة .. لم يضر، لكن يكره، وتفوت به فضيلة الجماعة فيما قارنه فيه فقط على ما مر.

والأوجه: كراهة المقارنة في الأقوال أيضاً ولو في سرية ما لم يعلم من إمامه أنه لو تأخر إلى فراغه من القراءة .. لم يدركه في الركوع.

(أو تقدم عليه بركن فعلي، أو تأخر عنه به) ولو طويلاً ( .. لم يضر) في صحة الصلاة؛ لقلة المخالفة.

(ويحرم تقدمه عليه بركن فعلي) تام مع العلم والتعمد، بل هو من الكبائر؛ لخبر:"أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار؟! " قال (م ر): والسبق ببعض ركن كالسبق بالركن، واعتمد (حج): أن السبق ببعض ركن مكروه، كالتأخر بركن تام.

والحاصل: أن التقدم عليه بركنين فعليين حرام ومبطل، كالتأخر بهما لغير عذر، وبركن حرام، ولا يبطل، وكذا ببعضه عند (م ر)، وبمجرد حركة الهوي مكروه كالتأخر بركن تام.

ويسن العود لمن سبق إمامه إلى ركن لا تفحش المخالفة به كالركوع، والسجود الثاني قبله؛ ليوافقه إن تعمد، وإلا .. تخير، ولا تبطل بالتقدم بركن أو ركنين قوليين، لكن يكره.

ولو علم أنَّ إمامه يقتصر على الفاتحة .. لزمه أن يقرأ الفاتحة مع قراءته لها كما في "التتمة"، وهو ظاهر إن أراد البقاء على متابعته، وعلم أنه لا يكمل فاتحته إلا وقد سبقه بأكثر من ركنين فعليين.

(وإن تخلف) المأموم (بعذر) .. عذر في التخلف في عشر مسائل: ست لا خلاف فيها.

والعذر (كبطء قراءة) واجبة (بلا وسوسه) بل لعجز خلقي، وينبغي في وسوسة، كالخلقية بحيث يقطع كل من رآه أنه لا يمكنه تركها، أن يأتي فيه ما في بطيء الحركة.

ص: 352

(و) كـ (اشتغال المأموم الموافق) عن الفاتحة (بدعاء الافتتاح) أو غيره من السنن كالتعوّذ، والإنصات للإمام، حتى ركع إمامه وإن لم يشرع فيها، أو لم يسن له دعاء الافتتاح.

(أو) كأن (ركع إمامه فشك) بعد ركوعه، وقبل أن يركع هو (في) قراءته ("الفاتحة"، أو تذكر) حينئذٍ (تركها).

أمَّا لو ركع قبل إمامه، فشك في ركوعه في قراءته الفاتحة .. فيلزمه العود لقراءتها؛ لأنه لما ندب أو جاز له العود منه إلى القيام .. كان كالشك فيها قبل ركوعه.

وأمَّا لو شك في قراءتها أو تذكر تركها بعد ركوعه مع إمامه .. فلا يعود، بل يصلي ركعة بعد سلامه.

(أو) كأن (أسرع الإمام قراءته) الفاتحة والسورة، أو السورة فقط في جهرية، وركع قبل أن يتم المأموم فاتحته وإن لم يكن بطيء قراءة.

أمَّا لو أسرع في الفاتحة ولم يقرأ غيرها .. فالمأموم معه مسبوق.

أو: كأن انتظر المأموم سكته إمامه؛ ليقرأ فيها الفاتحة فلم يسكت، بل ركع عقبها أو قرأ سورة قصيرة.

فهذه ست صور إذا تخلف فيها المأموم عن إمامه (عذر) في تخلفه؛ لإتمام قراءة ما بقي عليه من الفاتحة؛ لعذره بوجوب ذلك عليه (إلى) تمام (ثلاثة أركان طويلة) وهي المقصودة لذاتها، فلا يحسب منها اعتدال ولا جلوس بين السجدتين؛ لأنهما مقصودان للفصل، لا لذاتهما.

وذلك بأن ينتهي إلى الرابع، أو إلى ما هو على صورته وهو التشهد الأول، فما دام لم يتلبس الإمام به .. يسعى المأموم على ترتيب نفسه.

والأربع المسائل المختلف فيها: أحدها: لو نام في تشهده الأول متمكناً، فانتبه، فوجد إمامه راكعاً.

ثانيها: لو سمع تكبير الرفع من سجدة الركعة الثانية، فجلس للتشهد ظاناً أن الإمام فيه فإذا هو في الثالثة، فكبر للركوع فظنه لقيامها، فقام فوجده راكعاً.

ثالثها: لو نسي كونه مقتدياً، وهو في سجوده مثلاً، ثم ذكر فلم يقم عن سجدتيه إلَاّ

ص: 353

والإمام راكع، فهذه الثلاث عند (م ر): يتخلف فيها المأموم، وهو تخلف بعذر.

وعند (حج): أنه فيها كالمسبوق، فيركع مع الإمام، وتسقط عنه الفاتحة أو بعضها.

ورابعها: التخلف لإتمام التشهد الأول إذا قام الإمام قبل أن يتمه المأموم، فعند (م ر): هو متخلف بعذر يغتفر له ما مر.

وعند (حج) كالموافق المتخلف لغير عذر يغتفر له ما لم يسبق بركنين فعليين.

واعتمد جمع: أنه كالمسبوق، فيركع مع إمامه، وتسقط عنه الفاتحة أو بعضها.

(فإن زاد) التخلف على ما ذكر بأن انتهى الإمام إلى الرابع بأن لم يفرغ المأموم من فاتحته إلَاّ والإمام قد انتصب للقيام أو جلس للتشهد ولو الأول ( .. نوى المفارقة أو وافقه) أي: أنه يجب عليه إذا تلبس إمامه بالرابع إما نية المفارقة .. فيجري على ترتيب صلاة نفسه، أو نية موافقته (فيما هو فيه) فيترك ترتيب نفسه ويتبعه بالفعل أو بالقصد، فإن كان قائماً .. وافقه فيه بالقصد، ويعتد له بما قرأه من الفاتحة، أو جالساً وافقه بالفعل، فيجلس معه ويلغي ما قرأه بفراقه حد القائم، وإذا تبعه وركع الإمام قبل إكماله الفاتحة .. عذر، لتخلفه لها، كما مر.

(و) إذا نوى موافقته .. (أتى بركعة) بدل الركعة التي فاتته (بعد سلامه) -أي: الإمام- كالمسبوق، فإن جرى على ترتيب صلاة نفسه بلا نية مفارقة .. بطلت صلاته إن علم وتعمد، وإلَاّ .. لم تبطل، ويلغى ما أتى به، فلا يعتد له بتلك الركعة؛ لفحش المخالفة.

وإن تلبس الإمام بالخامس وهو إلى الآن لم ينو موافقته، ولا مفارقته .. بطلت صلاته إن علم وتعمد.

(هذا) كله (في الموافق، وهو من أدرك مع الإمام قدر " الفاتحة") بالنسبة إلى القراءة المعتدلة، لا لقراءة الإمام، ولا لقراءة نفسه على الأوجه.

ولو شك هل أدرك زمناً يسعها، أو لا؟ تخلف لإتمامها، ويدرك الركعة عند (م ر) ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان طويلة، وعند (حج) إن أدرك الإمام في الركوع .. أدركها، وإلا .. فلا.

ص: 354

(وأما المسبوق) وهو من لم يدرك ما مر في الموافق في ظنه من الركعة الأولى أو غيرها (إذا ركع الإمام) وهو باق (في "فاتحته") .. لم يكملها، أو في سنة كالافتتاح، أو وهو ساكت.

(فإن) كان قد (اشتغل بسنة، كدعاء الافتتاح أو التعوذ) أو لم يشتغل بشيء بأن سكت زمناً بعد تحرمه مع علمه بأن واجبه (الفاتحة)، أو وردد آية ( .. قرأ) وجوباً من (الفاتحة)، سواء علم أنه يدرك الإمام قبل سجوده، أم لا (بقدرها) أي: بقدر حروف السنة التي اشتغل بها أو السكوت، أو المردد في ظنه؛ لتقصيره في الجملة بعدُوله عن فرض إلى غيره وإن ندب له الافتتاح، والتعوّذ؛ لظنه أنه يدرك (الفاتحة)، فركع الإمام على خلاف ظنه.

(ثم إن) أكمل قراءة ما لزمه قبل هوي الإمام للسجود، فإن (أدركه في الركوع .. أدرك الركعة، وإلا) يدركه فيه، بأن لم يطمئن فيه قبل ارتفاع الإمام عن أقله ( .. فاتته الركعة)؛ إذ المسبوق لا يدرك الركعة إلا بالركوع، ولا يركع بل لو رفع إمامه من الركوع مع هويه إليه. رجع معه وجوباً، وإلا .. بطلت صلاته إن علم وتعمد؛ لأنه زيادة محضة، (و) حينئذٍ (يوافقه) وجوباً فيما هو فيه، فما بعده من الأفعال (ويأتي بركعة) بعد سلامه؛ لفواتها.

وإن لم يفرغ وقد أراد الإمام الهوي للسجود .. فقد تعارض في حقه وجوب وفاء ما لزمه، وبطلان صلاته بهوي إمامه للسجود، فلا مخلص له إلا نية المفارقة؛ ليكمل (الفاتحة)، ويجري على ترتيب نفسه، وهي مفارقة بعذر وإن قصر بارتكاب سببها.

أمَّا إذا جهل أن واجبه (الفاتحة) .. فهو متخلف لما لزمه بعذر كما قاله (حج)، و (م ر).

وقال (سم): (قضيته: أنه كبطيء القراءة مع أن فرضه في المسبوق، وهو لا يدرك الركعة إلا بالركوع مع الإمام) اهـ وأجيب: بأن كونه معذوراً أن صلاته لا تبطل بتخلفه إلا بأكثر من ثلاثة أركان طويلة وإن كان لا يدرك الركعة إلَاّ بالركوع مع الإمام.

(وإن لم يشتغل) المسبوق بعد إحرامه (بسنة) ولا غيرها، بل بالفاتحة ( .. قطع القراءة) إذا ركع إمامه (وركع معه).

ص: 355

وإن كان بطيء قراءة .. فلا يلزمه إلا ما أدركه هنا، بخلاف ما مر في الموافق؛ لأن ما هنا رخصة، فناسبها رعاية حالة لا غير، وهو بركوعه معه أو قبل ارتفاعه عن أقله مدرك للركعة بشرطه الآتي؛ لأنه لم يدرك غير ما قرأه، فتحمل الإمام عنه بقيتها، كما لو أدركه راكعاً، أو ركع الإمام عقب تحرمه، فإن لم يركع مع إمامه، بل تخلف لإتمام الفاتحة، وفاته الركوع معه .. لم يحرم وإن علم وتعمد، لكن يكره، وتفوته الركعة.

وإذا سجد إمامه .. تبعه وجوباً إن لم ينو المفارقة، وما ذكره من التفصيل في المشتغل بسنة .. هو الأصح في "المنهاج".

والثاني: يركع وتسقط عنه البقية، ونقله في "التحفة" عن المعظم.

والثالث: يتخلف لإتمام (الفاتحة)، ويعذر إلى ثلاثة أركان طويلة، ومال إليه في "شرحي الإرشاد".

وخرج بقوله: (وأما المسبوق إذا ركع الإمام في فاتحته): المسبوق الذي لم يدرك شيئاً من القيام مع الإمام، كأن كبر فركع الإمام، فيتابعه قولاً واحداً.

* * *

(فصل: ومن أدرك الإمام المتطهر راكعاً) ركوعاً محسوباً له، أو قريبا من الركوع بحيث لا يمكنه قراءة جميع الفاتحة (واطمأن معه) في الركوع يقيناً (قبل ارتفاعه عن أقل الركوع) السابق ( .. أدرك الركعة) أي: ما فاته من قيامها وقراءتها، أي: ثواب ذلك وإن قصر بتأخير تحرمه لغير عذر حتى ركع إمامه وإن فارقه ولو حالاً؛ وذلك لما صح من خبر: "من أدرك ركعة من الصلاة قبل أن يقيم الإمام صلبه .. فقد أدركها".

وبه علم أنه لا يسن الخروج من خلاف من قال بعدم إدراكها به؛ لمخالفته لسنة صحيحة، وقد يجب إن ضاق الوقت، أو كانت ثانية جمعة.

(وإن أدركه) وهو غير متطهر، أو (في ركوع) غير محسوب نحو (زائد) -ولم يعلمه المأموم- أو في أصلي، ولم يطمئن معه، أو اطمأن بعد ارتفاع الإمام عن أقله، أو شك في الاطمئنان قبل ذلك، سواء غلب على ظنه شيء، أم لا.

(أو) أدركه (في) الركوع (الثاني من) صلاة (الخسوفين) وإن كان المأموم في غير

ص: 356

خسوف، كما مر ( .. لم يدركها)؛ لعدم أهلية نحو المحدث للتحمل، ولأن الحكم بإدراك ما قبل الركوع رخصة لا يصار إليها إلا بيقين. وقال (سم): يكفي الاعتقاد الجازم بإدراك الركوع، ولا يسع الناس إلا هذا، ولأن الركوع الثاني وقيامه من كل ركعة من صلاة الكسوف تابع للركوع الأول وقيامه، فهو في حكم الاعتدال، ولذا يسن فيه: سمع الله لمن حمده.

وأمَّا إدراك الركوع الزائد .. فإن قرأ المأموم (فاتحته) .. أدرك الركعة ما لم يعلم ذلك وإن نسي.

وإذا أتى الشاك في الطمأنينة بعد سلام إمامه بركعة .. سجد للسهو، للشك في زيادة الركعة المذكورة.

ويشترط في المسبوق الذي أدرك الإمام راكعاً: أن يكبر للإحرام في القيام أو بدله، ثم يكبر للهوي.

ومثله من يسجد للتلاوة خارج الصلاة، أو للشكر؛ لأنه تعارض في حقه قرينتا الافتتاح والهوي؛ لاختلافهما، وحينئذٍ لا يحتاج لنية الإحرام في الأولى؛ إذ لا تعارض.

وحاصله: أن في ذلك ثمان صور:

الأولى: أن يأتي بتكبيرتين: واحده للإحرام، والأخرى للانتقال.

الثانية: أن يكبر واحدة، وينوي بها التحرم فقط، فيصح في هاتين الصورتين.

والست الباقية: أن يقتصر على تكبيرة وينوي بها الإحرام والركوع، أو لم ينو شيئاً، أو ينوي بها الركوع فقط، أو ينوي أحدهما مبهماً، أو يشك أنوى بها التحرم وحده أو لا؟ أو يتم تكبيرة الإحرام وهو إلى الركوع أقرب منه إلى القيام، فلا تنعقد في جميع ذلك.

ولو كبر ثنتين وأطلق في الأولى وقصد بالأخرى الانتقال .. صحت على المعتمد قاله المدابغي.

وقضيته: أنه إذا أطلق في الأولى أن الإحرام ينعقد موقوفاً على الثانية إن كبرها .. صحت، وإلا .. فلا، وهذا مما لا نظير له، على أن في معارضة تكبير الركوع لتكبير الإحرام في الأولى -مع أنها لا يدخل وقتها، ولا تطلب إلا بعد تمام تكبير التحرم- غاية الإشكال.

تتمات: إذا خرج الإمام من صلاته بحدث أو غيره .. انقطعت قدوة المأموم به،

ص: 357