الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حتى يقفَ عند قبر آدم عليه السلام، فيقولُ من أجلك جُعِلت في هذا الحال، وبسببك ذُقتُ هذا النكال، فَليْتَك لم تُخلَق، قال: فعند ذلك يسقيهُ ملك الموت كأسًا ممزوجًا بالعذاب الشديد، فيذوقُ من العذاب عند موته عددَ ما أغوى من أولاد آدم أضعافًا مُضاعفة، فيخرّ لعنهُ الله مرة يتمرغ في التراب ومرة يَصْرخُ من هول العذاب، ومرة يهربُ من المشرق إلى المغرب، حتى يأتي إلى الموضع الذي أهبطه الله فيه يومَ طُرِد، (وفي حياة الحيوان بجدة قاله كعب وفي تاريخ ابن الحنبلي أنه أهبط بأيلة)(1) وهو دِسِت مياه، فيجد الملائكة قد نصبت له الكلاليب والخطاطيف، وصارت الأرض كالجمرة، فيصير في أشدّ عذاب ونكال، وخزي ووبال، فتخرجُ روحُه الخبيثة إلى مقرها الخبيث وتستريح الأرض منه. كذا ذكره الكسائي.
قُلْتُ: والأوّل أصحُّ لأنه رواه الحاكم في "المستدرك"، ونعيم في "الفتن"(2)، عن ابن مسعود رضي الله عنه فهو في حكم المرفوع؛ لأنّه لا يُقال من قبل الرّأي وغايةُ ما ذكره كعب الأحبار، أن يكون تلقاه من كتب أهل الكتاب، ونحنُ معاشر المسلمين، لا نرى الاحتجاج بكلامهم إلاّ ما وافَقَ الشريعة الغرّاء، والله الموفق.
المقصد الثالث: في خروجها
أخرج الحاكم في المستدرك عن أبي الطفيل، عن أبي سريحة (3) عن
(1) ما بين القوسين لا يوجد في (ب).
(2)
ص 670 ت (1).
(3)
في الأصل "سرعة"، وفي مصادر التخريج "سريحة" وهو الصواب.
النبي صلى الله عليه وسلم قال: يكونُ للدابة ثلاثُ خرجات في الدهر تخرجُ في أوّل خرجة في أقصى اليمن، منتشرًا ذِكرُها بالبادية ولا يدخل ذِكرُها القرية، يعني: مكة -ثم بينما الناس يومًا في أعظم المساجد حرمة، وأحبّها إلى الله، وأكرمها على الله يعني المسجد الحرام، لم يَرُعْهُم إلّا وهي في ناحية المسجد من الركن الأسود، وباب بني مخزوم، فيرفض الناس عنها شتى، وتثبت عصابة من المسلمين عرفوا أنهم لن يعجزوا الله، فتنفض عن رأسها التراب فتجلوا وجوههم حتى كأنّهم الكواكب الدّرّية (1).
وفي "الإشاعة": لها ثلاث خرجات في الدهر، فتخرج خرجة في أقمى بادية (2)، وفي رواية في أقصى اليمن، ولا يدخل ذكرها القرية يعني مكة، ثم تمكث زمانًا طويلًا، ثم تخرج خرجة أخرى دون تلك فيعلو ذكرها في أهل البادية، ويدخل ذكرها القرية، ثم بينما الناس في أعظم المساجد الحديث.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنها تخرجُ من بعض أودية
(1) رواه الطيالسي (1069)، والحاكم 4/ 530، والطبراني في الكبير 3/ (3035)، ونعيم بن حماد 2/ 459 و 2/ 661، والفاكهي في أخبار مكة 4/ 39، ورواه الطبراني 10/ 14، والحاكم 4/ 531، والفاكهى 4/ 38 موقوفًا، وأورده الهيثمي 7/ 8 وقال: فيه طلحة بن عمرو وهو متروك. وقال ابن كثير في "البداية والنهاية"(19/ 249): فيه غرابة.
(2)
في (ب): (البادية). وكذا في "الإشاعة"(176).
تهامة (1)، أي: وهذا في بعض خرجاتها والأوّل: "في خرجتها الأخيرة".
وعن أبي هريرة وابن عمر، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم "أراه المكان الذي تخرج منهُ الدابّة"(2).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "خروجُها من الصَّفا ليلةَ منى"، فيصبحونَ بين رأسها وذنبها، لا يدحض داحض، ولا يخرج خارج، حتى إذا فرغت مما أمر الله فيهلك (3) من هلك، ونجا من نجا، كان أول خطوة تضعَها بأنطاكية (4) وفي بعضها:"من مدينة قوم لوط "، وفي بعضها:"من وراء مكة".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن الني صلى الله عليه وسلم قال:"بئس الشعبُ شِعب أجياد، قالها مرتين أو ثلاثة" قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: "تخرجُ منه الدابّة فتصرخُ ثلاثَ صرخاتِ فيسمَعُها من في الخافقين"(5).
(1) رواه نعيم بن حماد 2/ 665، وأبو عمرو الداني (700)، وعزاه ابن كثير 3/ 377 إلى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن ابن عباس، وذكره الطبراني 20/ 15 من قول قتادة.
(2)
رواه ابن عدي من حديث بريدة في ترجمة خالد بن عبيد وهو ضعيف. والبخاري في "تاريخه"(3/ 161، 162) وابن ماجه (4067)، وروى الطبراني 20/ 15 عن عبد الله بن عمرو أنه رفع قدمه وهو قائم قريبًا من الصفا وقال: لو شئت لم أضعها حتَّى أضعها على المكان الذي تخرج منه الدابة.
(3)
في (ب): (فهلك). وكذا في "الدر المنثور".
(4)
رواه نعيم بن حماد 2/ 667، والفاكهي 4/ 44 وإسناده ضعيف.
(5)
رواه ابن عدي (ترجمة رباح بن عبيد) و (ترجمة هشام بن يوسف)، والعقيلي=
وعن بريدة رضي الله عنه قال: ذهب بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضع بالبادية، قريب من مكة فإذا بأرض يابسة، حولها رمل فقال صلى الله عليه وسلم "تخرجُ الدابَّة من هذا الموضع (1).
ووجْهُ الجمع بين هذه الروايات مِن وجهين (2): أحدهما: أن لها ثلاثُ خرجات، ففي بعضها تخرجُ من مدينة قوم لوط، ويصدق عليها أنها من أقصى البادية، وفي بعضها تخرج من بعض أودية تهامة، ويصدق عليها أنها من وراء مكة، ومن اليمن؛ لأن الحجاز يمانية، ومن ثَمَّ قيل الكعبة يمانية (3)، وفي المرة الأخرى تخرج من مكة، وهي من عظم جثتها وطولها يمكنُ أن تخرج من بين المروة والصفا وأجياد، فإنها تمتدُ مقدار ثلاثة أيام وأكثر، فحينئذٍ يصدقُ عليها أنها خرجتْ من المروة ومن الصفا ومن أجياد، ومن المسجد أي: ومنَ البادية التي بالقرب من مكة، كما في حديث بريدة.
والوجهُ الثاني: أنها تخرجُ من جميع تلك الأماكن في آن واحد، خرقًا للعادة، في صور متباينة، على أنه ورد كما في "حياة الحيوان"، أنه يَخرجُ من كل بلدة دابة، مما هو مبثوث (4) نوعُها في الأرض،
= 2/ 61، وابن حبان في المجروحين 1/ 300، والفاكهي في أخبار مكة 4/ 43 وإسناده ضعيف جدًا.
(1)
حديث ضعيف وقد تقدم ت (2) ص 673.
(2)
لا حاجة للجمع بين روايات أكثرها ضعيف كما تقدم في التعليق عليها.
(3)
في (ب): الكعبة اليمانية.
(4)
غير واضحة في الأصل.
فليست بواحدة فيكون قوله دابة: اسم جنس واللهُ أعلم.
فائدة: ذكر في "حياة الحيوان"، عنِ ابن عباس رضي الله عنهما، أن دابَّة الأرض هي الثعبان الذي كان في جوف الكعبة، واختطفته العُقابُ، حين أرادت قريش بناء البيت الحرام، وأن الطائر حين اختطفها ألقاها بالحجون، فالتقمتها الأرض، فهي الدابَّة التي تخرج تكلم الناس، وتخرجُ عند الصفا. انتهى.
وذلك على ما ذَكر ابن عبدِ البَرِّ في التمهيد عن عمرو بن دينار قال: لمّا أرادت قريشُ بناء الكعبة، خرجت منها حية فحالت بينهم وبينها، فجاء طائر أبيض فأخذها، ورمى بها في أجياد (1).
وقال ابن إسحق: قال الزبير بن عبد المطلب فيما كان من شأن الحيّة التي كانت قريش تهابُ بنيان الكعبة بسببها شعر (2):
عجبتُ لما تصوَّبتِ العُقابُ
…
إلى الثُّعبانِ وهي لها اضطرابُ
إذا قُمنا إلى التأسيسِ شدّت
…
تُهَيِّبُنا البناء وقد تُهابُ
وقد كانت يكونُ لها كشيشٌ
…
وأحيانًا يكونُ لها وثابُ
فلمّا أن خَشينا الرجزَ (3) جاءت
…
عقابُ تثلئب لها انصبابُ
فَضمَتْها إليها ثم خلَّت
…
لنا البُنيانُ ليس لها حجابُ
(1)"التمهيد" 10/ 39 ولكن فيه عن عبيد بن عمير.
(2)
الأبيات في "السيرة النبوية" 2/ 10، و"التمهيد" 10/ 39 - 40، و"تفسير ابن كثير" 1/ 182 مع بعض التقديم والتأخير أحيانًا.
(3)
في (ب): الزجر.
فَقُمْنَا حاشدينَ إلى بناءٍ
…
لنا منه القواعدُ والتُرابُ
غداة ترفَّعُ التأسيسُ منه
…
وليسَ على مُسوّينا ثيابُ
أعز به المليكُ بني لؤيٍّ
…
فليسَ لأصله منهم ذِهابُ
فَبَوَّأنا المليكُ بذاك عِزًّا
…
وعندَ اللهِ يُلتَمسُ الثواب (1)
والله أعلم.
(1) في (ب) تقديم وتأخير في ترتيب الأبيات.