المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل في الشفاعة الخاصة وهي فيمن اْستحق النار مِنَ المؤمنين أن - البحور الزاخرة في علوم الآخرة - جـ ٢

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الكتاب الثاني في أشراط الساعة واقترابها وما يتعلق بذلك

- ‌الباب الأول في الأمارات البعيدة التي ظهرت وانقضت

- ‌ومنها كثرة الزلازل

- ‌الباب الثالث في العلامات العظام، والأمارات القريبة الجسام، التي تعقبها الساعة وفيه اثنا عشر فصلا

- ‌الفصل الأوّل: في المهدي وما يتعلق به

- ‌المقام الأوّل: في اسمه ونسبه، ومولده ومبايعته، وهجرته وحليته وسيرته

- ‌المقام الثاني: في علاماته التي يُعرف بها، والأمارات الدالة على خروجه:

- ‌ومنها: أنَّه يجتمع بسيدنا عيسى، ويصلي سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام خلفه

- ‌ومن الأمارات الدالة على خروجه:

- ‌المقام الثالث: في الفتن الواقعة قبل خروجه:

- ‌منها أنَّه يُحسر الفرات عن جبل من ذهب

- ‌تنبيه:

- ‌الفصل الثاني في الدجَّال وما يتعلق به، والكلام عليه في أربع مقامات

- ‌المقامُ الأول في اسمه ونسبه ومولده:

- ‌المقام الثاني في حليتهِ وسيرتِه:

- ‌ومن صفاته:

- ‌وأما سيرته:

- ‌المقام الثالث: في خروجه وما يأتي به من الفِتن والشبهات [ومعرفة سيره في الأرض]

- ‌أما خروجه:

- ‌المقام الرابع: في سرعة سيره في الأرض ومدّة لبُثه فيها، وكيفيّة النّجاة منه

- ‌أما سيره:

- ‌وأما كيفية النجاة منه:

- ‌الفصل الثالث في نزول سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام

- ‌المقامُ الأوّل: في سيرته وحليته:

- ‌وأما سيرته:

- ‌المقام الثاني: في وقت نزوله ومحله

- ‌المَقام الثالث: في مدته ووفاته:

- ‌الفصل الرابع في ذكر يأجوج ومأجوج وخروجهم من الفتن العظام والمصائب الجسام

- ‌المقام الأول: في نسبهم

- ‌المقام الثاني: في حليتهم وكثرتهم:

- ‌المقام الثالث: في خروجهم وإفسادهم وهلاكهم

- ‌الفصل الخامس خرابُ المدينة وخروج القحطاني والجهجاه والهيشم والمقعد وغيرهم، وكذا هدمُ الكعبة

- ‌الفصل السادس في طلوع الشمس من مغربها

- ‌تنبيهات:

- ‌الفصل السابع في خروج الدابَّة

- ‌المقصدُ الأوّل: في حليتها

- ‌المقصد الثاني: في سيرتها:

- ‌المقصد الثالث: في خروجها

- ‌الفصل الثامن خروج الدخان

- ‌الفصل العاشر في النار التي تخرج من قعر عدن، تحشرُ الناس إلى محَشرهم. وهي آخر العلامات

- ‌تتمة

- ‌خاتمة

- ‌الفصل الحادي عشر في نفخة الفزع، وما يكون فيها من تغير انتظام هذا العالم، وفساد انتظامه

- ‌الفصل الثاني عشر في نفخة الصعق وفيها هلاك كُل شيء

- ‌الكتاب الثالث في المحشر وما يتعلق به إلى أن يدخل أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ وأهلُ النارِ النَّارَ

- ‌البابُ الأول في نفخة البعث

- ‌الباب الثاني في الحَشْرِ

- ‌فصل

- ‌البابُ الثالث في الوقوف في المحشر، في شدة ما يلقاهُ الناس من الأهوال في تلك الحال

- ‌لطيفة

- ‌لطيفة

- ‌فائدة

- ‌فصلٌ في الشفاعة العظمى

- ‌فصل

- ‌الباب الرابع في ذكر الحساب، وما يليقاه العالم من شدةِ البأسِ والعقابِ

- ‌فصل في حسَابِ البْهَائم

- ‌فصل فى حساب النَّاس والإتيان بالشهود

- ‌فصل في شهادة الأعضاءِ والأزمنة والأمكنة

- ‌فصل في حساب المؤمِن ومَنْ يكلمه الله، ومن لا يكلمه

- ‌فصل في سرعة الحساب، وفيمن يدخل الجنَّة بغيرِ حساب

- ‌الباب الخامس في الميزان

- ‌فائدتان:

- ‌لطيفة:

- ‌فصل

- ‌الباب السادس في ذكر الصراطِ وهو قنطرة جهنَّم بين الجنّةِ والنّارِ وخُلق منْ حين خلقت جهنَّم

- ‌الباب السابع في الحوضِ، والكوثرِ وهما ثابتان بالكتابِ والسُّنّةِ وإجماع أهْل الحق

- ‌فصل

- ‌فصل في شفاعةِ الأنبياءِ، والملائكة، والعلماء والشهداء، والصالحين، والمؤذنين، والأولاد

- ‌فصل في سعة رحمة الله تعالى

الفصل: ‌ ‌فصل في الشفاعة الخاصة وهي فيمن اْستحق النار مِنَ المؤمنين أن

‌فصل

في الشفاعة الخاصة وهي فيمن اْستحق النار مِنَ المؤمنين أن لا يدخلها وفيمن دخلها منهم أنْ يخرجَ منها كما تقدم عن شيخ الإسلام قدّس الله روحَه وهي التي تنكرها المبتدعة فأرجو أن يحرموها ومِنْ حججهم على ذلك قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: 48] وقوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: 18]. وزعمت أنَّ مَنْ دخلَ جهنَّم يخلد فيها؛ لأنَّه إمَّا كافر، أو صاحب كبيرة مات بلا توبة هذا رأي المعتزلة ومَنْ وافقهم مِنْ أهْلِ الأهواءِ وهو رأي فاسد، ومذهب باطل لا ينظر إليه، ولا يعول عليه بإجماع أهْلِ السنةِ والْجماعةِ أيدهم الله بعلو الكلمة والشفاعة إنَّه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.

أخرجَ البخاري (1) في صحيحه عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنَّه خطبَ فقال: إنَّه سيكون في هذه الأمّة قوم يكذبون بالدجال، ويكذبون بالشفاعةِ، ويكذبون بقوم يخرجون من النارِ بعدما اْمتحشوا. قال في النهاية: ويكذبون بقوم يخرجون من النار أي: بعدما اْحترقوا والمحش اْحتراق الجلد، وظهور العظم ويروى: امتحشوا مبنيا لما لم

(1) البخاري (2462)، ومسلم (1691)، وأبو داود (4418)، وابن ماجه (2553)، والنسائي في "الكبرى"(7156، 7159)، والترمذي (323)، وابن حبان (413، 6239)، وأبو يعلى (153)، وأحمد (1/ 23، 47، 50، 56).

ص: 905

يسم فاعله. اْنتهى.

وعن أنس رضي الله عنه أنَّه قال: من كذب بالشفاعةِ فلا نصيب له فيها، ومَنْ كذب بالحوضِ فليس لهُ فيه نصيب. وقيل له: إنَّ قومًا يكذبون بالشّفاعة فقال: لا تجالسوا أولئك (1).

وأخرجَ البيهقي قال: ذكروا عند عمران بن حصين رضي الله عنه الشفاعة فقال رجل يا أبا نجيد إنكم لتحدثونا أحاديث لمَ نجدْ لها أصلاً في القرآن. فغضب عمران بن حصين وقال للرجل أقرأتَ القرآن؟ قال: نعم قال: فهل وجدت صلاةَ العشاءِ أربعًا، وصلاة المحربِ ثلاثا، وصلاة الفجر ركعتين، والظهر أربعًا، والعصر أربعا؟ قال: لا. قال: فعن مَن أخذتم هذا؟ ألستم عنا أخذتموه؟ وأخذناه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم؟! ووجدتم في كلِّ أربعين درهمًا درهمًا، وفي كلّ كذا شاة كذا، وفي كلّ كذا بعير كذا أوجدتم في القرآن هكذا؟ قال: لا. قال: ووجدتم في القرآن {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] أوجدتم طوفوا سبعا، واركعوا ركعتين خلف المقام؟ أوجدتم هذا في القرآن؟ عمن أخذتموه؟ ألستم أخذتموه عنا؟! وأخذناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قالوا: بلى إلى أنْ قال: فإنَّ اللهَ قال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] وإنا قد أخذنا عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أشياء ليس لكم بها علم.

(1) هناد في "الزهد"(189)، "الشريعة" للآجري (337).

ص: 906

وأخرجَ الطبراني في الكبير والصغير بإسنادٍ حسن عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما مرفوعا: "يدخل مِنْ أهْلِ هذه القبلة النار مَن لَا يحصى عددهم إلا الله بما عصوا الله، واجترءوا على معصيته، وخالفوا طاعته فيؤذن لي في الشفاعةِ فأثني على اللهِ ساجدًا كما أثني عليه قائماً فيقال لي: اْرفعْ رأسَكَ، وسل تعطه، واشفع تشفع"(1).

وأخرجَ البزار، والطبراني، وأبو نعيم بسند حسن عن عليّ كرم الله وجهه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"أشفع لأمَّتي حَتَى يناديني ربيِّ تبارك وتعالى: أرضيت يا محمد؟ فأقول: أي رب رضيت"(2).

وأخرجَ الإمام أحمد، والطبراني، والبزار بسندٍ جيد عن معاذ، وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"إن ربي خيرني بين أنْ يدخل نصف أمَّتي الجنَّة، أو الشفاعة فاخترتُ لهم الشفاعة، وعلمتُ أنَّها أوسعُ لهم وهي لمَنْ ماتَ لا يشرك باللهِ شيئا". وأخرجَ الطبراني مثله عن أنس رضي الله عنه (3).

وأخرجَ الإمامُ أحمد، والطبراني، والبيهقي بسندٍ صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "خُيِّرْتُ بين الشفاعةِ، وبين أن يَدْخلَ نصف أمَّتي فاخترت الشفاعة؛ لأنَّها أعم

(1) انظر "الصغير" 1/ 80 (103).

(2)

البزار 2/ 240، والطبراني 3/ 64، وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 78.

(3)

أحمد 4/ 404، 6/ 23. والطبراني في "الصغير" 2/ 63.

ص: 907

وأكفى وإنَّها ليست للمتقين ولكنَّها للمذنبين الخاطئين المتلوثين" (1).

وأخرج أبو داود، والبزار، والطبراني، وابن حبان في صحيحه، والبيهقي عن أنسٍ رضي الله عنه، وابن حبان، والبيهقي عن جابر رضي الله عنه قالا: قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شفاعتي لأهلِ الكبائر من أمتَي"(2).

وأخرجَ الحاكم، والبيهقي وصححاه عن أم حبيبة رضي الله عنها، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"أُريت ما تلقى أمّتي مِن بعديَ وسفك بعضهم دماء بعض فأحزنني وسبق ذلك من الله كما سبق في الأمم قبلهم فسألته أنْ يوليني فيهم شفاعة يوم القيامة ففعل"(3).

وأخرج الإمام أحمد، والبيهقي، والطبراني عن بريدة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إني أشفع يومَ القيامةِ لأكثر مما عَلى وجه الأرضِ من شجر ومدر"(4).

وأخرجَ الطبراني عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "آتي جهنَّم فأضرب بابها (5)، فتفتح لي، فأدخلها، فأحمدُ اللهَ

(1) أحمد 2/ 75.

(2)

أبو داود (4739)، والبزار كما في "كشف الأستار" 4/ 172 (3469).

(3)

رواه أحمد 6/ 427، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(3077)، وفي السنة (215)، والحاكم 1/ 138، وصححه الألباني.

(4)

رواه أحمد 5/ 347، وأورده الهيثمي 10/ 378 وقال: رجاله وثقوا عَلىَ ضعف كثير في أبي إسرائيل الملائي.

(5)

في الأصل كلمة (بها) بدلاً من (بابها)، وكلمة (حمد) بدلاً من (حمده) والمثبت من مصدر التخريج.

ص: 908

بمحامد ما حمد أحد قبلي مثله ولا يحمده أحد بعدي، ثُم أُخرِج منها مَنْ قال: لا إله إلا الله مخلصًا. فيقوم إليَّ أناسٌ مِنْ قريش فينتسبون [إليَّ](1)[فأعرف نسبَهم، ولا أعرف وجوههم فأتركهم في النارِ"](2)(3).

وأخرج البخاريّ عن عمران بن حصين رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"يخرج قومٌ من النارِ بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، ويدخلون الجنة ويسمون الجهنميين"(4)(5).

وأخرجَ الطبراني، وأبو نعيم عن أبي أمامة رضي الله عنه، عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"نعم الرجل أنا لشرار أمّتي" قيل: وكيفَ يا رسول الله؟ قال: "أمَّا شرار أمّتي فيدخلهم الجنة بشفاعتي، وأما خيارهم فيدخلهم الجنة بأعمالهم"(6).

(1) في "المجمع"(10/ 379)، و "البدور السافرة"(1080) لي.

(2)

في "المجمع"، و "البدور السافرة": فأعرف وجوههم فأتركهم في النار.

(3)

رواه الطبراني في "الأوسط"(3845)، وأورده الهيثمي 10/ 379 وقال: رواه الطبراني في "الأوسط" عن شيخه على بن سعيد الرازي وفيه لين وفيه من لم أعرفه.

(4)

ورد في هامش الأصل: إشارة إلى أنه طال مكثهم في النار فأطلق عليهم هَذَا الاسم، وأيس من خروجهم.

(5)

البخاري (6566).

(6)

رواه الطبراني في "الكبير" 8/ (7483)، والدولابي في "الكنى"(1/ 142)، وأبو نعيم في "الحلية" 10/ 219، وأورده الهيثمي 10/ 377 وقال: فيه جميع بن ثوب الرجبي قَالَ فيه البخاري منكر الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ابن عدي: رواياته تدل عَلىَ أنه ضعيف.

ص: 909

قُلْتُ: المراد يدخلهم الجنة بفضلهِ، ويقتسمون المنازل بأعمالهم أو يدخلهم الجنة بسبب أعمالهم وعلى كلّ حال إنَّما يدخلون الجنَّة بفضله تعالى كيفَ وهو الذي وفقهم للعمل الصالح، وقبله منهم بفضله والله الموفق.

وأخرج ابن أبي عاصم عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"ما زلت أشفع إلى ربِّي ويشفعني، وأشفع ويشفعني حَتَّى أقول: أي رب شفعني فيمن قال: لا إله إلا الله. فيقول: هذا ليس لك يا محمد ولا لأحدِ هذه لي وعزتي وجلالي ورحمتي لا أدع في النارِ أحدًا يقول: لا إله إلا الله"(1).

لطيفة: أخرج البيهقي بسند جيد عن عثمان بن عفان رَضي اللهُ تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"مَنْ غش العربَ لم يدخَل في شفاعتي"(2) أي: مَن لم ينصح العرب؛ لأنَّ الغشَ عدم النصح فأمَّا أنْ يقالَ مَنْ عامل العرب بضد النصيحة بل بالغش بأن يزين لهم غير المصلحة ومنه حديث: "مَن غشّنا فليس منا"(3). قال في النهاية: أي: ليس مِنْ أخلاقنا، ولا على سنتنا أو يقال: من لم ينصحهم والثاني: أشد كما يفهمه مَن له دقة والعرب: اْسم مؤنث ولذا يوصف

(1) رواه ابن أبي عاصم في "السنة"(828)، وأبو يعلى (2786) من رواية الحسن عن أنس. ومن طريقه أخرجه ابن خريمة (187) وله شاهد أيضاً عند البخاري ومسلم.

(2)

رواه ابن أبي شيبة 6/ 410، والإمام أحمد 1/ 72، والترمذي (3928)، والبزار (519) وإسناده ضعيف.

(3)

رواه مسلم (101) من حديث أبي هريرة.

ص: 910

بالمؤنث فيقال: العرب العاربة وهم الذين يتكلمون بلسان يعرب بن قطحان وهو اللسان القديم والمراد هنا بنو إسماعيل عليه الصلاة والسلام ومَن والاهم. وفي نهاية ابن الأثير: السرب اْسم لهذا الجيل المعروف من الناسِ ولا واحد له من لفظه وسواء أقام بالبادية أو المدن (1). اْنتهى.

ومن ثم قال العلماءُ: ونعرفُ للْعربِ حقها وفضل لسان العرب على غيره لكونه صلى الله عليه وسلم عربياً، ولكون القرآن نزل به، ولكون لسان أهل الجنة به ويأتي إن شاء الله تعالى ولذا يشفع النبى صلى الله عليه وسلم في العرب قبل غيرهم.

أخرجَ الطبراني عن [ابن] عمر رضي الله عنه، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"أوّل مَن أشفعُ له من أمتي أهَل بيتي، ثم الأقرب، فالأقرب من قريش والأنصار، ثم مَنْ آمن بي واتبعني من أهْلِ اليمن، ثم سائر العرب، ثم الأعاجم وأوَّل مَنْ أشفع له أولو الفضل"(2) وفى رواية: "أوّل مَنْ أشفع له من أمّتي أهْل المدينةِ، وأهل مكة، وأهل الطائف"(3).

(1) انظر "النهاية" 3/ 202.

(2)

رواه الطبراني 12/ (13550)، وابن عدي في "الكامل" 2/ 382، والخطيب في "موضح أوهام الجمع" 2/ 18 (ترجمة حفص بن سليمان) والرافعي في التدوين 1/ 426، وإسناده ضعيف.

(3)

رواه الطبراني في "الأوسط"(1828)، والبخاري في "التاريخ الكبير" 5/ 414، والفاكهي 3/ 72 من حديث عبد الملك بن عباد. وعزاه الهيثمي 10/ 380، والحافظ في "الفتح" 8/ 428 للبزار والطبراني، وهو مرسل كما في "ثقات ابن حبان" 5/ 115 وجامع التحصيل ص 229، ورواه البخاري في "تاريخه" 5/ 404 من طريق عبد الملك عن جرير، به.

ص: 911

تنبيه: المراد بشفاعته صلى الله عليه وسلم للعرب قبل العجم الشفاعة لهذا الجنس قبل هذا الجنس ولا يمنع أنْ يشفعَ لبعضِ أفرادِ العجم قبل بعض أفراد العرب قطعًا وهذا كما تقول: الرجل خير منَ المْرأةِ أي: هذا الجنس خير من هذا الجنس وإنْ كان بعضُ أفراد النّساءِ خير مِنْ بعضِ أفراد الرِّجال، ولذا قال صلى الله عليه وسلم:"وأول مَن أشفع له أولو الفضل" فتأمل فإني لم أر من صرح به والله أعلم.

والجواب عن شبهة أهل الاْعتزال، والزيغ، والضلال: أنَّ المراد بقوله: {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: 48] الكفار للآيات الواردة، والأخبار الثابتة في الشفاعة. قال البيضاوي: قد تمسكت المعتزلة بهذه الآية على نفي الشفاعة لأهْل الكبائر وأجيب: بأنَّها مخصوصةٌ بالكفارِ ويؤيد هذا أنَّ الخطاب معهم والآية نزلت ردًا لما كانت اليهود تزعم أن أباهم شفع لهم. اْنتهى.

وقوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: 18، المراد بالظالمين الكافرين.

قالوا: قال الله تعالى: {إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران: 192] وقال: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} وقال: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26)} [النجم: 26] قالوا: ومن اْرتضاه الله لا يخزيه. قال تعالى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [التحريم: 8] الآية.

ص: 912

قلنا: الجواب (1) عن الآية الأولى ما قال سيدنا أنس رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم: معنى {تُدْخِلِ النَّارَ} من تخلد. وقالَ قتادة: تدخل مقلوب تخلد ولا نقول كما قالت أهل حروراء فعلى هذا قوله: قد أخزيته على بابه من الهلاك أي: أهلكته، وأبعدته، ومقته ولهذا قال سعيد بن المسيب: الآية جاءت خاصة في قوم لا يخرجون من النار دليله قوله في آخر الآية: {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [آل عمران: 192] أي: للكفار. وإنْ سَّلم أنَّ الآية في عصاة الموحدين فالمراد بالخزي: الحياء. يقال: خزي يخزى خزاية إذا اْستحيى فهو خزيان، وامرأةٌ خزياء كذا قَالَ أهل المعاني: فخزي المؤمنين يومئذ اْستحياؤهم من دخول النارِ مع أهْلِ الكفرِ والاحتقار، ثم يخرجون منها بشفاعة النبي الكريم، ورحمة الرءوف الرحيم، وأمَّا خزي (2) الكفار فهو هلاكهم فيها من غير موت، وأمَّا المؤمنون فإنَّهم يموتون فيها كما سنذكره بعد إن شاء الله تعالى فافترق الخزي والخسارة كما فهم ذلك

(1) ورد في هامش الأصل: هَذَا الجواب إنما يصح عَلىَ مذهب أهل السنة أما عَلىَ مذهب المعتزلة فلا ويجاب بأن المدخل في النار خزي في حال دخوله فيها وإن كانت عاقبته أن يخرج منها وذلك إن الخزي هو هتك الخزي وفيضحته: قَالَ ابن الأنباري: حمل الآية عَلىَ العموم أولى، والخزي: الإهانة والإذلال وقيل الهلاك والفضيحة.

(2)

قوله: وأما خزي الكفار إلخ حاصل من الجواب أن لفظ إلا خزي مشترك بين التخجيل والإهلاك واللفظ المشترك لا يمكن حمله في طرفي النفي والأثبات عَلىَ معنييه جميعًا، وهذا يسقط الاستدلال.

ص: 913

من العبارة فالمؤمنون يخرجون من النارِ بشفاعة الشافعين ورحمة أرحم الراحمين، والكافرون يخلدون فيها والحمد لله رب العالمين.

وأمَّا قوله تعالى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} أي: لا (1) يعذبه ولا يعذب الذين آمنوا معه وإن عذَّب العصاةَ وأماتهم فإنَّه يخرجهم بالشفاعة، وبرحمته الواسعة والحاصل أنَّ الإيمانَ بالشفاعةِ واجبٌ ومَنْ أنكرها حُرِمَها ويكون من إخوان الشياطين مِنَ الفرقةِ المعتزلةِ الضالةِ عن سواء السبيل فنسأل الله أنْ يجعلنا مِنْ أهْل الشفاعةِ، وأنْ يوفقنا بمنه للطاعةِ، وأنْ يرينا وجه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من غير سابقة عذاب إنَّه ولي ذلك، وأنْ يعافينا مِنْ جميع أنواع العقابِ وأسباب المهالك.

(1) ورد في هامش الأصل: أي وهَذَا النفي لا يناقضه إثبات الخزي في الجملة لاحتمال أن يحصل الإخزاء في وقت آخر، والمنفي عن المؤمنين حال ما يكونون مع النبى صلى الله عليه وسلم.

ص: 914