المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أما خروجه: فاعلم أنه يخرجُ من أرض المشرق من أرض - البحور الزاخرة في علوم الآخرة - جـ ٢

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الكتاب الثاني في أشراط الساعة واقترابها وما يتعلق بذلك

- ‌الباب الأول في الأمارات البعيدة التي ظهرت وانقضت

- ‌ومنها كثرة الزلازل

- ‌الباب الثالث في العلامات العظام، والأمارات القريبة الجسام، التي تعقبها الساعة وفيه اثنا عشر فصلا

- ‌الفصل الأوّل: في المهدي وما يتعلق به

- ‌المقام الأوّل: في اسمه ونسبه، ومولده ومبايعته، وهجرته وحليته وسيرته

- ‌المقام الثاني: في علاماته التي يُعرف بها، والأمارات الدالة على خروجه:

- ‌ومنها: أنَّه يجتمع بسيدنا عيسى، ويصلي سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام خلفه

- ‌ومن الأمارات الدالة على خروجه:

- ‌المقام الثالث: في الفتن الواقعة قبل خروجه:

- ‌منها أنَّه يُحسر الفرات عن جبل من ذهب

- ‌تنبيه:

- ‌الفصل الثاني في الدجَّال وما يتعلق به، والكلام عليه في أربع مقامات

- ‌المقامُ الأول في اسمه ونسبه ومولده:

- ‌المقام الثاني في حليتهِ وسيرتِه:

- ‌ومن صفاته:

- ‌وأما سيرته:

- ‌المقام الثالث: في خروجه وما يأتي به من الفِتن والشبهات [ومعرفة سيره في الأرض]

- ‌أما خروجه:

- ‌المقام الرابع: في سرعة سيره في الأرض ومدّة لبُثه فيها، وكيفيّة النّجاة منه

- ‌أما سيره:

- ‌وأما كيفية النجاة منه:

- ‌الفصل الثالث في نزول سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام

- ‌المقامُ الأوّل: في سيرته وحليته:

- ‌وأما سيرته:

- ‌المقام الثاني: في وقت نزوله ومحله

- ‌المَقام الثالث: في مدته ووفاته:

- ‌الفصل الرابع في ذكر يأجوج ومأجوج وخروجهم من الفتن العظام والمصائب الجسام

- ‌المقام الأول: في نسبهم

- ‌المقام الثاني: في حليتهم وكثرتهم:

- ‌المقام الثالث: في خروجهم وإفسادهم وهلاكهم

- ‌الفصل الخامس خرابُ المدينة وخروج القحطاني والجهجاه والهيشم والمقعد وغيرهم، وكذا هدمُ الكعبة

- ‌الفصل السادس في طلوع الشمس من مغربها

- ‌تنبيهات:

- ‌الفصل السابع في خروج الدابَّة

- ‌المقصدُ الأوّل: في حليتها

- ‌المقصد الثاني: في سيرتها:

- ‌المقصد الثالث: في خروجها

- ‌الفصل الثامن خروج الدخان

- ‌الفصل العاشر في النار التي تخرج من قعر عدن، تحشرُ الناس إلى محَشرهم. وهي آخر العلامات

- ‌تتمة

- ‌خاتمة

- ‌الفصل الحادي عشر في نفخة الفزع، وما يكون فيها من تغير انتظام هذا العالم، وفساد انتظامه

- ‌الفصل الثاني عشر في نفخة الصعق وفيها هلاك كُل شيء

- ‌الكتاب الثالث في المحشر وما يتعلق به إلى أن يدخل أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ وأهلُ النارِ النَّارَ

- ‌البابُ الأول في نفخة البعث

- ‌الباب الثاني في الحَشْرِ

- ‌فصل

- ‌البابُ الثالث في الوقوف في المحشر، في شدة ما يلقاهُ الناس من الأهوال في تلك الحال

- ‌لطيفة

- ‌لطيفة

- ‌فائدة

- ‌فصلٌ في الشفاعة العظمى

- ‌فصل

- ‌الباب الرابع في ذكر الحساب، وما يليقاه العالم من شدةِ البأسِ والعقابِ

- ‌فصل في حسَابِ البْهَائم

- ‌فصل فى حساب النَّاس والإتيان بالشهود

- ‌فصل في شهادة الأعضاءِ والأزمنة والأمكنة

- ‌فصل في حساب المؤمِن ومَنْ يكلمه الله، ومن لا يكلمه

- ‌فصل في سرعة الحساب، وفيمن يدخل الجنَّة بغيرِ حساب

- ‌الباب الخامس في الميزان

- ‌فائدتان:

- ‌لطيفة:

- ‌فصل

- ‌الباب السادس في ذكر الصراطِ وهو قنطرة جهنَّم بين الجنّةِ والنّارِ وخُلق منْ حين خلقت جهنَّم

- ‌الباب السابع في الحوضِ، والكوثرِ وهما ثابتان بالكتابِ والسُّنّةِ وإجماع أهْل الحق

- ‌فصل

- ‌فصل في شفاعةِ الأنبياءِ، والملائكة، والعلماء والشهداء، والصالحين، والمؤذنين، والأولاد

- ‌فصل في سعة رحمة الله تعالى

الفصل: ‌ ‌أما خروجه: فاعلم أنه يخرجُ من أرض المشرق من أرض

‌أما خروجه:

فاعلم أنه يخرجُ من أرض المشرق من أرض خراسان، ومعه اليهود من أصبهان وغيرها، وقيل يخرج من يهودية أصبهان وقيل: من أرض كوثا (1) بالكوفة، وأكثرُ من يتبعهُ اليهود والنِّساء والأعراب و (عن) (2) كعب: الدجالُ تلده أمّه بقوص من أرض مصر، وبين مولده ومخرجه أربعون سنة، أخرجه نعيم (3) من طريق كعب.

وفي الترمذي أنه يخرجُ من خراسان (4).

وفي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا: "يتبع الدجال من يَهود أصبهان سَبعون ألفَا عليهم الطيالسة"(5).

وفي الطبراني: "يخرج الدجال من قِبل أصبهان المشرق، معه قوم وجوههم كالمِجان"(6).

وفي الديلمي عن عليّ رضي الله عنه، مرفوعًا:"يخرجُ الدجَّالُ ومعه سبعون من الحاكة على مقدمته"(7).

(1) كوثى: بسواد العراق في أرض بابل، وبها مشهد إبراهيم الخليل عليه السلام وبها مولده "معجم البلدان" 4/ 487.

(2)

كذا في (ط)، و (ب) ومكانها يتأخر في (أ).

(3)

الفتن 2/ 541.

(4)

رواه الترمذي (2338).

(5)

رواه مسلم (2944)، وأحمد 3/ 224، وابن حبان (6798).

(6)

رواه الطبراني في "مسند الشاميين"(1285).

(7)

رواه ابن عدي في الكامل 1/ 303، والديلمي 5/ 513، وقال ابن عدي: حديث باطل.

ص: 574

وفي مستدرك الحاكم (1) عن ابن عمر مرفوعًا "يخرج الأعور الدجال من يهودية أصبهان، لم يُخُلق له عينٌ، والأخرى كأنهَا كوكب، ممزوجة بدم يشوى في الشمس سمكًا ويتناولُ الطيرَ من الجوِّ، لهُ ثلاثُ صيحاتٍ يَسمعُها أهلُ المشرقِ (والمغرب)) (2).

وأما فتنته: ففي الحديث "ما كانت ولا تكون فتنةٌ حتى تقوم الساعة أعظمَ من فتنة الدجال، ومَا من نَبيِّ إلاّ وقد حذَّرَ قومه الدجال". الحديث رواه الحاكمُ عن جابر مرفوعًا (3)، وفي الحديث "أن قبل خروجه بثلاث سنين أوّل سنة: تمسك السماء ثلث قطرها، والأرض ثلث نباتها، والسنة الثانية: تمسك ثلثي قطرها، والأرض ثلثي نباتها، والسنة الثالثة: تمسك السماء ما فيها ويهَلك كل ذي ضَرس وظلف".

ومن جُملة فتنته: "أنه يسيرُ معهُ جبلان أحدهما فيه أشجار وثمار وماء وأحدهما: فيه دُخان يقول: هذه الجنّة وهذه النار" رواه الحاكم عن ابن عُمرو (4) وعن حُذيفَةَ "أن معه جنّةً ونارًا، ورِجالاً يقتلُهم، ثم يُحييهم ومَعه جبلٌ ثريد، ونهرُ ماء"(5).

قال العلامة في "بهجته": وقد وردَ أنَّه إذا خرج يكونُ معه صورة جنة ونار، ويكون ذلك على طريق التخييل لا الحقيقة، ومن أدخله جنّته كانت عليه نارًا، ومن أدخله نارَهُ كانتْ عليه جَنَّة، ويكونُ مَعَهُ جبالٌ من خُبز كالبرد، ذكره الحافظ ابن حجر. قال العلامة: ويتسلط على كل الحُبوب والأقوات حتى الفول، خلافًا لمن استثناه مدعيًا أن في

(1) في المستدرك للحاكم 4/ 528 وصححه، وتعقبه الذهبي وقال: بل منكر.

(2)

زيادة من (ط)، و (ب).

(3)

"المستدرك" 1/ 24.

(4)

رواه أحمد 6/ 453.

(5)

"المستدرك" 4/ 529.

ص: 575

رأسه ألفًا أو مدةً سُودًا تشبه الألف، إذ هُو كلامٌ لا أصلَ له. قال: ولا يدعُ ماءً إلاّ دَخله وورَده، ويدعو الناسَ إلى الإيمان به وأنَّه ربَّهم وإلهَهُم، ويدخُلُ البحرَ المالح في أعمق مكان منه، فيصل إلى حقوّيه، فيأخذُ بيده منه السمك، ويَمدُّ يديه إلى السحاب قال: ولا يَبقى [منه](1) بلا فتنة إلا سبعةُ آلاف امرأة، واثنا عشر ألف رجل، على ما ورد. انتهى (2).

فإن قيل: قَد ورَد أنَّهُ يُسَلَّطُ على واحد، ثم لا يَقدرُ عليه ثانيًا، وأنه يقول لا يَفعلُ بعدي بأحد من الناس، فكيف يُقالَ أن معه رجالاً يقتُلهم؟ فالجوابُ: أن هؤلاء الرجال إنما هم شَياطين، وقتله إيّاهم وإحياؤه لَهم إنما هو في رأي العين، لا على الحقيقة. وأما قتل ذلك فعلى الحقيقة، والرجُلُ هُو الخضر (3) كما يأتي ومع الدجال جبالٌ من خبز، والناس في غاية الجهد إلَاّ من اتبعه، ومعه نهران.

قال صلى الله عليه وسلم: "أنا أعلم بهما منه، نهرٌ يقول الجنة، ونهرٌ يقول النار، فمن أدخله الذي يسميه الجنَّة، فهو في النار، ومن أدخله الذي يُسميه النار فهو في الجنة" رواه الإمام أحمد، وابنُ خُزيمة والحاكم، وغيرهم عن جابرٍ رضي الله عنه (4).

(1) زيادة من "الفتن" لنعيم بن حماد 2/ 537.

(2)

في أحاشية: قف على من لا تلحقه فتنة الدجال من الرجال والنساء.

(3)

الصحيح أن الخضر ميت كما هو رأى علماء السلف.

(4)

رواه أحمد 3/ 367 - 368 مطولًا، وابن خريمة في التوحيد 1/ 102، والحاكم 4/ 530. وأورده الهيثمي 7/ 344 وقال: رواه أحمد بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح.

ص: 576

وفي رواية "أنا أعلمُ بما مع الدجال: معه نَهران يجريان، أحدُهما رأيُ العين؛ ماء أبيض، والآخر رأي العين؛ نارٌ تأجج، فإما إن أدرك ذلك واحدٌ منكم، فليأتِ النهرَ الذي يَراه نارًا تأجج، ويُغمضُ ثم ليُطأطئ رأسه فيشرب، فإنه ماء بارد"(1).

وعند البخاري (2) من حديث المغيرة بن شعبة: "معه جبلُ خبز" زادَ مُسلم (3) في رواية "معه جبالٌ خبز ولحم ونهرٌ من ماء".

وفي رواية نعيم عن ابن مسعود "معه جبل من مَرق، وعراقُ اللحم حار لا يبرد، وجَبلٌ من جنّان وخضرة، وجبلٌ من نار ودُخان، يقول: هذه جَنَّتي، وهذا طعامي وهذا شرابي"(4).

واعلم أن العلماء اختلفوا في هذه الجنة والنار، هل هي على سبيل الحقيقة؟ أم تخييل؟ (5) وقد ذكرنا أن العلامة قال: يكونُ ذلك على طريق التخييل لا الحقيقة.

وقال ابن حِبَّان في صحيحه (6): إنه تخييل. واستدل بحديث المغيرة بن شعبة في الصحيحين (7): أنه قال: كنتُ أكثر من

(1) كما في مسلم (2934) من حديث حذيفة، وفي البخاري (3450) نحوه.

(2)

البخاري (7122).

(3)

مسلم (2939)، (115).

(4)

الفتن 2/ 544.

(5)

قال ابن كثير رحمنا الله وإياه في "النهاية"(1/ 147): وقد تمسك بهذا الحديث طائفة من العلماء كابن حزم والطحاوي وغيرهما في أن الدجال ممخرق مموه لا حقيقة لما يبدي للناس من الأمور التي تشاهد في زمانه، بل كلها خيالات عند هؤلاء. أ. هـ

(6)

انظر (6782، 6800).

(7)

البخاري (7122)، ومسلم (2939).

ص: 577

سؤال النبي صلى الله عليه وسلم، عن آية. أيّ: علامة الدجال فقال لي: "وما يضرك؟ " قلت: لأنهم يقولون: إن معه جبل خبزٍ. قال: "هو أهونُ من ذلك"، قال فمعناه: أنه أهونُ على الله من أن يكونَ معه ذلك حقيقةً، بَل يُرى ذلك وليس بحقيقة ويدل له أيضًا الرواية السابقة:"أحدهما في رأي العين ماء أبيض" الحديث. وقال جماعة منهم ابن العربي: بل هي على ظاهرها امتحانًا من الله لعباده، وحملوا قوله صلى الله عليه وسلم:"هو أهون" إلى آخره أي: قال من أن يُخافَ منه، أو أن يُضل اللهُ به من يُحبه.

قال في "الإشاعة"(1): والتحقيق الأول: ويدل له مع ما تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن أدرك ذلك منكم فليقع بالذي يراه أنه نارٌ فإنه عذبٌ بارد"، وبما في رواية:"فالنار روضَةٌ خضراءُ" والله الموفق.

وأخرج أبو داود عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سَمعَ بالدجال فلينأ: أي يبعد عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحَسَبُ أنه مؤمنٌ فيتبعه، مما يبعَث به من الشبهات"(2).

وأخرج مسلم من حديث النواس بن سمعان، من حديث الدجال الطويل: "فيأتي أي الدجال القومَ فيدعوهم فيؤمنون به، ويستجيبون له، فيأمر بالسماء فتُمطر لهم، والأرض فتنبت فتروحُ عليهم سارحتُهم أطول ما كانت ذَرَّا، واسبغه ضروعًا وأمده خواصر، ثم يأتي القومَ فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم فيصبحون

(1) ص 126.

(2)

رواه أحمد 4/ 431 و 441، وأبو داود (4319)، والحاكم 4/ 576.

ص: 578

ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول: أخرجي ما فيك من كنز فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل"، الحديث (1).

وأخرج مسلم أيضًا عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يخرجُ الدجال فيتوجه قِبَلَهُ رجل من المؤمنين فيلقاه مسالح (2) من مَسالح الدجال فيقولون له: أين تعمد؟ فيقول: أعمد إلى هذا الدجال الذي خرج فيقولون له: أوما تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربُنا هذا خفاء، فيقولون: اقتلوه، فيقولُ بعضهُم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم أن لا تقتلوا أحدًا دونه؟ قال: فينطلقون به إلى الدجال، فإذا رآه المؤمن قال: أيها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فيأمر به الدجال فيُشَبحُ فيقول: خذوه فاشبحوه فيوسع ظهرُه ضربًا قال: فيقول: أما تؤمن بي فيقول: أنت المسيحُ الكذاب، قال فيؤمر به فيُنشر بالمنشار من فَرقِه حتى يُفرَقَ من رجله، قال: ثم يمشي الرجل بين القطعتين ثم يقولُ قم: فيستوي قائمًا، فيقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلَاّ بصيرة قال ثم يقول: يا أيها الناس إنه لا يَفعَلُ بَعدي بأحدٍ من الناس، قال: فيأخذُه الدجالُ ليذبحه، فيَجزُّ ما بين رقبته إلى ترقوته، فلا يستطيع إليه سبيلًا، قال: فيأخذ بيديه ورجليه، فيقذف به فيحسب الناس أنه قذت به في النار وإنما ألقي في الجنة"(3).

(1) مسلم (2937) وتقدم.

(2)

في الأصل: "مسالخ من مساليخ" وهو خطأ ولفظ الحديث في صحيح مسلم: "المسالح، مسالح الدجال".

(3)

مسلم (2938)، وأبو يعلى (1410).

ص: 579

[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم](1): "هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين". [قال في التذكرة](2): يقال إن هذا الخضر عليه السلام.

[وفي البهجة](3): قد ثبت أن الله تعالى لا يسلط الدجال على أحد بالقتل، إلا على رجلٍ واحد، يخرج إليه ذلك الرجل، وهو شاب حسنُ فيقول له الدجال: أتؤمنُ بي وبألوهيتي؟ فيقول له: إنك اللَّعينُ الكذاب أو الدجال، فيقتُلَه ويشقَه نصفين، ويمشي الدجال بحماره بين الشقين، ويقول له: قم حيًا بإذني فيعود حيًا.

ثم يقول له بعد ذلك: أتؤمن بي؟ فيقول: ما زدت فيك إلا يقينًا أنك اللعين، [قال إبراهيم بن محمد](4) بن سفيان راوي صحيح مسلم أنه الخضر عليه السلام، لا أن ذلك الراوي إبراهيم أبو إسحق السبيعي، كما توهم القرطبي. وزعم بعضُهم أن الرجل من أصحاب الكهف، وقد مر أنهم يكونون من أصحاب المهديّ، وهو ضعيف [وفي رواية] (5): قال: يأتي -يعني الدجال- وهو محرَّمٌ عليه أن يدخل المدينة، فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة، فيخرجُ إليه يومئذ رجل وهو خير الناس، أو من خير الناس، فيقول: أشهد أنك

(1) مكانها بياض في (أ) واستدركناها من (ب)، و (ط).

(2)

مكانها بياض في (أ) واستدركناها من (ب)، و (ط).

(3)

مكانها بياض في (أ) واستدركناها من (ب)، و (ط).

(4)

مكانها بياض في (أ) واستدركناها من (ب)، و (ط). وفي حاشية (أ) على القول بحياة الخضر وقد أخذنا في كتابنا "الجواب المحرر" عدم حياته الآن، فالتصحيح على رأي من زعم أنه حي، مؤلف.

(5)

مكانها بياض في (أ) واستدركناها من (ب)، و (ط).

ص: 580

الدجال، الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلتُ هذا أتشكونَ في الأمر؟ فيقولون: لا فيقتُله ثم يُحييه فيقولُ حين يُحييه: واللهِ ما كنتُ فيك قط أشد بصيرة مني الآن فيريد الدجال أن يقتله، فلا يتسلط عليه خرجه البخاري (1)، [وفي مسند أبي داود](2) الطيالسي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن مع الدجال ملكين يُشبهان نبيين من الأنبياء أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله فيقول: ألست بربكم أحيى وأميت؟ فيقول أحدهما: كذبت، فلا يسمعه أحد من الناس إلا صاحبه، ويقولُ الآخر صدقت وذلك فتنة أي يقول صدقت فيسمع ذلك الناس، فيظن الناس أن قولَه صدقت جوابًا للدجال، وإنما هُو تصديق لتكذيب صاحبه للدجال في زعمه أنه رب (3).

[واعلم](4) أن في خروج الدجال أحاديث كثيرة مختلفة، وأبسط حديث فيه حديث النواس عند مسلم (5) وغيره، وحديث أبي أمامة عند ابن ماجة (6)، وابن خزيمة والحاكم (7) والضياء وحديث ابن

(1) رواه البخاري (1882) و (7132)، ومسلم (2938).

(2)

مكانها بياض في (أ) واستدركناها من (ب)، و (ط).

(3)

رواه الطيالسي (1106)، وابن أبي شيبة 7/ 491، وأحمد 5/ 221 - 222، والروياني (669).

(4)

مكانها بياض في (أ) واستدركناها في (ب)، و (ط).

(5)

"صحيح مسلم" برقم (2937).

(6)

"سنن ابن ماجه" برقم (4077). وضعفه الألباني.

(7)

"مستدرك الحاكم"4/ 536 - 537، وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

ص: 581

مسعود، عند نعيم بن حمّاد والحاكم (1)، وحديث أبي سعيد عند مسلم وعند البخاري معناه (2). وحديثُ أبي سعيد أيضًا عند الحاكم (3) فلنَسُق هذه الأحاديث مَساقًا واحدًا [ثم نذكر](4) وجه الجمع بين اختلافها بحسب الإمكان، والتيسير وقد نزيد بعضَ زيادات من غيرها، [فنقول اعلم](5) أن النبي صلى الله عليه وسلم، خطب فقال (6): "إنه لم يكن في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم عليه السلام أعظم من فتنة الدجال، وأن الله لم يبعثْ نبيًا إلَاّ حذر أمته الدجال، وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة فخفَضَ فيه ورفَعَ حتى ظنناهُ في طائفة النخل، فلما رُحنا إليه عرف منا ذلك فقال: أما (7) من غير الدجال أخوف عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجُه دونكم، وأنا حجيج كل مسلم وإن يخرج من بعدي فكلٌ حجيج نفسِه، واللهُ خليفتي عليكم، وعلى كل مسلم، وإنه يخَرجُ من خَلّة أي: من طريق بينَ الشام والعِراق، فيَعيثُ أي يُفسد، يبعث السرايا والجنود يمينًا وشِمالًا، وإن

(1) روراه الحاكم في مواضع عديدة 4/ 488، 496، 545 - 546

(2)

سبق تخريجه في هامش (1).

(3)

"المستدرك" 4/ 537 - 538.

(4)

مكانها بياض في (أ) واستدركناها من (ب)، و (ط).

(5)

مكانها بياض في (أ) واستدركناها من (ب)، و (ط).

(6)

هذا حديث طويل روي من طرق عديدة بألفاظ مختلفة أصحهما وأقربهما في "صحيح مسلم" برقم (2937) من حديث النواس بن سمعان. وكذا عند أبي داود من طريق أبي أمامة برقم (4322). وابن ماجه من نفس الطريق برقم (4077).

(7)

كذا في (أ) والمثبت في (ب)، و (ط):"أنا".

ص: 582

على مُقدمته سبعين ألفًا من يهود أصبهان، عليهم رجل أشعر يقول: بدو بدو كما مر".

[فقال](1) صلى الله عليه وسلم: "يا عباد الله فاثبتوا فإني سَأصفُه لكم صفة لم يصفها نبيٌ قبلي، إنَّهُ يبدو فيقول: أنا نبيٌ ولا نبي بعدي، ثم يُثنيِّ فيقول: أنا ربُكم ولا ترون ربكم حتى تموتوا، وإنه أعور وربكم ليس بأعور، وإنه مكتوبٌ بين عينيه كافر، يقرؤه كُلُّ مؤمن كاتب، وغير كاتب حروفًا مهجاة هكذا"(2)[كـ فـ ر](3) كما جاء مصرحًا به في بعض الروايات وتقدم ذلك [وأن من فتنته](4) أن معه جنةً ونارًا فناره جنة وجنته نار، فمن ابتلي بناره فليستعن بالله، وليقرأ فواتح سورة الكهف فتكون عليه بردًا وسلامًا كما كانت النار على إبراهيم [وإن من فتنته] (5) كذا وكذا وقد ذكرناها [وأن معه اليسع عليه السلام] (6) ينذر الناس فيقول: هذا المسيح الكذاب فاحذروه لعنه الله ويعطيه الله من السرعة ما لا يلحقه الدجال

[وفي رواية](7) إن بين يديه رجلين ينذران أهل القرى كلما دخلا

(1) مكانها بياض في (أ) واستدركناها من (ب)، و (ط).

(2)

هذا حديث النواس عند مسلم (2937).

(3)

مكانها بياض في (أ) واستدركناها من (ب)، و (ط).

(4)

مكانها بياض في (أ) واستدركناها من (ب)، و (ط).

(5)

مكانها بياض في (أ) واستدركناها من (ب)، و (ط).

(6)

مكانها بياض في (أ) واستدركناها من (ب)، و (ط).

(7)

مكانها بياض في (أ) واستدركناها من (ب)، و (ط).

ص: 583

قرية أنذرا أهلها فإذا خرجا منها دخلها [أول](1) أصحاب الدجال، [ويدخل القرى](2) كلها غير مكة والمدينة فيمر بمكة، فإذا هو بخلق عظيم فيقول من أنت؟ فيقول: أنا جبريل، بعثني الله لأمنعه من حرم رسوله [وفي رواية] (3): أنه لا يبقى في الأرض شيء إلا وطئه وظهر عليه إلا مكة والمدينة فإنه لا يأتيهما من نقب من أنقابهما إلا لقيه الملائكة بالسيوف، صلتة فيمر بمكة فإذا رأى ميكائيل ولى هاربًا ويصيحُ فيخرجُ إليه من مكة منافقوها [ويمر بالمدينة](4) كذلك حتى إذا نزل عند الظريب الأحمر عند منقطع السبخة فتوجه قبله رجل من المؤمنين، ويقول لأصحابه: والله لأنطلق إلى هذا الرجل فلأنظرَنَّ أهو الذي أنذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فيقول له أصحابه لا ندعكَ تأتيه، ولو أنا نعلم أنه يقتلُك إذا أتيته خلينا سبيلك، ولكن نخاف أن يفتنك.

فيأبى عليهم الرجل المؤمن إلا أن يأتيه، فينطلق يمشي حتى يأتي مسالح [الدجال] (5) أي: خفراءه، وطلائعه فيقولون له: أين تعمد؟ فيقول: أعمد إلى هذا الرجل الذي قد خرج وذكر ما قدمناه بحروفه، إلى أن قال فيرسلون إلى الدجال: إنا قد أخذْنا مَن يقولُ:

(1) ليست في (أ) وهي في (ب)، و (ط).

(2)

مكانها بياض في (أ) واستدركناها من (ب)، و (ط).

(3)

مكانها بياض في (أ) واستدركناها من (ب)، و (ط).

(4)

مكانها بياض في (أ) واستدركناها من (ب)، و (ط).

(5)

ليست في (أ) والمثبت من (ب)، و (ط).

ص: 584

كذا وكذا فنقتُله أو نرسلُه. قال: فيقول: أرسلوه إليّ. فينطلقون به إلى الدجال، فإذا رآه المؤمن عرفه لنعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول: أيها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأمر به الدجال فَيُشبحُ ثم يقول: لتُطيعنَّني فيما أمرتُك أو لأشُقنَّك شقتين، فينادي المؤمن: أيّها الناس هذا المسيح الدجال الكذاب، من عصاه فهو في الجنة ومن أطاعه فهو في النار، فيؤمر فيوسعُ ظهره وبطنه ضَربًا فيقول له الدجال: والذي أحلفُ به لتُطيعَنيِّ أو لأشقنك شقتين، فيقول: أنت المسيح الكذاب، فيؤمر به فينشر بالمنشار على ما قدّمناه.

وفي رواية: فمد برجليه، فوضع حديدة على عجب ذنبه فشقه شقتين، ويبعد بينهما قَدْرَ رَمية الغرض، ثم يمشي الدجال بين القطعتين، ويقول لأوليائه: أرأيتم إن أحييته؟ ألستم تعلمون أني ربكم؟ قالوا: بلى، فيضربُ أحد شقيه أو الصعيد عنده ويقول له: قم فيستوي قائمًا فلما رآه أولياؤه صدقوه، وأيقنوا أنه ربهم، وأجابوه واتبعوه، وقال للمؤمن: ألا تؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة ثم يأتي المدينة المشرَّفة فيجدُ بكل نقب من أنقابها ملكًا مسلطًا، فيأتي سبخة الجرف، وفي لفظ هذه السبخة، ينزل بمر قناة فيضرب رواقه ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات، فلا يبقى منافق ولا منافقة ولا فاسق ولا فاسقة إلا خرج له، فتخلصُ المدينة، وذلك اليوم يوم الخلاص.

ص: 585

رواه الإمام أحمد والحاكم (1) عن محجن بن الأدرع فقالت أم شريك بنت أبي العَكَن: يا رسول الله فأين العرب يومئذ؟ قال: "هم يومئذ قليل، وجلهم (2) ببيت المقدس وإمامهم المهدي رجل صالح".

وفي رواية: عند الإمام أحمد من حديث جابر مرفوعًا: "فيفر المسلمون إلى جبل الدُّخَان بالشام فيأتيهم فيشتد حصارهم ويجهدهم جَهدًا شديدًا"، الحديث (3).

ثم إن (4) الناسَ يشكون في أمر الدجال، حين لم يقدر على قتل ذلك الرجل ثانيًا ويُبادرُ إلى بيت المقدس، فإذا صعد عقبة أفيق ورفع ظلة (5) على المسلمين، فيوترون قسيهم لقتاله، فأقواهم مَن بَرَكَ حتى إذا طال الحصار قال رجل: إلى متى هذا الحصار والجهد؟ اخرُجوا إلى هذا العدو حتى يحكم الله بيننا إما الشهادة وإما الفتح فهل أنتم إلاّ بين إحدى الحسنيين؟! بين أن تستشهدوا أو يُظفركم الله عليهم، فيتبايعون على القتال بيعة يعلم اللهُ أنَّها الصدق عن أنفسهم، وذلك بعد ثلاث سنين شداد يُصيبُ الناسَ فيها الجوع الشديد، وأن قوتَ المؤمن التهليل والتسبيح والتحميد، ثم تأخذهم ظلمة لا يبصر أحدهم كفه، فينزل عيسى ابن مريم عليه السلام، فيحسرُ عن أبصارهم وبين أظهرهم رجلٌ عليه لامة فيقولون: من أنت؟ فيقول: أنا عبد الله وكلمتُه

(1) رواه أحمد 4/ 338، وانظر الفتح 13/ 94.

(2)

في الأصل (وجلبهم) والمثبت من مصادر التخريج.

(3)

مسند أحمد 3/ 367.

(4)

في الإشاعة ص 135 بتصرف.

(5)

كذا في (أ)، والمثبت في (ب): ظلمة.

ص: 586

عيسى، اختاروا إحدى ثلاث: أن يبعث الله على الدجال وجنوده عذابًا جسيمًا، أو يخسف بهم الأرض أو يُرسِلَ عليهم سلاحكم، ويكف سلاحهم فيقولون: هذا يا رسول الله أشفى لصدورنا (1).

فيومئذ ترى اليهودي العظيم الطويل الأكول الشّروب، لا تقلّ يدُه سيفَه من الرعب، فينزلون إليهم فيسلطون عليهم هذه هذه (2)، وفي رواية فبينما إمامهم -أي المهدي- قد تقدم يصلي بهم الصبح، إذ نزل عليهم نبيُّ الله عيسى ابن مريمَ عليه السلام للصبح، فيرجعُ المهديُ قهقهرى، فيتقدم عيسى بنُ مريم عليه السلام ليُصلي بالناس ويقال له: يا روحَ الله تقدم أي يقولُ ذلك بَعضُ من لم يُحرم بالصلاة. إذن فيقولُ عليه السلام: ليتقدم إمامُكم فيصلي لكم ويضع عيسى يديه بين كتفيه فيقول تقدم فإنها لك أقيمت فيصلي بهم إمامُهم فإذا انصرفَ قال عيسى: افتح فيفتح ووراءه -أي: الباب- الدجال معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلّى، وساج فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء وانطلقَ هاربًا فيقول عيسى عليه السلام: إن لي فيك [ضربة لن](3) تسبقني بها فيدركه عند باب لُدّ الشرقي، -ولد بضم اللام والمهملة بوزن مُدّ بلدٌ بناحية بيت المقدس، بينه وبين الرملة مقدار فرسخ إلى جهة دمشق، متصل نخيله

(1) الخبر في الجامع لمعمر بن راشد (المطبوع مع مصنف عبد الرازق (11/ 397 - 398، وفي الفتن لنعيم بن حماد 2/ 574 بأسانيد لا تقوم بها قائمة.

(2)

كذا في (أ)، و (ط)، والمثبت في (ب):"فيسلطون عليهم هذه".

(3)

مكانها بياض في (أ) واستدركناها من (ب)، و (ط).

ص: 587

بنخيلها- فيقتله، ويهزم الله اليهود (1).

وفي رواية لمسلم وأحمد: فبينما هو -أي: الدجال- كذلك إذ بعث الله المسيحَ ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، مهروذتين.

أي بالذال المعجمة والمهملة أي مصبوغتين بالهرذ وهو شيء أصفر أو بالزعفران أو الورس واضعًا كفّيه على أجنحة ملكين، إذا طاطأ رأسه قطر. -أي الماء من شعره- وإذا رفعه تحدَّرَ منه مثل الجمان، أي: بضم الجيم وتخفيف اليم، حبات من الفضة، يصنع على هيئة اللؤلؤ الكبار. فلا يحلُ لكافر يجدُ من ريح نفسه إلا مات ونَفَسُه ينتهى حيث ينتهى طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لدّ فيقتله (2).

وفي رواية "ثم ينزل عيسى عليه السلام فينادي من السحر فيقول: أيها الناس ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث؟ ويسمعون النداء: جاءكم الغوث فيقولون: هذا كلامُ رجل شبعان، وتُشرقُ الأرضُ بنور ربها، وينزلُ عيسى ابن مريم ويقولُ: يا معشر المسلمين: احمدوا ربّكم وسبحوه أي فإن الحمدَ والتسبيح قوتهم كما مرّ، فيفعلون.

ويريد أصحاب الدجال الفرار، فيُضيّقُ الله عليهم الأرض، فإذا أتوا بابَ لدّ (3) في نصف ساعة، يُوافقون عيسى فإذا نظر الدجال إلى

(1) أخرجه ابن ماجه (4077) الطبراني في الطوال (48) انظر "التذكرة"(759).

(2)

"صحيح مسلم" برقم (2937).

(3)

كذا في (أ)، و (ط)، والمثبت في (ب) بالبلد.

ص: 588

عيسى يقول: أقيموا الصلاة خوفًا منه أي: من عيسى ويقول: يا نبي الله قد أقيمت الصلاة فيقول عيسى: يا عدوَّ الله زعمت أنك رب العالمين، فلمن تُصلي؟ فيضربه بمقرعته، وفي رواية بحربته التي نزل بها من السماء، وفي رواية يذبحه بالسكين، ولا منافاة في ذلك إذ كل ذلك سلاح لسيدنا عيسى عليه السلام فيقتلُه رواه الإمام أحمد (1) عن جابر مرفوعًا [ولفظه] (2): ثم ينزل عيسى عليه السلام، فينادي من السحر فيقول: يا أيها الناس ما يمنعكم أن تخرجوا إلى هذا الكذاب الخبيث؟ فيقولون: هذا رجل حَيّ فينطلقون، فإذا هم بعيسى عليه السلام، فتقام الصلاة فيقال له: تقدم يا روحَ الله فيقول: ليتقدم إمامُكم فليصلي بكم، فإذا صلوا صلاة الصبح خرجوا إليه، فحين يراه الكذاب ينماث كما ينماث المِلح في الماء، فيمشي إليه فيقتله، حتى إن الشجر والحجر ينادي: يا روح الله هذا يهودي، فلا يتركن ممن كان تَبِعَهُ أحدٌ إلا قتله (3).

وفي التذكرة: فيصلي بهم إمامُهم فإذا انصرف قال عيسى عليه السلام: افتحوا الباب، فيُفتح ووراءهُ الدجال، ومعه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف مُحلىّ، فإذا نظر إليه ذاب الدجال (4) كما يذوب الملح (5). كما تقدم.

(1) رواه أحمد 2/ 267 - 268، وابن خريمة في التوحيد 1/ 102، والحاكم 4/ 530.

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

أحمد (3/ 367).

(4)

كذا في (أ) وفي (ب)، (ط):[فإذا نظر إليه الدجال ذاب].

(5)

انظر سنن ابن ماجة 2/ 1359 - 1362 (4077).

ص: 589

تنبيه: وجه الجمع بين هذه الروايات: أن عيسى صلوات الله عليه، ينزل أوّلاً بدمشق على المنارة البيضاء -وهي موجودة الآن- لست ساعات من النهار، ثم يأتي إلى بيت المقدس غوثًا للمسلمين، ويلحقهم في صلاة الصبح، وقد أحرم المهديُ والناسُ كُلّهم أو بعضهم لم يُحرم بعد، فيخرج إليه من لم يُحرم بالصلاة فيأتي المهدي في الصلاة، فقهقر (1) ويقول لعيسى بعضُ الناس: تقدم لما تقهقر المهدي فيضع يده على كتف المهدي أن تقدم، ويقولُ للقائل: ليتقدم إمامكم فيجيبُ المهدي بالفعل، والقائل بالقول ليكونَ جواب كل على طبق قوله.

ثم إذا أصبحوا شرِّدَ أصحابُ الدجال، فتضيقُ عليهم الأرض فيدركهم بباب لُدّ، فيُصادف ذلك صلاة الظُهر، فيتحيل اللعين إلى الخلاص من سيدنا عيسى بالصلاة، فلمّا عرف أنه لا يتخلص من ذلك، ذاب خوفًا منه كما يذوب الملح بالماء، فأدركه فقتله، أو أنه ينشئ اللعينُ صلاة في غير وقتها، وهو أدلُّ على ضلالته وجهالته بالله، ذكره في "الإشاعة" (2) ثم قال: وهنا وجهٌ آخر وهو أقرب إلى التحقيق: وهو أن الصلاة في الأيام القصار التي هي آخر أيام الدجال تقدر، فيحتمل أن يصادف التقدير ذلك الوقت، وعلى هذا فلا إشكال بين كونِه ينزل بدمشق لِست ساعات مضين من النهار، وبين كونه يصلي بالناس صلاة العصر. انتهى.

(1) في (ب): فيقهقر. والمثبت من (أ)، و (ط).

(2)

"الإشاعة" ص 136.

ص: 590

وعندي فى هذا الجمع نظر من وجوه:

الأول: في مسند الإمام إحمد عن جابر مرفوعًا: ثم ينزلُ عيسى عليه السلام، فينادي من السحر فيقول: يا أيها الناس مما يمنعكم أن تخرجوا إلى هذا الكذاب الخبيث فيقولون: هذا رجل حيّ فينطلقون، فإذا هُم بعيسى عليه السلام فتقام الصلاة فيقال لهُ تقدّمْ يا روحَ الله. الحديث (1) فهذا صريح أنه يجتمع بهم قبل إقامة الصلاة، ثم يقيمونها بعد ذلك، كما لا يخفى، سيما وقد عُطف بالفاء وهي للترتيب وأيضًا. فإن السحر قُبيل الصبح.

الثاني: في بعض الروايات "ثم ينزلُ ابن مريم، بعدَ أن يجمع المهديُ الناسَ لقتاله -أي: الدجال- فتعمهم ضبابة من غمام، ثم ينكشف عنهم مع الصبح، فيرون عيسى قد نزل، ويكون نزوله عند المنارة البيضاء والناس يريدون صلاة الصبح، ثم بعد الصلاة يتبعونه، وقد فرّ". فهذا يدل على أنه ينزل على منارة دمشق الصبح، فكيف يُقال لستّ ساعات مضين من النهار؟ وفيه أيضًا أن الناس لم يكونوا أحرموا بالفجر، بل يريدون ذلك، إلاّ أن يقال أحزمَ الإمام، وبعضُ الناس ومعظم الناس لم يُحرم بها بعد.

الثالث قوله: يُصلّي بالناس صلاةَ العصر المعروف عند أهل العلم: أن عيسى عليه السلام يُصلي وراء المهدي صلاة الفجر فقط. ثم يسلم له المهدي الأمر ويصلي بالناس، فيكون أوّل صلاة يصليها بالناس الظهر، فكيف يقول: يُصلي بالناس صلاة العصر؟

(1) سبق تخريجه ص 589.

ص: 591