الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقام الثاني: في وقت نزوله ومحله
، وما يجري على يديه من الملاحم: قد سبقت الروايات في محل نزوله، والجمع بينهما والحاصل أنه ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، واضعًا كفيه على أجنحة ملكين، لسِتِّ ساعات مَضين من النهار، حتى يأتي مسجد دمشق، يقعد على المنبر، فيدخلُ المسلمون المسجد، وكذا النصارى واليهود كلهم يرجونه حتيَ لو أُلقي شيءٌ لم يُصب إلا رأس إنسان من كثرتهم ويأتي مؤذن المسلمين، وصاحبُ بوق اليهود وناقوس النصارى، فيقترعون فلا يخرج إلا سهمُ المسلمين، وحينئذ يؤذّن مؤذُنهم ويخرجُ اليهود والنصارى من المسجد، ويُصلي بالمسلمين صلاة العصر، ثم (يخرج)(1) بمن معه كان أهل دمشق في طلب الدجال، ويمشي وعليه السكينة، والأرض تُقبضُ له وما أدرك نَفَسَه من كافر إلا وقتله، ويدرك حيث ما أدرك بَصَرهُ حتى يُدرك بصرُه حصونهم، وقَرياتهم إلى أن يأتي بيت المقدس، فيجدُه مغلقًا قد حصره الدجال، فيصادف ذلك صلاة الصبح كما مرّ، وتقدم قتلُه الدجال اللعينَ، وسيأتي هلاك يأجوج ومأجوج بدعائة.
المَقام الثالث: في مدته ووفاته:
أما مدّته: فقد وَرد في حديث أبي هريرة عند الطبراني، وابن عساكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ينزلُ عيسى بنُ مريم، فيمكثُ في الناسِ أربعينَ سنةٍ"(2).
(1) ساقطة من (ب).
(2)
رواه الطبراني في الأوسط 5/ 331 (5464) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 2/ 205: رجاله ثقات.
وعند الإمام أحمد (1) وابن أبي شيبة وأبي داود، وابن جرير وابن حبان عنه أنه يمكثُ أربعين سنة، ثم يُتَوفَّى ويصلي عليه المسلمون، ويدفنونه عند نبينا صلى الله عليه وسلم.
وأخرج الإمام أحمد (2) وابن أبي شيبة، وأبو يعلى وابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: "ينزلُ عيسى ابن مريمِ فيقتلُ الدجالَ، ثم يمكثُ عيسى في الأرضِ أربعينَ سنةٍ إمامًا عادلًا حكمًا مقسطًا".
وأخرج الإمام أحمدُ في "الزهد"(3) عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: يَلبَثُ عيسى بنُ مريم أربعين سنةَ لو يقول للبطحاء سيلي عسلًا لسالت. وفي المنتظم (4) للإمام ابن الجوزيّ عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"ينزل عيسى بن مريم فيتزوج، ويولد له، ذكر بعضهم ولدين أحدهما يسميه موسى، والآخر محمدًا، وإن أمَّهما مِن يزد قال: ويمكث خمسًا وأربعين سنة ثم يموتُ ويدفَنُ معي في قَبريَ، فأقومُ أنا وعيسي من قبر واحد بين أبي بكر وعمر"، وكأنّ روايات أربعين وردت بإلغاء الكسر وورد في رواية "يمكثُ سبع سنين"(5).
(1) رواه أحمد 2/ 406، وأبو داود (4324)، وابن حبان (6821)، والحاكم 2/ 595.
(2)
أحمد 6/ 75، وابن حبان (6822).
(3)
الفتن النعيم (2/ 580).
(4)
"المنتظم"(2/ 31) ذكره في مشكاة المصابيح (5508) العلل المتناهية (1529) وقال: هذا حديث لا يصح.
(5)
هذا في حديث عند مسلم (2940) من حديث عبد الله بن عمرو من رواية يعقوب بن عاصم لم يوثقه غير ابن حبان، ولم يروِ له مسلم سوى هذا الحديث، ولم يُتابع على هذا.
وجمَعَ بعضُهم (1) أنَّ سيدنا عيسى حين رُفع كان عمرُه ثلاثًا وثلاثين، وينزل سبعًا فهذه أربعون سنة. قُلْتُ: وليس هذا بشيء لما مرّ في حديث عائشة، عند الإمام أحمد وغيره، "فيقتل الدجالُ ثم يمكثُ عيسى في الأرضِ أربعينَ سنةٍ"، فدلّ الحديث دلالة ظاهرة أن الأربعين بعد قتله الدجال، فلا (بقي)(2) لذلك الجمع وجه.
وقد ذكر العلاّمة في "بهجته"(3) أن الحافظ السيوطي، قال: كُنتُ أفتيت بأن ابن مريم يمكث في الأرض بعد نزوله سبعَ سنين، واستمريت على ذلك مدة من الزمان، حتى رأيت البيهقي اعتمد أن مُكثه في الأرض أربعين سنة، مُعتمدًا ما أفاده الإمام أحمد في روايته، بلفظ "ثم يمكُثُ ابن مريم في الأرض بعد قتل الدجال"(4)، وهذا هُو المرجح لأنّ زيادة الثقة يحتج بها، ولأنهم يأخذون برواية الأكثر، ويقدمونها على رواية الأقل، لما معه من زيادة العلم ولأنه مثبت، والمثبت مُقدَّم. انتهى.
وأخرج الإمام أحمد وابن جرير وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ينزلُ عيسى بنُ مريم فيقتلُ الخنزيرَ ويمحو الصليب، ويجمعُ الصلاة، ويُعطي المال حتى لا يقبل، ويضعُ الخراج، وينزل الروحاء فيحجُ منها أو يعتمر [أو
(1) ومنهم ابن كثير في التفسير 1/ 583.
(2)
في (ب): (يبقي).
(3)
البهجة ص 206، وفتوي السيوطي في الحاوي 2/ 316.
(4)
"مسند أحمد" 6/ 57.
يجمعهما] (1)(2).
وعند مسلم وابن أبي شيبة عنه: "ليُهلَنَّ عيسى ابن مريم بفج الروحاء بالحج أو العمرة، أو ليثنينهما جميعًا"(3) قوله: بفج: أيْ بطريق، والروحاء: مكان بين المدينة، ووادي الصفراء في طريق مكة.
وأخرج الحاكم وصححه وابن عساكر عنه: "ليهبطن ابن مريم حكمًا عدلًا وإمامًا مقسطًا، وليسلكَن فجَّا حاجّا أو معتمرا وليأتينَّ قبري، حتى يُسلمَ عليّ ولأرُدَّنَّ عليه"(4)، قال أبو هريرة: أي بَني أخي إذا رأيتموه فقولوا أبو هريرة يقرئك السلام.
وأخرج الحاكم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك عيسى منكم، فليقرئه مني السلام"(5).
وأما وفاته: فقد أخرجَ البخاريُ في تاريخه (6)، والطبراني: يُدفنُ ابن مريم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحِبَيْهِ، فيكون قبرُه رابعًا. وفي "المواهبِ اللدنيَّة" للقسطلاني بقي من البيت موضعُ قبر يُدفن فيه عيسى بنُ مريم،
(1) زيادة في (ب).
(2)
صحيح، أخرجه أحمد في مسنده 2/ 290 (7903) والطبري في التفسير 3/ 291.
(3)
رواه أحمد 2/ 240 و 513 و 540، والحميدي (1005، وابن أبي شيبة 7/ 494، ومسلم (1252)، وابن حبان (6820) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
الحاكم 2/ 595 وصححه ووافقه الذهبي.
(5)
الحاكم 4/ 545 وصححه. قال الذهبي: إسماعيل لم يحتج به.
(6)
التاريخ الكبير 1/ 263، وأورده الهيثمي 8/ 206.
ويكون قبرهُ الرابع ومرّ حديث ابن عمرَ (1) عند ابن الجوزيّ في "المنتظم".
قال العلاّمَةُ في "البهجة"(2): قالَ بعضُ مشايخنا: وذكر رابع القبور لا ينافي قوله معي في قبري فإنه عبرّ بذلك لشدة القرب، إذ هوُ لقربه كأنه معه أو بتقدير مضاف؛ أي في جانب قبري، لينطبق الكلام ويتسق فدل مجموع ما ذكرنا أنه يموت عليه السلام بالمدينة المنورة، قال بعضهم: ولعل موته عند حَجّه، وزيارته النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
(1) انظر ت (1، 3) ص 621.
(2)
البهجة ص 207.