الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فصل) في الحلق
.
ومر أنه ركن للحج والعمرة فلا تحلل منهما إلا به إلا لمن لا شعر برأسه.
(وأقل الحلق) الذي هو ركن (إزالة ثلاث شعرات) من شعر الرأس، أو جزء من كل منها حلقاً أو نتفاً أو قصاً أو إحراقاً وإن خرج بالمد عن حد الرأس؛ لآية (مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) [الفتح:27].
قال في "التحفة": أي: شعراً فيها؛ إذ هي لا تحلق.
و (الشعر) اسم جنسي جمعي، أقله ثلاث.
ولو قص واحدة ونتف أخرى وأحرق ثالثة .. كفى، بخلاف ما لو قص مثلاً واحدة ثلاث مرات؛ لعدم الجمع.
(ويندب تأخيره) أي: الحلق (بعد رمي جمرة العقبة) والذبح في يوم النحر، وتقديمه على طواف الإفاضة في ذلك اليوم؛ للاتباع، وأن يعود يوم النحر إلى منى من مكة بعد طواف الإفاضة والسعي إن لم يكن سعى وإن دخل وقت الظهر.
والأفضل: أن يكون بحيث يدرك أوّل وقت الظهر بمنى حتى يصليها بها؛ للاتباع، كذا قالوه. واعترضه (حج) في الحاشية بأن ما في مسلم عن ابن عمر:(أنه رجع وصلى الظهر بمنى) يعارضه ما فيه عن جابر: (أنه صلاها بمكة) فقولهم: يعود إلى منى يصلي بها الظهر، مشكل؛ إذ كان القياس أن يقولوا: يصلي الظهر بمكة ثم بمنى، أو في مكة فقط.
(والابتداء باليمين) كله من رأس المحلوق وبمقدمه ثم الأيسر (واستقبال) المحلوق لجهة (القبلة) وأن يكبر بعد فراغه، ويدفن شعره في غير محل مطروق.
(واستيعاب) حلق (الرأس للرجل) وأن لا يشارط الحالق عليه بأن يدفع الأجرة التي تطيب بها نفسه إليه معجلة، وأن يأخذ شيئاً من ظفره وشاربه، ويمسك ناصيته بيده عند الحلق ويكبر ثلاثاً نسقاً.
ثم يقول: (اللهم هذه ناصيتي بيدك، فاجعل لي بكل شعرة نوراً إلى يوم القيامة، واغفر لي ذنوبي).
وبعد فراغه: (اللهم آتني بعدد كل شعرة حسنة، وامح عني بها سيئة، وارفع لي بها درجة، واغفر لي وللمحلقين والمقصرين ولجميع المسلمين).
وأن يتطيب ويلبس والتقصير كالحلق في ما مر، ويسن ذلك لكل محلوق ولو في غير نسك.
والحلق للرجل غالباً أفضل من التقصير؛ لما في الخبر من الدعاء للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة.
(والتقصير) هو الأخذ من الشعر بنحو قص، وسن تعميم الشعر كله به (للمرأة) والخنثى ولو صغيرة أفضل؛ لخبر أبي داوود:"ليس على النساء حلق، وإنما عليهن التقصير".
ويكره الحلق وأخذه بنحو نورة، بل يحرم إن لم يأذن فيه حليل وسيد، أو قصدت التشبه بالرجال.
ولا يشرع إلا لسابع ولادتها ولتداوٍ واستخفاء من فاسق، وندب تعميم رأسها بالتقصير، وأن يكون بقدر أنملة.
وخرج بـ (غالباً): المتمتع، فيندب له التقصير في العمرة والحلق في الحج، وكذا لو قدم الحج .. قصر في الحج وحلق في العمرة؛ إذ لو عكس .. فاته حلق العمرة، لأنه يجيء ولا شعر برأسه.
وبه يعلم أن هذا فيمن لا يسود رأسه عند الحلق الثاني، وإلا .. ندب له الحلق مطلقاً.
وإنما لم يحلق بعض رأسه في الأول منهما وبعضه الآخر في الثاني؛ لأنه من القزع المكروه، وكثير يظنونه من التقصير، وإنما التقصير الأخذ من كل شعرة بعضها.
ولو نذر الرجل الحلق .. وجب للنذر، أمَّا النسك .. فيكفي له التقصير أو الحلق، ومن لا شعر برأسه وقت تحلله .. سقط عنه الحلق، وإن نبت بعد عن قرب، ويندب له إمرار الموسى في الذكر، وفي غيره إمرار آلة القص، تشبيهاً بالحالقين والمقصرين، وأن يأخذ من نحو لحيته وظفره.
* * *
(فصل: واجبات الحج) وهي ما يصح بدونها مع الدم، وكذا الإثم إن لم يعذر.
(ستة) متفق على الميقات والرمي منها، ومختلف في البقية، بل قيل: إنها سنة، ولا دم فيها.
واثنان منها -وهما الميقات وطواف الوداع- واجبان للعمرة أيضاً.
وجعلها بعضهم خمسة بجعل الرمي لجمرة العقبة يوم العيد، وغيره واحداً، وترك سابعاً وهو التحرز عن محرمات الإحرام.
ومما يجبر بالدم أيضاً: ترك الركوب، والحلق لأكثر من ثلاث شعرات المنذورين.
الأول: (المبيت) أي: الحضور (بمزدلفة وهو: أن يكون ساعة) أي: لحظة (من النصف الثاني) من ليلة النحر (فيها) أي: مزدلفة بعد الوقوف بعرفة؛ للاتباع، ولو ماراً كما في عرفة، وإن لم يكن أهلاً للعبادة، كما قال عبد الرؤوف مخالفاً فيه للشهاب الرملي.
وفارق مبيت منى بأنه ورد فيه لفظ المبيت، وإنما ينصرف للمعظم ولم يرد هنا؛ ولأن الضعفة رخص لهم في الانصراف بعد نصف الليل مع أنهم لا يأتونها إلا نحو ربع الليل الأول، وهو صريح في عدم وجوب المعظم.
وقيل: هو ركن، وقيل: إنه سنة، كما قيل ذلك في مبيت منى.
ولا يسن إحياء ليلتها؛ للاتباع، وليستعين بالإراحة فيها على أعمال ما بعدها كما في "التحفة".
لكن قال غيره: يسن إحياؤها بغير صلاة.
(ولا يجب) مبيتها كمبيت منى (على من له عذر) -مما يأتي في مبيت منى- ولا على من اشتغل عنه بالوقوف بعرفة أو بطواف الإفاضة، لكن ظاهر "النهاية": عدم رضا الأخير.
(و) الثاني: (رمي جمرة العقبة سبعاً) يوم النحر، ويجوز فيما بعده إلى آخر أيام التشريق.
(و) الثالث: (رمي الجمرات الثلاث أيام التشريق، كل واحدة) يرميها لكل يوم منها (سبعاً) إن لم ينفر النفر الأوَّل، وإلا .. فلليومين الأوَّلين.
(و) الرابع: (مبيت لياليها الثلاث) إن لم ينفر النفر الأوَّل (أو الليلتين إذا أراد النفر الأوَّل في اليوم الثاني) من أيام التشريق، ويعذر في ترك مبيتها ومبيت مزدلفة بكل ما يعذر به في الجمعة والجماعة مما مر هناك؛ (لأنه صلى الله عليه وسلم رخص للعباس رضي الله عنه أن يبيت ليالي منى بمكة، ولرعاة الإبل أن يتركوا المبيت).
وقيس بهما ما في معناهما من أهل السقاية ولو بغير مكة ولو محدثة، وجميع الرعاة ولو متبرعين إن خرجوا من منى ومزدلفة قبل الغروب وتعسر إتيانهم بالدواب إليهما، وخافوا من تركها ولو باتوا بهما ضياعاً وغيرهم ممن يعذر بما مر.
وهذه الأعذار لا تسقط الرمي، وإنما يسقط: إذا عجز عنه بنفسه، وبنائبه لنحو فتنة.
ويسن أن يخطب الإمام أو نائبه بهم بعد ظهر يوم النحر بمنى خطبة فردة، يعلمهم فيها أحكام الرمي والطواف والمبيت والنحر.
قال في "الأسنى": (وهو مشكل؛ لأن المعتمد فيها الأحاديث، وهي مصرحة بأنها كانت ضحوة).
ثم يخطب بهم بعد الظهر بمنى ثاني أيام التشريق خطبة يعلمهم جواز النفر الأوَّل فيه ويودّعهم ويحثهم على ملازمة التقوى، فإن ذلك علامة الحج المبرور.
ولكن هاتان قد تركتا من أزمان طويلة.
فعلم: أَنَّ خطب الحج أربع، وكلها فرادى وبعد صلاة الظهر إلا التي بعرفة .. فثنتان، وقبل صلاة الظهر أيضاً.
فروع:
مزدلفة من الازدلاف، وهو القرب؛ لقرب الحجاج منها إلى منى، أو من الاجتماع؛ للاجتماع بها، وطولها: سبعة آلاف ذراع وثمانون ذراعاً وأربعة أسباع ذراع، وذلك من مَأْزِمَي عرفة إلى وادي (مُحَسِّر) -بضم ففتح فكسر السين المشددة-: وادٍ بين منى ومزدلفة، طوله خمس مئة ذراع، وخمسة وأربعون ذراعاً، وهذه عرضه.
وندب الإسراع فيه لذكر قدر رمية حجر حتى يقطع الوادي الصغير الذي ببطنه.
وسميت منى بمنى؛ لما يمنى -أي: يراق- فيها من الدماء، واختصت بخمس فضائل:
رفع ما يقبل من حصى الرمي، وكف الحدأة عن اللحم بها، والذباب عن الحلو، وقلة البعوض، واتساعها.
واختصت جمرة العقبة عن أختيها برمي يوم العيد، وكونه قبل الزوال، وبالتكبير مع رميها يوم النحر، وفي غيرها عقبه، وسَنِّ استقبالها يوم النحر، وكونها ليست من منى، وبعدم سنّ الوقوف عندها للدعاء بخلاف أختيها، فيسنّ بعد الرمي بقدر (سورة البقرة) عندهما، وأنها ترمى من جهة وهي أسفلها، وأختيها ترميان من جميع الجوانب، وبأنها يؤخذ حصاها ليلاً من مزذلفة.
(و) الخامس (الإحرام من الميقات) كما مر بما فيه.
(و) السادس (طواف الوداع) على كل من أراد مفارقة مكة من حاج ومعتمر وغيرهما، ومكي وغيره، أو من منى عقب نفره منها وإن طاف للوداع عقب طوافه للإفاضة عند عوده إلى منى من مكة؛ إذ لا يكون طواف وداع إلا بعد الفراغ من جميع نسكه.
وإنما يجب على من أراد مفارقة ما ذكر إلى سفر قصر مطلقاً أو إلى وطنه أو محل يريد الإقامة فيه توطناً وقد فرغ من جميع نسكه إن كان في نسك ولا عذر له.
بخلاف من له عذر كحائض ولو حكماً، كمتحيرة ونفساء ومن به قرح سائل، وخائف من ظالم أو غريم وهو معسر، أو فوت رفقة، ومن فقد الطهورين، وفارق عمران مكة قبل زوال عذره وإن زال عقب ذلك.
لكن بحث الأذرعي لزوم الدم على غير نحو حائض؛ لكون منعها عزيمة، ومنعهم رخصة، واستوجهه في "الإمداد".
قال الكردي: وترك طواف الوداع بلا عذر ثلاثة أقسام:
أحدها: لا دم فيه ولا إثم، وذلك في المسنون منه، وفيمن بقي عليه شيء من أركان النسك، أي: أو شيء من واجباته كما قاله: (سم)، وفيمن خرج من عمران مكة لحاجة ثم طرأ له السفر، أي: لأنه لم يخاطب به عند خروجه.
ثانيها: عليه الإثم ولا دم، وذلك فيمن تركه عامداً عالماً، وقد تركه بغير عزم على عودٍ ثم عاد قبل وصوله لما يستقر به الدم، فالعود يسقط الدم لا الإثم.
ثالثها: مايلزم بتركه الإثم والدم، وذلك في غير ما ذكر، ولو لزمه الصوم بدل الرمي مثلاً فصام الثلاثة، وأراد السفر لبلده .. لزمه طواف الوداع وإن بقيت السبعة إلى وطنه، بل وإن لم يصم شيئاً، بخلاف من سافر يوم النحر فلا يطوفه؛ لأنه لم ينتقل إليه إلا بالترك، ولم يتحقق إلا بفوات الوقت ولم يفت، ويلزم الأجير فعله، ويحط؛ لتركه ما يقابله.
وترك بعضه ولو خطوة وسهواً كترك كله، ففيه الدم ما لم يعد قبل وصوله ما مر.
ويطوفه بشرطه، وهو أن لا يمكث فيما تشترط مجاوزته في القصر بعده وبعد ركعتيه، ودعائه بعدهما وعند الملتزم، وإتيانه زمزم وشربه منها، وبعد شد رحله وشراء زاد ولو مع تعريج الطريق لنحو رخصة، وصلاة أو جماعة أقيمت، وكذا كل شغل بقدر صلاة الجنازة بأخف ممكن وإن كثر ذلك.
فإن مكث زيادة على ذلك ولو ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً .. أعاده.
وسن لمن أتى به وبركعتيه أن يدعو بعدهما، ويأتي (الملتزم)، وهو ما بين الحجر الأسود والباب، فيلصق به بطنه وصدره ويبسط يديه عليه اليمنى على ما يلي الباب، واليسرى على ما يلي الحجر، ويضع خده الأيمن أو جبهته عليه، ويدعو بما أحب مبتدئاً بالثناء عليه تعالى والصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، والمأثور أفضل.
ومنه: (اللهم البيت بيتك والعبد عبدك وابن عبدك وابن أمتك، حملتني على ما سخرت لي من خلقك حتى سيرتني في بلادك وبلغتني نعمتك حتى أعنتني على قضاء مناسكك، فإن كنت رضيت عني .. فازدد عني رضاً، وإلا .. فمن الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري ويبعد عنه مزاري، هذا آوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك.
اللهم فاصحبني العافية في بدني والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني العمل بطاعتك ما أبقيتني واجمع لي خير الدنيا والآخرة.
اللهم لا تجعله آخر العهد عن بيتك، فإن جعلته آخر العهد فعوضني الجنة).
ويختم دعاءه بما افتتحه به من الثناء والصلاة والسلام، ثم يذهب إلى زمزم مع صدق
نية، ويقصد بشربه نيل مطلوباته؛ فإنَهُ لِمَا شُرِب له ويتضلع منهما ما أمكنه.
ثم يعود لاستلام الحجر وتقبيله والسجود عليه ثلاثاً، ثم ينصرف تلقاء وجهه كالمتحزن مستدبر البيت، ويخرج من باب بني سهم.
تنبه: أفهم ما مر أن طواف الوداع ليس من المناسك، وإلا لما وجب على غير حاج ومعتمر.
وقضية عدهم له من واجبات الحج: أنه منها، وبه قال الغزالي وإمامه حتى قالا: لا يجب على غيرهما، لكن صحح الشيخان: أنه ليس منها.
وعليه: فلا يندرج في نية النسك، بل يحتاج لنية مستقلة، وبه قال (م ر) وغيره.
لكن قال (حج): إن نية النسك تشمله؛ لأنه وإن لم يكن منه فهو من توابعه، والله أعلم.
* * *
(فصل) في سنن تتعلق بالمبيت والرمي، وفي بعض شروطه.
(ويسن) أن يغتسل أو يتيمم بمزدلفة، وأن يتقدم بعد نصف الليل إلى منى الضعفةُ والنساء إن أرادوا تقديم الرمي؛ للاتباع، وليرموا قبل الزحمة، ويبقى غيرهم بمزدلفة حتى يصلوا الصبح بغلس، أي: أول وقتها.
وتتأكد صلاة الصبح للذكر مع الإمام بمزدلفة؛ للخلاف في وجوبها معه.
ثم بعد صلاة الصبح يسن (الوقوف) بأي جزء من مزدلفة مستقبل القبلة، والأفضل: كونه (بالمشعر الحرام) إن أمكن بلا مزاحمة، وإلا .. فيقرب منه ما أمكن، وهو المبني عليه البناء الموجود الآن. وهو جبل قزح بآخر مزدلفة، وتحصل السنة بالمرور فيه، ويذكرون إلى الإسفار، ومنه:(الله أكبر ثلاثاً، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد)، ويكثرون من:(رَبَّنَا آتِنَا)[البقرة:200] الآية، والتلبية والدعاء؛ لآية (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ) [البقرة:198].
(وأخذ حصى) رمي (جمرة العقبة) يوم النحر، وهي سبع (منها) ويزيد قليلاً؛ إذ قد يسقط منها شيء؛ لما صح أنه صلى الله عليه وسلم قال للفضل بن عباس:"التقط لي حصى" فلقط حصيات مثل حصى الخذف.
واستشكل بالأمر بأخذ الحصى من وادي محسر، وأجيب بأنه محمول على حصى غير جمرة العقبة؛ إذ الأولى أخذها منه أو من منى غير الجمرات؛ إذ لم يبق فيها من الحصى إلا ما لم يقبل، فيكره أخذه منها ومن الحل ومن محل متنجس ما لم يغسل، فيسن غسل ما احتمل نجاسته.
ويسن كون أخذ الحصى من المشعر الحرام بعد صلاة الصبح، إلا لمن يريد الخروج منها ليلاً .. فيأخذها ليلاً من مزدلفة.
ثم عقب الإسفار يسيرون إلى منى بسكينة ذاكرين ملبين، ومن وجد فرجة .. أسرع، كمن بلغ بطن محسر قدر رمية حجر وإن لم يجدها.
ويدخلون منى بعد ارتفاع الشمس قدر رمح، فيرمي كل جمرة العقبة إذا وصلها راكباً أو ماشياً بسبع رميات وجوباً ولو بحصاة واحدة كررها وإن كره، وهذا هو الأفضل، وإلا .. فيجوز رميها من نصف ليلة النحر إلى آخر أيام التشريق.
وندب في رميها يوم النحر فقط الاستقبال للجمرة، وهذا الرمي تحية منى، فالأولى أن يبدأ به فيها قبل كل شيء حتى عن نزول الراكب وجلوس الماشي إلا لضرورة، أو عذر كزحمة أو انتظار وقت فضيلة لمن تقدم دخوله إليها قبل ارتفاع الشمس.
(و) يسن (قطع التلبية عند ابتداء الرمي) لجمرة العقبة إن بدأ به، وإلا .. فعندما ابتدأ به من حلق أو طواف.
والمعتمر يقطعها عند ابتداء الطواف؛ لأنها شعار الإحرام وقد أخذ بنحو الرمي في أسباب التحلل منه.
(والتكبير مع كل حصاة) فيقول: (الله أكبر -ثلاثاً- لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد).
لكن في "التحفة": أنه يقتصر على تكبيرة واحدة.
ثم بعد الرمي ينزل في أي محل من منى، والأفضل: النزول في منزله صلى الله عليه وسلم فما قاربه، وهو يسار مصلى الإمام بين قبلة مسجد الخيف والمنحر الذي بين الجمرة الأولى والوسطى وإلى المنحر أقرب.
ثم يذبح هديه، وهو ما يهدى به لمكة وحرمها؛ تقرباً، ودم الجبران والمحظور والأضحية إن كانت، ثم يحلق أو يقص، ثم يذهب لمكة لطواف الركن، وهذا كله سنة.
(ويدخل وقت) جواز (الحلق ورمي جمرة العقبة وطواف الإفاضة بنصف ليلة) يوم (النحر) لمن وقف بعرفة قبله، ويندب تأخيرها بعد طلوع شمس ذلك اليوم؛ للاتباع.
(ويبقى) جواز (الرمي) حتى رمي يوم النحر (إلى آخر) أيام (التشريق).
ووقت الذبح الواجب (والحلق) والتقصير (والطواف) والسعي إن لم يقدمه يبقى (أبداً) ما دام حياً.
نعم؛ يكره تأخيرها عن يوم العيد وعن أيام التشريق أشد كراهة، وعن خروجه من مكة أشد.
أمَّا الهدي المندوب .. فوقته وقت الأضحية، فيفوت بفوات أيام التشريق.
(و) بما تقرر علم أنه (تسن المبادرة بطواف الإفاضة) يوم النحر (بعد رمي جمرة العقبة) والذبح والحلق.
(فيدخل مكة) بعد ذلك (ويطوف ويسعى) بعد الطواف (إن لم يكن قد سعى) بعد طواف القدوم (ثم يعود إلى منى)؛ ليصلي بها الظهر لأوّل وقتها؛ للاتباع في كل ذلك كما مر بما فيه في فصل الحلق.
(ويبيت بها) معظم كل ليلة من (ليالي التشريق) إن لم ينفر النفر الأول بشرطه، وإلا .. فمعظم كل من الليلتين الأوّلتين منها، كما يأتي.
(ويرمي) وجوباً اتفاقاً، ويدخل وقته لكل يوم بزوال شمسه، ويبقى إلى آخر أيام التشريق أداء، حتى لو أخره كله حتى رمي يوم العيد إلى آخر أيام التشريق ورمى فيه مرتباً، كما يأتي .. جاز.
والأفضل: أن يرمي (كل يوم من أيام التشريق) الثلاث إلى كل من (الجمرات الثلاث) لكل يوم (بعد الزوال) لشمسه (كل واحدة) يرميها في كل يوم بـ (سبع حصيات) يقيناً بعد الزوال، وقبل صلاة الظهر إن لم يضق الوقت ولم يجمع تأخيراً،
وهذا وقت الفضيلة فيه، ويبقى وقت الاختيار لكل يوم إلى غروب شمسه، ثم الجواز بكراهة إلى آخر أيام التشريق.
(ويشترط) للرمي شروط:
الأول: وهو مختص بجمرة العقبة كون الرمي من أسفلها من بطن الوادي.
فلو رمى من أعلاها أو جنبها أو وسطها إلى المرمى .. جاز، بخلاف ما لو رمى إلى خلفها .. فلا يصح كما في "الشرح".
والثاني: (رمي السبع الحصيات) في كل من الجمرات (واحدة) بعد (واحدة) إلى فراغ السبع ولو بتكرير حصاة واحدة.
فلو رمى بسبع مثلاً مرة واحدة، أو حصاتين كذلك، إحداهما بيمينه والأخرى بشماله .. فواحدة، أو رماهما مرتين فوقعتا معاً .. فثنتان.
(و) الثالث (ترتيب الجمرات في أيام التشريق).
فيرمي أولاً الجمرة التي تلي مسجد الخيف، ثم الوسطى ثم جمرة العقبة، فلا يعتد برمي مؤخرة قبل تمام ما قبلها، وكذا في الزمان، فيرمي الثلاث عن أمسه ثم عن يومه، ولا بد من أن يرميها أولاً عن نفسه ثم غيره، فإن خالف .. وقع عن أمسه وعن نفسه.
ولو رمى أربع عشرة حصاة إلى جمرة عن أمسه ويومه، أو عن نفسه وغيره .. وقعت سبع عن أمسه في الأولى، ونفسه في الثانية، وألغيت السبع الثانية.
ولو شك في العدد .. بنى على الأقل.
ولو ترك حصاة وشك في محلها .. جعلها من الأولى، فيرميها ثم يعيد رمي الجمرتين الأخيرتين، ولو احتمل كونها من جمرة العقبة يوم العيد .. رماها إليها، وأعاد ما مضى إن بقيت أيام التشريق، وإلا .. فعليه دم.
والرابع: عدم الصارف للرمي إلى غير نسك.
فلو قصد نحو جودة رمية .. لم يصح، أمَّا لو صرفه إلى نسك، كأن صرفه من نفسه لغيره .. فيصح له، ولا ينصرف للغير وإن عذر وأنابه.
الخامس: قصد الرمي.
فلو قصد غيره .. لم يكف وإن وقع فيه، كرميه نحو حية في الجمرة ورميه العلم
المنصوب في الجمرة عند (حج)، قال: نعم إن رمى إليه بقصد الوقوع في الجمرة فوقع فيها .. أجزأ.
قال عبد الرؤوف: الأوجه أنه لم يكف؛ لصرفه عن الجمرة إلى العلم.
وفي "الإيعاب": أنه يغتفر للعامي ذلك.
و (المرمى): هو المحل المبني فيه العلم ثلاثة أذرع من جميع جوانبه، إلا جمرة العقبة .. فليس لها إلا جهة واحدة.
واعتمد (م ر): إجزاء رمي العلم إذا وقع في المرمى، قال: لأن العامة لا يقصدون بذلك إلا فعل الواجب.
والسادس: إصابة المرمى يقيناً بفعله وإن لم يبق فيه.
(و) السابع: (أن يكون) الرمي (بين الزوال والغروب فيها) أي: أيام التشريق، وهو ضعيف، إلا أن يريد أنه لا يصح رمي كل يوم إلا بعد زواله لا قبله، ويؤيده ما يأتي.
(و) الثامن: (كون المرمي) به (حجراً) ولو ياقوتاً وإن رمى به في نحو خاتم ونقصت به قيمته؛ لأن حرمة ذلك لأمر خارج، وحجر حديد وبلور وعقيق وحجر ذهب وفضة لا نفسهما، ولا لؤلؤ وإثمد وحجر نورة وجص وزرنيخ ونحوها.
(و) التاسع: (أن يسمى رمياً) فلا يكفي الوضع في المرمى.
(و) العشر: (كونه باليد)؛ للاتباع، لا بنحو رجله أو قوسه مع القدرة عليه باليد، وبه يجمع بين من قال: يجوز، ومن قال: لا يجوز.
وإذا عجز عنه باليد .. قدم القوس فالرجل فالفم.
(وسننه) كثيرة فمنها: الموالاة.
و (أن يكون) باليد اليمنى، ويرفعها الذكر حتى يرى بياض إبطه، ويستقبل القبلة حال الرمي في أيام التشريق.
وكونه بحصى طاهر، و (بقدر حصى الخذف) -بخاء وذال معجمتين- وهو: قدر الباقلا؛ لخبر مسلم: "عليكم بحصى الخذف الذي يرمى به الجمرة"، ويكره دونه وفوقه، وأخذه من الحل ومن المرمى وموضع نجس وإن غسله؛ لبقاء استقذاره، وبهيئة الخذف.
ويصح بحجر ملء الكف وأكبر منه وإن لم ينقله إلا بيديه معاً.
ويجب على من عجز عنه لعذر يُسقِط القيام في فرض الصلاة إنابةُ من يرمي عنه ولو بأجرة فضلت عما يعتبر في الفطرة إن أيس ولو ظناً من القدرة عليه في أيام التشريق، وإلا .. أخره، ولو شفي بعد رمي النائب عنه .. لم تجب إعادته.
وشرط النائب كونه مكلفاً أو مميزاً بإِذن وليه قد رمى عن نفسه، فلا يرمي عنه في يوم إلا بعد رميه عن نفسه.
(ومن ترك رمي جمرة العقبة) يوم النحر كله أو بعضه (أو) رمي (بعض أيام التشريق) ولو بغير عذر .. جاز.
و (تداركه في باقيها) ولو في آخر يوم منها، يكون حينئذٍ أداءً في الأظهر؛ لأنه جوَّزه عليه الصلاة والسلام للرعاة، ولو وقع قضاءً لما دخله التدارك، كالوقوف بعرفة ومبيت مزدلفة.
وأفهم قوله: (في باقيها) -أي: أيام التشريق- أنه ليس له تداركه ليلاً، والمعتمد: جوازه ليلاً وقبل الزوال.
بل جزم الرافعي وتبعه الإسنوي، وقال: إنه المعروف بجواز رمي كل يوم قبل زواله، وعليه فيدخل بالفجر.
(ومن أراد النفر) الأول (من منى في ثاني أيام التشريق .. جاز) ولا دم عليه؛ لآية (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ)[البقرة:203].
والأفضل: التأخير للنفر الثاني سيما الإمام إلا لعذر كخوف وغلاء؛ للاتباع.
قال الكردي: (وللنفر الأول ثمانية شروط ثلاثة منها تدخل في غيرها، فتعود لخمسة:
الأول: أن ينفر في اليوم الثاني من أيام التشريق.
الثاني: أن يكون بعد الزوال.
الثالث: أن يكون بعد جميع الرمي.
وعليه: فلا بد لمن رمى جمرة العقبة ثاني أيام التشريق من أن يعود إلى منى؛ ليكون نفره منها بعد جميع الرمي؛ لأنها خارج منى، وإلا .. لم يصح نفره الأوّل.
الرابع: أن يكون قد بات الليلتين قبله بمنى أو تركهما لعذر.
الخامس: أن ينوي النفر.
السادس: كون نية النفر مقارنة له، لكن يغني عن هذا نية النفر.
السابع: أن ينفر قبل الغروب، أي: تغرب بعد ارتحاله وإن لم ينفصل من منى، وكذا لو غربت وهو في شغل الارتحال عند (حج)، وإلا .. لزمه مبيت الثالثة ورمي يومها، ويغني عن هذا ذكر اليوم السابق أول الشروط.
ثامنها: أن لا يكون في عزمه العود إلى المبيت، وهذا يغني عنه ذكر النفر؛ لأنه مع العزم على العود لا يسمى نفراً) اهـ
فإن اختل شرط مما ذكر .. لم يجز له النفر الأول، ولزمه مبيت الثالثة ورمي يومها.
واعلم: أن في ترك مبيت الليالي الثلاث دماً، كترك ثلاث فأكثر من حصى الرمي، وفي واحدة منها مد طعام، وفي ثنتين مدان.
فإن عجز عن الإطعام .. ففي الواحدة صوم يومين يجب كونهما بعد أيام التشريق فوراً إن تعدى بالترك، وثلاثة إذا وصل وطنه، وفي الثنتين ثلاثة قبل رجوعه لوطنه، وخمسة إذا رجع.
ووجهه: أن في الثلاث عشرة أيام بدل الدم؛ لأنه دم ترتيب وتقدير، ففي الواحدة ثلث العشرة، وهو بتكميل المنكسر أربعة أيام، فيصوم ثلاثة أعشارها معجلاً، وهو بتكميل المنكسر يومان، وسبعة أعشارها إذا رجع، وهو ثلاثة بتكميل المنكسر، وقيل: بدل الحصاة ثلاثة أيام، وثلث ثلاثة أعشارها يوم، ولا كسر، وسبعة أعشارها ثلاثة بتكميل المنكسر، فالأوّل يكمل المنكسر قبل القسمة، والثاني بعدها.
وأمَّا وجوب المد هنا مع أن الدم دم ترتيب وتقدير، وهو لا إطعام فيه .. فلأنه لما ألحق بدم التمتع الذي لا يتصور وجوب بعضه، ولم يكن فيه إلا دم أو صوم، وتبعيض الدم عسر، وكذا الصوم؛ لما يلزمه من تكميل المنكسر، انتقل لجنس آخر أخف منهما؛ للسهولة، فنزل المد منزلة ما ناب عنه، وهو ثلث الدم في كونه مرتباً، فلا يعدل القادر عليه لثلث الصوم، ويجوز الدم عنه كما في "الحاشية".
ولو أخرج ثلث الدم في حصاة أو ثلثيه في حصاتين .. أجزأه.
* * *