المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في سعة رحمة الله تعالى - البحور الزاخرة في علوم الآخرة - جـ ٢

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الكتاب الثاني في أشراط الساعة واقترابها وما يتعلق بذلك

- ‌الباب الأول في الأمارات البعيدة التي ظهرت وانقضت

- ‌ومنها كثرة الزلازل

- ‌الباب الثالث في العلامات العظام، والأمارات القريبة الجسام، التي تعقبها الساعة وفيه اثنا عشر فصلا

- ‌الفصل الأوّل: في المهدي وما يتعلق به

- ‌المقام الأوّل: في اسمه ونسبه، ومولده ومبايعته، وهجرته وحليته وسيرته

- ‌المقام الثاني: في علاماته التي يُعرف بها، والأمارات الدالة على خروجه:

- ‌ومنها: أنَّه يجتمع بسيدنا عيسى، ويصلي سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام خلفه

- ‌ومن الأمارات الدالة على خروجه:

- ‌المقام الثالث: في الفتن الواقعة قبل خروجه:

- ‌منها أنَّه يُحسر الفرات عن جبل من ذهب

- ‌تنبيه:

- ‌الفصل الثاني في الدجَّال وما يتعلق به، والكلام عليه في أربع مقامات

- ‌المقامُ الأول في اسمه ونسبه ومولده:

- ‌المقام الثاني في حليتهِ وسيرتِه:

- ‌ومن صفاته:

- ‌وأما سيرته:

- ‌المقام الثالث: في خروجه وما يأتي به من الفِتن والشبهات [ومعرفة سيره في الأرض]

- ‌أما خروجه:

- ‌المقام الرابع: في سرعة سيره في الأرض ومدّة لبُثه فيها، وكيفيّة النّجاة منه

- ‌أما سيره:

- ‌وأما كيفية النجاة منه:

- ‌الفصل الثالث في نزول سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام

- ‌المقامُ الأوّل: في سيرته وحليته:

- ‌وأما سيرته:

- ‌المقام الثاني: في وقت نزوله ومحله

- ‌المَقام الثالث: في مدته ووفاته:

- ‌الفصل الرابع في ذكر يأجوج ومأجوج وخروجهم من الفتن العظام والمصائب الجسام

- ‌المقام الأول: في نسبهم

- ‌المقام الثاني: في حليتهم وكثرتهم:

- ‌المقام الثالث: في خروجهم وإفسادهم وهلاكهم

- ‌الفصل الخامس خرابُ المدينة وخروج القحطاني والجهجاه والهيشم والمقعد وغيرهم، وكذا هدمُ الكعبة

- ‌الفصل السادس في طلوع الشمس من مغربها

- ‌تنبيهات:

- ‌الفصل السابع في خروج الدابَّة

- ‌المقصدُ الأوّل: في حليتها

- ‌المقصد الثاني: في سيرتها:

- ‌المقصد الثالث: في خروجها

- ‌الفصل الثامن خروج الدخان

- ‌الفصل العاشر في النار التي تخرج من قعر عدن، تحشرُ الناس إلى محَشرهم. وهي آخر العلامات

- ‌تتمة

- ‌خاتمة

- ‌الفصل الحادي عشر في نفخة الفزع، وما يكون فيها من تغير انتظام هذا العالم، وفساد انتظامه

- ‌الفصل الثاني عشر في نفخة الصعق وفيها هلاك كُل شيء

- ‌الكتاب الثالث في المحشر وما يتعلق به إلى أن يدخل أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ وأهلُ النارِ النَّارَ

- ‌البابُ الأول في نفخة البعث

- ‌الباب الثاني في الحَشْرِ

- ‌فصل

- ‌البابُ الثالث في الوقوف في المحشر، في شدة ما يلقاهُ الناس من الأهوال في تلك الحال

- ‌لطيفة

- ‌لطيفة

- ‌فائدة

- ‌فصلٌ في الشفاعة العظمى

- ‌فصل

- ‌الباب الرابع في ذكر الحساب، وما يليقاه العالم من شدةِ البأسِ والعقابِ

- ‌فصل في حسَابِ البْهَائم

- ‌فصل فى حساب النَّاس والإتيان بالشهود

- ‌فصل في شهادة الأعضاءِ والأزمنة والأمكنة

- ‌فصل في حساب المؤمِن ومَنْ يكلمه الله، ومن لا يكلمه

- ‌فصل في سرعة الحساب، وفيمن يدخل الجنَّة بغيرِ حساب

- ‌الباب الخامس في الميزان

- ‌فائدتان:

- ‌لطيفة:

- ‌فصل

- ‌الباب السادس في ذكر الصراطِ وهو قنطرة جهنَّم بين الجنّةِ والنّارِ وخُلق منْ حين خلقت جهنَّم

- ‌الباب السابع في الحوضِ، والكوثرِ وهما ثابتان بالكتابِ والسُّنّةِ وإجماع أهْل الحق

- ‌فصل

- ‌فصل في شفاعةِ الأنبياءِ، والملائكة، والعلماء والشهداء، والصالحين، والمؤذنين، والأولاد

- ‌فصل في سعة رحمة الله تعالى

الفصل: ‌فصل في سعة رحمة الله تعالى

‌فصل في سعة رحمة الله تعالى

قال عز وجل: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] وقال تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49)} [الحجر: 49] ثم قال: {وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)} [الحجر: 50] إلى غير ذلك من الآيات القرآنية.

ومما ينبغي أن يعلم أنَّ الله سبحانه وتعالى أرحم بعبده من الأم الشفوقة على ولدها وأنَّه تعالى أرحم بنا من أنفسنا كيف وهو الذي أفاض على العباد مِنْ هذه البركات، وأتى بهذه الخيرات، وامتن بهذه النعم التي ملأت ما بين الأرضِ والسماوات، واستخرج عبادَه مِنْ ظلمات الكفرِ، واستنقذهم من غمرات الجهلِ وهو الذي يغفرُ الذنوبَ جميعاً، ويستر العيوبَ، وينفس عن المكروب، ويجيبُ المضطر إذا دعاه وإنْ كان قد أكَلَ رزقه وعصاه وعتا عن ذكر ربه وتولى سواه سبحانه مِنْ إله ارتدى بالعظمةِ، وتسربل بالكبرياء فلا يُحَدُّ كرمه، ولا تعد نعمه وللهِ در القائل:

حَدثْ عن الجودِ وعن فيضه

فالأمر مبني على الجودِ

واذكرْ لنا بعض أعاجيبه

فلست تحصيه بتعديد

ص: 928

هيهات ما جود مليك الورى

وخالق الخلق بمجدود (1)

حدث عن البحرِ وما البحر في

بعض أياديه بموجود

أخرجَ الشيخان عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "إن اللهَ خلقَ الرحمة (2) - أي: قَدَّرَها- يوم خلقها مائة رحمة فأمسكَ عنده تسعة وتسعين رحمة، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة ولو يعلم الكافرُ (3) بكلِّ الذي عند الله من الرحمةِ لم ييأس مِنَ الجنةِ، ولو يعلم المؤمنُ بكلِّ الذي عند اللهِ مِنَ العْذابِ لم يأمن من النَّارِ"(4)(5).

(1) كذا في (أ) والصحيح (بمحدود) كما في (ب) و (ط).

(2)

ورد في هامش الأصل: قوله "خلق الرحمة

إلخ" لا يذهب عليك أن هذه الرحمة مخلوقة لله سبحانه وتعالى، لا أنَّها صفته -تعالى الله عن ذَلِكَ- فإن الله وصفاته قديم وهي قديمة، فالرحمة التي هي صفة الله تعالى قديمة قائمة بذاته لا تشابه صفات المخلوقين ولا نردها إلى الإرادة كما ذهب إليه المتكلمة لزعمهم أن الرحمة هي الرقة، أي: رقة القلب والميل والله تعالى منزه عن ذَلِكَ، قلنا: رحمة الله غير رحمة العبد كما أن سمعه وبصره وعلمه وكلامه وقدرته وإرادته كلها بخلاف صفة العبد فصفات الله قديمة وصفات العبد محدثة، وحقيقة صفات الله غير حقيقة صفات العبد فالله قديم بصفاته وأسمائه، إذ صفات القديم قديمة، والعبد محدث مخلوق وصفاته كذلك، ومن زعم أن الرحمة ترد إلى الإرادة فقد وقع فيما فر منه كما يعلمه من له دقة فهم وأمَّا هذه الرحمة التي خلقها الله فهي غير صفته تعالى لأنَّ صفته لا تنفك عنه ولا تتجزأ كما لا يخفى على من له تحقيق والله ولي التوفيق مؤلف من خطه نقلها.

(3)

كذا في (أ)، و (ط) وهو الصواب والمثبت في (ب):(المؤمن).

(4)

ورد في هامش الأصل: القصد منه ضرب المثل لنا ليعرف به التفاوت بين القسطين في الدارين لا التقسيم والتجزئه فإن رحمته تعالى غير متناهية. أهـ.

(5)

ومسلم (2752، 2753، 2755).

ص: 929

وأخرج الإمام أحمد (1)، والبزار، وأبو يعلى بسند صحيح عن أنس رَضي اللهُ عَنْة قال: مَرَّ علينا رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ونفر من أصحابه وصبيٌّ في الطَريقِ فلمَّا رأت أمّ الصبي القوم خشيت على ولدها أن يطأ فأقبلت تسعى، وتقول: ابني ابني. وسعت فأخذته فقال القوم: يا رسول الله ما كانت هذه لتلقي ابنها في النَّارِ فقال صلى الله عليه وسلم: "ولا الله لا يلقي حبيبه في النَّار" وأخرجه الشيخان (2) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيه: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهُ أرحم بعبادِه مِن هذه بولدَها".

وأخرجَ البزار (3) بسندٍ صحيح عن عمر رضي الله عنه أن رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان في بعضِ مغازيه فبينما هم يسيروَن إذ أخذوا فرخَ طير فأقبلَ أحدٌ أبويه حَتَّى سقط في يد الذي أخذه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " [أ] (4) لا [تعجبون] (5) فإن هذا الطير أخذ فرخه فأقبل حَتَّى سقط في أيديهم [واللهِ] (6) لله أرحم بخلقه من هذا الطير بفرخه".

وفي سنن أبي داود (7) في أوائل كتاب الجنائز من حديثِ عامر

(1) الإمام أحمد في "المسند"(3/ 104، 235)، والحاكم (1/ 58)(4/ 177)، "كشف الأستار"(3476)، أبو يعلى (3747، 3748، 3749).

(2)

(البُخاريّ (5999)، ومسلم (2754).

(3)

"مسند البزار"(287).

(4)

زيادة من "مسند البزار".

(5)

في الأصل تعجبوا فإن هذا وما أثبت من البزار.

(6)

في الأصل فوالله وما أثبت من البزار.

(7)

(3089).

ص: 930

الرام أخي الخضر [بفتح الخاء](1)، وإسكان الضَّاد المعجمة فرد في الأسماء وقال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبلَ رجل عليه كساء وفي يده شيء قد التفَّ عليه، فقال: يا رسول الله، إنِّي لما رأيتك أقبلت فمررت بغيضة شجر فسمعت فيها أصوات فراخ طائر، فأخذتهن فوضعتهنَّ في كسائي، فجاءت أمُّهن فاستدارت على رأسي فكشفت لها عنهن [فوقعت عليهن](2) معهن، فلففتهن بكسائي، فهنَّ أولاء معي (3) [قال:"ضعهن] (4) عنك" فوضعتهن، [وأبت] (5) أمُّهُنَّ إلَّا لزومهنَّ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أتعجبون [لرحمةِ أمَّ أم الأفراخ] (6)؟ " قالوا: نعم يا رسول الله. قال: "فوالذي بعثني بالحق لله أرحم بعباده مِنْ أمَّ الأفراخِ بفراخها، ارجع بهنَّ حَتَّى تضعهنَّ من حيث أخذتهنَّ وأمهن معهن". فرجع بهنَّ.

تنبيه: في هذا الحديث أَنَّه صلى الله عليه وسلم أمرَ الرَّجل الذي أتى بالفراخ وأمهن أن يرجعها بفراخها إلى موضعهن، وقد نص الفقهاء أَنَّه لا يجوز إعتاق الطيور. قال إمام الحنابلة، ومحققهم سيدنا الإمام العلامة

(1) الذي في سنن أبي داود: بضم الخاء.

(2)

في الأصل: فلبثت وما أثبت سنن أبي داود.

(3)

كلمة (معي) ليست في (ب)، ولا (ط).

(4)

في الأصل: فقال: دعهن، وما أثبت سنن أبي داود.

(5)

في الأصل: فأبت، وما أثبت سنن أبي داود.

(6)

في الأصل: لرحمة أم هؤلاء عليهن، وما أثبت من أبي داود.

ص: 931

ابن عقيل طيب الله ثراه: لا يجوز أعتقتك في حيوان مأكول؛ لأنَّه فعلُ الجاهليةِ وفي "الفروع" وتبعه في "الإقناع": وإذا أرسل صيدًا وقال: أعتقتك لم يزل ملكه عنه كما لو أرسل البعير أو البقرة. انتهى.

وفي "حياة الحيوان": لا يجوز عتقها: يعني: الطيور، على الأصح وقيل: يجوز لما روى الحافظ أبو نعيم عن أبي الدرداء أنَّه كان يشتري العصافير، ويرسلها. قال ابن الصلاح: والخلاف فيما يملك بالاصطياد أما البهائم الإنسية فإعتاقها من قبيل السوائب الجاهلية وذلك باطل قطعًا. (1) انتهى.

وأخرجَ مسلم (2) عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ لله مائة رحمة قسم منها رحمة في دارَ الدُّنيا فمن ثم يعطف الرجلُ على ولده، والطير على فراخه فإذا كان يوم القيامة صيرها مائة رحمة فعاد بها على الخلق".

وقال أيوب السختياني: إنَّ رحمة الله ما هو أكثر من ذلك إن شاء الله.

وأخرج أبو القاسم (3) عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: "إذا فرغَ اللهُ مِنَ القضاء بين خلقه أخرجَ كتابًا مِن تحت العرشِ: إنَّ رحمتي سبقت غضبي وأنا أرحمُ الراحمين. قال: فيخرج من النَّارِ مثل أهْل الجنَّةِ قال: وكثر ظني أنَّه قال: مثلي أهل

(1) ذكر هذا المبحث في شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد (1/ 645، 646).

(2)

(2752، 2753).

(3)

هو إسحاق بن إبراهيم بن محمَّد الختلي في كتابه الديباج.

ص: 932

الجنَّة مكتوباً بين أعينهم عتقاء الله" (1).

وعند البيهقي (2) عن أبي هريرةَ مرفوعًا: "أمرَ اللهُ بعبد إلى النَّارِ فلمَّا وقفَ على [شفتها] التفت فقال: أما والله يا رب إن كان ظني بك لحسنا. فقال: ردوه أنا عند ظن عبدي بي".

وأخرجَ الحاكم (3) وصحَّحه، والطبراني عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحشر هذه الأمّة يوم القيامةِ علَى ثلاثةِ أصناف: صنف يدخلون الجنَّة بغيرِ حساب، وصنف يحاسبون حسابًا يسيراً ويدخلون الجنَّة، وصنف يجيئُون على حمائلهم كأمثالِ الجبال الراسية فيقول الله للملائكة وهو أعلم بهم: مَنْ هؤلاء؟ فيقولون: من (4) عبيدك كانوا يعبدونك لا يشركون بك شيئًا وعلى ظهورهم الخطايا، والذنوب. فيقول الله: حطوها عنهم، وضعوها على اليهود والنصارى، وأدخلوهم الجنَّةَ برحمتي".

وعند البيهقي، وابن ماجة عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا:"إذا كان يوم القيامة دفع إلى كل رجلِ مِنَ المسلَمين رجل من المشركين فيقال: هذا فداؤك من النَّار".

وأخرجَ مسلم (5) عن أبي موسى رضي الله عنه رفعه: "يجيء يوم القيامة ناسٌ من المسلمين بذنوب أمثال الجَبال يغفرها اللهُ لهم، ويضعها على اليهود".

(1) انظر البعث والنشور لابن أبي داود (52) وعبد الرَّزاق في مصنفه (20858).

(2)

كتاب الشعب (984، 985) وفي الأصل شفيرها وما أثبت من الشعب.

(3)

الحاكم (1/ 58)، والطبراني (4/ 253، 607).

(4)

ليست في (ب).

(5)

(2767)، والحاكم (4/ 253).

ص: 933

وأخرجَ مسلم (1) أيضاً من وجه آخر: "إذا كان يوم القيامة دفع إلى كلِّ مسلم يهودي، أو نصراني فيقول: هذا [فكاكك] من النَّارِ" وأو هنا ليست للشك بل للتخيير، والتنويع أي: يدفع له رجل من اليهود أو النصارى قال القرطبي في "التذكرة"(2): ومعنى وضع ذنوب المذنبين من المسلمين على اليهودِ والنصارى أَنَّه فيضاعف عليهم عذاب كفرهم، وذنوبهم بقدر جرمهم، وجرم مذنبي المسلمين لو أخذوا بذلك؛ لأنَّه سبحانه وتعالى لا يؤاخذ أحدًا بذنب أحد كما قال تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وله أن يضاعف لمن يشاء العذاب، ويخفف عن من شاء بحكم إرادته ومشيئته وهو الفاعل المختار.

لطيفة: سمعَ أعرابي ابن عباس رضي الله عنهما يقرأ {وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} [آل عمران: 103] فقال الأعرابي: والله ما أنقذهم منها وهو يريد أن يوقعهم فيها فقال ابن عباس رضي الله عنهما: خذوها من غير فقيه بشارة.

أخرجَ مسلم عن عبادة بن الصَّامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "منْ شهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدًا رسول الله حرمَ الله عليه النَّارَ"(3) وسنذكر تحقيق هذا الباب بعد إنْ شاء الله تعالى.

(1)(2767)، وما بين القوسين في مسلم وفي الأصل: فداؤك.

(2)

(2/ 190، 191) باب ما جاء أن لكل مسلم فداء من النَّار.

(3)

ورد في هامش الأصل: أي: نار الخلود، أو إِذَا تجنب الذنوب أو تاب عفا عنه. والحديث أخرجه مسلم (29)، والترمذي (2638)، وأحمد (4/ 402).

ص: 934