الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
قال الله سبحانه وتعالى في حق الكافرين: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)} [الفرقان: 23] وقال: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [البقرة: 217] وقال: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} [إبراهيم: 18] وقال فيهم: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105] هذا كله بالنسبة إلى الآخرةِ وأمَّا في الدُّنيا فإن الله مجازيهم بها، ففي مسلم عن أنسٍ مرفوعًا:"إنَّ اللهَ لا يظلم مؤمناً حسنة يعطي بها في الدنيا (1) ويجزى بها في الآخرةِ وأمَّا الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا حَتى إذا أفضي إلى الآخرةِ لم تكن له حسنة يجزى بها"، وفي طريق آخر:"إنَّ الكافر إذا عملَ حسنةً أطعم بها طعمة في الدُّنيا، وأمَّا المؤمن فإنَّ اللهَ يؤخر لَهُ حسناته في الآخرةِ، ويعقبه رزقاً في الدُّنيا على طاعته"(2).
قال العلامة (3): قُلْتُ: لكن لو أسلمَ الكافرُ فإنَّه يعتد بحسناتهِ التي سلفت كما هو ظاهر الحديث. هذا مراده ولعل مراده بحسناته التي لا تحتاج إلى نية وفيه لولا سعة فضل اللهِ ورحمته إشكال.
(1) ورد بهامش الأصل: قوله: يعطى بها في الدنيا أي: يدفع عنه بها البلاء ونحوه.
(2)
حديث أنس: بطريقيه، رواه مسلم برقم (2808) كتاب: صفة الجنة والنار.
(3)
بهجة الناظرين مخ (300).
تنبيهان: الأول: اْختلفَ العلماء هل توزن أعمال الكفار أم الوزن خاص بالمؤمنين؟ فذهبَ بعضُهم إلى الأول مستدلاً بقوله تعالى: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)} [الأعراف: 9] أي: يجحدون. قاله مجاهد. وقوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9)} [القارعة: 8 - 9] وأمَّا قوله تعالى: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105] بما يستدل به مَنْ قال بعدم وزن أعمالهم وأجاب القائلون بخلافه بأنَّ المرادَ وزناً يعتد به فلا نكرمهم، ولا نعطيهم وهذا مجاز عن عدم الاْعتداد بهم كذا قيل والحق أنَّهم لا يوزن لهم عملٌ والله أعلم. وفي كلام القرطبي: تلويح لوجه الجمع وهو أن بعض الكافرين يعجَّل بهم إلى النارِ فلا يوزن لهم كما أنَّ بعضَ أهْلِ الجنَّةِ يدخلون الجنَّةَ بغير حساب فغير من يعجل به إلى النار لا يقام له وزن (1).
الثاني: تقدم عن النسفي (2): أنَّ الإيمان لا يوزن وقدمنا في معارضته حديث البطاقة وليس فيها إلا كلمة التوحيد وهي أسُّ الإيمان ولا يعلم أنَّ الإنسان يدخل في الإيمان إلَاّ بها في الجملةِ، ثم رأيت القرطبي أجابَ عن ذلك كالمستنصر لكلامِ النسفي تبعًا للحكيم الترمذي فقال: إنَّ كلمةَ التوحيد إنَّما تكون إيمانًا أوّل مرة وبعد ذلك تكون من حسناته قال: ويدل عليه قوله في الحديث: "بلى إن لك عندنا
(1) انظر "التذكرة" ص 363 - 365. "تفسير الرازي" (22/ 177).
(2)
ص 859.
حسنة" ولم يقل: "إنَّ لك إيماناً". وقد سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لا إله إلا الله أمن الحسنات هي؟ فقال: "من أعظم الحسنات" (1).
خرجه البيهقي وغيره فبعدما حصل للإنسان الإيمان فالنطق بلا إله إلا الله إنَّما هو حسنات توضع في الميزان. اْنتهى ملخصًا. وفيه نظر يظهر بالتأمل والله أعلم (2).
لطيفة: حكى القرطبي عن بعضهم أنَّه قال: رأيتُ بعضَهم في المنامِ فقلت: ما فعل اللهُ بكَ؟ قال: وزنت حسناتي فرجحت السيئات على الحسنات فجاءت صرة من السماء فسقطت في كفةِ الحسنات فرجحت فحللت الصرة فإذا فيها كف تراب كنت ألقيته في قبر مسلم (3).
(1) رواه أحمد 2/ 169. من حديث أبي ذر. وذكره القرطبى في "التذكرة" ص 368 وعزاه للبيهقي.
(2)
انظر ص (859) على كلام النسفي هناك فإنه مهم.
(3)
حكاه في "التذكرة" ص 369.