الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(والإطاقة) حساً وشرعاً، والصحة والإقامة ولو حكماً؛ ليدخل العاصي بسفره، والمسافر سفراً قصيراً؛ لأنهما في حكم المقيم، فلا يجب على من لا يطيقه حساً لكبر أو مرض لا يرجى برؤه، أو شرعاً لنحو حيض، ومريض يرجى برؤه ومسافر بقيدهما الآتي.
ووجوبه على المريض والمسافر والحائض والسكران والمغمى عليه عند من عبر بوجوبه عليهم، وجوب انعقاد سبب؛ لوجوب القضاء عليهم.
ومن ألحق بهم المرتد .. فقد سها؛ لأن وجوبه عليه وجوب أداء؛ لأنه مخاطب بعوده للإسلام، وبالصوم أداء.
ولا يرد الكافر الأصلي؛ لأنه وإن خوطب بالإسلام يكتفى منه ببذل الجزية، فلم يستلزم خطابه بالصوم أصالة ولا تبعاً، فمن ثَمَّ لم يلزمه القضاء؛ إذ لم ينعقد السبب في حقه، ولا يسن قضاؤه ولا ينعقد، كما أفتى به الشهاب الرملي إلا اليوم الذي أسلم فيه.
(ويؤمر) وجوباً (الصبي به لسبع) من السنين (ويضرب على تركه لعشر) منها (إن أطاقه) كما مر في الصلاة بتفصيله فيها.
* * *
(فصل) فيما يبيح الفطر
.
(ويجوز الفطر) في رمضان وغيره من الواجب ولو قضاء مضيقاً (للمرض الذي يبيح التيمم)، كأن يخاف منه محذوراً من محذوراته المارة في بابه وإن تعدى بسبب ذلك عند (حج)، كأن تعاطى ما يمرضه قصداً، لأنه لا ينسب إليه، ثم إن أطبق مرضه .. فظاهر، وإلَاّ .. فإن وجد المرض المعتبر قبل الفجر .. لم تلزمه النية، وإلا لزمته وإن ظن عوده عن قرب، ثم إن عاد .. أفطر، وهذا فيمن لم ينته حاله إلى أن يخاف من الصوم مبيح تيمم لضعفه من المرض وإن لم يعد له، وإلا .. جاز ترك النية مطلقاً.
(و) يجوز أيضاً الفطر (للخائف من الهلاك) من الصوم على نفس أو منفعة له أو لغيره، كما يأتي.
(ولغلبة الجوع أو العطش) بحيث يخاف من الصوم مع أحدهما مبيح تيمم.
وظاهر المتن: استواء ما ذكر في الجواز، واعتمد (حج) أن مبيح التيمم يوجب الفطر.
وعند (م ر): لا يوجبه إلا خوف الهلاك، وهذا وارد على تعبير المتن بالجواز، لكنه جواز بعد امتناع فيصدق بالوجوب، وعلى كلام (م ر) فالجواز فيه مستعمل في حقيقته ومجازه، أو بمعنى غير الممتنع الشامل للواجب والمباح.
ويلزم أهل العمل المشق في رمضان كالحصادين ونحوهم تبييت النية، ثم مَنْ لحقه منهم مشقة شديدة .. أفطر، وإلا .. فلا.
ولا فرق بين الأجير والغني وغيره، والمتبرع وإن وجد غيره وتأتى لهم العمل ليلاً، كما قاله الشرقاوي: وقال في "لتحفة": إن لم يتأت لهم ليلاً.
ولو توقف كسبه لنحو قوته المضطر إليه هو أو ممونه على فطره .. جاز له، بل لزمه عند وجود المشقة الفطر، لكن بقدر الضرورة، ومن لزمه الفطر فصام .. صح صومه؛ لأن الحرمة لأمر خارج، ولا أثر لنحو صداع ومرض خفيف لا يخاف منه ما مر.
(و) يجوز الفطر أيضاً (للمسافر سفراً طويلاً مباحاً)؛ للكتاب والسنة والإجماع، لا لذي السفر القصير أو المحرَّم، ويأتي هنا جميع ما مر في القصر، فحيث جاز .. جاز الفطر (إلا) أنه هنا لا يفطر (إن طرأ السفر) بأن فارق العمران أو السور (بعد الفجر)؛ تغليباً للحضر، بخلاف القصر فيقصر بعد مجاوزة ما ذكر في يوم السفر وإن طرأ السفر بعد الفجر، وبخلاف الفطر بالمرض فيباح بحدوث المرض أثناء النهار؛ لوجوده من غير اختياره بخلاف السفر، فإن سافر قبل الفجر .. جاز له الفطر ولو بعد نية الصوم وإن نوى ليلاً، فقد صح: أنه صلى الله عليه وسلم أفطر بعد العصر في رمضان في سفر بقدح ماء لمّا قيل: إن الناس يشق عليهم الصوم، ولوجود سبب الترخيص.
ولو نوى ليلاً ثم سافر ولم يدر أسافر قبل الفجر أم بعده؟ امتنع الفطر؛ للشك في مبيحه.
وتجب نية الترخص عند الفطر على مسافر ومريض يرجى برؤه ومن غلبه نحو جوع
كالحصادين ونحوهم؛ قياساً على محصر تحلل، وليتميز الفطر المباح من غيره.
قال الونائي: لا على شيخ وشيخه ومريض لا يرجى برؤه، وحامل ومرضع.
(والصوم في السفر أفضل) من الفطر؛ لآية (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)[البقرة:184]، ولبراءة الذمة، وحيازة فضيلة الوقت.
وفارق أفضلية القصر بأنه يحصل به براءة الذمة وفضيلة الوقت، بخلاف الصوم، وبأن فيه خروجاً من خلاف موجبة كأبي حنيفة.
وليس في إيجاب الفطر خلاف يعتد به، هذا (إن لم يتضرر) حالاً ولا مآلاً، وإلا فالفطر أفضل؛ لخبر الصحيحين: إنه صلى الله عليه وسلم مر برجل في ظل ثجرة يرش عليه الماء، فقال:"ليس من البر الصيام في السفر"، بل قد يجب، كما مر.
وعليه حمل قوله صلى الله عليه وسلم في الخير لما أفطر فبلغه أن أناساً صاموا: "أولئك العصاة"، أي بالصوم مع خوف المحذور، أو عصاة لمخالفتهم أمره صلى الله عليه وسلم لهم بالفطر، ليتقووا على عدوهم.
نعم؛ إن نذر المسافر إتمام صومه .. لم يجز له الفطر، وكذا مديم السفر؛ لأنه يؤدي إلى إسقاط الوجوب بالكلية، ومسافر غلب على ظنه أنه لا يعيش إلى أن يقضيه -كذي مرض مخوف- وهو قادر على الصوم قاله (م ر)، ونظر في الأولى في "التحفة"، و"الإيعاب"، و"الإمداد" في كليهما.
وفي "التحفة": أنه يمتنع الفطر على من قصد بسفره محض الترخص، كمن سلك الطريق الأبعد للقصر، ثم قال: وصريح كلام الأذرعي والزركشي امتناع الفطر على من نذر صوم الدهر؛ لأنه انسد عليه القضاء.
(وإذا بلغ الصبي أو قدم المسافر أو شفي المريض وهم صائمون) بأن نووا ليلاً، ولم يتناولوا مفطراً ( .. حرم الفطر)؛ لزوال مبيحه، ولذا لو جامع أحدهم لزمته الكفارة.
(وإلا) يكونوا صائمين بل مفطرين ولو بترك النية ( .. استحب) لهم (الإمساك) كمن طهرت من حيضها، ومن أفاق أو أسلم أثناء النهار؛ لحرمة الوقت، وإنما لم يجب؛ لأن الفطر مباح لهم ظاهراً وباطناً.
وزوال العذر بعد الترخص لا يؤثر، بخلاف المتعدي بفطره وتارك النية ومن أفطر أول يوم من رمضان قبل تبينه؛ لأنهم غير مباح لهم الفطر ظاهراً وباطناً، بل لازم الصوم لهم باطناً وظاهراً إلا في من أفطر يوم من رمضان .. فباطناً فقط، فلما أفطر بظن تبين خطؤه .. وجب عليه الإمساك.
والحاصل: أن من جاز الفطر له ظاهراً وباطناً لا يجب عليه الإمساك بل يسن، ومن حرم عليه ظاهراً وباطناً، أو باطناً فقط .. وجب عليه الإمساك.
(وكل من أفطر لعذر أو غيره .. وجب عليه القضاء) ولو بيوم قصير عن طويل؛ لما فاته من واجب رمضان أو غيره لسفر أو مرض؛ للآية، أو حيض أو نفاس؛ لما مر في الحيض، أو إغماء أو سكر؛ لأن الإغماء مرض، ولذا جاز على الأنبياء، بخلاف الجنون، ويخالف الصلاة؛ لتكررها.
والسكران في معنى المكلف، قال (ب ج): والظاهر أن السكران لا يجب عليه القضاء إلا بتعد، وبه صرح (حج) و (م ر).
وقال (سم): يجب على السكران مطلقاً كالمغمى عليه.
ثم من أفطر رمضان أو واجباً غيره تعدياً .. لزمه القضاء مطلقاً حتى تلزم الفدية عنه لو مات قبل صومه وإن لم يتمكن منه.
ومن أفطره بعذر كمرض وسفر وحيض وناسي النية .. فإنما يجب عليه القضاء (بعد التمكن) منه، وإلا كأن مات عقب موجب القضاء، أو استمر به العذر إلى موته أو سافر أو مرض بعد أول يوم من شوال إلى أن مات .. فلا فدية عليه؛ لعدم تمكنه منه.
(إلا الصبي والمجنون) الذي لم يتعد بجنونه .. فلا قضاء عليهما؛ لرفع القلم عنهما.
(و) إلا (الكافر الأصلي) .. فلا قضاء عليه؛ ترغيباً له في الإسلام.
لكن يسن لصبي قضاء ما فاته زمن تمييزه، ولكافر قضاء يوم إسلامه.
أمَّا المعتدي بجنونه وكذا من ارتد، ثم جن .. فيلزمهما قضاء مدة جنونهما، بخلاف من سكر ثم جن .. فيلزمه قضاء مدة سكره، ويرجع فيه لأهل الخبرة.
(ويستحب) فيما فات بعذر (موالاة القضاء) فيه (والمبادرة به)؛ مسارعة لبراءة ذمته.
نعم؛ قد يجبان لنحو ضيق وقت، كأن لم يبق من رمضان إلا قدر الأيام التي عليه.
(وتجب) المبادرة المستلزمة للموالاة (إن أفطر لغير عذر)؛ ليخرج عن معصية الترك المتعدي به.
قال في "الإمداد": وفي هذه الحالة يلزمه القضاء ولو في السفر ونحوه؛ إذ التخفيف بالتأخير لا يليق بالمتعدي.
(ويجب الإمساك في رمضان)؛ لحرمة الوقت، وتشبيهاً بالصائمين دون غيره كنذر وقضاء؛ لانتفاء شرف الوقت عنهما.
ولذا لم تجب في إفسادهما كفارة (على تارك) الصوم في رمضان، وقد وجب عليه ولو باطناً.
ومنه تارك (النية) ليلاً ولو سهواً؛ لأن نسيانه يشعر بتقصيره بترك الاهتمام بالعبادة، ومن أكل ظاناً بقاء الليل فبان نهاراً (والمتعدي بفطره) ولو شرعاً عقوبة له.
(و) المفطر (في يوم الشك إن تبين كونه من رمضان)؛ لتوجه الأمر عليه بصومه، لكنه جهله .. فعذر بإفطاره قبل التبين، فلما تبين .. وجب الإمساك.
وفارق المسافر بعدم توجه الأمر عليه أصلاً.
(ويجب قضاؤه) أي: يوم الشك المذكور كغيره مما تعدى بفطره (على الفور) على المعتمد؛ للتقصير بعدم رؤية الهلال مع رؤية غيرهم له.
وإنما لم يجب على ناسي النية الفور في قضائه؛ لأن عذره أعم وأظهر من عذر مفطر يوم الشك المذكور، ولأنه له حيلة في إدراك الهلال، بخلاف ناسي النية لا حيلة له في دفع النسيان، كذا قالوه.
* * *