المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل) في محرمات الإحرام - شرح المقدمة الحضرمية المسمى بشرى الكريم بشرح مسائل التعليم

[سعيد باعشن]

فهرس الكتاب

- ‌(فصل) في الاجتهاد

- ‌(فصل) في سنن الوضوء

- ‌(فصل) في شروط الوضوء

- ‌(فصل) في المسح على الخفين

- ‌(فصل) في الاستنجاء

- ‌(فصل) في موجبات الغسل

- ‌(باب النجاسة وإزالتها)

- ‌(فصل) في إزالة النجاسة

- ‌(باب التيمم)

- ‌(فصل) في الحيض

- ‌(باب الصلاة)

- ‌(فصل) في مواقيت الصلاة

- ‌(فصل) في الصلاة المحرمة من حيث الوقت

- ‌(فصل) في الأذان والإقامة

- ‌(باب صفة الصلاة)

- ‌(فصل: في سنن الصلاة)

- ‌(فصل): في شروط الصلاة

- ‌(فصل): في مكروهات الصلاة

- ‌(فصل:) في سجود السهو

- ‌(فصل): في صلاة النفل

- ‌(فصل): في شروط الإمام

- ‌(فصل): في صفات الأئمة المستحبة

- ‌(فصل): في بعض سنن الجماعة

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌(فصل) فيما يتحقق، وينتهي به السفر، وبعض شروط القصر

- ‌(فصل) في بقية (شروط القصر)

- ‌(فصل) في الجمع بين الصلاتين بالسفر والمطر

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌(فصل): في بعض سنن الخطبة والجمعة

- ‌(فصل): في سنن الجمعة

- ‌(فصل) في اللباس

- ‌(باب صلاة العيدين)

- ‌(فصل) في توابع ما مر

- ‌(باب صلاة الكسوف)

- ‌(باب صلاة الاستسقاء)

- ‌(فصل) في توابع ما مر:

- ‌(فصل) في حكم تارك الصلاة

- ‌(باب الجنائز)

- ‌(فصل) في غسل الميت وما يتعلق به

- ‌(فصل) في أركان الصلاة على الميت

- ‌(فصل:) في الدفن وما يتعلق به

- ‌(باب الزكاة)

- ‌(فصل) في زكاة الغنم

- ‌(فصل) في بعض ما يتعلق بما مر

- ‌(باب زكاة النبات)

- ‌(فصل) في واجب ما ذكر وما يتبعه

- ‌(باب زكاة النقد)

- ‌(فصل) في زكاة التجارة

- ‌(فصل) في زكاة الفطر

- ‌(فصل) في النية في الزكاة وتعجيلها

- ‌(فصل) في صدقة التطوع

- ‌(كتاب الصوم)

- ‌(فصل) فيما يبيح الفطر

- ‌(فصل) في سنن الصوم

- ‌(فصل) في بيان كفارة جماع رمضان

- ‌(كتاب الاعتكاف)

- ‌(باب الحج)

- ‌(فصل) في المواقيت

- ‌(فصل) في أركان الحج

- ‌(فصل) في سنن تتعلق بالإحرام

- ‌(فصل) في واجبات السعي وبعض سننه

- ‌(فصل) في الوقوف بعرفة وما يذكر معه

- ‌(فصل) في الحلق

- ‌(فصل:للحج تحللان)

- ‌(فصل) في أوجه أداء النسكين

- ‌(فصل) في دم الترتيب والتقدير

- ‌(فصل) في محرمات الإحرام

- ‌(فصل) في الإحصار والفوات وما يذكر معهما

- ‌(باب الأضحية)

- ‌(فصل) في العقيقة

- ‌(فصل) في محرمات تتعلق بالشعر ونحوه

- ‌خاتمة

الفصل: ‌(فصل) في محرمات الإحرام

وعبارة "الفتح": وصوم الثلاثة في ترك نحو الرمي لا يمكن قبل الحج، فيجب بعد أيام التشريق موسعاً على الأوجه، كمن ترك صومها في الحج لعذر.

قال الشرقاوي: (وإذا لم يتمكن من صومها قبل عرفة .. فهي أداء) اهـ

قال الونائي: ولو صام العشرة ولاءً .. حصلت الثلاثة فقط، أو قدم السبعة على الثلاثة .. لم يقع منها ثلاثة عن الثلاثة؛ للصارف.

وإذا أخَّر الصوم لوطنه .. وجب صوم الثلاثة فوراً، فإن صام الثلاثة بمكة، فإن مكث أربعة أيام بعد الصوم ثم سافر .. فله صوم السبعة عقب وصوله وطنه، أو صامها في الطريق .. صبر بعد وصوله وطنه أربعة أيام، وقدر ما ساره من أيام الطريق.

* * *

(فصل) في محرمات الإحرام

.

وحكمة تحريمها: الخروج عن العادة؛ ليذكر ما هو فيه من العبادة، والذهاب إلى الموقف في حالة أَرثَّ من هذه، فيحمله على الإخلاص والالتجاء إليه تعالى في الإقالة من الذنوب والتوفيق.

(يحرم بالإحرام) الذي هو نية الدخول في النسك، أو نفس الدخول فيه بالنية كما مر.

(ستة أنواع) وجعلها في "التوضيح" سبعة بزيادة عقد النكاح.

(أحدها): اللبس على الرجل والمرأة.

فأمَّا الرجل فإنه (يحرم على الرجل) المحرم المميز العامد العالم بالتحريم والإحرام المختار الذي لم يتحلل شيئان:

الأول: (ستر رأسه) كله (أو بعضه) وإن قل، ومنه البياض المحاذي لأعلى الأذن، لا المحاذي لشحمة الأذن، وكابتداء اللبس استدامتُه.

وإنما يحرم بما يعد ساتراً عرفاً وإن حكى لون البشرة ولو لغير محيط، كعصابة عريضة بحيث لا تقارب الخيط، وحناء ثخين؛ للنهي الصحيح عن تغطية رأس الميت المحرم، بخلاف ما لا يعدّ ساتراً، فلا يضر، كخيط دقيق وتوسد نحو عمامة، ووضع يده أو يد غيره على رأسه إن لم يقصد الستر بها، وكذا إن قصده كما في "الفتح"، وانغماس في

ص: 660

ماء ولو كدراً، وحمل نحو زنبيل لم يقصد به الستر ولم يسترخ على رأسه كالقلنسوة، وإلا .. حرم، ولزمت به الفدية إن لم يكن فيه شيء، وإلا .. لم يضر.

والاستظلال بنحو محمل وإن مس رأسه وقصد به الستر، ولو كان به قرح فشده بخرقة بلا عقد .. فلا فدية إن لم تكن برأسه، وإلا .. لزمت، فإن احتاج لعقدها .. جاز مع الفدية ولو في غير الرأس، أمَّا عقد خيط عليها .. فلا فدية به.

(و) الثاني: (لبس المحيط) -بالمهملة- سواء أحاط (ببدنه) كله (أو بعضو منه) كخريطة للحيته، سواء كان شفافاً كزجاج أم مخيطاً كقميص، أم معقوداً، أم ملزوقاً كثوب من اللبد، أم منسوجاً، أم مشكوكاً، أم مزرراً.

وإنما يحرم لبسه على الوجه المعتاد كوضع نحو فرجيه على منكبيه وإن لم يدخل يديه في كميه وقصر الزمن؛ لأنه يستمسك بذلك لو قام، فيعد لابساً له، بخلاف ما لو اتزر أو ارتدى بقميص أو قباء، أو التحف بهما أو وضع عليه وهو مضطجع.

ومنه يؤخذ: أنه لا يحرم دخوله في كيس النوم إن لم يستر رأسه؛ إذ لا يستمسك عند قيامه، ولا في إدخاله رجله في ساق الخف دون قراره، ولا يضر لف عمامة بوسطه بلا عقد، ولبس خاتم، واحتباءٌ بحبوة وإن عرضت جداً، وإدخال يديه في كم نحو قباء وإن رفعهما لصدره؛ لعدم الاستمساك عند إرسالهما، ولبس السراويل في أحد رجليه، وشد نحو سيف ومنطقة بوسطه، وعقد إزار بتكة في حجزته؛ لحاجة إحكامه.

والحاصل: أن له عقد طرفي إزاره، وربط خيط عليه ويعقده، وعقد التكة، ولف عمامة على إزاره بلا عقد، وغرز طرفي ردائه في إزاره، ولا يجوز عقد طرف ردائه بطرفه الآخر أو خلهما بخلال.

(و) يحرم (على المرأة) -ولو أمة بشروط الرجل السابقة- شيئان:

الأوّل: (ستر وجهها) بما مرَّ في ستر رأس الرجل؛ لنهيها عن النقاب، وحكمته: أنها تستره غالباً، فأمرت بكشفه؛ لمخالفة عادتها.

نعم؛ يعفى عما تستره من الوجه؛ احتياطاً للرأس ولو أمة عند (حج)؛ إذ ما لا يتم الواجب إلا به .. واجب، ولها أن ترخي على وجهها ثوباً متجافياً عنه بنحو أعواد ولو لغير حاجة.

فلو سقط الثوب على وجهها بلا اختيارها، فإن رفعته فوراً .. فلا شيء عليها، وإلا .. أثمت، وفدت إن أدامته أو قصَّرت في إحكامه.

ص: 661

(و) الثاني: (لبس القفازين) بالكفين أو أحدهما بأحدهما على الأظهر.

قال في "التحفة": (للنهي الصحيح عنهما، لكن أعل بأنه من قول الراوي، ومن ثم انتصر للمقابل بأن عليه أكثر أهل العلم.

و (القفاز): شيء يحشى بقطن، ويزر بأزرار على الساعد؛ ليقيها من البرد، والمراد هنا: المحشو والمزرور وغيرهما) اهـ

ولها أن تلف خرقة على كل من يديها وتشدها وتعقدها، وللرجل شدها بلا عقد.

وأمَّا رجل الرجل .. فقال الكردي: (اعتمد (حج) في "تحفته" و"إيعابه": أن ما ظهر منه العقب ورؤوس الأصابع يحل مطلقاً، وما ستر أحدهما فقط لا يحل إلا مع فقد النعلين، وكلامه في غيرهما ككلام غيره أنه عند فقد النعلين إنما يشترط: ظهور الكعبين فما فوقهما دون ما تحتهما من الأصابع والعقب وغيرهما) اهـ

وظاهر كلامهم: أنه يجوز لبس ذلك وإن لم يحتج إليه إلا لمجرد اللبس.

لكن في "شرحي الإرشاد" كـ"النهاية": أنه لا بد من أدنى حاجة كبرد وخوف تنجس رجله.

نعم؛ يجوز لبس السراويل إن فقد غيره مما يستر عورته، ولا فدية؛ للضرورة.

فإن احتاج لمرض ونحوه للبس غيره .. جاز مع الفدية؛ إذ الحاجة تدفع الإثم لا الفدية، والضرورة تدفعهما.

وخرج بـ (المميز وما بعده): غير المميز، والناسي، والجاهل بما يخفى عليه عادة، والمكره، فلا فدية ولا إثم عليهم إلا السكران.

(الثاني: الطيب) أي: التطيب به للرجل وغيره ولو أخشم (في) ظاهر (بدنه) أو باطنه، كأن أكله أو استعط به.

(أو ثوبه) أي: ملبوسه مما لا يصح السجود عليه أو ما ينسب إليه في الصلاة بالنسبة للطهارة وإن جاز السجود عليه كمنديل، فيشمل حتى النعل؛ للنهي الصحيح عنه في الثوب، وقيس به البدن.

والمراد بـ (الطيب): ما يقصد ريحه غالباً، كمسك وعود وورس وكافور وعنبر وصندل وبنفسج ونرجس وبان وريحان وسوسن ونمام وفاغية ولو يابسة بقيت فيه رائحة تظهر ولو بالرش.

ص: 662

بخلاف ما يقصد منه التداوي أو الإصلاح أو الأكل وإن كان له رائحة طيبة، كالفواكه طيبة الرائحة كسفرجل وتفاح وأترج ونارنج أو قرفة وقرنفل وسنبل ومحلب ومصطكى وغيرها من الأدوية.

قال في "الحاشية": ويتردد النظر في اللبان الجاوي، وأكثر الناس يعدونه طيباً، وكذا الشيح والقيصوم والشقائق وسائر أزهار البراري التي لا تستنبت قصداً للتطيب.

وأمَّا الأدهان، فدهن هو طيب كدهن الورد والبنفسج .. فيحرم استعماله في بدن وثوب، وكذا دهن البان المخلوط بالطيب فهو طيب، ودهن غير طيب كزيت وشيرج وسمن وزبد وشحم وشمع وغيرها مما ليس مخلوطاً بطيب.

والمراد باستعماله أن يستعمله على الوجه المعتاد في ذلك الطيب لا بالنسبة لمحله، فلا يرد أن نحو الاحتقان به غير معتاد.

قال العلامة الكردي: (الطيب على أربعة أقسام:

أحدها: ما اعتيد التطيب به بالتبخر كالعود، فيحرم وصول عين من الدخان إلى بدن المحرم أو ثوبه وإن لم يحتو عليه، ولا يحرم بغير ذلك كأكله وحمله.

ثانيها: ما اعتيد التطيب به باستهلاك عينه، إمَّا بصبه على البدن أو الثوب وبغمسهما فيه، فالتعبير بالصب جري على الغالب، وذلك كماء الورد، فهذا لا يحرم حمله ولا شمه حيث لم يصب بدنه أو ثوبه منه شيء.

ثالثها: ما اعتيد التطيب به بوضع أنفه عليه أو عكسه كالورد وسائر الرياحين، فهذا لا يحرم حمله في بدنه أو ثوبه وإن كان يجد ريحه.

رابعها: ما اعتيد التطيب به بحمله، وذلك كالمسك ونحوه، فيحرم حمله في ثوبه أو بدنه، فإن وضعه في نحو خرقة أو قارورة وحمله في ثوبه أو بدنه .. فلا يحرم إن كان مشدوداً عليه وإن ظهر ريحه، أو مفتوحاً ولو يسيراً .. حرم، ما لم يقصد مجرد نقله ولم يشده بثوبه، وإلا .. فلا حرمة) اهـ

ولا يضر مجرد مس الطيب من غير أن يعلق ببدنه أو ثوبه شيء من عين الطيب، وكذا علوق نحو الرياحين من غير وضعه على أنفه.

ولا يضر ظهور لون ما علق به من الطيب وحده، بخلاف الريح؛ لأنه المقصود الأعظم من الطيب.

ص: 663

ولا يضر جلوس في حانوت عطار أو موضع يبخر إن عبقت به الرائحة دون العين.

نعم؛ إن قصد اشتمام الرائحة .. كره.

(الثالث: دَهن) بفتح الدال (شعر الرأس واللحية) أي: فقط، فلا يحرم غيرهما من بقية شعور الوجه.

قال الكردي: (وهو الأقرب إلى المنقول من خمسة آراء:

ثانيها: إلحاق جميع شعور الوجه بهما، واعتمده في "شروح المنهج" و"الروض" و"البهجة"، و (م ر) في "شروح المنهاج" و"البهجة" و"الدلجية".

ثالثها: جميع شعور الوجه إلا شعر جبهة وخد، واعتمده في "التحفة"، و"شرحي الإرشاد".

رابعها: إخراج ما لم يتصل باللحية، كحاجب وهدب وما على الجبهة، وعليه الولي العراقي والخطيب.

خامسها: إخراج شعر خدٍّ وجبهة وأنف كما في "الحاشية" و"شرح المختصر" لعبد الرؤوف، وهو الأقرب للمَدْرك) اهـ

فيحرم الدَّهن؛ لما ذكر على الخلاف -ولو من امرأة- وإن كان محلوقاً أو أمرداً في أول ظهور نبات لحيته، بخلاف رأس نحو أصلع وأقرع وبقية شعور البدن، وشجةٍ برأسه جعل الدهن بباطنها؛ لانتفاء التنمية والتزيين في ذلك بالدهن.

و (الدهن): هو ما مر من زيت وشيرج وغيرهما، ومما يغفل عنه تلويث نحو الشارب عند أكل الدسم، فإنه حرام مع العلم والعمد والاختيار.

لكن إنما يحرم على غير القول الأول؛ إذ لا حرمة عليه في غير شعر رأس ولحية، كما لو جهل حرمته حتى على غيره من بقية الأقوال.

وإنما حرم الدهن؛ لخبر المحرم: "أشعث أغبر"، أي: شأنه ذلك كما في "الشرح".

لكن قال الكردي: لم أقف عليه بهذا اللفظ، ولفظ ما وقفت عليه:"الحاج الشعث التفل".

و (الشعث): تلبد الشعر المغبر، و (التفل) كريه الرائحة.

أمَّا ما ليس بطيب ولا دهن، كخضب لحيته أو رأسه بنحو حناء رقيق .. فلا يحرم،

ص: 664

ولا يكره غسل رأسه وبدنه بنحو سدر؛ لأنه لإزالة الوسخ لا للتنمية.

نعم؛ الأولى تركه حتى في ملبوسه ما لم يفحش وسخه.

وليحذر عند غسل رأسه من إزالة شيء من شعره.

وكره اكتحال بنحو إثمد؛ لما فيه من الزينة، لا بنحو توتياء، ولا يحرم أخذ قمل نحو لحيته ولا نحو حجامة لم يزل به شعر أو زال به مع احتياج إليه مع الفدية.

ولو دهنه أو طيبه غيره، فإن كان قادراً على الدفع أو أذن فيه .. فعليه الفدية، وإلا .. فعلى الفاعل، ومثله: الحلق والقلم.

تنبيه: ظاهر قوله: (شعر راسه): أنه ثلاث، وليس مراداً، بل ولو شعرة أو بعضها، وفيه دم كامل.

(الرابع: إزالة) شيء من (الشعر) -بسكون العين، وجمعه: شعور، كفلس وفلوس- وبفتحها، وجمعه أشعار، كسبب وأسباب، وهو مذكر، واحده: شعرة، وإنما جمع؛ تشبيهاً لاسم الجنس بالمفرد.

(و) من (الظفر) الواو بمعنى: أو، أي: من أحدهما وإن قل ولو من شعر غير رأس ولحية، أو الظفر من أصبع زائدة بقص أو نتف أو إحراق أو غيرها ولو بدواء علم كونه مزيلاً؛ لآية (وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ) [البقرة:196]، أي: شيئاً من شعرها.

وألحق بشعر الرؤوس: شعر بقية البدن والظفر بجامع الترفه في إزالة كل المنافي كون المحرم أشعث أغبر.

نعم؛ محل ذلك حيث لم يكن المزال من الشعر والظفر تابعاً لمحله، وإلا .. فلا حرمة ولا فدية لكن تسن، وحيث لا ضرورة، وإلا .. فلا حرمة ولا فدية في قلع شعر نبت داخل العين أو غطاها، وظفر انكسر وتأذى به، فلا فدية وإن خرج بإخراجه غيره؛ للضرورة وما هو بسببها لا فدية فيه، كما مر.

ولا يلزمه شراء نعل أو إزار نسيئة، ويلزمه قبول عاريتهما.

ومن المحرم أيضاً: مقدمات الجماع على مكلف عامد عالم مختار، كمفاخذة وقبلة ومعانقة بشهوة ولو بحائل وإن لم ينزل ولو بين التحللين، وفيها بلا حائل وإن لم ينزل الفدية، مع الحرمة ولو من صغير، ويحرم تمكينه من ذلك ولو على حلال، وتجب الفدية مع الحرمة بالاستمناء بيده أو غيرها إن أنزل.

ص: 665

وقضية إطلاقهم المباشرة: شمولها لما لم ينقض كمحرم وأمرد.

قال (ب ج): وبه صرح النووي، وهو مخالف لما مر في بطلان الصوم بها.

وفي حاشية الشرقاوي: لا بد من كونها بما ينقض الوضوء.

ونقله في "المنح" عن "الماوردي"، ثم قال: وليس كذلك كما يصرح به كلام المصنف، وهذا في الفدية.

أمَّا الحرمة مع لشهوة .. فمطلقاً ولو تعددت المقدمات من نوع أو أنواع، فإن اتحد الزمان والمكان .. ففدية واحدة، وإلا .. تعددت، لكن يندرج دم المقدمات في بدنة الجماع أو شاته وإن تخلل بينه وبين المقدمات زمن طويل، سواء تقدم الجماع عليها أم تأخر كما يندرج الأصغر في الأكبر، سواء تقدم موجبه، أم تأخر، لكن قيده بعضهم بما قبل الجماع.

ودم الأربعة المذكورة في المتن ودم المباشرة والجماع غير المفسد دم تخيير وتقدير.

وحينئذٍ (فإن لبس) أي: المحرم بقيوده السابقة (أو تطيب أو دهن) ولو بعض (شعرة) من رأسه أو لحيته، أو جامع بعد الإفساد أو بين التحللين (أو باشر بشهوة) ولو لما لا ينقض وإن لم ينزل (أو استمنى) أي: استدعى خروجه بأي وجه (فأنزل) .. لزمه الدم إن كان (عامداً عالماً) بالإحرام والتحريم، أو قصّر في التعلم (مختاراً)، وإلا .. فلا فدية ولا حرمة، وبكون الممسوس دهناً أو طيباً.

فإن علم التحريم وجهل وجوب الفدية .. (لزمته)؛ إذ حقه الامتناع، وإن علمه بعد نحو اللبس وأخر إزالته فوراً .. عصى، ولزمته الفدية أيضاً، وكذا تلزمه إن لبس أو تستر لحاجة نحو برد، ولا إثم.

ولو ادعى الجهل بتحريم الطيب أو الدهن .. قبل منه؛ لأنه مما شأنه أن يخفى على العوام كما في "الإيعاب"، وإن كان ظاهر "الإمداد" كـ"النهاية": أن المخالط لا يعذر، وهذا في الظاهر، أمَّا الباطن .. فالعبرة بما في نفس الأمر، فالجاهل لا تلزمه الفدية، وإلا .. لزمته.

قال الكردي: المحرمات أربعة أقسام:

الأول: ما يباح للحاجة ولا حرمة فيه ولا فدية، وهو لبس السراويل؛ لفقد الإزار،

ص: 666

والخف المقطوع لفقد النعل، وعقد خرقة على ذكر سلس لم يستمسك بغير ذلك واستدامة ما لبّد به شعر رأسه أو تطيب به قبل الإحرام.

وحمل نحو مسك بقصد النقل إن قصر زمنه، وإزالة شعر بجلده والنابت في العين ومغطيها، والظفر بعضوه والمؤذي بنحو كسر وقتل صيد صائل، ووطء جراد عمَّ المسالك، والتعرض لنحو بيض صيد وضعه في فراشه ولم يمكن دفعه إلا به، أو لم يعلم به فتلف، وتخليص صيد من فم سبع فمات، وما فعله من الترفه كلبس وتطيب ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً.

الثاني: ما فيه الإثم ولا فدية، كعقد نكاح ومباشرة بشهوة بحائل على ما مر، والنظر بشهوة، والإعانة على قتل صيد ولو لحلال، والأكل من صيد صاده غيره له أو تسبب فيه، وقبضه صيداً بنحو شراء أو اصطياد ولم يتلف، ومجرد تنفير الصيد، وفعل محرم من محرمات الإحرام بميت محرم.

الثالث: وهو ما فيه الفدية ولا إثم، وذلك فيما إذا احتاج الرجل إلى اللبس أو المرأة لستر وجهها أو إلى إزالة شعر أو ظفر؛ لنحو مرض، أو أتلف نحو شعر جهلاً وهو مميز، أو نفر صيداً بغير قصد، وتلف به أو اضطر إلى ذبح صيد؛ لجوع، أو تلف صيد برفس دابة معه أو عضه بلا تقصير.

والحاصل: أنَّ ما أبيح للحاجة المبيحة لفعله غير ما مر في القسمين السابقين فيه الفدية ولا إثم، والحاجة هنا ما فيه مشقة شديدة لا يحتمل مثلها وإن لم تبح التيمم.

الرابع: ما فيه الإثم والفدية، وهو باقي المحرمات.

(أو أزال) أي: المحرم المميز (ثلاثة أظفار أو أكثر) من ثلاثة ولو جميع الأظفار، أو بعض كل من ثلاثة أو أكثر (متواليات، أو ثلاث شعرات أو أكثر) أو جزءاً من كل ثلاث أو أكثر (متواليات) بأن اتحد محل إزالتها وزمانها.

(ولو) كان مزيلها (ناسياً) للإحرام أو التحريم أو جاهلاً بحرمته ( .. وجب) عليه الدم الآتي؛ للآية، وأقل الشعر: ثلاث، والاستيعاب هنا غير معتبر إجماعاً.

وإذا لزمت الفدية مع العذر .. فمع غيره أولى، ومن ثم لزمت الفدية هنا كما في الصيد وغيره من الإتلافات نحو ناس وجاهل وولي صبي مميز، لا نحو مجنون ونائم

ص: 667

وغير مميز؛ إذ لا تقصير منهم بوجه، وإن كان قاعدة ضمان الإتلاف .. لا فرق فيها؛ لكونه من خطاب الوضع الذي لا فرق فيه بين عالم وغيره، لكن خفف عن غير المميز كمجنون ونائم؛ لأن القاعدة: أن ما كان إتلافاً محضاً، كقتل الصيد أو المغلب فيه جانب الإتلاف كالحلق والقلم .. تجب فيه الفدية مطلقاً إلا في نحو مجنون، وما كان تمتعاً محضاً، كاللبس، أو المغلب فيه جانب التمتع كالجماع .. لا فدية فيه إلا على عالم عامد مختار.

وله تسريح شعره برفق ما لم يظن الانتتاف به، ولذي الحكة كجرب أن يحك نحو رأسه إن لم يقدر على الصبر عنه، ولا فدية؛ لأنه ضرورة.

واعلم: أن دماء محظورات الإحرام لا تتداخل مطلقاً فيما يقابل بمثل، كالصيد ونحوه كالأشجار؛ إذ النظر للمماثلة أو نحوها ينافي التداخل، وكذا الجماع.

ففي الأوّل منه قبل التحلل الأوّل بدنة، وفيه فيما بعد الجماع الأول، أو بين التحلين في كل جماع شاة وإن تواليا؛ لمزيد التغليظ فيه.

نعم؛ يندرج واجب مقدماته فيه كما مر.

ومحل التعدد به إن قضى بكل وطراً، فإن كان ينزع ويعود على التوالي عرفاً .. فالكل جماع واحد وإن كان غير الثلاثة المذكورة، فإن تخلل فيه بين الأول والثاني تكفير .. فلا تداخل وإن نوى بالكفارة عن الماضي والمستقبل، وإن لم يتخلل .. فلا تداخل في نوعين وإن اتحد زمانهما ومكانهما ما لم يتحد الفعل، كأن لبس ثوباً مطيباً دهيناً، فتندرج فدية الطيب والدهن في فدية اللبس.

وكذا لا تداخل في نوع واحد، كأن لبس قميصاً وعمامة وسراويل، أو حلق رأسه وذقنه وبدنه إلا إن اتحد زمان ذلك ومكانه.

فتحصَّل: أن لا تداخل في القيم الثلاثة الأُوّل مطلقاً، ولا في غيرها في نوعين فأكثر إلا إن اتحد الفعل، ولا في نوع إلا إن اتحد زمان ومكان بشرط أن لا يتخلل تكفير بينهما في الصورتين.

ولا يقدح في التوالي طول الزمن في مضاعفة اللباس بعضه فوق بعض، وتكوير العمامة والكلام حيث ستر اللاحق ما لم يستره ما قبله، وإلا .. فلا تعدد مطلقاً.

قال الكردي: (وللشافعي قول قديم بعدم تعدد الفدية بتعدد الأفعال إن لم يتخلل تكفير.

ص: 668

قال في "الروضة": فإن قلنا بالجديد .. فجمعهما سبب واحد، كأن تطيب أو لبس مراراً لمرض واحد، فوجهان أصحهما تعدد الفدية، والقديم صححه الشيخ في منسك له صغير، والجيلي، وقطع به البندنيجي، قال: سواء اتحد سببهما أم اختلف ما لم يكفر عن الأول.

قال المحب: وهذا أصلح للناس سيما في ساتر الرأس، فإنه يشق ملازمته، ويحتاج لإزالته في الطهارة) اهـ

والمالكية أوسع دائرة من غيرهم إلى أخر ما أطال به عنهم مما حاصله: (أنه إذا فعل موجبات الفدية بأن لبس وحلق وقلم وتطيب .. فتتحد الفدية إذا كان نيته فعل جميع ما يحتاج إليه من موجبات الفدية ونوى التكرار، وإن لبس ثوبه ثم نزعه للنوم ليلبسه إذا استيقظ، أو ليلبس غيره .. فعل واحد) اهـ

ولو لبس عمامة لحاجة وخلعها لغسل جنابة أو كشف بعض رأسه لنحو مسحه في الوضوء .. لم تتعدد الفدية بذلك وإن تعدد مراراً كما في "الحاشية".

قال الكردي: (ونظر فيه عبد الرؤوف، وأجاب عنه ابن الجمال، وهذا بالنسبة إلى الغسل، أمَّا الوضوء .. فالأوجه ما قاله عبد الرؤوف) اهـ

وقال (سم) في "شرح الغاية": رأيت جمعاً يوجهون عدم التعدد بالنسبة لأقل مجزئ، وأنه لو كرر نزعها ثلاثاً لتثليث مسح الرأس .. لزمته فدية واحدة، أمَّا إذا اختلف محل الإزالة أو زمانها .. ففي كل شعرة أو ظفر أو بعض كل مد وإن بلغت ألوفاً، ولو أزال شعرة أو ظفراً ثلاث مرات واتحد زمان ومكان .. فمد، وإلا .. فثلاثة.

والدم الواجب هنا كباقي دماء النسك إلا جزاء الصيد.

(ما يجزئ في الأضحية) صفة وسناً، ومنه: سبع بدنة أو بقرة، ويملكه لثلاثة مساكين بالحرم ولو غرباء بعد ذبحه.

(أو إعطاء ستة مساكين) أو فقراء ثلاثة آصع (كل مسكين) أو فقير (نصف صاع) وهو مدان، وإعطاء المسكين مدين مما انفردت به هذه الكفارة.

(أو صوم ثلاثة أيام) فهو دم تخيير وتقدير؛ لآية (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً)[البقرة:184] مع الحديث الصحيح المبين لإجمالها، وقيس بالمعذور غيره في التخيير؛ إذ ما فيه تخيير

ص: 669

من الكفارة .. لا ينظر فيه لسببه حلاً وحرمة، ككفارة اليمين والصيد.

(وفي) كل (شعرة أو ظفر) أو بعض كل (مُد)؛ لتعسر تبعيض الدم، والشارع قد عدَّل الحيوان بالطعام في جزاء الصيد وغيره، والشعرة الواحدة أو بعضها هي النهاية في القلة، والمد أقل ما وجب في الكفارة، فقوبلت الشعرة به، وألحق بها الظفر؛ لما مر.

وقيل: في الشعرة درهم، والشعرتين درهمان، وقيل في الشعرة ثلث المد، والشعرتان ثلثاه.

وعلى الأول: فوجوب المد إن اختار الدم، فإن اختار الإطعام .. فواجب كل صاع (أو) اختار الصوم .. فواجب كل (صوم يوم، وفي شعرتين أو ظفرين مدان) أو صاعان (أو يومان) وفي ثلاث أو ثلاثة ثلاثة أمداد أو آصع أو أيام إن اختلف زمان ومكان، وفي الأربع أو الأربعة: أربعة، وهكذا قال في "التحفة"، كذا قاله جمع.

وقال الإسنوي: (إنه متعين، وخالفهم آخرون منهم البلقيني وابن العماد، فاعتمدوا إطلاق الشيخين كالأصحاب: أنه لا يجزئ إلا المد في الأولى، والمدان في الثانية، وما ألزم به الأولون من التخيير بين الشيء وهو الصاع، وبعضه وهو المد .. مردود بأن له نظائر، كالمسافر يخير بين القصر والإتمام) اهـ

واعتمد الأول في "المنهج" و"الغرر" و"الأسنى و"الخطيب"، والثاني في "الإيعاب" و (م ر) ووالده.

(الخامس: الجماع) في قبل أو دبر ولو لبهيمة وبحائل وإن كثف إجماعاً، ويحرم على حليلة تمكين حليل محرم، وعلى حليل مباشرة حليلة محرمة يمتنع عليه تحليلها.

(فإذا جامع عامداً عالماً مختاراً قبل التحلل الأوّل في الحج وقبل الفراغ من) جميع أعمال العمرة في (العمرة) المفردة بأن بقي شيء من أعمالها ولو شعرة من الثلاث التي يتحلل بها ( .. فسد نسكه) ولو صبياً ورقيقاً؛ لآية (فَلا رَفَثَ)[البقرة:197]، أي: فلا ترفثوا، أي: تجامعوا؛ إذ هو خبر بمعنى: النهي، والأصل فيه: اقتضاء الفساد، والعمرة كالحج، ويجزئ قضاء صبي ورقيق في حال الصبا والرق.

وخرج بـ (عامداً، وما بعده): الناسي والجاهل المعذور والمكره، فلا حرمة عليهم

ص: 670

ولادم، كغيره من سائر التمتعات، والجماع بين التحللين، فلا يفسد به ولو قارناً وإن لم يأت بشيء من أعمال العمرة؛ لأنها تقع تبعاً وإن حرم لضعف الإحرام حينئذ؛ لإتيانه بمعظم أفعال الحج في صحته قبل إفساده، ويجب به شاة كما لو وطء بعد وطء الإفساد قبل التحللين.

والأوجه: تكررها بتكرر هذين، بخلاف ما لو ارتد بينهما .. فيبطل، كما نقله الكردي عن (ق ل).

(و) إذا فسد النسك بالجماع .. (وجب) على المفسد (إتمامه) كما صح عن جمع من الصحابة، ولا يعرف مخالق لهم، فيأتي بما كان يأتي به لو لم يفسد، ويجتنب ما كان يجتنبه، حتى لو فعل محرماً من محرمات الإحرام .. لزمه الدم؛ لإطلاق آية (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ) [البقرة:196] إذ لم يفصل بين الصحيح والفاسد.

أمَّا لو فسد بالردة .. فلا يجب إتمامه وإن أسلم فوراً؛ لإحباط الردة له، ولذا لا يجب فيها كفارة.

(وقضاؤه) اتفاقاً (على الفور) ولو في سنة الإفساد بأن تحلل بعد الجماع للإحصار.

ثم يزول الحصر في عامه، أو لنحو مرض شرطه به ثم شفي.

ولو أفسد القضاء .. لم يجب إلا قضاء الأول فقط؛ إذ المقضى واحد.

لكن تجب كفارة متعددة بتعدد الإفساد، ووصفه بالقضاء إنما هو بمعناه اللغوي؛ إذ لا آخر لوقته، ولا فرق في وجوب قضائه بين الفرض وغيره، ككونه من صبي أو رقيق؛ لأنه لو منهما يلزم بالشروع فيه.

ومن عبر بأنه يصير بالشروع فيه فرضاً .. أراد أنه يتعين إتمامه كالفرض، ويتأدى به ما كان يتأدى بالأداء لولا الإفساد من فرض أو غيره.

نعم؛ ينقلب نسك الأجير له، وعليه إتمامه، والكفارة والقضاء ثم يحج عن مستأجره إن كانت إجارة ذمة، وإلا .. انفسخت.

ويلزم قي القضاء أن يحرم مما أحرم منه في الأداء من ميقات أو قبله، وكذا من ميقات جاوزه ولو غير مريد نسك، ثم أحرم بعد مجاوزته.

ولو أقام بمكة .. عاد للميقات الذي جاوزه غير مريد له، كما في "التحفة" و"النهاية" وغيرهما.

ص: 671

واكتفى في "الإمداد" و"المختصر"، وعبد الرؤوف بموضع الأداء.

ولو تمتع وأفسد الحج .. كفاه في القضاء الإحرام من مكة.

ولو أحرم بالأداء من ذات عرق فمر في القضاء بذي الحليفة .. وجب إحرامه منها.

وللمفرد المفسد لأحد النسكين قضاؤه مع الآخر تمتعاً أو قراناً، وللمتمتع والقارن القضاء إفراداً، ولا يسقط عنه الدم في القضاء بذلك، فعلى القارن المفسد: بدنة، ودم للقران وآخر للقضاء وإن أفرده.

ولو فات القارن الحج .. فاتته العمرة، وعليه دم للفوات ودم للقران الفائت ودم للقران المأتي به في القضاء.

(و) يجب عليه مع إتمامه والقضاء والإثم الكفارة، وهي (بدنة) تجزئ في الأضحية وإن كان نسكه نفلاً؛ لقضاء جمع من الصحابة بذلك، ولا يعرف لهم مخالف.

وهي: بعير ذكر أو أنثى له خمس سنين؛ وكذا في كل محل أطلقت فيه.

(فإن عجز) عنها ( .. فبقرة) تجزئ أضحية.

(فإن عجز) عنها ( .. فسبع شياه) أو سبع من كلًّ من سبع بدنات أو بقرات تجزئ كل منها أضحية.

(فإن عجز) عن ذلك ( .. فطعام) يجزئ في الفطرة (بقيمة البدنة) بالنقد الغالب بسعر مكة حال الأداء، كما في "التحفة"، يتصدق بكل مما ذكر مساكين الحرم الكائنين فيه ولو غرباء، والمتوطنون أولى إن لم يكن غيرهم أحوج.

وواجب الإطعام غير مقدر في غير دم التخيير والتقدير، فلا يتعين لكل مسكين مد.

نعم؛ الأفضل أن لا يزاد على مدين ولا ينقص عن مد.

ولو كان الواجب ثلاثة أمداد فقط .. لم تدفع لدون ثلاثة، بل لهم أو لأكثر، أو مدين دفع لاثنين فأكثر لا لواحد، أو واحد .. فلواحد، كذا نقله الكردي عن ابن علان.

لكنه في "الحاشية" عقبه بكذا قيل.

وفي "الإيعاب": ولا يتعين لكل مد، بل تجوز الزيادة عليه والنقص عنه.

(فإن عجز) عن جميع ما ذكر .. قوّم البدنة، وعرف ما يحصل من قيمتها من الطعام و (صام بعدد الأمداد) ويكمل المنكسر.

ص: 672

فعلم: أن دم الجماع دم ترتيب وتعديل.

قال الكردي: الجماع أقسام:

الأول: لا يجب فيه شيء، وذلك في نحو الناسي.

الثاني: تجب له الفدية على واطئ عالم عامد مختار عاقل قبل تحلل أول، والموطوءة حليلة ولو محرمة.

الثالث: تجب على المرأة فقط فيما إذا كانت هي المحرمة فقط، ومستجمعة للشروط السابقة، أو كان الزوج غير مستجمع لها وإن كان محرماً.

الرابع: تجب على غير الواطئ والموطوءة، وذلك في الصبي المميز، فتجب على وليه.

الخامس: تجب على كل منهما فيما إذا زنى محرم بمحرمة أو وطئها بشبهة، وفيهما الشروط السابقة.

السادس: تجب فدية مخيرة، وهي شاة، فيما إذا وطئ ثانياً أو بين التحللين، هذا ما اعتمده (حج)، واعتمد (م ر): أن لا فدية على المرأة مطلقاً.

(السادس:) من المحرمات على الرجل وغيره (اصطياد المأكول البري) المتوحش جنسه وإن تأهل هو، كدجاج حبشي وإن ألف البيوت؛ لأن أصله وحشي، لا البلدي، ولا الإوز عند (م ر)؛ إذ المصيد هو المتوحش طبعاً، لا يمكن أخذه إلا بحيلة طيراً كان أو دابة، مباحاً أو مملوكاً، قال تعالى:(وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً)[المائدة:96]، أي: يحرم التعرض لجميع أجزائه.

ومنها: لبنه وريشه ومسكه وفأرته المتصلات به وبيضه غير المذر ولو بالإعانة أو الدلالة لحلال كتنفيره إلا لضرورة، كأن يأكل طعامه أو ينجس متاعه؛ لأنه صيال، والصائل غير مضمون إذا لم يندفع بأقل مما فعل به.

ولا فرق في ضمان الإتلاف كالصيد بين نحو عالم وغيره، أمَّا الإثم .. فلا يأثم إلا مع علم وتعمد واختيار.

وإذا تعرض لريشه مثلا .. ضمنه بما بين كونه سليماً ومنتوفاً، وإن عاد الريش أحسن مما كان، وعليه أن يمسكه ويطعمه ويسقيه؛ لينظر ما يؤول إليه حاله، وكذا لو جرحه بالأولى، ولو نقص لبنه في تعرضه له .. ضمنه، ثم إن كان مثلياً فنقص عشر قيمته

ص: 673

مثلاً .. لزمه عشر مثله، فيلزمه عشر شاة مثلاً، أو التصدق بقيمته طعاماً، أو يصوم عن كل مد يوماً.

أو غير مثلي .. فالواجب أرشه، يتخير بين التصدق بقيمته طعاماً، والصوم، ولو اندمل جرحه، لكنه صار زمناً .. ضمنه بجزاء كامل، وإن قتله هو أو محرم أخر أو من بالحرم .. لزمه جزاؤه زمناً، أو قتله قبل الاندمال .. فلا شيء عليه.

ويحرم على المحرم التعرض لبيض المتولد بين وحشي وإنسي.

وخرج بـ (المأكول): غيره؛ إذ منه مؤذ يندب قتله كنمر ونسر وكالقمل.

نعم؛ يكره التعرض لقمل شعر رأس، ولحية محرم؛ خشية الانتتاف، وندب فداء الواحدة ولو بلقمة وكالنمل الصغير المسمى بالذر بخلاف كبير ونحل، فيحرم قتلهما كالخطاف والهدهد والصرد.

وكالفواسق الخمس الغراب الذي لا يؤكل والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور، فيندب قتلها ولو في الحرم.

وأُلحق بها: أسد ونمر وذئب ونسر وعقاب وبرغوث ونحوه كل مؤذ، بل يجب قتل عقور كخنزير يعدو وحية تعدو، ويحرم اقتناء شيء منها.

ومنه ما فيه نفع وضر كقرد وصقر وفهد، فلا يسن قتله؛ لنفعه، ولا يكره؛ لضره.

وما لا يظهر فيه نفع ولا ضر كسرطان ورخمة .. يكره قتله، ويشكل بحرمة قتل كلب لا نفع فيه ولا ضرر.

وبـ (البري): البحري، والمراد به ما في الماء ولو نحو بئر ولو في الحرم، فإن عاش في البر والبحر .. فبري؛ تغليباً للحرمة.

وبـ (الوحشي): الإنسي وإن توحش، إذ لا يسمى صيداً.

(أو المتولد منه) أي: المأكول المتقدم (ومن غيره) فيحرم التعرض له كالمأكول المتقدم بأن يكون أحد أصليه مأكولاً بقيوده السابقة وإن علا، والآخر ليس كذلك كمتولد بين شاة وظبي، أو بين حمار وحشي وحمار أهلي، أو بين ضبع وذئب؛ تغليباً للتحريم، بخلاف المتولد بين ذئب وشاة، أو بين حمار أهلي وزرافة؛ بناءً على أنها غير مأكولة، كما هو ظاهر "النهاية".

لكن في "شرحي الإرشاد" وغيرهما؛ أنها مأكولة.

ص: 674

(ويحرم ذلك) أي: التعرض للصيد المذكور بأي وجه كان (في الحرم على الحلال) ولو كافراً ملتزماً لأحكامنا؛ للنهي الآتي عن تنفيره؛ تعظيماً للحرم، سواء أرسل السهم أو الكلب من الحل على صيد كله أو قائمة من قوائمه في الحرم واعتمد عليها وإن اعتمد على الأخرى في الحل أو عكسه؛ تغليباً للحرمة.

وإنما لم يضمن صيداً سعى من الحرم إلى الحل، أو من الحل إلى الحل، لكنه مرَّ أثناء سعيه في الحرم، ثم قتله؛ لأن ابتداء الاصطياد من حين الرمي أونحوه، لا من حين السعي، ولذا سنت التسمية عند الأول دون الثاني.

ولو أخرج يده من الحرم ونصب شبكة في الحل فتعقل فيها صيد .. لم يضمنه، ولا عبرة بكون قوائمه في الحرم كرأسه، والعبرة في القائم بمستقَره.

نعم؛ إن أصاب الجزء الذي في الحرم .. ضمنه ولو كان مستقراً على غيره كما في "الشرح".

قال الشرقاوي: (ويحرم دلالة المحرم على صيد، ثم إن قتله المدلول وهو محرم .. فميتة، وعليه الجزاء دون الدال إن لم يضع يده عليه، أو وهو حلال في الحرم فكذلك، أو في غيره فحلال، ولغير الدال الأكل منه، أمَّا هو .. فيحرم عليه.

ويحرم على الحلال أن يدل المحرم أيضاً على صيد وإن اختص بالجزاء، ولو أمسكه محرم، فقتله حلال .. ضمن المحرم الممسك، والقاتل ليس طريقاً في الضمان، فلا رجوع للممسك عليه بشيء، أو قتله محرم آخر .. ضمن وإن كان الممسك طريقاً في الضمان.

ثم قال: ويحرم على المحرم أكل ما صاده له الحلال وإن لم يعلم به ولم يدل عليه؛ تنزيلاً لصيده له منزلة دلالته عليه، ولا يحرم على الحلال الأكل منه في هذه الحالة، كما قرره الشيخ خضر.

وقرر شيخنا عطية حرمة الأكل على الحلال أيضاً، كالمحرم، وهو ظاهر؛ إذ قصد المحرم بالاصطياد يؤثر في التحريم أكثر من تأثير الدلالة.

واعلم: أنه لا يلزم الجزاء بدلالة ولا إعانة ولا أكل ما صيد للمحرم، خلافاً للأئمة الثلاثة، وقال أيضاً -عند قول التحرير: ويجوز أكله لضرورة الجوع- ومع جوازه هو ميتة وإن ذبحه خلافاً لـ (حج)؛ لأن مذبوح المحرم ميتة، كما قاله الرحماني.

ص: 675

وقرر شيخنا الحفني أنه ميتة في الاضطرار دون الصيال؛ لأنه أسقط حرمته.

ومحل جواز قتله: حيث لم يجد ميتة أخرى، وإلا .. قدمها إن لم يتضرر بنحو قرف نفس بأكلها، ويقدم الصيد على طعام الغير الذي لم يأذن له في أكله) اهـ

ولو أحرم حلال وفي ملكه صيد .. زال ملكه عنه، فيلزمه إرساله حالاً وإن تحلل، ومن أخذه .. ملكه إن لم يكن محرماً.

(ويحرم) ولو على حلال (قطع نبات الحرم) اي: نابته (الرطب) شجراً كان أو حشيشاً وإن كان بعض مغرسه في الحل أو نقل إلى الحل، أو كان ما بالحل من بزر ما بالحرم مملوكاً كان أو مباحاً، وسواء كان الشجر مستنبتاً أو نابتاً بنفسه.

وأمَّا غيره .. فشرطه: أن لا يكون من شأنه أن لا يستنبته إلا الآدميون، سواء نبت بنفسه أم استنبت؛ للخبر الصحيح:"إن هذا البلد حرام بحرمة الله، لا يعضد شجره، ولا ينفر صيده ولا يختلى خلاه".

و (الخلى): الحشيش الرطب، (وقلعه) أي: النابت بالأولى.

وخرج بـ (الرطب): اليابس، فقطعه وقلعه جائز.

قال الكردي: هو على عمومه في الشجر، أمَّا الحشيش .. فيجوز قطعه لا قلعه إلا أن فسد منبته على المعتمد.

ولو غرست حرمية في الحل .. بقيت حرمتها، ويجب ردها إلى بقعة حرمية ولو غير منبتها، فإن يبست بالنقل .. ضمنها، وكذا لو بقيت فيه، ولو غرس حلية في الحرم .. لم يكن لها حرمة.

ولا يضمن غصن في هواء الحرم وأصله في الحل، ويضمن صيد فوقه؛ نظراً لمكانه، ويضمن غصن في الحل وأصله في الحرم، ولم يضمن صيد فوقه؛ لذلك.

ولو غرس في الحل نواة شجرة حرمية .. ثبت لها حكم الأصل، أو عكسه .. لم يثبت لها حكم الحرم.

ولو أدخل تراباً من الحل إلى الحرم، أو عكسه وغرس فيه .. فهل العبرة بالتراب أو محله؟ محل نظر، الأوجه: الثاني؛ إذ المغرس في الحقيقة إنما هو محل التراب.

نعم؛ إن كان التراب كثيراً بحيث تثبت العروق فيه ولا تتجاوزه .. اعتبر هو لا محله.

ص: 676

(إلا الإذخر) -بكسر فسكون فكسر، وبالذال المعجمة- نبت طيب الرائحة، الواحدة: أذخرة، فيحل قطعاً وقلعاً ولو للبيع؛ لاستثناء الشارع له، والإطلاق يقتضي التعميم، لكن أفتى الشهاب الرملي وتبعه ولده بامتناع بيعه.

(و) إلا (الشوك) قطعاً وقلعاً وإن لم يكن بالطريق، والأعصان المؤذية كالصيد المؤذي، وقيل: يحرم التعرض له، وصححه في شرح مسلم، وانتصر له بصحة النهي عن قطع الشوك بخصوصه.

(و) إلا قطع وقلع (علف) بسكون اللام المصدر، وبفتحها ما يعلف به، وهو المراد هنا.

(البهائم) التي عنده ولو للمستقبل إلا إن كان يتيسر أخذه كل ما أراده، كما يجوز رعي حشيش الحرم وشجره؛ لأن البهائم كانت تسير فيه في عصره صلى الله عليه وسلم ولا تسد أفواهها، بل روى الشيخان عن ابن عباس قال:(أقبلت راكباً على أتان، فوجدت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فدخلت الصف وأرسلت الأتان)، ترعى ومنى من الحرم.

(و) إلا (الدواء) لمريض ولو بالمستقبل لا قبل المرض، ولو بنية الاستعداد له إن تيسر أخذه كل وقت كما في "الإيعاب"، لكن جوّز (م ر) أخذه؛ ليستعمله عند المرض، وفي جواز أخذه للبيع خلاف.

(و) إلا (الزرع) كحنطة وذرة وشعير والقطاني والخضراوات ولو مما ينبت بنفسه من كل ما يتغذى به كالبقل والرجلة ونحوهما .. فيجوز قطعه وقلعه والتصرف فيه، بنحو بيع، ولا فدية ولا ضمان.

(ويحرم قلع الحشيش اليابس) ويضمن إذا لم يمت؛ لأنه لو لم يقلعه لنبت، فإن مات .. جاز ولا ضمان.

(دون قطعه) فلا يحرم، ولا فدية فيه، ولو أخلف ما قطع من الأخضر .. فلا ضمان، بخلاف يابس الشجر، فيجوز قطعه وقلعه؛ لأنه لا يرجى نباته.

تنبيه: ظاهر كلام المتن شمول الحشيش للرطب، وبه قال أبو عبيدة.

لكن المشهور أنه حقيقة في اليابس، مجاز في الرطب.

ص: 677

ويجوز أخذ ورق من غير خبط يضر بالشجر بأن لا يكسر أغصانها ولا يمنع نموها، وقطع غصن يخلف قبل سنة كاملة مثله تقريباً ولو في محل قريب من محله، وإلا .. ضمنه.

والحاصل: أن الرتب أربع:

أحدها: ما لا يضمن مطلقاً، وهو: ما استثنى من الإذخر وما بعده، وكذا عود السواك على ما هو قضية "المجموع".

ووجهه في "التحفة" بأنه مما يحتاج لأخذه على العموم، فسومح فيه ما لم يتسامح في غيره من الأغصان.

ثانيها: ما يضمن إن لم يخلف في سنته، وهو غصن الشجر ولو عود السواك عند (م ر).

ثالثها: ما لا يضمن إذا أخلف مطلقاً، وهو الحشيش الأخضر المقطوع لغير حاجة، وقلع اليابس، كما مر.

رابعها: ما يضمن مطلقاً وإن أخلف من حينه، وهو الشجر الأخضر غير الإذخر، والمؤذي.

ويحرم إخراج شيء من تراب الحرم المكي والمدني وما عمل منه، كالفخار وأحجاره إلى حل أو إلى حرم آخر ولو بنية رده إليه، ويجب رده إليه، وبالرد ينقطع دوام الحرمة لا عكسه لكن يكره.

(ثم إن أتلف صيداً له مثل النعم) بالنقل عنه صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه، أو بحكم عدلين حيث لا نقل فيه ( .. ففيه مثله) تقريباً، لا باعتبار القيمة، بل الصورة والخلقة.

(وإن لم يكن له مثل) بنقل ولا حكم ( .. ففيه قيمته) في محل الإتلاف أو التلف ووقته، بخلاف المثلي فيعتبر بقيمة الحرم.

(ففي النعامة) ذكراً أو أنثى (بدنة) كذلك، ولا يجزئ عنها بقرة، ولا سبع شياه، ولا أكثر، بل لا تجزئ البقرة هنا عن شاة مما يأتي؛ لاعتبار المماثلة هنا.

(وفي بقر الوحش وحماره: بقرة) في الذكر ذكر، وفي الأنثى أنثى، ويجوز عكسه.

ص: 678

(وفي الظبية) وهي كبار الغزال إذا طلع قرناه، وقبل ذلك هي غزال (شاة) أي:(عنز) وهي أنثى المعز التي تم لها سنة؛ لأنها هي التي تماثل الظبية.

وفي الظبي تيس ويجوز عنه عنز؛ لجواز الذكر عن الأنثى وعكسه هنا كما بعده.

وفي الغزال، وهو ولد الظبي إلى طلوع قرنه، ثم هو ظبي أو ظبية عناق في أنثاه، وجدي في ذكره، أو جفر.

وفي الأرنب -أي: أنثاه- عناق، وفي ذكره ذكر في سن العناق، وجاز عكسه.

وفي أنثى اليربوع والوبر جفرة، وفي ذكرهما جفر، وجاز عكسه، و (العناق): أنثى المعز إذا قويت ما لم تبلغ سنة، و (الجفرة): أنثى معز بلغت أربع أشهر وفصلت عن أمها.

وفي الضب وأم حُبَين جدي، وهو ولد المعز إذا رعى وقوي، فالذكر جدي، والأنثى عناق، و (أم حُبَين) -بضم الحاء وفتح الباء- يتلون بحرِّ الشمس، ويكون في الظل أخضر.

(وفي الحمامة) من يمام وقمري ودُبسي -بضم الدال- وفاختة وقطا، ونحوها من كل ما عب، أي: شرب الماء جرعاً بلا مص وهدر، أي: غرد (شاة) بقضاء الصحابة، وسندهم توقيفٌ بلغهم، وإلا .. فالقياس القيمة؛ إذ لا مثل له صورة تقريباً من النعم.

والراجح: أن في الصغير من الحمام: صغيراً، قَدْرُ بَدَنِة كقدر الفرخ من أمه، هذا فيما فيه نص ولو من مجتهد مع سكوت الباقين.

وأمَّا ما لا نص فيه .. فيحكم بالمثل عدلان فقيهان بباب الشبه.

ولو حكم عدلان بمثل وآخران بقيمة .. فمثلي، أو بمثل آخر .. تخير.

ويفدي الصحيح والصغير والهزيل وأضدادها بمثله ولو أعور يمين بأعور يسار، وعكسه، ويجزئ ذكر عن أنثى وعكسه.

ولو أفدى الرديء نوعاً بأجود، أو المعيب بالجيد .. كان أفضل.

نعم؛ لا يجزئ كبير عن صغير وعكسه؛ لفقد المماثلة.

ويجب في الحامل حامل، ولا تذبح بل تقوم حاملاً بسعر مكة وقت العدول، ويتصدق بقيمتها طعاماً، أو يصوم عن كل مد يوماً، ولا يضمن جنين خرج ميتاً، ويضمن نقص أمه.

ص: 679

واعلم: أن قتل الصيد والجماع كبيرة، وفعل غيرهما من المحرمات صغيرة، وأنَّ دم الصيد والأشجار دم تخيير وتعديل كما قال:

(ويتخير في المثلي بين ذبح مثله في الحرم) ولا يجزئ في غيره وإن تصدق به فيه (والتصدق به فيه) على مساكينه ثلاثة فأكثر، أو يملكهم جملته مذبوحاً.

فإن أعطى اثنين .. غرم للثالث أقل ما يقع عليه الإسم، والقاطنون أولى ما لم يكن الغرباء أحوج.

فإن لم يجد مسكيناً فيه .. أخر حتى يوجدوا، ويجوز إعطاء مساكين الحرم خارجه حيث كانوا من أهله، ومرَّ: أن الحامل لا تذبح.

(وبين التصدق) على ما ذكر (بطعام) يجزئ في الفطرة (بقيمة المثل) من غالب النقد يوم الإخراج في جميع الحرم.

فإن اختلفت القيمة باختلاف بقاعه .. جاز اعتبار أقلها.

ولا يتعين لكل مسكين مُدٌّ، بل يجوز وفوقه ودونه وغير دم تخيير وتقدير.

(وبين الصيام) في أي: محل شاء؛ إذ لا غرض لأهل الحرم في صومه فيه، لكنه فيه أفضل (بعدد الأمداد) ويكمل المنكسر؛ إذ الصوم لا يتبعض.

(وفي لا مثل له، كالجراد) والطيور غير الحمام، وما ألحق بها صغاراً وكباراً (يتخير بين إخراج طعام) يجزئ فطرة على من مر (بقيمته) يوم الإتلاف أو التلف (والصيام بعدد الأمداد) ويكمل المنكسر، ويرجع في القيمة لعدلين.

(ويجب في الشجرة) الحرمية (الكبيرة) عرفاً بالنسبة لنوعها (بقرة لها سنة) بل سنتان تامتان؛ إذ لا بد على المعتمد من إجزائها أضحية كغيرها من الدماء.

(وفي الصغيرة) عرفاً، وهي (التي كسُبع الكبيرة) تقريباً؛ إذ الشاة كسُبع البقرة (شاة) تجزئ أضحية؛ ذلك لما روى الشافعي عن ابن الزبير، ومثله لا يقال إلا بتوقيف.

ص: 680

وتجب الشاة أيضاً فيما جاوز سبع الكبيرة ولم ينتهي إلى حد الكبيرة، لكن تكون فيها فوق الشاة الواجبة في سبع الكبيرة، كما اعتمده شيخ الإسلام، و (م ر) وغيرهما.

وكذا (حج) في غير "التحفة"، ونظر فيه فيها، وقال: الأوجه ما اقتضاه إطلاقهم من إجزاء الشاة فيما لا تسمى كبيرة وإن ساوت ستة أسباع كبيرة؛ إذ المماثلة معتبرة في الصيد لا هنا.

(ويتخير بين ذبح ذلك)، أي: البقرة والشاة المذكورتين (والتصدق بقيمته) يوم الإتلاف، كالصيد (طعاماً) نظير ما مر (والصيام بعدد الأمداد) ويكمل المنكسر.

(وفي الشجرة) الحرمية المتلفة (الصغيرة جداً) بحيث لا تساوي سبع كبيرة عرفاً من نوعها (قيمتها، يتصدق بقدرها) أي: بقدر قيمتها (طعاماً، أو يصوم بعدد الأمداد) ويكمل المنكسر.

فعلم مما مر: أن دماء الحج أربعة؛ وقد نظمها ابن المقري رضي الله عنه بقوله [من الرجز]:

أربعةٌ دِماءُ حَجٍّ تُحْصَرُ

أوّلُها المُرتَّبُ المُقَدَّر

تَمَتُعٌ فَوْتٌ وَحَجٌّ قُرِنا

وتركُ رَمْيٍ والمبيتُ بمنى

وتركه الميقاتَ والمزدلفة

أو لم يودِّع أو كمشي أخلفه

ناذره يصوم إنْ دماً فقد

ثلاثةً فيه وسبعاً في البلد

والثان: ترتيب وتعديل ورد

في مُحصَرٍ ووطءِ حج إن فسد

إن لم يجد .. قوَّمَه ثم اشترى

به طعاماً طُعْمَة للفقرا

ثم لعَجْزٍ عدلُ ذاك صوماً

أعني به عن كُلِّ مُدٍّ يوما

والثالث: التخيير والتعديل في

صيد، وأشجار بلا تكلُّف

إن شئت فاذبح، أو فعدِّل مثل ما

عدَّلت في قيمة ما تقدما

وخيِّرَنْ وقَدِّرَنْ في الرابع

إن شيت فاذبح أو فجد بآصع

للشخص نصفٌ أو فَصُمْ ثلاثا

تجتَثُ ما اجتَثَثْتَه اجتثاثا

في الحلق والقَلْم ولبس دهن

طيبٍ وتقبيلٍ ووطءٍ ثنِّي

أو بين تحلِيلَيْ ذوي إحرام

هذي دماء الحجِّ بالتمام

ص: 681

خاتمة

تسن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم حتى للنساء اتفاقاً، قال تعالى:(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ)[النساء:66] الآية، وهذا لاينقطع بموته، وفي الحديث:"من حج ولم يزرني .. فقد جفاني".

والتقييد بالحج؛ لبيان الأولى أو الأغلب بدليل سقوطه من روايات.

وصح خبر "من زار قبري .. وجبت له شفاعتي"، وفيه بشرى بموته مسلماً.

ويستحب أن يزور المساجد النبوية في طريق المدينة، كمسجد بدر ومسجد خليص عند العقبة، ومسجد عند التنعيم عنده قبر أم المؤمنين ميمونة، ويزور الشهداء ببدر وغيرهم.

وأن يكثر من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، ويزيد إذا رأى حرم المدينة؛ لما في الصلاة عليه من عظيم الثواب، سيما في هذه الأحوال، ويتطهر لدخولها وبالغسل أولى، ويتطيب.

وأن يدخلها الذكر المطيق المشي ماشياً حافياً، ومن باب جبريل عليه السلام، ويقصد الروضة الشريفة، ويصلي تحية المسجد، ويشكر الله على هذه النعمة العظيمة، ثم يقصد المواجهة للزيارة مستقبلاً رأس القبر الشريف ويبعد عنه نحو أربعة أذرع، ويسلم، ثم يتأخر نحو ذراع، فيسلم على أبي بكر، ثم يتأخر قدر ذراع، فيسلم على عمر رضي الله عنهما، ثم يرجع إلى عند مواجهة رأسه صلى الله عليه وسلم، ويقرأ، ويدعو ما استطاع، ويستقبل القبلة في دعائه، لكن يميل إلى أن يكون بحيث لا يستدبر القبر الشريف.

ثم يأتي الروضة فيكثر فيها من الذكر والدعاء خصوصاً الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، ويخرج إلى مسجد قباء وغيره من المآثر الشريفة، ويزور البقيع وأُحُداً وغيرهما، ويبذل غاية جهده في الطاعة والأدب ما أمكنه.

وإذا أراد السفر .. أتى المسجد وصلى به ركعتين سنة الخروج منه، ويدعو بما أحب، ثم يأتي القبر الشريف فيقرأ ويدعو.

ومنه: اللهم لا تجعله آخر العهد برسولك صلى الله عليه وسلم، ويسر لي العود إلى الحرمين.

ص: 682