الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فصل: في سنن الصلاة)
أي: بعض سننها؛ إذ لم يذكر جميعها؛ لأنها كثيرة جداً.
والسنن: جمع سنة، وهي لغة: الطريقة ونحوها.
وشرعاً: ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه.
وتسمى بعضاً إن جبر تركها بالسجود، وإلا .. فهيئة.
والمراد هنا ما يشملهما، وبـ (الصلاة) الفرض والنفل.
(ويسن) لذكر مستور تفرقه بين قدميه قدر شبر، ولغيره ضمها، ولكل (التلفظ بالنية) أي: المنوي السابق فرضه كقصد الفعل ونفله كعدد الركعات (قبيل التكبير)؛ ليساعد اللسانُ القلبَ، ولأنه أبعد عن الوسواس، وخروجاً من خلاف من أوجبه في كل عبادة لها نية -وإن شذ- قياساً على الحج.
(واستصحابها) ذُكراً -بضم أوله- بقلبه إلى فراغها؛ لأنه معين على الحضور، وأبعد عن الوسواس والشك.
أمَّا استصحابها حكماً بأن لا يأتي بما ينافيها من نحو قطع .. فواجب في جميعها.
(ورفع اليدين) ولو مضطجعاً، وامرأة إجماعاً؛ للأحاديث الصحيحة.
قال الشرقاوي: والسنة تحصل بأي رفع.
والأكمل أن ينظر أولاً إلى موضع سجوده، ويطرق رأسه قليلاً، ثم يرفع يديه (مع إبتداء) همزة (تكبيرة الإحرام).
(و) أن تكون (كفه) أي: كل منهما (مكشوفة)؛ لكراهة سترهما إلا لعذر.
ويظهر أن منه سترَ المرأة كفيها خوفاً من أن يظهر شيء مما يجب ستره من يديها، سيما عند رفعهما في نحو ركوع.
ومتوجهة ببطنها (إلى الكعبة) أو بدلها.
(ومفرجة الأصابع) تفريجاً وسطاً؛ ليكون لكل عضو استقلال بالعبادة، وأن يميل عند (م ر) أطرافها نحو القبلة؛ ليحصل محاذاة أطراف الأصابع لأعلى أذنيه.
(و) أن يكون رفعه (محاذياً بإبهاميه) أي: بروؤسهما (شحمة أذنيه) وبروؤس بقية الأصابع أعلى أذنيه، وبكفه ومنكبيه.
وهذه الكيفية جمع بها الشافعي بين الروايات المختلفة في ذلك.
(وينهي رفع اليدين) بهيئتهما المذكورة (مع آخر التكبير) على المعتمد، ولو فعل بعض ما ذكر .. أثيب عليه، وفاته الأكمل.
(ويرفع) أيضاً (يديه) والأكمل كونهما بهيئتهما المذكورة السابقة في رفع التحرم.
(عند الركوع) بأن يبدأ به قائماً مع ابتداء تكبيرة الإحرام، فإذا حاذى كفاه منكبيه .. انحنى مادّاً التكبير إلى استقراره في الركوع؛ لئلا يخلو جزء من صلاته من ذكر، وكذا سائر الانتقالات حتى في جلسة الاستراحة، كما يأتي.
(و) عند (الاعتدال) يرفع يديه، والأكمل كونهما بهيئتهما في التحرم، وكون الرفع مع ابتداء رفع رأسه إلى انتصابه، فإذا انتصب قائماً .. أرسل يديه.
وقيل: يجعلهما تحت صدره كالقيام.
(و) عند (القيام من التشهد الأول) فيرفع يديه كما مر؛ للاتباع.
أمَّا في الأولين .. فلثبوته من رواية نحو خمسين صحابياً، كما في "الأشباه" للسيوطي.
بل قال ابن خزيمة وغيره بوجوبه.
وأمَّا الثالث .. فلثبوته في "صحيح البخاري"، وغيره.
وزاد بعضهم: الرفع من القيام من السجود، وقيده بعضهم، كما قاله الشرقاوي بمن قام من جلسة الاستراحة.
وقد بينت ذلك في "الأصل" وذكرت صحة الحديث به، وشمول بعض نصوص الشافعي له.
(فإذا فرغ من) تكبير (التحرم .. حط يديه) من انتهاء التكبير؛ لكراهة استدامة الرفع حينئذٍٍ (تحت صدره) وفوق سرته، وكذا إذا قام من التشهد الأول ومن السجود على
القول به (وقبض بكف) يده (اليمنى) وبأصابعها (كوع) يده (اليسرى) وهو العظم الذي يلي إبهام اليد (وأول الساعد) وبعض الرسغ، وهو المفصل بين اليد والساعد، وقد نظم بعضهم ذلك فقال:
وعظمٌ يلي الإبهام كوعٌ وما يلي
…
لخنصره الكرْسُوع والرسغُ ما وسط
وعظمٌ يلي إبهام رجل ملقبٌ
…
ببوعٍ، فخذ بالعلم واحذر من الغلط
وحكمة ذلك: أن يكون فوق أشرف الأعضاء، وهو القلب، الذي هو محل النية والإخلاص والخشوع؛ إذ من خاف على شيء .. وضع يده عليه.
وقيل: يبسط أصابعها في عرض المفصل، أو ينشرها صوب الساعد.
ولو ترك الرفع عمداً أو سهواً أول التكبير .. رفع أثناءه لا بعده؛ لزوال سنه حينئذٍ.
(و) يسن أيضاً للمصلي (نظر موضع السجود) أي: سجوده في جميع صلاته ولو صلاة جنازة، والأعمى ومن في ظلمة تكون حالتهما كحالة الناظر لمحل سجوده؛ لأنه أقرب إلى الخشوع (إلا عند الكعبة) .. فينظرها على ما قاله الماوردي، والمعتمد: أنه ينظر محل سجوده.
(وإلا عند قوله) في تشهده (إلا الله .. فينظر) ندباً، كما في خبر صحيح (مسبحته) -بكسر الباء- عند الإشارة بها ولو مستورة مادامت مرتفعة، وذلك إلى القيام في الأول، وإلى السلام في الأخير.
(و) ويسن، وقيل: يجب أن (يقرأ) في غير صلاة الميت ولو على القبر أو غائباً (دعاء الاستفتاح) سراً (عقب) أي: بعد (تكبيرة الإحرام) بأن لا يفصل ذكرغير مشروع بينهما إلا بسكتة يسيره؛ للاتباع، إلا لمن أدرك الإمام في غير القيام، فلا يسن له -نعم؛ يسن لمن سلم إمامه قبل أن يجلس- وإلَاّ لمن خاف فوت بعض الفاتحة أو بعض الوقت بحيث يخرج بعض الصلاة عنه لو أتى به، لكن يرد على الأخير ما مر قبيل فصل (ومن جهل الوقت).
ومثله: التعوذ في غير الأول.
وإلا لمن شرع في التعوذ أو القراءة.
وورد فيه ادعية كثيرة أفضلها: "وجهت وجهي .. إلخ" إلا أنه يقول: وأنا من المسلمين، بدل: وأنا أول المسلمين.
ولا يزيد إمام عليه أن أتى به إلا إن أمَّ محصورين بمحل غير مطروق، وقد رضو بالتطويل، ولم يطرأ غيرهم وإن قل حضوره، ولا تعلق بعينهم حق، كأجراء إجارة عين على عمل ناجز، وأرقاء وحليلات.
(ومنه) أيضاً (الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً) ومنه أيضاً: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وغير ذلك.
(ويفوت) ندب دعاء الافتتاح (بالتعوذ) أي: بالشروع فيه، أو في القراءة ولو سهواً.
(وبجلوس المسبوق مع الإمام)؛ لفوات محله (لا بتأمينه معه) أي: مع الإمام؛ لأنه يسير.
(و) يسن (التعوذ) للقراءة بعد الافتتاح، وتكبيرات صلاة العيد إن أتى بهما ولو في صلاة جهرية، وكونه في الصلاة (سراً) ولو في صلاة جهرية كسائر الأذكار.
أمَّا خارجها .. فيجهر به للفاتحة وغيرها إن جهر به و (قبل القراءة) فيفوت بالشروع في البسملة لا بالتكبيرات.
وإنما يسن بشروط دعاء الافتتاح السابقة، لكنه يخالفه في أنه يسن في صلاة الجنازة، ولمسبوق جلس مع إمامه بعد قيامه.
و (في كل ركعة) وفي كل من قيامات الكسوف، وهو في الأولى آكد، لا للقراءة بعد القيام من سجدة التلاوة؛ لقرب الفصل.
قال في "التحفة": (أخذ منه أنه لا يعيد البسملة أيضاً وإن كان السنة لمن ابتدأ من أثناء سورة غير براءة أن يبسمل، وكسجود التلاوة كل ما يتعلق بالقراءة، بخلاف ما إذا سكت إعراضاً، أو تكلم بأجنبي وإن قل كرد سلام، وألحق بذلك إعادة السواك) اهـ
وقيد (م ر) ندب التعوذ والتسمية في أثناء السورة بخارج الصلاة.
ومفهومه: أنه لا يتعوذ ولا يبسمل لأثناء السورة في الصلاة، وقرره بعضهم، وعلى ما مر عن "التحفة". فالبسملة في أثناء السورة ليست قرآناً؛ إذ لا بسملة هناك، فيسر بها مطلقاً في الصلاة كالتعوذ.
وأفضل صيغ التعوذ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، والافتتاح أفضل منه؛ للقول بوجوبه.
(و) يسن -ولو خارج الصلاة، وفيها آكد سواء الإمام والمنفرد والمأموم لقراءته وقراءة إمامه الذي سمع من آخر فاتحته جملة مفيدة- (التأمين) أي: قول آمين، بمعنى استجب، مخففة الميم مع المد أفصح منه مع القصر، فإن شدد الميم على معنى قاصدين إليك يا رب وأنت أكرم من أن تخيب قاصداً .. لم يضر، وإلا .. بطلت صلاته.
وإنما يسن (بعد فراغ) قراءة (الفاتحة) أو بدلها؛ للخبر الصحيح: "إذا قال الإمام: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّآلِّينَ) [الفاتحة:7] .. فقولوا: آمين، فإنه من وافق قوله قول الملائكة -أي: في الزمن، وقيل: في الإخلاص- غفر له ما تقدم من ذنبه"، أي: من الصغائر، بل قيل: ومن الكبائر.
تنبيه: عبر المصنف بـ (عقب الفاتحة)، وهو يفيد فوت التأمين بالتلفظ بغيره بعد (وَلا الضَّآلِّينَ)، وبالركوع ولو سهواً فيهما، وكذا بسكوت طويل عند (حج).
نعم؛ يسن بعد (وَلا الضَّآلِّينَ)، وقبل "آمين" كما في الخبر:"رب اغفر لي".
قال السيد عمر البصري: (فإن زاد: ولوالدي ولجميع المسلمين .. لم يضر) اهـ
وهو مساوٍ لقول غيره: لا بأس بذلك، أي أنه لا مسنون ولا مكروه.
وندب لكل أحد سكتة لطيفة بين آخر (الفاتحة) و"آمين"، وحسن بعدها زيادة "رب العالمين".
والأفضل: تأمين المأموم مع تأمين إمامه؛ ليوافق تأمين الملائكة وإن وصل التأمين بالفاتحة، ولأن التأمين لقراءة إمامه وقد فرغت، فالمراد من خبر:"إذا أمن الإمام .. فأمنوا" إذا أراد أن يؤمن.
ولا يسن تحري موافقته إلا في هذا، فإن فاتته المقارنة .. أمَّن عقبه وإن شرع في
السورة، ولو أخره عن زمنه المسنون .. آمن قبله؛ اعتباراً بالمشروع.
ووقضيته: أنه لو جهر به في السرية .. لايؤمن لقراءته، واعتمده في "الأسنى"، لكن في "التحفة"، و"النهاية" خلافه.
ولو فرغا من الفاتحة معاً .. كفى تأمين واحد، وإلا .. أمَّن لكل.
وقضية كلامهم: عدم ندبه لغير المأموم وإن سمع، كما في "التحفة".
(و) يسن للمأموم وغيره (الجهر به في الجهرية) على الأظهر في المأموم، وقطعاً في غيره؛ لما صح: أن ابن الزبير كان يؤمن هو ومَنْ وراءه بالمسجد حتى إن للمسجد للجة.
ولما صح عن عطاء: أنه أدرك مئتي صحابي بالمسجد الحرام يرفعون أصواتهم بالتأمين، وقيس بما فيهما: المنفرد.
فائدة: يجهر المأموم خلف الإمام في تأمينه؛ لتأمينه، ولدعائه في القنوت، وفي فتحه عليه، وتنبيهه، وفي نحو سؤال الرحمة عند قراءة آيتها، والجهر بتكبيرات الانتقالات إذا كان مبلغاً.
(و) يسن (السكوت) بين التحرم والافتتاح، وبينه وبين التعوذ، وبينه وبين البسملة.
و (بين آخر "الفاتحة" وآمين، وبين آمين والسورة) إن قرأها، وبين آخرها والركوع؛ ليتميز آمين عن القراءة، وإلا .. فبين آمين والركوع.
(و) كلها بقدر سبحان الله، إلا التي بين آمين والسورة (يطولها الإمام) ندباً (في الجهرية بقدر "الفاتحة") التي يقرأها المأموم إن ظن قراءة المأموم لها؛ ليتفرغ لسماع قراءة الإمام، ويشتغل في سكوته هذا بذكرٍ أو قراءة، وهي أولى إن رتب ووالى.
وندب: كون قراءة الأولى أطول من قراءة الثانية (و) سكتة لطيفة (بعد فراغ السورة) على ما مر.
ويندب وصل البسملة بالحمدلة للإمام وغيره؛ لما ورد: (أن من فعل ذلك .. غفر له، وقبلت حسناته، وتُجُوِّز عن سيئاته، وأعيذ من عذاب النار وعذاب القبر وعذاب يوم القيامة، ومن الفزع الأكبر).
قال في شرحي "الإرشاد": نعم؛ الوقف على رؤوس الآي أفضل؛ للاتباع.
(و) يسن في سرية وجهرية -فرض ونفل لإمام ومنفرد ومأموم وسيأتي أنه إذا سمع قراءة إمامه .. لا يقرأ ذلك- (قراءة شيء من القرآن) ولو بعض آية مفهماً.
قال (سم): (لا يبعد التأدي بنحو الحروف في أوائل السور كـ: (ألم) و (ص)، بناء على أنه مبتدأ حذف خبره، أو عكسه، ولاحَظَ ذلك، والظاهر: أنه على هذا آية، غايته أنه حذف بعضها، وهو لا ينافي إفادتها) اهـ
نعم؛ إنما تندب لغير جنب فقد الطهورين؛ لحرمة غير (الفاتحة) عليه.
والأفضل: ثلاث آيات فأكثر، وسورة كاملة أفضل من البعض من طويلة إن ساواها، وكذا إن كان أطول منها عند (حج)، قال: للاتباع الذي قد يربو فضله على زيادة الحروف.
نعم؛ البعض الوارد أفضل من سورة كاملة غير واردة، كما في التراويح.
ويحصل أصل السنة بتكرير سورة في الركعتين وبالبسملة لايقصد أنها التي أول الفاتحة.
وإنما يسن ذلك: (بعد "الفاتحة") فإن قدمه عليها .. لم يحسب، وكونه (غير "الفاتحة") فلو كرر الفاتحة .. لم يكف إن حفظ غيرها.
وإنما يسن (في الصبح) ونحوها من كل صلاة ثنائية، كجمعة وعيد وسنة صبح.
(و) في (الأولتين من سائر الصلوات) المكتوبة الزائدة على الركعتين، كمغرب وظهر.
وفيما قبل تشهد أول من النوافل؛ للاتباع في المكتوبة، وقيس غيرها بها، فلا يسن في غير ذلك -لكن ثبتت قراءته صلى الله عيه وسلم في غير الأولتين أيضاً، والمثبت مقدم على النافي- ولا فيما بعد تشهد أول مطلقاً، ولا فيما بعد الأولتين من المكتوبة وإن لم يقرأ التشهد الأول.
نعم؛ يقرأ ذلك في أخيرة الوتر مطلقاً، وفيما لو فرغ المأموم من فاتحته قبل ركوع الإمام؛ إذ السكوت غير مطلوب في الصلاة إلَاّ للإنصات للإمام والمسبوق الذي فاتته
السورة دون شيء من الفاتحة، فيقضيها فيما يأتي به من الركعات كما يأتي (إلا المأموم إذا سمع) قراءة (الإمام) وميَّز حروفها ولو في صلاة سرية، فلا يسن له ذلك؛ وذلك للنهي عن قراءة ذلك خلف الإمام.
(وسورة كاملة أفضل من البعض) من طويلة وإن كان أطول منها؛ وفاقاً لـ (حج)، كما مر؛ للاتباع، ولاشتمالها على مبدأ ومقطع ظاهرين.
(و) يسن (تطويل قراءة الركعة الأولى) على الثانية بأن تكون على النصف من الأولى أو قريبة منه؛ للاتباع، ولأن النشاط فيها أكثر.
نعم؛ لو ورد تطويل الثانية، كما في:(سبح) و (الغاشية) في الجمعة .. اتبع.
ويسن كون ما يقرأه فيهما سراً وجهراً مرتباً إن أمكن، وإلا كما في (سبح) و (الغاشية) .. فالأولى أن يأتي في سكتة الثانية بذكر، وأفضل منه يقرأ فيها بعض (الغاشية) سراً، ثم يقرأها كلها جهراً، ولو تعارض الترتيب وتطويل الأولى، كأن قرأ في الأولى:(الإخلاص) .. فهل يقرأ في الثانية (الفلق) نظراً للترتيب، أو (الكوثر) نظراً للتطويل؟ والأقرب الأول، وأفضل منه أن يقرأ فيها بعض (الفلق)؛ ليجمع بين الترتيب والتطويل.
ولو لم يسمع قراءة الإمام .. سن له -وكذا في أولتي السرية- أن يسكت بقدر قراءة الإمام جميع فاتحته إن ظن إدراكها قبل ركوعه، وحينئذٍ يشتغل بدعاء أو ذكر لا بقراءة؛ لكراهة تقديمها على الفاتحة.
ولو علم أنه لا يمكنه قراءة الفاتحة بعد تأمينه مع الإمام .. سنَّ له أن يقرأها معه، ولا يجب.
(و) سن (الجهر) بالقراءة في الصلاة الجهرية لغير مأموم؛ لكراهته في غير ما مر عليه، و (لغير إمرأة) وخنثى (بحضرة) الرجال (الأجانب)؛ لكراهته لهما حينئذٍ؛ لخوف الفتنة، ويندب لهما في الخلوة وبحضرة المحارم والنساء، لكن دون جهر الرجل.
وإنما يسن جهر من ذكر: (في) أداء (ركعتي الصبح، وأولتي العشاءين)
العشاء على المغرب (و) في (الجمعة حتى ركعة المسبوق) التي بها (بعد سلام إمامه، وفي العيدين) أداءً وقضاءً (و) في (الاستسقاء) ولو نهاراً (والخسوف) للقمر (و) أداء (التراويح والوتر بعدها) -أي: في رمضان، سواء أصلي التراويح قبلها، أم بعدها، أم لم يصلها- وركعتي طواف وقعت وقت جهر؛ للأحاديث الصحيحة في أكثر ذلك، وقياساً في الباقي.
أمَّا القضاء .. فالعبرة فيه بوقته، فإن قضى ليلاً .. جهر ولو في النفل، أو نهاراً .. أسر إلا العيدين .. فيجهر فيهما مطلقاً؛ لورد الجهر بهما في النهار الذي هو محل الإسرار، وإلا ركعتي الفجر ووتر غير رمضان ورواتب العشاءين .. فيسر فيها مطلقاً؛ لورود الإسرار فيها في محل الجهر، فيستصحب.
والمراد بالليل من غروب الشمس إلى طلوعها، فيشمل وقت الصبح، وبالنهار ما عدا ذلك، فلو صلى ركعة من الصبح قبل طلوعها ثم طلعت .. أسر في الثانية وإن كانت أداء.
(و) يسن (الإسرار في غير ذلك) أي: في غير ما طلب الجهر فيه مما مر فإن أسر في جهرية أو عكسه بلا عذر .. كره.
نعم؛ إن شوش على نحو نائم .. أسر، كما في:"التحفة" وغيرها.
وإطلاق ذلك يشمل أنه يسر حتى في الفرائض، لكن قال (ع ش) على "شرح المنهج":(قضية تخصيص هذا التقييد، أي: تقييد الجهر بمن لم يشوش بالتوسط في نوافل الليل المطلقة أنَّ الجهر لا يترك فيما طلب فيه لذاته، كالعشاء فلا يترك لهذا العارض) اهـ
وسيأتي أن التشويش مكروه إن خف، وإلا .. حرم.
(والتوسط في نوافل الليل المطلقة بين الجهر والإسرار) بأن يجهر تارة، ويسر أخرى كما ورد كذلك في صلاة الليل (وقصار المفصل في المغرب) ولو لإمام غير محصورين، وسمي مفصلاً؛ لكثرة الفصول فيه بالبسملة بين السور، أو لقلة المنسوخ فيه.
(وطواله) بكسر الطاء، وضمها (للمنفرد، وإمام محصورين رضوا) بالتطويل نطقاً
عند (حج)(في الصبح، والظهر بقريب منه) أي: من طواله (وفي العصر والعشاء أوساطه)؛ للاتباع.
قال ابن معين: (طواله من "الحجرات" إلى "عم"، ومنها إلى "والضحى" أوساطه، ومنها إلى آخر القرآن قصاره). وجرى عليه المحلي، و (م ر) في "شرح البهجة"، ووالده في "شرح الزبد".
والمصنف هنا حيث مثَّل لأوساطه بقوله: (كـ"لشمس"، ونحوها) أي: في الطول، ونقل ذلك في "التحفة" بصيغة تَبَرّ، ولم يذكر غيره، والأصح: أن طواله كـ (ق)، و (المرسلات)، وأوساطه كـ (الجمعة)، وقصاره كسورتي (الإخلاص).
أمَّا إمام غير محصورين .. فيقتصر على قصاره إلا ما ورد .. فيأتي به وإن طال ولم يرضوا به.
(و) منه أنه يسن لغير مسافر إن اتسع الوقت (في أولى صبح الجمعة: "ألم تنزيل"، وفي الثانية: "هل أتى") بكمالهما؛ لثبوته مع دوامه من فعله عليه الصلاة والسلام.
والقول أنه يترك ذلك في بعض الأحيان؛ لئلا يعتقد العامة وجوبه، مخالف للوارد، ويلزم عليه ترك أكثر السنن المشهورة.
فإن ترك (ألم) في الأولى .. أتى بهما في الثانية، أو قرأ (هل أتى) في الأولى .. قرأ (ألم) في الثانية، وكذا كل صلاة سن فيها سورتان معينتان محافظة على الوارد.
ويسن أن يقطع غير المعينة ويأتي بالمعينة، والمسبوق إذا سمع قراءة "ألم" .. كان كقراءته لها، فيقرأ بعد سلام إمامه "هل أتى".
أما المسافر .. فيسن له في صبح الجمعة سورتا (الإخلاص)، بل قال الشرقاوي:(يسنان له في كل صلاة).
وأما إذا ضاق الوقت .. فيقرأ بعضهما عند (م ر)، وسورتين قصيرتين عند (حج).
وصح: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في عشاء الجمعة بـ (الجمعة)، و (المنافقين)، فيسنان فيها ولو لغير محصورين -وسيأتي أنه يقرأ في العيد والإستسقاء بـ (ق) و (اقتربت)، أو (سبح) و (الغاشية) وما يقرأه في الجمعة والوتر وغيرهما .. فهو من الوارد.
ويسن أن يقرأ سورتي (الكافرون)، و (الإخلاص) في: مغرب جمعة وسنته وسنة طواف واستخارة وإحرام وتحية مسجد وضحى وزوال وإرادة سفر ونحوها وفي صبح مسافر والأخيرتين من الوتر.
(و) يسن: (سؤال الرحمة) بنحو: اللهم اغفر وارحم (عند) قراءة (آية رحمة، والاستعاذة) بنحو: اللهم أعذني من النار (عند) قراءة (آية عذاب، والتسبيح عند آية التسبيح، وعند آخر "والتين"، و) آخر ("القيامة") أن يقول: (بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين، و) عند (آخر "المرسلات": آمنا بالله).
(يفعل ذلك) كله كل من (الإمام) والمنفرد لقراءة نفسه (والمأموم) لقراءة إمامه أونفسه حيث لم يسمع قراءة إمامه، وغير المصلي لكل قراءة سمعها (ويجهران) أي: الإمام والمأموم وكذا المنفرد (به) أي: بما ذكر (في الجهرية).
(و) يسن لكل مصل: (التكبير للانتقال) من كل ركن إلى ما بعده، ومن التشهد الأول إلى القيام (ومده إلى الركن الذي بعده، إلا في) رفعه إلى (الاعتدال) ولو في الثاني من قيام الكسوف ( .. فيقول) ولو مأموماً (سمع الله لمن حمده) أي: تقبل منه حمده، ويكفي من حمد الله .. سمِعََه.
والسنة الإسرار بذلك، إلا الإمام .. فيجهر به بقصد الذكر وحده، أو مع التبليغ، فإن قصد التبليغ وحده .. بطلت صلاته.
نعم؛ يعذر الجاهل، وإنما يسن الجهر بذلك؛ ليسمع المأمومون أو بعضهم،
فيعلموا صلاته، وكالإمام مبلغ احتيج إليه، فإذا استوى قائماً .. قال: ربنا لك الحمد سراً.
* * *
(فصل: ويسن في الركوع: مد الظهر والعنق) حتى يصيرا كالصفيحة الواحدة؛ للاتباع (ونصب ساقيه وفخذيه) إلى الحقو، ولا يثني ركبتيه؛ لأنه يفوت استواء الظهر، وعبر في "المنهج" بنصب ركبتيه المستلزم لنصب ساقيه (وأخذ ركبتيه بيديه) أي: كفيه مع تفريق الركبتين قدر شبر كالسجود (وتفريق الأصابع) تفريقاً وسطاً؛ للاتباع فيهما (وتوجيهها للقبلة)؛ لأنها أشرف الجهات (ويقول) فيه (سبحان ربي العظيم) أي: أنزهه من كل نقص.
قال الإمام الرازي: العظيم: الكاملُ ذاتاً وصفةً، والجليل: الكامل صفةً، والكبير: الكامل ذاتاً.
ويسن زيادة (وبحمده) أي: وأحمده، أي: أثني عليه بما أثنى به على نفسه، ويحصل أصل السنة بقول ذلك، أو بنحو سبحان الله مرة، لكن الاقتصار عليه -هنا وفي السجود خلاف الأولى، وتركه رأساً كغيره من أذكار بقية الأركان الفعلية المندوبة- مكروه.
(و) قول ذلك التسبيح (ثلاثاً) ولو لإمام غير محصورين وإن لم يرضوا (أفضل) وهو أدنى الكمال، وأكمل منه خمس فسبع فتسع فإحدى عشرة، واختار السبكي: أنه لا يتقيد بعدد.
وصح: أنه لما نزل فـ (سبح باسم ربك العظيم) .. قال عليه الصلاة السلام: "اجعلوها في ركوعكم"، ولما نزل (سبح اسم ربك الأعلى) .. قال:"اجعلوها في سجودكم".
(ويزيد) ندباً (المنفرد) ومأموم طول إمامه (وإمام محصورين رضوا) بالتطويل بشروطهم السابقة في دعاء الافتتاح.
(اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت) أي: لا لغيرك (خشع لك سمعي وبصري) قدم السمع على البصر؛ لأنه أفضل، والمراد بهما محلهما؛ ليناسب ما بعده (ومخي وعظمي وعصبي، ومااستقلت به قدمي) مفرد مؤنث، والمراد جملته، فهو من عطف العام على الخاص (لله رب العالمين) تأكيدٌ لقوله: لك؛ وذلك للاتباع، والإتيان بـ"اللهم .. إلخ" مع ثلاث من التسبيح أفضل من مجرد أكمل التسبيح، وبمثله يقال في السجود، ويسن فيه كالسجود زيادة:"سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، سبوح قدوس، رب الملائكة والروح".
وتكره القراءة في غير القيام؛ للنهي عنها، ما لم يقصد بها الذكر وحده.
* * *
(فصل: ويسن) لكل مصل (إذا رفع رأسه) أي: عند ابتداء رفع رأسه (للاعتدال أن يقول) مع رفع يديه: (سمع الله لمن حمده) على ما مر (فإذا استوى قائماً .. قال: ربنا لك الحمد) أو: ربنا ولك الحمد، أو: اللهم ربنا لك أو: ولك الحمد، أو: الحمد لربنا، وأفضلها الأول، ويندب أن يزيد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وإن يزيد (ملء) بالرفع صفة للحمد، وبالنصب حالاً منه، والأحسن من ضميره المستتر في الخبر (السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد) أي: بعدهما، كالكرسي والعرش وغيرهما مما يعلمه الله تعالى، وذلك بتقدير كون الحمد جسماً، ويسن هذا حتى للإمام مطلقاً، كما في "التحفة"، وفي "الإيعاب":(يقتصر إمام غير محصورين على ربنا لك الحمد).
(ويزيد المنفرد وإمام محصورين رضوا) بشروطهم السابقة ولو في اعتدال يقنتان فيه، كما في (ب ج) عن (ح ل)، لكن في "التحفة" وغيرها: أنه لا يزيد على (من
شيء بعد) في ذلك (أهل) أي: يا أهل، أو أنت أهل (الثناء) أي: المدح (والمجد) أي: العظمة والكرم (أحق ما قال العبد) أي: قول العبد، أو ما قاله، وأحق مبتدأ، وقوله:(وكلنا لك عبد) اعتراض، وخبر (أحق) قوله:(لامانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد) بفتح الجيم أي: صاحب الغنى والمال، أو الحسب والنسب (منك الجد) أي: عندك جده، وإنما ينفعه عندك رضاك ورحمتك.
(و) يسن لإمام ومنفرد ومأموم لم يسمع قنوت إمامه (القنوت في اعتدال ثانية الصبح) وركعة وتر نصف رمضان الثاني بعد ذكر الاعتدال على ما مر؛ للخبر الصحيح عن أنس: "ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا". ونقل البيهقي العمل بمقتضاه عن الخلفاء الأربعة، وصح عن أكثر الطرق فعله للنازلة بعد الركوع، فقسنا عليه هذا.
وجاء بسند حسن فعل أبي بكر وعمر وعثمان له بعد الركوع، ولخبر الحسن:(علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر أي قنوته وهي اللهم اهدني) .. إلخ.
فلو قنت شافعي في غير ما ذكر .. كره وسجد للسهو، ولا يوافق المأموم الإمام لو فعله، بل ينتظر في السجود إن أطاله، ولو قنت قبل الركوع .. لم يجزه في الأصح، ولا تبطل الصلاة به في الأصح، ويحصل أصل سنته بآية فيها دعاء إن قصده وحده؛ لكراهة القراءة في غير القيام، وبدعاء ولو بدنيوي وغير مأثور.
ويشترط في بدله كونه دعاء، قال (م ر): وثناء، كـ (اللهم اغفر لي يا غفور).
(وأفضله: اللهم اهدني) أي: دلني دلالة موصلة إلى المقصود (فيمن) أي: مع من (هديت وعافني) من محن الدنيا والآخرة (فيمن) أي: مع من (عافيت) من ذلك (وتولني) أي: قربني إليك، أو انصرني في جميع أحوالي (فيمن توليت) أي: مع من قربته أو نصرته؛ أو مع من قربته ونصرته؛ بناءً على جواز استعمال المشترك في معنييه (وبارك لي فيما أعطيت) أي: أعطني إياه (وقني شر ما قضيت) أي: القضاء، أو
المقضي، فـ (ما) على الأول: مصدرية، وعلى الثاني: موصلة.
والمراد وقني ما يترتب على القضاء، أو المقضي من الشر الذي هو كسبي، كالتضجر من القضاء مطلقاً، أو من المقضي الذي ليس بمنهي عنه كالفقر.
أمَّا (القضاء)، وهو: الإرادة الأزلية المتعلقة بالأشياء، والمقضي الذي تعلقت إرادة الله به .. فلا يمكن أن يقيه منه؛ إذ لابد من وقوعه.
قال بعض العارفين: اللهم لا نسألك دفع ماتريد، ولكن نسألك التأييد فيما تريد.
ويجب الرضا بالقضاء مطلقاً؛ لأنه حسن بكل حال.
وأمَّا المقضي: فإن كان واجباً أو مندوباً .. وجب الرضا به، أو مباحاً .. أبيح، أو حراماً أو مكروهاً .. حرم الرضا به، وإن كان من ملائمات النفوس أو منافراتها كالصحة والسقم .. سن الرضا به.
(فإنك تقضي) أي: تحكم على جميع الخلق (ولا يقضى) أي: ولا يقضي أحد منهم (عليك، وإنه) زيادة الواو فيه كالفاء في (فإنك) أخذت من ورودهما في قنوت الوتر (لا يذل) بفتح الياء، وفي رواية بضمها وفتح الدال (من واليت) أي: واليته (ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا) أي: تزايد خيرك وبرك، وهي كلمة تعظيم مختصة به تعالى، ولا يستعمل منها غير الماضي (وتعاليت) كالتفسير لما قبله (فلك الحمد على ما قضيت) أي: على قضائك، فالحمد عليه ثناء بجميل، أو على مقضيك، ومنه جميل، كالعافية والخصب والطاعة، والحمد عليه ظاهر؛ لأنه ثناء بجميل، ومنه غير جميل، كالآلام والمعاصي، والحمد إنما يكون على جميل.
ويجاب بأن جميع مقضياته تعالى بالنظر إليه جميلة وحسنة قطعاً، وإنما يوصف بعضها بالقبح وبكونه شراً ومعصية عند إضافته للعبد، ويصح الحمد على المؤلم نفسه بالنظر إلى ترتب الثواب عليه (أستغفرك وأتوب إليك) وهذا كله وارد من روايات متعددة.
قال المدابغي: (ولو ترك: فلك الحمد .. إلخ لا يسجد للسهو؛ لسقوطه في أكثر الروايات).
(ويأتي الإمام) فيه (بلفظ الجمع)؛ لصحة الخبر بذلك، ولا يأتي في المنفرد،
فتعين حمله على الإمام؛ للنهي عن تخصيص نفسه بالدعاء في خبر الترمذي، وهو "لا يؤم عبد قوماً، فيخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل .. فقد خانهم".
وفي "التحفة": وقضيته: أن سائر الدعاء كذلك، ويتعين حمله على ما لم يرد عن صلى الله عليه وسلم وهو إمام بلفظ الإفراد، وهو كثير، بل قال ابن القيم: إنَّ أدعيته كلها -أي: غير القنوت- وردت كذلك، ويتجه أنه إن اخترع دعوة .. كره الإفراد، وإلا .. اتبع الوارد، وبه يرتفع الخلاف.
(ويسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لصحتها في قنوت الوتر الذي علمه صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي، ويسن كونها (آخره) أي: القنوت، حتى لو جمع بين قنوت الحسن المتقدم، وقنوت عمر المشهور، جعلها آخرهما لا أوله ولا وسطه وإن سنت فيهما في غيره؛ اتباعاً للوارد، وجزم في الأذكار: بسن السلام، وبسن الصلاة على الآل، ويقاس بهم الصحب كما في "التحفة".
وقاس الصلاة -أي: والسلام- على الآل والصحب في "النهاية" بالصلاة والسلام على النبي.
وفرق في "التحفة" بين سَنَّ ذكر الآل في القنوت دون التشهد الأول؛ بأن القنوت محل دعاء، فناسب ختمه بالدعاء لهم، بخلاف التشهد الأول، ونقل ابن علان في "شرح الأذكار" في "باب أذكار الخروج من بيته" -عند قول المصنف: ويستحب أن يقرأ "لإيلاف قريش"- عن أبي الحسن البكري، والأشخر: أن للذكر من الأصول العامة ما يقتضي عدم التحجر فيه، وأن زيادات العلماء -أي: في القنوت ونحوه من الأذكار- يكون الإتيان بها أولى، وأنها من البدع الداخلة في حيز المسنون.
وقول ابن الفركاح: (ما اعتيد من زيادة الآل والأصحاب .. لا أصل له) يرد: بأن مبني على تعيين الوارد وعدم التوسع فيه، وهو خلاف الأظهر. اهـ، وهذا أصل عظيم.
وعليه فالإتيان بالعظيم بعد الجلالة في (أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، وأتوب إليه) بعد المكتوبات، داخل في حيز المسنون وإن لم يرد إلا بعد الصبح والعصر، كما قاله أبو رجاء؛ لمناسبته، ولوروده في الجملة.
وفي "العباب": (فرع: لو قرأ المصلي آية فيها اسم محمد صلى الله عليه وسلم .. ندب له الصلاة عليه في الأقرب بالضمير كصلى الله عليه وسلم، لا اللهم صلي
على محمد؛ للخلاف في بطلان الصلاة بنقل ركن قولي) اهـ
ونقله (سم) عنه، وسلطان عن "الأنوار" وأقراه وعليه: فتندب الصلاة على الأنبياء عند ذكرهم، كما في (صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) [الأعلى:19] وإن أتى بالاسم الظاهر؛ إذ الصلاة على غير نبينا صلى الله عليه وسلم ليست ركناً، لكن في "التحفة"، و"النهاية": أنها لا تسن، وحمله في "الإيعاب" على الإتيان بما هو على صورة الركن، ويظهر أن ما ذكر من سن الصلاة على الصحب وإلحاقهم بالآل، إنما هو في مجرد السنية، لا أنه بعض؛ إذ لم يذكر ذلك في سجود السهو من الأبعاض، ثم رأيت (حج)، و (سم) في سجود السهو ذكرا: أنه من الأبعاض، وبه يتأيد ما سيأتي أن بعضهم جعل الأبعاض عشرين، فجعل ذلك والسلام من الأبعاض، وهو ظاهر الإلحاق.
(و) يسن (رفع اليدين) مكشوفتين إلى السماء (فيه) أي: في جميع ما مر من القنوت والصلاة والسلام؛ للاتباع، وفارق نحو دعاء الافتتاح بأن ليديه وظيفةً ثمَّ لا هنا.
ومنه يعلم رد ما قيل: إنه يجعل يديه تحت صدره في الاعتدال.
وبَحْثُ أنه حال رفعهما ينظر إليهما؛ لتعذره حينئذٍ إلى موضع سجوده، محلُّه إن ألصقهما، وهو -ما في "فتاوى م ر"، و"مختصر الإيضاح" لعبد الرؤوف- أولى.
وقال (حج)، و (م ر): يتخير بين إلصقهما، وتفريقهما.
وسن لمن دعا بتحصيل شيء أن يجعل بطن كفيه إلى السماء وإن دعا برفعه .. جعل ظهر كفيه إليها.
وهل يقلب كفيه في القنوت عند (وقني شر ما قضيت)؟ قال (م ر): نعم، ووالده في "فتاويه": لا، أي: لأن الحركة في الصلاة غير مطلوبة، ولا يرفع يده المتنجسة فيكره، ولا يمسح وجهه بيده في الصلاة وإن سن بعد الدعاء خارجها.
(و) يسن (الجهر به) أي: بما مر من القنوت ولو الثناء والصلاة والسلام (للإمام) في الجهرية والسرية كمقضية نهاراً، ليسمع المأموم فيؤمن؛ للاتباع، لكن دون جهر القراءة، ما لم يكثر المأمومون .. فيرفع قدر ما يسمعهم.
أما منفرد ومأموم سن له .. فيسران به مطلقاً عند (حج)، وعند (م ر): يجهر
بقنوت النازلة المنفرد كالإمام (وتأمين المأموم) إن سمع إمامه (للدعاء) منه؛ للاتباع، ومنه الصلاة على النبي وآله وصحبه.
نعم؛ الأكمل أن يشاركه فيها، ثم يؤمن بعدها (ويشاركه في الثناء) سراً -وهو من (فإنك تقضي) - أو يستمع، أو يقول: أشهد، أو صدقت وبررت، كما في "النهاية"، لكن في "التحفة": لا نحو صدقت، وزَعمُ أن ندب المشاركة اقتضت المسامحة -وأن هذا لا يقاس بإجابة المؤذن بذلك؛ لكراهتها في الصلاة- لايصح إلا لو صح في خبرٍ أنه يقول ذلك وحيث لم يصح، بل لم يرد، أبطل على الأصل في الخطاب، وهذا إن سمع قنوت إمامه.
(ويسن قنوته) لنفسه سراً ولو في نازلة (إن لم يسمع قنوت إمامه) لنحو صممه أو بعده، أو سمع صوتاً لم يفهمه، أو فهم منه ما ليس بمفيد (ويقنت) من مرَّ ايضاً ندباً (في) اعتدال الركعة الأخيرة من (سائر المكتوبات للنازلة) إذا نزلت بالمسلمين، العامة كقحط وخوف من عدو وجراد ومطر مضر بنحو زرع، والخاصة التي في معنى العامة، كأسر عالم وشجاع؛ لتضرر المسلمين بفقدهما؛ لما صح:(أنه صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو على قاتلي أصحابه القراء ببئر معونة)؛ لدفع تمردهم، لا لتدارك المقتولين؛ لتعذره، وقيس غير خوف العدو عليه.
وخرج (بالمكتوبة): النقل والمنذورة وصلاة الجنازة، بل يكره في الجنازة؛ لبنائها على التخفيف، وبـ (النازلة): القنوت من غير نازلة، فيكره.
وبحث في "التحفة": أنه يأتي فيه بقنوت الصبح، ثم يأتي بسؤال رفع النازلة، فإن كان جدباً .. دعا ببعض ما ورد في صلاة الاستسقاء، ولعله أراد الأكمل، وإلا فلو اقتصر على سؤال رفع تلك النازلة .. أجزأ.
وأفتى ابن زياد بأنه لو اقتصر في قنوت النازلة على قنوت الصبح .. لم يكف.
ولا يضر تطويل الاعتدال بالقنوت المشروع ولو لنازلة، خلافاً للريمي في قوله: إن تطويله بقنوت النازلة مبطل، بل لا يضر تطويل اعتدال الركعة الأخيرة ولو بغير قنوت عند (حج)، قال: لأنه محل التطويل في الجملة.
* * *
(فصل: ويسن في السجود) أن يكبر لهويه بلا رفع ليديه، و (وضع ركبتيه) أولاًً (ثم يديه) كما صح عنه صلى الله عليه وسلم، وحديث: تقديم اليدين الذي أخذ به مالك، قال أئمتنا: منسوخ (ثم جبهته وأنفه) معاً.
ويسن كونه (مكشوفاً) كاليدين، ويكره مخالفة ذلك الترتيب في القادر.
أمَّا العاجز .. فلا كراهة في حقه، ويكره أيضاً عدم وضع الأنف؛ مراعاة لمن يقول بوجوبه (ومجافاة الرجل) أي: الذَّكَر ولو صبياً (مرفقيه عن جبينه، وبطنه عن فخذيه) وتفريق قدميه وركبتيه قدر شبر، موجهاً أصابعها للقبلة، ويبرزهما عن ذيله كما يأتي (ويجافي في الركوع) كذلك (أيضاً)؛ للاتباع؛ إلَاّ تفريق الركبتين ورفع البطن .. فبالقياس. (وتضم المرأة) أي الأنثى ولو صغيرة، وفي خلوة (بعضها إلى بعض) حتى قدميها وركبتيها في الركوع والسجود وغيرهما، ومثلها الخنثى والعاري.
(و) يسن في السجود: (سبحان ربي الأعلى) ويسن زيادة (وبحمده).
وأقله: مرة، وأكثره: إحدى عشر (و) كونه (ثلاثاً) أدنى الكمال -كما مر في الركوع- فيقتصر إمام غير من مر عليه.
(ويزيد المنفرد) ومأموم طول إمامه (وإمام محصورين رضوا) بشروطهم السابقة على الثلاث إلى إحدى عشرة ثمَّ (سبوح قدوس، رب الملائكة والروح) هو جبريل، وقيل: غيره.
(اللهم لك سجدت) ولو قال: سجد الفاني للباقي .. لم يضر إن قصد الثناء (وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي) أي: ذاتي، من إطلاق الجزء على الكل (للذي خلقه وصوره) أي: أحدث فيه صوراً وأشكالاً عجيبة (وشق سمعه وبصره) أي:
منفذهما؛ لأنهما من المعاني، ولا يتصور فيهما الشق (بحوله) هو بمعى قوله:(وقوته، تبارك الله أحسن الخالقين)؛ للاتباع.
(و) يسن (اجتهاد منفرد) وإمام من مرَّ ومأموم طول إمامه (في الدعاء في سجوده) سيما بالمأثور؛ لخبر مسلم: "أقرب ما يكون العبد من ربه -أي: من رحمته- وهو ساجد، فأكثروا فيه الدعاء، فَقَمِنٌ أن يستجاب لكم".
ويسن الدعاء في الركوع أيضاً وإنما هو في السجود أفضل وأرجى للقبول.
(و) يسن للذكر (التفرقة بين القدمين والركبتين) قدر شبر (ووضع الكفين حذو المنكبين) بحيث لو سقط شيء من المنكبين .. وقع على الكفين؛ للاتباع؛ و (المنكبان) -مثنى المنكب- وهو مجتمع عظم الكتف والعضد.
(وضم أصابع اليدين واستقبالهما) للقبلة (ونشرهما) وفي نسخة: واستقبالها ونشرها، وهو أولى (ونصب القدمين وكشفهما) حيث لا خف (وإبرازهما عن ثوبه وتوجيه أصابعهما للقبلة، والاعتماد على بطونهما) في السجود؛ لأن ذلك أعون على الحركة، وأبلغ في الخشوع والتواضع.
أمَّا المرأة .. فيسن لها ذلك، إلا التفرقة .. فتكره لها، وإلا كشف القدمين .. فيحرم، وتبطل به صلاتها، ومثلها الخنثى.
* * *
(فصل: ويسن في الجلوس بين السجدتين) بعد أن يرفع رأسه من السجود مكبراً من غير رفع يديه. إمَّا الإقعاء المسنون المتقدم في ركن القيام، وإمَّا (الافتراش) الآتي، وهو أفضل (ووضع يديه) على فخذيه (قريباً من ركبتيه) بحيث تسامت رؤوس أصابعهما
الركبتين، فلو لم يرفعهما عن الأرض .. كره (ونشر أصابعهما وضمها) موجهة للقبلة كالسجود، وهذا الضم لا خلاف فيه، بخلافه في التشهد، فالرافعي مخالف للنووي فيه.
(قائلاً: رب اغفر لي) ما وقع، وما سيقع من ذنوبي (وارحمني) رحمة واسعة تعم جميع دنياي وآخرتي، وإلا .. فأصل الرحمة لا يخلو منها أحد (واجبرني) أي: أغنني وأصلح لي شأني (وارفعني) أي: ارفع قدري (وارزقني) أي: رزقاً حلالاً، لا تعب فيه، ولا منة لأحد فيه (وعافني) أي: ادفع عني بلايا الدنيا والآخرة، زاد الغزالي؛ لمناسبة ما مر (واعف عني).
ويزيد منفرد وإمام مَنْ مرَّ: رب هب لي قلباً تقياً نقياً من الشرك برياً، لاكافراً ولا شقياً، ورب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم.
(ويسن) لكل مصل -ولو قوياً، أو في نفل- أن يجلس مفترشاً أو مقعياً (جلسة خفيفة للاستراحة) ويجعل يديه على فخذيه فيها، وتكون (قدر) أقل (الجلوس بين السجدتين)؛ للاتباع، فإن زاد على ذلك .. كره؛ إذ هي من السنن التي أقلها أكملها كسكتات الصلاة، فإن بلغت ما يبطل في الجلوس بين السجدتين .. بطلت صلاته عند (حج)(بعد كل سجدة يقوم عنها) ولو من الركعة الثانية، كأن لم يقعد للتشهد الأول وإن كثرت الركعات، وهي فاصلة بين الركعات ليست من الأولى، ولامن الثانية.
ولو أحرم وإمامه فيها .. لم يلزمه موافقته فيها، وإذا تركها الإمام .. سنت للمأموم؛ لأن زمنها قصير.
وتكره لبطيء النهضة بحيث يفوته بتأخره لها بعض الفاتحة مع الإمام، ويعذر في التخلف لها إلى ثلاثة أركان عند (م ر)، كالمتخلف لإتمام التشهد الأول.
ويسن تكبيرة واحدة يمدها من ابتداء رفعه من السجود إلى القيام، بشرط أن لا يطولها أكثر من سبع ألفات، فإن كان زمن الرفع وجلسة الإستراحة يزيد على سبع ألفات .. اقتصر في مد التكبير على قدرها، ثم اشتغل بذكر إلى أن ينتصب قائماً، ولا تسن تكبيرتان اتفاقاً.
(إلا) بعد (سجود التلاوة)؛ لأنها لم ترد فيها.
(و) يسن لكل مصل ولو قوياً وامرأة (الاعتماد بيديه) أي: ببطن كفيه مبسوطتين (على الأرض عند القيام) من سجود أو جلوس تشهد أو استراحة؛ لأنه أعون وأشبه بالتواضع مع ثبوته عنه صلى الله عليه وسلم، أي: أنه كان يقوم كقيام العاجز، وفي رواية: العاجن، وكلاهما بإخراج رأسه إلى ما أمام ركبتيه، فتعين ذلك بالحديث ونصِّ الأئمة، وبذلك يرد القول بأنه يحصل به زيادة ركوع جالس، وهو مبطل عند (حج)؛ إذ لو سلم ذلك .. لم يضر؛ لثبوته عنه صلى الله عليه وسلم مع تقرير الأئمة له، كما أوضحته في "الأصل".
* * *
(فصل: ويسن) لكل مصل (في) جلوس (التشهد الأخير) أي: الذي يعقبه السلام (التورك، وهو أن يخرج رجله) أي: قدمه اليسرى (من جهة يمينه، ويلصق) بضم الياء (وركه بالأرض) أي: بمقره، وينصب رجله اليمنى واضعاً أطراف أصابعها بالأرض متوجهة للقبلة.
والافتراش مثله، إلا أنه فيه لا يخرج يسراه، بل يفرشها، أي: يجلس عليها.
وليس من التورك المسنون جلوسه على وركه اليمنى مع إخراج رجله اليمنى من جهة يساره وإن لم يمكنه إلا ذلك، قاله (ح ل)(إلا مَنْ) كان (عليه سجود سهو) ولم يرد تركه بأن قصد فعله أو أطلق فيفترش، ولو قصد تركه .. تورك، فإن عَنّ له فعله .. افترش وإن حصل به انحناء، كركوع الجالس، خلافاً لـ (حج)؛ لتولده من مأمور به، كما في انحناء القائم إلى حد الركوع لقتل نحو حية (أو مسبوق .. فيفترش)؛ لأن الافتراش هيئة المستوفز، فيسن في كل جلوس تعقبه حركة؛ لأنها أسهل عنه، والتورك هيئة المستقر، فيسن في أخير لا حركة بعده، ولأنه بمخالفتهما يعلم المصلي في أي ركعة هو، وإذا رآه المسبوق .. علم في أي التشهدين هو.
تنبيه: استثنى المصنف المسبوق -أي: جلوسه- من جلوس التشهد الأخير باعتبار جلوس الإمام، لا باعتبار جلوس نفسه؛ إذ ليس جلوس تشهد أخير.
وقوله: أو مسبوق -بالرفع- لا يخفى على ما فيه؛ لأنه معطوف على خبر كان، أو على مَنْ، وهو مستثنى من كلام تام موجب، وعلى كلٍّ يجب النصب فيه، ويمكن أنه كتبه بلا ألف على لغة ربيعة، أو أنه خبر لمبتدأ محذوف، والجملة صلة (لمن) محذوفة، والتقدير: أو من هو مسبوق، وقد بينت ذلك في "الأصل".
(ويضع) ندباً (يده اليسرى على فخذه اليسرى في الجلوس للتشهد وغيره) من سائر الجلسات.
قال في "الشرح": (أفهم كلامه -أي: حيث أطلق اليد، وهي إسم لها من الأصابع إلى المنكب، ولكنه يتعذر بما فوق المرفق، فيبقى منه إلى الأصابع- أنه يسن وضع مرفق يسراه وساعدها أيضاً على الفخذ، وهو ما صرح به غيره، ولا مبالاة بما فيه من نوع عسر) اهـ
واعترضه الكردي بأن الوارد إنما هو وضع اليمنى، وقياس اليسرى عليها مع ما فيه من العسر المذهب للخشوع وللهيئة المشروعة بعيد جداً.
ويسن في اليسرى كون أصابعها (مبسوطة مضمومة) وكونه (محاذياً برؤوسها) أي: الأصابع (طرف الركبة) ولا يضر انعطافها على الركبتين، كما مر.
(و) يسن (وضع اليد اليمنى على طرف الركبة اليمنى) في كل جلوس ليس بدلاً عن قيام (وأن يقبض في) جلوس (التشهدين أصابعها إلا المسبحة فيرسلها) ممدودة (ويضع) رأس (الإبهام تحتها) أي: عند أسفلها على حرف الراحة (كقاعد ثلاثة وخمسين)؛ للاتباع إذ في الإبهام والمسبحة خمس عقد، وكل عقدة بعشرة، فذلك خمسون، والأصابع المقبوضة ثلاثة، وهذه طريقة لبعض الحساب، وأكثرهم يسمونها تسعة وخمسين بجعل الأصابع المقبوضة تسعة، نظراً إلى عقدها، فالخلاف إنما هو في المقبوضة، أهي ثلاثة أو تسعة؟ وآثروا الأول؛ تبعاً للفظ الخبر، ولو أرسل الأبهام والسبابة معاً، أو وضع الإبهام على الوسطى، أو حلَّق بينهما برأسهما، أو بوضع أنملة
الوسطى بين عقدتي الإبهام .. أتى بالسنة أيضاً؛ لورود جميع الكيفيات الخمس، أي: كان يفعل مرة هكذا، ومرة هكذا، لكن رواة الأول أفقه.
تنبيه: سميت مسبحة -بكسر الباء- لأنها يشار بها عند التوحيد، وخصت بذلك؛ لاتصالها بـ (نياط) القلب، أي: العرق الذي فيه، فكأنها سبب لحضوره، وتسمى -أيضاً- سبابة؛ لأنها يشار بها عند السب والمخاصمة.
(و) يسن (رفعها) -أي: المسبحة- مع إمالتها قليلاً؛ لئلا تخرج عن سمت القبلة (عند أول قوله: "إلا الله")؛ للاتباع، ولا يضعها إلى القيام أو السلام، قاصداً بذلك الإشارة إلى أن المعبود واحد؛ ليجمع في توحيده بين اعتقاده وقوله وفعله، وتكره الإشارة بغيرها وإن قطعت؛ لفوات ما هو السنة فيه، ويكون رفعها (بلا تحريك)؛ للاتباع، وخروجاً من خلاف القول ببطلان الثلاث حركات ولو خفيفة.
واعترض بأنه كما ثبت عدم التحريك ثبت التحريك أيضاً، والمثبت مقدم على النافي.
(وأكمل التشهد) عندنا (التحيات) مرَّ معناها (المباركات) أي: الناميات (الصلوات) أي: الخمس، وقيل: الدعاء بخير (الطيبات) أي: الصالحات؛ للثناء عليه تعالى (لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله) ومرَّ الكلام على جميع ذلك.
واختار الشافعي رضي الله تعالى عنه هذا؛ لتأخره، ولقول ابن عباس -الراوي ذلك-:(كان صلى الله عليه وسلم يعلمنا ذلك كما يعلمنا السورة)، ولزيادة (المباركات) فيه، فهو أوفق بقوله تعالى:(تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً)[النور:61] فهو أولى من خبر ابن مسعود وإن كان أصح، وهو (التحيات لله والصلوات والطيبات إلى آخر ما مر)، إلا أنه قال فيه:(وأن محمداً عبده ورسوله)، فالإضافة إلى الجلالة تقوم مقام زيادة (عبده) في رواية ابن مسعود؛ لما في التلفظ بالجلالة من الفوائد، كالتلذذ والتبرك بذكره وغير ذلك.
(وأكمل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله، كما في "الروضة": اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
وفي "الأذكار": زيادة "في العالمين" قبل "إنك حميد مجيد".
وأولى من ذلك ما في "الأذكار"، وهو:(اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد).
(المجيد): الكامل شرفاً وكرماً، ومحل نَدْبِ هذا لمنفرد وإمام من مرَّ.
لكن في "التحفة": أنه يسن لو لإمام غير من مرَّ، ولا بأس بزيادة (سيدنا)، بل في "التحفة": أنه يسن، أي: مراعاة للأدب، وينبغي زيادته مع إبراهيم أيضاً، وآل إبراهيم: إسماعيل وإسحاق وغيرهما من باقي أولاده.
وخص بالذكر؛ لأن ذكر الرحمة والبركة لم يجتمع في القرآن لنبي غيره.
(و) يسن (الدعاء بعده) أي: ما مر من التشهد والصلاة ولو للإمام؛ للأمر به في الأحاديث الصحيحة، بل يكره تركه (بما شاء) من ديني أو دنيوي، وبالأول أولى، وبالمأثور أفضل، ويحرم بمحرم وتبطل به صلاته، وإنما كره بعد التشهد الأول؛ لبنائه على التخفيف، ومحله في غير مأموم.
أمَّا هو .. فالمسبوق يستحب له في كل تشهد وافق فيه إمامه أن يوافقه فيه وفيما بعده، لقولهم: إنه يوافق إمامه في الأفعال وجوباً، وفي الأقوال ندباً.
وأما الموافق إذا فرغ من تشهده قبل إمامه .. فقيل: لا يشتغل بالصلاة على الآل، ولا بما يطلب في الأخير من الدعاء.
ووجه: بأنه ليس للمتابعة حتى تقتضي الإتيان به، بل لو أتى به الإمام .. لم يتابعه فيه؛ لعدم طلبه منه، فبقي على كراهته، فيدعو بما لا يطلب في الأخير، وقيل: إنه كالمسبوق، ونقله الكردي عن (م ر)، والرشيدي عن "فتاوى الشهاب الرملي".
(وأفضله: اللهم إني اعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر) أي: البرزخ (ومن فتنة المحيا والممات) أي: الحياة والموت (ومن شر فتنة المسيح) بالحاء المهملة، وهو الوارد؛ لأنه يمسح الأرض، أي: يطؤها كلها في أربعين يوما إلا مكة والمدينة.
وبالمعجمة؛ لأنه ممسوح العين، أي: أعور، وكذا حماره، ويحط رجله عند منتهى نظر عينه الصحيحة (الدجال) أي: الكذاب من الدجل وهو التغطية؛ لأنه يغطي الحق بالباطل، وينبغي أن يختم دعاءه به؛ للامر به في الخبر.
(ومنه: اللهم إني أعوذ بك من المغرم) أي: الدين (والمأثم) أي: الإثم.
(ومنه:) أي: الأفضل المأثور (اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت) أي: إذا وقع .. يقع مغفوراً (وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لاإله إلا أنت).
ومنه: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.
ومنه: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، وروي كبيراً -بالموحدة- فيسن الجمع بينهما، وغير ذلك.
وينبغي التعميم في الدعاء؛ لما ورد: أنه أحبُّ الدعاء، وورد أيضاً: أن بين الخاص
والعام كما بين السماء والأرض، ولا يحرم الدعاء بالمغفرة لجميع المؤمنين.
نعم؛ إن أراد أن يغفر لجميع المؤمنين جميع ذنوبهم .. حرم؛ لمخالفته لما علم قطعاً: أن بعض المؤمنين لا يغفر لهم جميع ذنوبهم، ويدخلون النار.
وينبغي أن لا يزيد إمام في الدعاء على قدر التشهد والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، فإن أطالهما .. أطاله، أو خففهما .. خففه، بل ينبغي أن ينقص عنهما، فإن زاد عليهما، وكذا إن ساواهما، كما في "التحفة" .. كره ما لم يكن ذلك لانتظار داخل يقتدي به.
أمَّا المنفرد وإمام من مرَّ .. فقضية كلام الشيخين أنهما كالإمام، لكن أطال جمع: أنهما يطيلان ما شاءا ما لم يقعا في سهو.
(ويكره) لكل مصل (الجهر بالتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء) وباقي أذكار الصلاة إلا ما مرَّ من القراءة والقنوت، والمواضع التي يجهر بها كل من الإمام والمأموم -كما مر في التأمين- وقد يحرم إذا اشتد به التشويش.
* * *
(فصل: وأكمل السلام: السلام عليكم ورحمة الله)؛ للاتباع، واختار كثيرون زيادة:"وبركاته"؛ لثبوتها من طرق عديدة، واعتمده (حج) في الجنازة.
(ويسن) أن لا يمده؛ لأنه خلاف الأولى، وأن يسلم (تسليمة ثانية) وإن تركها إمامه، وأن يقول بعدها: أسألك الفوز بالجنة.
نعم؛ إن عَرَضَ معها او قبلها مبطل كحدث .. حرمت، وإن لم تكن من الصلاة .. فهي من توابعها، وأن يفصل بينهما بقدر سبحان الله.
(والابتداء به) أي: السلام فيهما (مستقبل القبلة) بوجهه، أما بصدره .. فيجب إلى الميم من "عليكم".
ويسن أن لا يلتفت بوجهه إلا مع الميم من "عليكم"؛ للنهي عن الالتفات في
الصلاة (والالتفات في التسليمتين) الأولى يميناً، والثانية شمالاً (بحيث يرى) أي: يرى مَنْ على جانبه، وفي "الأحياء": مَنْ خلفه (خده الأيمن في الأولى، وخده الأيسر في الثانية) ويسن إنهاؤه مع تمام الإلتفات به، ولو سلم الأولى يساراً .. سلم الثانية يساراً أيضاً؛ لأنه هيئتها المشروعة لها، ففعلها يميناً تغيير للسنة فيكره، وإن أتى بهما يميناً أو يساراً أو تلقاء وجهه .. فخلاف الأولى، ولو اقتصر على تسليمة .. جعلها تلقاء وجهه، ولو سلم الثانية فشك في الأولى .. أعادهما.
ويسن كونه (ناوياً بالتسليمة الأولى) مع أولها نية (الخروج من الصلاة)؛ رعاية للقول بوجوبها قياساً على التحرم.
والأصح: عدم وجوبها قياساً على سائر العبادات.
وعليه: يسن قرنها بأوله، كما يجب على مقابله، فإن قدم النية على أوله .. بطلت، وكذا لو أخرها عنه على الضعيف، وتفوته على المعتمد السنة.
وبالجملة: ففيها خطر، فليُحْترز منه أو تُترك.
(و) سن لكل مصل (السلام على من على يمينه من ملائكة ومؤمني إنس وجن) إلى آخر الكون علواً وسفلاً (و) أن (ينوي المأموم بتسليمته الثانية الرد على) من قد سلم عليه من المأمومين وعلى (الإمام إن كان) أي: المأموم (عن يمينه) أي: الإمام.
(وإن كان) أي: المأموم (عن يساره) أي: الإمام ( .. فبالأولى) ينوي الرد عليه إن فعل في السنة، بأن أخر تسليمته الأولى عن تسليمتيه، وإلا .. كان رده على الإمام قبل سلامه عليه.
(وإن كان) الإمام (قبالته .. تخير) بين أن ينويه عليه بالأولى أو الثانية (والأولى أحب)؛ لسبقها (و) أن (ينوي الإمام) الابتداء على من عن يمينه بالأولى، وعلى من يساره بالثانية، وعلى من خلفه بأيهما شاء، و (الرد) بالثانية (على المأموم) الذي
عن يساره إذا لم يفعل بالسنة، بأن سلم قبل أن يسلم الإمام الثانية، ولم يصبر إلى فراغه، وإلا .. نوى بها الابتداء عليه، كما مر.
ويسن أن يجهر الإمام يتسليمتيه دون المأموم، وأن ينوي بعض المأمومين الرد على بعض، فمن عن يمين المسلم ينويه عليه بالثانية، ومن عن يساره ينويه عليه بالأولى، ومن خلفه وأمامه بأيهما شاء، والأولى أفضل، هذا إن جروا في سلامهم على السنة، فلو تقدم سلام بعض على بعض .. نوى به الرد على من قد سلم عليه، والابتداء لمن لم يسلم عليه، كما لو لقيه شخصان خارج الصلاة .. فسلم عليه أحدهما، فسلم عليهما قاصداً الرد على من سلم عليه والابتداء على من لم يسلم عليه.
ويسن رد َغير المصلي على المصلي إذا سلم، كما يسن رده على من سلم عليه وهو فيها بعد سلامه.
قال (سم): (وقياسه: ندب رد بعض المأمومين بعد تسليمتيه على من سلم عليه منهم إذا لم يتأت الرد بإحداهما) اهـ
ويظهر أن قوله: (إذا لم يتأت) ليس بقيد، والأصل في ذلك خبر البزار:(أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسلم على أئمتنا، وأن يسلم بعضنا على بعض في الصلاة).
تنبيه: استشكل قولهم: في السلام (ينوي به السلام)؛ لأن الخطاب كاف في صرفه إليهم، والصريح لا يحتاج لنية، ولذا لايحتاج خارج الصلاة إليها.
وأجيب بأنه خارجها لم يوجد صارف، وفيها كونه واجباً في الخروج منها صارف، ومعه يحتاج الصريح إلى النية، وألحقت الثانية بالأولى في ذلك.
قال (ب ج): يشترط مع نية السلام على من ذكر نية التحلل، فلو نوى السلام على من ذكر من غير ملاحظة التحلل .. ضر؛ لصرفه عن الركن.
قال (سم): وهو الوجه، وهذا معتمد (حج)، ومال (م ر) إلى عدم ضرر ذلك؛ لأن السلام لم يخرج عن مدلوله، وهو التحية ولو مع النية المذكورة، بخلاف غيره مما يضر الصارف فيه.
* * *
(فصل: يندب الذكر والدعاء بعد الصلاة) بحيث لا يفحش الطول بينهما، بل بحيث ينسبان إليها عرفاً، ولا يضر الفصل بالراتبة، لكن الأفضل اتصال الذكر بسلام الفرائض.
وإذا صلى جمعاً .. أخر ذكر الأولى إلى فراغ الثانية.
والأكمل: أن يأتي لكل منهما بذكر، ويحصل أصل السنة ولو بغير مأثور، ولكنه بالمأثور أفضل، فيقدم منه ما معناه، أجَلُّ، ثم الأصح، ثم الأكثر رواية، فإذا سلم .. مسح جبهته بيده اليمنى، وقال: استغفر الله ثلاثاً، ثم استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاثاً، ويمسح بيمينه على رأسه، ويقول: بسم الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، اللهم أذهب عني الهم والحزن، ثم اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والإكرام، ثم لا إله إلا الله وحده إلى قدير من غير يحي ويميت، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، ثم "آية الكرسي"، و"الإخلاص"، و"المعوذتين"، ويسبح، ويحمد، ويكبر عشراً عشراً -وهو الأقل- أو ثلاثة وثلاثين في كلٍّ، وتمام المئة: لاإله إلا الله وحده إلى قدير بلا يحي ويميت. والأحسن كون التكبير أربعة وثلاثين، ويزيد بعد الصبح: اللهم بك أحاول وبك أصاول وبك أقاتل، اللهم إني أسألك علماً نافعاً، وعملاًً مقبولاً، ورزقاً طيباً.
وبعده وبعد المغرب: اللهم أجرني من النار سبعاً، وبعدهما وبعد العصر، بل بعد جميع المكتوبات -كما في "الجامع الصغير"، وأقرَّه المناوي- قبل أن يثني رجليه بأن يبقى على هيئته في الصلاة، وقبل أن يتكلم بغير ذكر ودعاء وقرآن، لا إله إلا الله إلى قدير بزيادة يحي ويميت عشراً، ويفوت ذلك وغيره من المشروط بما ذكر بالقيام ولو لصلاة جنازة على المعتمد، ولو زاد في المشروع على القدر الوارد، فإن كان لنحو شك .. عذر، وإلا .. فلا يحصل الثواب المترتب عليه.
وقال كثيرون: يحصل ثواب المشروع، وثواب الزيادة.
(ويسر) كل مصل (به) أي: بالذكر والدعاء (إلا الإمام) أو غيره (المريد تعليم
الحاضرين .. فيجهر)؛ أي: بكل منهما (إلى أن تعلموا) فيسر، وعليه حمل الشافعي وأصحابه أحاديث الجهر، وكلام "الروضة" يوهم بالجهر بالذكر.
(ويقبل) الإمام ندباً -إن لم يرد الأفضل الآتي- (على المأمومين) عقب سلامه
(يجعل يساره إلى المحراب) ويمينه إليهم، وإن كان بالمسجد النبوي عند (حج) (ويندب فيه) أي: الذكر الذي هو دعاء بعد الصلاة، بل (وفي كل دعاء: رفع اليدين)؛ للاتباع.
ولو فقدت إحدى يديه أو كان بها علة .. رفع الأخرى، ويكره رفع اليد المتنجسة ولو بحائل.
وغاية الرفع: حذو المكبين إلا إذا اشتد الأمر .. فيزيد.
قال الغزالي: (ولا يرفع بصره إلى السماء حال الدعاء)، وقال ابن العماد: يسن؛ لأنها قبلة الدعاء.
وتسن الإشارة فيه بسبابة اليمنى، ويلاحظ ما مر في رفعها في التشهد، وتكره بأصبعين (ثم مسح الوجه) بعد فراغ دعائه (بهما) إلا في الصلاة؛ للاتباع.
(و) تندب (الدعوات المأثورة) وهي كثيرة؛ لمزيد بركتها وظهور الاستجابة بها.
ومنها: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، ومن الجبن والبخل والفشل، ومن غلبة الدين وقهر الرجال.
اللهم أني أعوذ بك من جهد البلاء ومن درك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء.
اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة، والنجاة من النار، وغير ذلك.
ويسن آخر كل دعاء: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
(والحمد لله، والصلاة) والسلام (على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه (أوله) ووسطه (وآخره)؛ لللاتباع.
والأفضل تحري مجامع الحمد، كـ (الحمد لله حمداً يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك).
ومجامع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأفضلها: صلاة التشهد، لكن لا سلام فيها، فيزيد آخرها: وسلم تسليماً كثيراً طيباً مباركاً فيه.
(و) الأفضل (أن ينصرف الإمام) والمأموم والمنفرد (عقب سلامه) ويأتي بالذكر والدعاء في المحل المنصرف إليه، لكن في غير المقيد بنحو لا إله إلا الله إلى قدير بعد الصبح، وغيرها مما مر، وغير من يجلس بعد صلاة الصبح على ما يأتي في الطواف إن شاء الله تعالى.
وهذا (إذا لم يكن ثَمَّ نساء) وإلا .. مكث حتى ينصرفن، بل قال ابن العماد: يحرم جلوس الإمام في المحراب؛ لأنه أفضل بقعة في المسجد، وجلوسه فيه يمنع الناس من الصلاة فيه، ويشوش عليهم، وزيفه في "الإيعاب": بأن للإمام حقاً فيه حتى يفرغ من الذكر والدعاء المطلوب عقب الصلاة حيث لم يرد الأفضل من قيامه عقب سلامه، وما ذكره من التشويش ممنوع، ومن وجوب الانتقال متجه إن لم تكن له حاجة واحتيج لمكانه على نظر فيه) اهـ
(و) إذا لم يفعل الأفضل من الانتقال بل مكث .. فيندب أن (يمكث المأموم) في مصلاه (حتى يقوم الإمام) من مصلاه إن أراد القيام بعد الذكر والدعاء، وينبغي له أن يختصرهما بحضرة المأمومين، فإذا قاموا .. طوله إن أراد.
ويكره للمأموم الانصراف، أي: من المسجد، كما قاله عبد الرؤوف قبل ذلك، حيث لا عذر.
قال في "الإيعاب": (لأنه قد يذكر سهواً فيتابعه) اهـ، وهذا ينافي تقييد عبد الرؤوف بالمسجد؛ إذ لايكون انتقاله غالباً ولو لمحل في المسجد إلا بحركات متوالية، فتبطل صلاته وتفوت عليه متابعته، ولعلهما سنتان:
الأولى: أن لا يخرج من المسجد قبل إمامه؛ لما فيه من الاستعجال في العبادة، ومن استدبارالإمام المقبل بوجهه عليهم.
والثانية: أن لا ينصرف من مصلاه إلا بعد مكثه قليلا؛ لاحتمال أن يذكر امام سهواً فيتابعه.
(و) يندب لكل مصل أن (ينصرف) من مكان الصلاة كباب المسجد بعد فراغه (في جهة حاجته، وإلا) تكن له حاجةٌ ( .. ففي جهة يمينه) ينصرف إن أمكنه مع التيامن أن يرجع في طريق غير التي جاء منها، وإلا .. راعى العود في طريق آخر.
(و) أن (يفصل بين) كل صلاتين -سواء (السنة والفرض) والسنتين والفرضين- (بكلام) نحو إنسان، وإن لم يعقل، أو كان الكلام ذكراً، كتسبيح، كما قاله الشرقاوي (أو انتقال) من مكانه لآخر ولو في أثناء الصلاة الثانية؛ للنهي في مسلم عن وصل صلاتين إلا بعد كلام أو خروج.
ومحل ذلك، حيث لم تعارضه فضيلة نحو صف أول، وإلا .. فلا يسن الانتقال.
والأفضل الفصل بين الصبح وسنته باضطجاع، وعلى الأيمن أفضل.
قال الشرقاوي: (وأن يقول في اضطجاعه: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ومحمد صلى الله عليه وسلم، أعوذ بك من النار ثلاثاً، وينبغي زيادة وعزرائيل) اهـ
لكن الذي في "الحصن الحصين"، وغيره كـ"الأذكار" أنه يقول: اللهم رب جبريل .. إلخ، وهو جالس، ثم يضطجع على شقة الأيمن.
(وهو) أي: الفصل بالانتقال (أفضل)؛ تكثيراً للبقاع التي تشهد له يوم القيامة (والنفل) ولو لمن بالكعبة والمسجد حولها (في بيته) ليلاً ونهاراً وإن أمن الرياء في المسجد (أفضل)؛ للخبر المتفق عليه: "صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"، ولأن فيه البعدَ عن الرياء، وعود بركة الصلاة على البيت وأهله، وهذا إن لم يكن معتكفاً، ولم يخف بتأخيره للبيت فوت وقت أو تهاوناً، وفي غير الضحى واستخارة ومنشئ سفر وقادم منه ومبكر لجمعة وسنة طواف وإحرام بميقات به مسجد وقبلية مغرب ومن يجلس لتعلم أو تعليم، وكذا راتبة قبلية دخل وقتها فلا ينتقل لها من المسجد؛ إذ في الانتقال بعد استقرار الصفوف مشقة خصوصاً مع كثرة المصلين، كما في الجمعة.
(ومن سنن الصلاة الخشوع) وهو سكون القلب والجوارح، وهو روح الصلاة وأهمها؛ إذ بفقده يفقد ثواب ما فقد فيها من كلها أو بعضها، ولأن لنا وجهاً أنه شرط لصحتها، لكن في بعضها وإن قل.
فيكره الاسترسال مع حديث النفس والعبث، كتسوية ردائه لغير مصلحة، كتحصيل سنة ودفع مضرة كبرد، بخلاف مالو سقط رداؤه أو عمامته .. فيسن له رد ذلك؛ لأنه سنة في الصلاة، كما يسن له السواك فيها بدون ثلاث حركات متوالية.
(وترتيل القراءة وتدبرها وتدبر الذكر) أي: تأمل معانيهما إجمالاً، ولو بأن يتصور بأن للتسبيح مثلاً تعظيماً لله تعالى، لا تفصيلاً؛ لأنه يشغله عما هو بصدده.
ولا يثاب على الذكر إلا بمعرفة معناه ولو إجمالاً، كما مر؛ إذ لا مُتَعبَّد بلفظه إلا القرآن، لكن لايكمل ثوابه إلا بمعرفة معناه، قال تعالى:(كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ)[ص:29].
(والدخول فيها بنشاط)؛ لأنه تعالى ذم المنافقين بكونهم (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى)[النساء:142].
(وفراغ قلب) من الشواغل ولو دينية؛ إذ هي -في غير ما هو فيه من الصلاة- مكروهة ولو في أمور الآخرة أو مسألة فقهية.
وفي كلام ابن الرفعة: أنه لا بأس بالتفكر في أمور الآخرة، ولعله أخذه من قول سيدنا عمر رضي الله عنه:(أنه يجهز الجيش في الصلاة)، ويحمل على أنه خطر بباله أمر فاستدامه خوف نسيانه.
فالأدب: أن لا يتفكر إلا في معنى ما يقوله من قراءة أو ذكر أو دعاء، وفي الخبر:"ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل" وبه يتأيد القول بأن حديث النفس الاختياري، والأسترسال مع الاضطراري مبطل.
تنبيه: المصافحة بعد الصلاة: قال الشيخ عز الدين: بدعة مباحة، قال النووي:(إن صافح من كان معه قبل الصلاة .. فمباحة، أو من لم يكن معه قبلها .. فسنة؛ إذ المصافحة عند اللقاء سنة إجماعاً) اهـ
ويؤخذ منه أنه صافحه عقب السلام، أو عند الانصراف إذا كان بينهما بعض