الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
واعلم أن العبد يُبعث على ما ماتَ عليه ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا: "يبعثُ كُل عبدِ على ما مات عليه"(1). وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "أنه لما احتضر دعا بثياب جدد يلبَسُها" ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الميت يُبعَثَ في ثيابه التي يموتُ فيها". رواه أبو داود والحاكم وصححه (2)، وأخرج ابن أبي الدنيا بسند حسن عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، أنه دَفَنَ أمه في ثياب جُدد وقال: حسنوا أكفان موتاكم؛ فإنهم يُحشرون فيها (3). وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نحوه.
قال القرطبي: هذه الأحاديث معارضة لحديث الحشر عراة، فبعضهُم قال بظاهره، والأكثر حملوها على الشهيد الذي أمر أن يُدفن بثيابه التي قتل فيها وأن أبا سعيد سمع الحديث في الشهيد، فحمله على العموم (4). وقال البيهقي: يجمع بأنَ بعضَهُم يُحشر عاريا، وبَعضَهُم بثيابه، أو يخرجون من قبورهم بثيابهم التي ماتوا فيها، ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر.
(1) رواه مسلم (2878).
(2)
رواه أبو داود (3114)، والحاكم 1/ 340 وصححه الألباني.
(3)
روأه ابن أبي الدنيا في "العيال" 2/ 706 (515).
(4)
التذكرة 1/ 323.
وقال الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب": قد قال كُلُّ من وقفتُ على كلامه من أهل اللغة: أن المرادُ بقوله: يبعث في ثيابه التي مات فيها أيّ: في أعماله.
قال الهروي: وهذا كحديثه الآخر يبعث العبدُ على ما مات عليه، قال: وليسَ قول من ذهب إلى الأكفان بشيء لأن الميّتَ إنما يكفَّن بعدَ الموت. انتهى (1).
وأخرج الشيخان: أن شاربَ الخمر يُبعثُ والكوز مُعَلَّقٌ في عنقه، والقدح بيده، وهو أنتنُ من كل جيفةَ على الأرض، يلعنهُ كل من يَمرُّ به من الخلق (2).
وفي الصحيح "المقتول في سبيل الله، يأتي يومَ القيامة وجرحه يَشخُبُ دمًا اللونُ لونُ دم، والريحُ ريحُ المسك"(3).
وعن ابن عمر يرفعه "ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة عند الموت، ولا في قبورهم ولا في منشرهم، كأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رؤوسهم، وهم يقولون: الحمدُ لله الذي أذهبَ عنَّا الحزن"(4).
وذكر الفخر في تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85)} [مريم: 85] عن على كرم الله وجهه قال: والذي نفسى بيده إن المتقين إذا خَرجوا من قبورهم استُقبِلوا بنوق
(1)"صحيح الترغيب والترهيب" 3/ 411.
(2)
لا يوجد بهذا اللفظ في الصحيحين أو أحدهما.
(3)
رواه البخاري (237)، ومسلم (1876) من حديث أبي هريرة.
(4)
رواه الطبراني في الأوسط (9445) وضعفه الهيثمي 10/ 83.
بيض، لها أجنحة عليها رِحالُ الذهب (1).
والوفد: القوم الركبان يفدون على الملك.
والسوقُ: القوم يساقون على أرجلهم. وقال ابن عباس: يوم
نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا قال: ركبانا، ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا قال: عطاشا.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو يعلى وابن حِبّان مرفوعًا: "يبعثُ الله يومَ القيامة قومًا من قبورهم تأجَّجُ أفواههم نارًا" فقيل من هم يا رسول الله؟ قال: "الم تر أن الله يقولُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10](2).
وأخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "ما من أمير عشرة إلا أتى يوم القيامة مغلولا، لا يفكُّه من ذلك الغل إلا العدل"(3).
وأخرج أبو يعلى والطبراني بسند صحيح، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: "من سئل عن علم فكتمه جاء يوم القيامة ملجمًا بلجام من نار (ومن قال في القرآن بغير ما يعلم جاء يوم القيامة ملجمًا بلجام من نار)(4)(5)، وفي الجملة فالناس مُختلفونَ فكُلٌ يُحشر على
(1)"التفسير الكبير" 21/ 252.
(2)
رواه أبو يعلى (7440)، وابن عدي 3/ 190 (ترجمة زياد بن المنذر) وإسناده ضعيف.
(3)
رواه أحمد 2/ 431، وأبو يعلى (6614) و (6629).
(4)
ليست في (أ) واستدركناها من (ب) وهي بقية الحديث كما في مصادر التخريج.
(5)
رواه أبو يعلى (2585)، والطبراني 11/ (11310).
حالة بحسب عمله.
وروى محمد بن نصر المروزي (1) بإسناده عن أبي هُريَرةَ رضي الله عنه، قال: يُحشرُ الناسُ يومَ القيامة على قدر صنيعهم في الصلاة، وفَسَّرهُ بعضُ رُواته بقبض ثِهاله بيمينه، والانحناء هكذا وبإسناده عن أبي صاع السمّان قال: يبُعَثُ الناس يومَ القيامة هكذا. ووضع إحدى يديه على الأخرى، نقله ابن رجَب في كتابه "الذل والانكسار"(2) والله سبحانه وتعالى الموفق.
(1) تعظيم قدر الصلاة 1/ 338. وابن أبي شيبة (43/ 513).
(2)
ص 58.