الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجواب أنه لا منافاة في كلام صاحب "الإشاعة" أو يكون قد جمع بين الظهر والعصر تأخيرًا لاشتغاله في طلب الدجال، فليحرر المقام فإذا قتَل الدجّال انهزم جنودُه الذين هم اليهود، فلا يبقى شيء مما خلق الله يتوارى به يهودي إلاّ أنطق الله ذلك الشيء لا شجرَ ولا حجرَ ولا حائط ولا دابّة إلا قال: يا عبد الله: هذا يهودي، وفي لفظ هذا دجالي فتعال اقتله إلاّ الغرقد (1)، فإنّها من شجر اليهود، لا ينطق ففي مسلم عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تقوم الساعة حتى يُقاتلَ المسلمون اليهودَ فيقتُلَهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقولُ الحجر والشجرُ يا مسلمُ هذا يهودي خلفي فاقتله، إلا الغرقد فإنه شجر اليهود"(2) وفي البخاري نحوه والله أعلم.
المقام الرابع: في سرعة سيره في الأرض ومدّة لبُثه فيها، وكيفيّة النّجاة منه
.
أما سيره:
ففي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس من بلّدِ الاّ سيطؤه (3) الدجال إلا مكة والمدينة"(4).
(1) في صحيح مسلم الغرقد بالغين المعجمة وفي الأصل: العرقد بالمهملة والغرقد هو ضرب من شجر العِضَاه وشجر الشوك ومنه قيل لمقبرة أهل المدينة بقيع الغرقد. "النهاية في غريب الحديث" 3/ 362.
(2)
أخرجه مسلم (2933)، والبخاري نحوه (2926).
(3)
في الأصل سيطأه وعند مسلم سيطؤه 4/ 2265 (2943).
(4)
رواه مسلم (2943)، وهو في البخاري (1881).
وورد أيضًا: "يبلغ كلّ منهل إلاّ أربعة مساجد: المسجدُ الحرام ومسجدُ النبي صلى الله عليه وسلم ومسجد الأقصى ومسجد الطور، فيقتل وهو قاصد لبيت المقدس"(1) وعند أبي نعيم في الفتن: عن ابن مسعود مرفوعًا: "خطوُ حماره ثلاثة أيام"(2).
وفي البهجة (3) وردَ "أنّ خَطوَ حماره ثلاثةَ أيامٍ وأنه لا يُسخرُ له من الدواب إلا الحمار، فيطأ كل منهل في كل سبعةً أيام".
وذكر الحافظ ابن حجر (4)"سيرَ الدجال ومجيئه دمشق عند بابها الشرقي، وأمْرَه السحابَ بالمطر فيمطر، والنهر أن يَسيلَ فيسيل إليه، وأن يَرجع فيرجع، وأن ييبس فييبس، ويأمر جبل سَيناء وجبل زيتا أن يتشحطا ويُثير الرياح سحابًا من البحر، يمرُّ الأرضَ بأمره ويخوض في البحر ثلاث خوضات في اليوم، فلا يبلغ حقويه، وإحدى يديه أطول من الأخرى، فيمد الطويلة في البحر فيبلغ قعره، فيُخرج من الحيتان ما يريد". الحديث بطوله في مستدرك الحاكم.
وأما مدة: لُبث الدجّال في الأرض: ففي خبر النواس بن سمعان، عند الترمذي قلنا: يا رسول الله "وما لبثه في الأرض؟ قال أربعون يومًا يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيّامكم، قلنا يا رسول الله: فذلك اليومُ الذي كَسَنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدُرُوا له قَدره، قلنا: يا رسول الله، وما سِراعُه
(1) أحمد (5/ 434).
(2)
في كتاب الفتن 2/ 543.
(3)
"البهجة" ص 192، والحديث في الحاكم (4/ 575).
(4)
الفتح (13/ 92) نعيم (2/ 542).
في الأرض قال: كالغيث استدبرته الريح" (1)، الحديث بطوله. قال العلامة في البهجة (2): قال بعضهم: وعلى قياس الصلاة الصوم والحج والعمرة، وحَولُ نصاب الزكاة انتهى.
وفي رواية عند الإمام أحمد ومسلم من حديث ابن عمرو مرفوعًا "يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين فيبعث اللهُ عيسى بنُ مريم عليه السلام، كأنه عروة بن مسعود الثقفي، فيطلُبه فيهلكه"(3).
وفي حديث أبي أمامة عند ابن ماجه، وابن خزيمة، والحاكم والضياء:"إِنَّ أيامه أربعون سنة، السّنةُ كنصف السّنة، والسّنةُ كالشهر، والسنةُ كالجمعة، وآخر أياّمه كالشررة، يُصبحُ أحدكم على باب المدينة فلا يبلغُ بابَها الآخرَّ حتى يُمسي"(4).
وقد اختلفَ العلماء في تأويل هذا الحديث، فمنهم منَ قال: هو كنايةٌ عن اشتغال الناس بأنفسهم من الفتن، حتى لا يدروا كيف يَمضي النهار؟ فيكون مُضيُّ النهارِ عندهم كمضي الساعة، والشهر كاليوم، والسنة كالشهر، وقال بعضُهم: بل هو على ظاهره فقد ورد من حديث أنس عند الإمام أحمد والترمذي في أشراط الساعة "حتى يتقارب الزمان، فتكون السنةُ كالشهر، ويكونُ الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة
(1) مسلم (2937) الترمذي (2240)، وانظر ص 595، 596.
(2)
البهجة ص 200.
(3)
رواه أحمد 2/ 166، ومسلم (2940)، والحاكم 4/ 550 من حديث عبد الله ابن عمرو. وجاء في الأصل ابن عمر.
(4)
رواه ابن ماجه (4077) والحاكم 4/ 536 - 537 وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذه السياقة. ووافقه الذهبي
كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كالضرمة بالنار" (1) قُلْتُ: وذكر بعضُ العلماء أنّ الصّلاة تقدر في هذه الأيام أيضًا، على قياس ما مرَّ (2) ويأتي تحريره قريبًا. والله أعلم.
والجوابُ عن اختلاف الحديثين: إمَّا بالترجيح وإمّا بالجمع فإن رجَّحنا فحديثُ النواس عند الإمام أحمد، ومسلم، والترمذي، فهو أقوى لأنه أصح، وإن كان الثاني: أيضًا في الصحيح، فيقدم عليه وإن جمعنا فطريق الجمع: أن أيامه أربعون سنة، وتُسمَّى السنين أيامًا مجازًا.
كما يُقالُ أيامُ بني الزبير وأيّام عمر بن الخطاب وأيام بني أمية، ثم إن أول أيام سنته الأولى: كسنة، وثانيها: كشهر، وثالثها: كجمعة وباقي أيامها كأيامنا ثم تناقص أيام السنة الثانية حتى تكون السنة كنصف سنة، وهكذا إلى أن تكونَ السنةُ كشهر، والشهر كجمعة والجمعة كيوم، حتى يكونَ آخر أيامه بحيث يُصبحُ أحدُهم على باب المدينة، فلا يبلغ بابها الآخر حتى يُمسي فتكونُ السنة الأولى مشتملة على مقدار سنين من سينينا، وسِنُوُّه الأخيرة مقدار سنة، من سيننا ويقربه رواية الحاكم، ونعيم عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا أنه يقول:"أنا رب العالمين، وهذه الشمس تجري بإذني، أفتريدون أن أحبسها؟ فيحبس الشمس حتى يجَعلَ اليومَ كالثسهر، وكالجمعة، ويقول: أتريدون أن أسيّرَها فيجعلُ اليوم كالساعة؟ " الحديث (3).
(1) رواه الترمذى (2332)، والذي عند أحمد 2/ 537 من حديث أبي هريرة.
(2)
ص 594.
(3)
رواه نعيم بن حماد في الفتن 2/ 544، وابن كثير في البداية والنهاية 1/ 131 - 134 مطولًا. وقال: خبر عجيب ونبأ غريب. ونقل عن الذهبى، قوله: هذا الحديث شبه موضوع.