الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رواه الستة إلا البخاري (1).
وقد وقعت الخسوفات الثلاثة: فوقع في سنة ثمان ومائتين أنَّه خسف بثلاث عشرة قرية بالمغرب، وفي خلافة المطيع سنة ست وأربعين وثلثمائة، وقع بالري ونواحيها زلازل عظيمة، وخسف ببلد طالقات، ولم يفلت من أهلها إلا ثلاثين نفسا وخسف بمائة وخمسين قرية من قرى الري، واتصل الأمر إلى حلوان فخسف بأكثرها، وقذفت الأرض عظام الموتى، وتفجرت منها المياه، وتقطعت بالري جبالٌ وعلقت قرية بين السماء والأرض بمن فيها، نصف نهار ثمَّ خسف بها، وتخرقت الأرض خروقًا عظيمة، وخرج منها مياه منتنة، ودخان عظيم كذا نقله الجلال السيوطي عن الحافظ ابن الجوزي، وناهيك بهما علمًا وثقة وحفظًا وفي سنة سبع وتسعين وخمسمائة، خسف بقرية من أعمال بصرى، وفي سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، خسف ببلد بُحيرة وصار مكان البلد ماءً أسودَ قاله في "الإشاعة" قال وخُسف في زماننا بعدة قُرى، ناحية أذربيجان وغيرها من ديار العجم.
ومنها كثرة الزلازل
.
ففي البخاريِّ وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه، "لا تقوم
(1) رواه مسلم (2901)، والترمذي (2183)، وابن ماجه (4055)، وأحمد 4/ 6 و 7، وابن حبَّان (6843).
الساعة حتى يُقبضَ العلمُ وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهرُ الفتن ويكثر الهرْج"، وهو القتل (1).
وقد وقع أوّل خلافة المتوكل سنة اثنين وثلاثين ومائتين زلزلة مَهولة بدمشق، سقطت منها دور وهلك تحتها خلق كثير، وامتدت إلى أنطاكية فهَدمَتْها، وإلى الجزيرة فأحرقتها، وإلى الموصل فيُقال: هلك من أهلها خمسون ألفا، وقد زُلزلت زَلازلُ كثيرة جدًا، فلا نطيلُ بذكرها.
ومنها المسخ والقذفُ ففي حديث عند الإمام أحمد ومسلم والحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: "يكون في أمتي خسفٌ ومسخٌ وقذفٌ"(2).
(1) رواه البخاري (6037) و (6061)، وأبو داود (4255)، وابن حبَّان (6711) و (6717)، وأحمد 2/ 525 و 530، والطبراني في الأوسط (8677).
وانظر: أحمد 2/ 161 و 2/ 288 و 2/ 524 و 2/ 233 و 2/ 313.
(2)
الحديث روي عن طريق عبد الله بن عمرو بنفس لفظ المؤلف عند أحمد 2/ 163، وابن ماجه (4062)، والحاكم 4/ 445، وابن عديّ في الكامل 6/ 2135 ومن طريق عبد الله بن عمر. عند أحمد 2/ 90، 2/ 108 و 2/ 136، وأبو داود (4613)، وابن ماجه (4061)، والترمذي (2152) و (2153).
وله شاهد من حديث أبي هريرة عند ابن حبَّان (6759).
ومن حديث سهل بن سعد عند ابن ماجه (4060) قال في الزوائد: وإسناده ضعيف لضعف عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
وعند ابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه: "بين يدي الساعة مسخٌ وخسفٌ وقذفٌ"(1) وعند الترمذي عن عائشة رضي الله عنها، مرفوعًا "يكون في آخر هذه الأمّة خسفٌ ومسخٌ وقذفٌ" قيل يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثرُ الخبثُ"(2).
وقد قدمنا الكلام على وقوع الخسف، وأما المسخ فقد وقع لأشخاص منهم ما نقله في "الإشاعة" (3) قال قد صحَّ عن غير واحد أنَّ في زمن فاطمية مصرَ كانوا يجتمعون بالمدينة يومَ عاشوراء في قبة العباس: يعني الأرفاض، فيسبون الشيخين رضوانُ الله عليهما، ويسبُّون الصحابة رضي الله عنهم أجمعين فجاء رجل فقال: من يُطعمني في محبة أبي بكر فخرج إليه شيخٌ، وأشار إليه أن اتبعني، فأخذه إلى بيته وقطع لسانه، ووضعه في يده وقال: هذه بمحبة أبي بكر، فذهبَ الرجلُ إلى المسجد وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الشيخين رضوانُ الله عليهما، ورجع ولسانُه في يده، فقعد حزينًا عند باب المسجد وغلبه النوم، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه، ومعه أبو بكر
(1) ابن ماجه (4059)، قال في الزوائد: رجال إسناده ثقات إلا أنَّه منقطع، وأخرجه البزار (1457)، وأبو نعيم في الحلية 7/ 121.
(2)
في الأصل كَثُرَ وعند الترمذي "ظهر".
ورواه الترمذي (2185)، وفي إسناده عبد الله بن عمر العمري قال الترمذي: هذا حديث غريب من حديث عائشة لا نعرفه إلا من هذا الوجه وعبد الله بن عمر تكلم فيه يحيى بن سعيد من قبل حفظه. والحديث في السنن الواردة في الفتن 3/ 710 (341).
(3)
ص 51.
- رضي الله عنه، فقال لأبي بكر رضي الله عنه: هذا الرجلُ قُطِعَ لسانُه في محبتك فَرد عليه لسانه، فأخرج اللسانَ من يده ووضعه في محله، فانتبه فإذا لسانُه كما كان قبل القطع، وأحسن فلم يخبر بذلك أحدًا، ورجع إلى بلاده فلما كان العام القابل، رجَع إلى المدينة، دخل القبة (1) يوم عاشوراء طلب شيئًا بمحبة أبي بكر، فخرج إليه شاب وقال اتبعني فتبعه، فأدخله الدار التي قطع فيها لسانُه فأكرمه الشاب، فقال الرجل إني أتعجب من هذا البيت، لقيتُ فيه العام الماضي مُصيبة ومهانة، وهذه السنة لقيتُ ما أرى من الإكرام فقال الشاب: كيف القصة؟ فأخبره بالقصة فانكب على يده ورجليه وقال: ذلك أبي وقد مسخه اللهُ قِردًا وكشف عن ستارة فأراه قردًا مربوطًا وأحسن إلى الرجل، وتاب عن مذهبه وقال: اكتم عليَّ أمرَ والدي (2).
وقد ذكر هذه القصة ابن حجر في "الزواجر"(3) بنحو هذا اللفظ، وذكرها السمهودي والقسطلاني في "المواهب"، وابنُ حجر أيضًا في "الصواعق" وفي "الزواجر" (4): أنَّه كان بحلبٍ رجلٌ يسبُ الشيخين، فلما مات نبش قبره شباب ليفعلوا معه أمرًا، فوجدوه خنزيرًا فأحرقوه.
(1) هذه من الأمور البدعية والتي لا يقرها الإِسلام. وهي بناء القبب على القبور.
(2)
هذه القصة وأمثالها كثير يوردها المؤلف رحمه الله بدون زمام ولا خطام ودين الله مكتمل فيه الكفاية قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} . فينبغي علينا تنزيه الدين من كل نقص والسعي في تطهير مصادره من كل عيب.
(3)
انظر: ص 232 - 233.
(4)
انظر: "الزواجر" ص 232.
وذكر السيوطي في "تاريخ الخلفاء"(1): أن في سنة اثنين وثمانين وسبعمائة في خلافة المتوكل سادس الخلفاء العباسيين الذين كانوا بمصرَ، ورد كتابٌ من حلب يتضمنُ أن إمامًا قام يُصلي وأن شخصًا عبث به في صلاته، فلم يقطع الإمام الصلاة، حتى فرغ وحين سلم انقلب وجه العابث وجه خنزير، وهربَ إلى غابة هناك.
وأما القذفُ فالمراد به الرجم، نقل السيوطي في "تاريخ الخلفاء"(2) أن في سنة خمس وثمانين ومائتين مُطرت قريةُ بالبصرة حجارةً سوداء وبيضاء ووقع بَرد، وزن البردة مائة وخمسون درهمًا.
وفي سنة اثنين ومائتين رُجمت قرية السويدي بالحجارَة، ووُزن حجر من الأحجار، فكان عشرة أرطال، وفي سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، في خلافة المقتدي، جاءت ريحٌ سوداء ببغداد واشتدَّ الرعدُ والبرق وسقط رمل وتراب كالمطر، وفي سنة نيف وستين بعد الألف، مُطرت حجارة سود كبيرة عريضة قَدْرَ بيض الدجاج وأكبر في الصيف والسماء مصحية ببلاد الأكراد، بين هيزا وكفرا، وكان يُسمعُ لها حِسٌ من مسافة يوم. ذكره في "الإشاعة"(3).
تنبيه: ورد عنه صلى الله عليه وسلم، الآيات بعد المائتين، فيحتمل بعد المائتين من الهجرة ويحتمل بعد المائتين بعد الألف، ويؤيد الأوّل أنَّ جُلَّ الآيات التي ذكرناها، وقع بعد المائتين وإن حُمل على الثاني فالمرادُ أمهاتها كما يأتي، وقد أضربنا من هذا الباب عن أشياء كثيرة خوف
(1) ص 437.
(2)
(319).
(3)
ص 52.
الملال. وضيق الحال فنسأل الله التوفيق وحسن الختام، والحشر مع خير فريق ببركة محمَّد عليه الصلاة والسلام (1).
(1) هذا التوسل الممنوع فيقال ببركة حبنا لمحمد صلى الله عليه وسلم أو ببركة اتباعنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولعل هذا مراد المؤلف رحمنا الله وإياه. وانظر "الإشاعة"(69 - 70).
فائدة الإخبار عن إمارات الساعة وأشراطها لا ينزل على الواقع بل نؤمن به ونعتقد أن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم صدقاً.
الباب الثاني في الأمارات المتوسطةُ التي ظهرتْ ولم تنقض (1)، بل تتزايد وهي كثيرةٌ جدًا
منها قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقومُ الساعة حتى يكونَ أسعدَ الناس بالدُنيا لُكع بنُ لُكع"(2) رواه الإمام أحمد والترمذي، والضياء عن حُذَيفَة وابن مردوية عن علي و"اللكع" (3): العبد والأحمق واللئيم، والمعنى: لا تقومُ الساعةُ حتى يكونَ اللئام والحمقاء ونحوهم رؤساء الناس،
(1) ما أثبت من (ب، ط).
(2)
رُوي عن غير واحد من الصحابة.
فروي عن أبي هريرة رواه أحمد 2/ 326 (8320 م)، 8322، وابن عديّ في الكامل 6/ 2101، والبزار (3358 - كشف الأستار).
وروي عن أبي بردة بن نيار رواه أحمد 3/ 466 وسنده حسن. والطبراني في الكبير 22/ (512).
وعن حذيفة بن اليمان عند الترمذي (2209)، ونعيم بن حماد (554)، وأحمد 5/ 389، 5/ 430، وتهذيب الكمال (23415).
وعن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عند أحمد 5/ 430، والطحاوي في شرح المشكل (2051)، ونعيم بن حماد 2/ 465 (1312).
وعن أنس بن مالك: الطبراني في الأوسط (632)، وأورده الهيثمي في المجمع 7/ 325 - 326 وقال: رجاله رجال الصحيح غير الوليد بن عبد الملك بن مسرح وهو ثقة. وابن حبَّان (6721)، والضياء في المختارة (2727).
وعن الزهري مرسلًا: نعيم بن حماد 1/ 201.
(3)
في (ط): (والكع).
وقد ولع أهل الأدب في هذا المعنى؛ لأنَّ الدهر فوق نبال الحرمان لذوي الفطانة والرجحان، فمن ذلك قول بعضهم وقد أحسن للغاية:
أرى حُمرا تُروى وتأكل ما تَهوى
…
وأسدًا جياعا تظمأ الدّهر لا تروى
وأشرافُ قوم لا ينالون قُوتهم
…
وقومًا لئامًا يأكلوا المنّ والسّلوى
قضاء لجبَّارِ السموات سابق
…
وليس على ردّ القضا أحدٌ يقوى
ومن عرف الدَهر الخؤون وعدله
…
فيصبر في البلوى، ولم يظهر الشكوى
وأيقن أنَّ الرّزق لابدَ أن يجيء
…
لميقاته فليصحب البرّ والتَّقوى
وقال الآخر:
لا خير في دهر تعزُّ لئامُه
…
وبعكس ذي الأشياء تهان كرامه
وابن السفَاهَة إن تولى رتبة
…
بين الملأ زادَ الكَلامُ كلامه
وهذا باب واسع جدًا ومن ذلك أي من الأمارات قوله صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمانٌ الصابر على دينه كالقابض على الجمر"(1) رواه
(1) جاء في هامش الأصل ما يلي:
قوله الصابر على دينه كالقابض على الجمر، هذا كناية منه صلى الله عليه وسلم عن عدم المساعد والمعاون في الدين وقلة وفاء الخلق حين يكون المال والسعة للكع بن لكع وقد ولي الأمور السفلة فلا يُرى الفقير إلا بائسًا فهو في همِّ دينه وهَمِّ دنياه، فلا هو قادر على ما يعول أهله ليتخلى للعبادة، ولا الأمر منتظم له لينال مراده وَلعمرِ الله إن زماننا هذا موجود فيه وزيادة فيالله كم من ذي فطنة يقول:
ألا موت يباع فاشتريه
…
فهذا العيش ما لا خير فيه
ألا موت لذيذ الطعم حتَّى
…
يخلصني من العيش الكريه
إذا أبصرت قبرًا من بعيد
…
وددت أنني مما يليه
الترمذي عن أنس (1).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعةُ حتَّى يتباهَى الناسُ في المساجد" رواه الإمام أحمدُ وأبو داود وابن ماجة وابن حبَّان، عن أنس رضي الله عنه (2).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "يكون في آخر الزمان عبادٌ جهال وقراء فسقه"(3) وفي لفظ فُسَّاق رواه أبو نعيم والحاكم عن أنس.
(1) رواه الترمذي في سننه 4/ 526 (2260) وقال عقبة: هذا حديث غريب من هذا الوجه وفي العلل ت (611).
وابن عديّ في الكامل 6/ 113 ترجمة عمر بن شاكر.
والمزي في التهذيب 21/ 385 - 386 جميعهم من رواية أنس.
وأخرجه أحمد 2/ 390 - 391 (9073) من رواية أبي هريرة بلفظ: "المتمسك يؤمئذ بدينه كالقابض على الجمر" أو قال: "على الشوك".
وذكره الهيثمي في المجمع 7/ 281 - 282 وقال: رواه أحمد وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح.
وله شاهد آخر من رواية أبي ثعلبة الخشني كان حديث مطول عند أبي داود 2/ 526 (4341)، والترمذي 5/ 257 (3058)، وابن ماجة 2/ 1330 (4014)، وابن حبَّان (385)"بلفظ فإن من وراءكم أياما، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر".
(2)
رواه أحمد 3/ 134 و 145 و 230، وأبو داود (449)، والنسائيُّ 2/ 32، وابن ماجة (739)، وابن خزيمة (1322)، وابن حبَّان (1614) و (6760)، وأبو يعلى (2798)، والضياء في المختارة (2236)، وابن حجر في "تغليق التعليق" 2/ 236.
(3)
المجروحين (3/ 135) ميزان الاعتدال (4/ 469) الحاكم (4/ 315) الحلية لأبي نعيم (2/ 331) وانظر تخريج أحاديث إحياء علوم الدين (151) وضعفه الذهبي كما في الميزان والعراقي في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين.
ومنها أن يُرى الهلال ساعة يطلع فيُقال: "لليلتين لانتفاخه وكبره"(1) روى معناه الطبراني عن ابن مسعود. وفي لفظ "من أشراط الساعة انتفاخُ الأهلة" بالخاء المعجمة أي عظمها يُقال: رجلٌ منتفخٌ ومنفوخ أي سمين وروى بالجيم من انتفج جنبا البعير إذا ارتفعا وعَظُما خلقةً يُقال نفجت الشيء فانتفج أي رفعته وعظمته.
ومنها: اتخاذُ المساجد طرُقا (2).
ومنها ما أخرجه أبو نعيم في "الحلية" عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا: "من اقتراب الساعة اثنان وسبعون خصلة، إذا رأيتم الناس أماتوا الصّلاة وأضاعوا الأمانة وأكلوا الربا، واستحلوا الكذب، واستخفوا بالدّماء، واستعلوا البناء وباعوا الدين بالدنيا، وتقطعت الأرحام، ويكون الحكم ضعفا، والكذب صدقا، والحرير لباسا، وظهر الجور، وكثر الطلاق، وموت الفجأة، وائتمن الخائن، وخُوِّنَ الأمين وصُدِّق الكاذب، وكُذِّبَ الصادق، وكثر القذف، وكان المطر قيظًا (أي في الصيف فلا يُفيد شيئًا) والولد غيظًا (أي يغيظ والديه بعقوقه)، وفاض اللئام فيضا، (أي: كثروا) وغَاظَ الكرام غيظا (أي: نقصوا)، وكان الأُمراء والوزراء والأمناء خونة، والعرفاء ظلمة، والقراء فسقه إذا لبسوا مسوك (أي: جلود) الضأن قُلوبهم أنتنُ من
(1) رواه الطبراني في "الأوسط"(9376) من حديث أنس بنحوه.
وأورده الهيثمي 3/ 147 من حديث أبي هريرة وفيه من لا يعرف.
(2)
أخرجه الحاكم (4/ 446).
الجيفة، وأمرُّ من الصبر، يُغشيهم الله فتنة يَتَهَاوَكُون فيها (أي: يتساقطون فيها) تهاوك اليهود والظّلَمة، وتظهرُ الصفراء (يعني: الدنانير)، وتُطلَبُ البيضاء، (يعني: الفضَّة) وتكثر الخطباء (أي: فلا يخطبون حينئذ لله، ولا للاستحقاق وإنما يشترون وظيفة الخطابة، فيكثر الراغبون في ذلك)، ويقلّ الأمر بالمعروف، وحُلِّيت المصاحف، وصوّرت المساجد، وطوِّلت المنابر، وخرِّبت القلوب، وشرُبت الخمور، وعُطّلت الحدود، وولَدتِ الأمةُ ربّتها وترى (1) الحفاةَ العراةَ صاروا ملوكا، وشاركت المرأة زوجها في التجارة، وتشبَّهَ الرجالُ بالنساء والنساء بالرجال، وحُلف بغير الله، وشهدَ المَرْءُ من غير أن يُستشهد، وسلم للمعرفة أي ما ابتدأه بالسلام إلا لمعرفته له، وتفقه لغير الله، وطُلِبت الدُنيا بعمل الآخرة، واتخذ المغنم دُوَلاً، (وهو بضم الدال وفتح الواو يجمع على دُوُلة بالضم ما يُتداول من المال، فيكون لقوم دون آخرين ومعناه: إذا اختُص الأغنياء وأرباب المناصب بأموال الفيء (2)، ومنعوها مستحقيها كما في النهاية. والله أعلم) والأمانة مغنما، (يعني الوديعة)، والزكاة مغرما، وكان زعيم القوم (أي ضمينهم) أرذلهم، وعق أباه الرجُل، وجفا أمّه وبَرّ صديقه، وأطاع امرأته، وعَلتْ أصواتُ الفسقة في المساجد، واتُّخذَتِ القيناتُ (جمع قينة، وهي المغنية) والمعازف، (وهي: آلات اللهو) وشربت الخمور في
(1) في (أ) و (ط) تمرات وفي ب (وترا) وما أثبت من المحقق.
(2)
في (أ) الغني والمثبت من (ب) و (ط).
الطّرق، واتُّخذ الظُّلم فخرًا وبيع الحكم، وكثرت الشُرَط واتّخذ القرآن مزامير، وجلود السّباع صفافا، بأن يجعل على السروج كما يفعله وزراء زماننا، ولَعَن آخِرُ هذه الأمّة أوّلَها، فليرتقبوا عند ذلك ريحًا حمرا، وخَسفًا ومسخًا وقذفًا وآيات (1).
ومنها ما رواه الإمام أحمد، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن سلمان موقوفاً والحسنُ بن سفيان وابن عساكر مرفوعًا "إذا ظهر القول وخُزن العمل، وائتلفتِ الألسن واختلفت القُلوب، وقَطع كلّ ذي رحم رحمه، فعند ذلك لعنهم الله فأصمّهم وأعمى أبصارهم"(2).
ومنها ما أخرجه أبو الشيخ وعويس والديلمي عن أمير المؤمنين عليّ كرّم الله وجهه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اقتراب الساعة إذا رأيتم الناس أضاعوا الصلاة، وأضاعوا الأمانة واستحلوا الكبائر، وأكلوا الربا وأكلوا الرشا وشيَّدوا:(أي طولوا ورفعوا البناء ويحتمل أن يُرادَ جصّصوها، وعملوها بالشيد)، واتبَّعوا الهوى، وباعوا الدين بالدنيا، واتخذوا القُرآن مزامير، واتخذوا جلودَ السباع صفافا، والمساجد طرقا، والحرير لباسا، وأكثروا الجَور وفشا الزنا، وتهاونوا بالطلاق،
(1) الحلية 3/ 358 - 359 وقال أبو نعيم: غريب من حديث عبد الله بن عبيد بن عمير، لم يروه عنه فيما أعلم إلا فرج بن فضالة، وإسناده ضعيف.
(2)
رواه الطبراني في الأوسط (1578) والكبير 6/ (6170)، وأبو نعيم 3/ 109 من حديث سلمان، وأورده الهيثمي في المجمع 7/ 287 وقال: فيه جماعة لم أعرفهم، قلت: إسناده ضعيف جدًا.
وائتمن الخائن وخوّن الأمين، وصار المطر قيظا، والولد غيظا، وأمراء فجرة، ووزراء كذبة، وأمناءُ خَوَنة، وعُرَفَاءُ ظلمة، وقلَّت العُلماء وكثرت القُراء وقلّتِ الفُقهاء وحُلِّيت المصاحفُ وزخرفت المساجدُ، وطوّلت المنابر، وفَسدتِ القلوب، واتخذ القينات والمعازف، وشربت الخمور، وعُطلّت الحدود، ونُقصت الشهور، (أي بالصّاد المهملة بأن يكون أكثرُها ناقصات) ونُقضت المواثيق، (بالضاد المعجمة والمواثيق جمع ميثاق وهو العهد، ونقضها عدم الوَفَاء بها)، وشاركت المرأة زوجها في التجاوة، وركب النساء البراذين:(جمع برذون بكسر الموحدة وسكون الراء وفتح المعجمة فواو ساكنة فنونُ الدابة من الخيل، والمعنى ركبت النساء الخيل كما في بعض الروايات السروج)، وتشبهت النساء بالرجال والرجال بالنساء، ويحلف بغير الله، ويشهد الرجل من غير أن يُستشهد، وكانت الزكاة مغرما، والأمانة مغنما، وأطاع الرَّجل امرأته وعقّ أمّه، وقرَّب صديقه وأقصى أي (أبعد أباه)، وصارت الإمارات مواريث، وسبَّ آخرُ هذه الأمة أوّلها، وأكرمَ الرَّجلُ اتّقاء شرِّه، وكثرت الشّرط، وصعد الجُةَال المنابر، ولبس الرجل التيجان، وضيّقت الطرقات، وشيِّد البناء واستغنى الرجال بالرّجال، والنّساء بالنّساء، وكثرت خطباء منابركم، وركن علماؤكم إلى ولاتكم، فأحلوا لهمُ الحرام، وحرَّمُوا عليهم الحلال، وأفتوهم بما يشتهون، وتعلم علماؤكم ليجلبوا دنانيركم، ودواهمكم واتَّخذْتم القرآن
تجارة، (أي: أخذتم أجره على قراءته) (1)، وضيعتم حق الله في أموالكم، وصارت أموالكم عند شِراركم، وقطعتمُ أرحامَكم، وشربتم الخمور في ناديكم، ولعبتم الميسر أي بالقمار، ومنه:"الشطرنج ميسر العجم"، وعرضتم بالكبر (بفتحتين الطبل)، والمعزفة والمزامير، ومنعتم محاويجكم زكاتكم، ورأيتموها مغرما، وقُتل البرئ ليغيظ العامَّة (أي: قتل الذي لا قود عليه ليغيظ أقاربه ويترك القاتل، فهو جمع بين قبحين: قتلُ من لا قود عليه، وتركُ من عليه القود، فيفعلون ما نُهوا عنه (2)، ويتركون ما أمروا به)، واختلفت أهواؤكم، وصار العطاء في العبيد والسقاط، وطفُف المكاييل والموازين، ووليت أموركم
(1) في (أ): أخذتم على أجرة قراءته، والمثبت من (ب) و (ط).
(2)
جاء في هامش الأصل هذا الكلام:
قوله فيفعلون ما نهوا عنه إلخ. . ولا شك أن الأنفس جبلت على كراهتها أن تدخل تحت أمر أحد إلا من وفقه الله فيستلذ بامتثال أوامر ربه حتَّى إنه ليتنعم بذلك أشد التنعم وقد صار مجبولاً على حب أمره فليس له في غير ذَلِكَ مطمع، بينهم إذا سمع النداء كأنه يشير له يقفو رضاه وشرع كما قال من ذاق لذة ذَلِكَ:
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي
…
متأخر عنه ولا متقدم
أجد الملامة في هواك لذيذة
…
حبا لذكرك فليلمن اللوم
وأما الأنفس الخبيثة فهي بمعزل عن هذه الأوصاف الرفيعة حتَّى نرى كثيرًا من الناس يعمل شيئًا لو كلف عمله ما فعله أبدًا ويترك أشياء كلف بها لو لم يكلف بذلك ما تركها أبدًا والله الموفق (مؤلف من خطه نقل).
السفهاء" (1).
ومنها: "إذا وسِّد الأمر وفي لفظ: أُسندَ الأمرُ إلى غير أهله فانتظروا الساعة" رواه البخاري (2)، ولا شك أنّ هذا من اقتراب الساعة، وما أحسن قول القائل:
يا دهراً عملتَ فينا أذاكا (3)
…
ووليتنا بعدَ وجهٍ قفاكا
علَّيْتَ الشرار علينا رؤوسا
…
وأجلستَ سِفْلتنا مستواكا
فيا دهرُ إن كُنت عاديتنا
…
فها قد صنعت بنا ما كفاكا
ومنها: أن الشيطان يتمثل في صورة الرجل، فيأتي القوم فيحدثهم بالحديث من الكذب، فيتفرقون فيقولُ الرجل منهم: سمعت رجلًا أعرفُ وجهه ولا أدري ما اسمه يحدث. رواه مُسلم في مقدمة صحيحه (4)، عن ابن مسعود.
وأخرج أيضًا عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان، يوشك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنا (5).
(1) ذكره الهندي في كنز العمال (14/ 573) رقم 39639 وجاء في الحديث عن حذيفة وابن عباس في الدر المنثور وتفسير سورة محمَّد آية (18) الإشاعة ص 83 وهو بنحو حديث أنس المتقدم، وعليه أمارات الوضع.
(2)
رواه البخاري (59).
(3)
نسبة الأثر إلى الدهر خلاف المشروع.
(4)
مسلم 1/ 12 من طريق عبد الرزاق، وهو في المصنف 11/ 383 عن عبد الله بن عمرو.
(5)
مسلم 1/ 12.
ومنها: ما أخرجه الإمام أحمد والحاكم وابن ماجة (1) عن أنس
رضي الله عنه، "إذا كانت الفاحشة في كباركم، والملك في صغاركم،
والعلمُ في رذالكم والمداهنة في خياركم"، يعني: فتقرب إقامة الساعة.
وفي أثناء حديث عمرَ رضي الله عنه، عند مسلم في قصة جبريل عليه السلام قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال صلى الله عليه وسلم "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" قال: فأخبرني عن أماراتها قال: "أن تلدَ الأمة ربّتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشّاء يتطالون في البنيان" الحديث (2). قال الحافظ ابن رجب، في (شرح الأربعين النووية) (3): يعني أن علم الخلق في وقت الساعة سواء قال: وهذا إشارة إلى أن الله تعالى استأثر بعلمها، ولهذا في حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: "في خمس لا يعلمهن إلا الله ثمَّ تلا {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34](4). وقال سبحانه وتعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} [الأعراف: 187] وقال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا} [النازعات: 42: 44] إلى غير ذلك من الآيات.
(1) رواه أحمد 3/ 187، وابن ماجة (4105)، وأبو نعيم 5/ 185 بنحوه، وإسناده لا بأس به.
(2)
مسلم 1/ 36 وتقدم والبخاري (4777).
(3)
وهو جامع العلوم والحكم. الحديث الثاني.
(4)
البخاري (4778).
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر مرفوعًا "مفاتيح الغيب خمس لا يعلّمها إلا الله" ثمَّ قرأ هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] الآية (1).
وخرّجهُ الإمامُ أحمد (2) ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أوتيت مفاتيح كل شيء إلا الخمسُ"{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} .
وخرج أيضًا (3) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أوتي نبيكم صلى الله عليه وسلم مفاتيح كُل شيء غير خمس {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] الآية.
فبما ذكرنا علم أن علم الساعة كبقية الخمس، لم يَطَّلِعَ عليه أحدٌ إلا الله سبحانه وتعالى، ليس إلا والذي حَمَلنا على ذكر هذا هُنا هو أنَّا اجتمعنا ببعض من يُظَنُّ به الفضلُ فزعم أن آحاد الأولياء فضلًا عن الأنبياء أطلعه الله على علم الساعة، كبقية الخمس فعارضته بالآيات الصريحة، والأخبار الصحيحة، فكابر ولم يرعو، ولا جرم أن في زعمه مصادمة للكتاب والسنة، ولم نر أحدًا ممَّن يُعتمد على كلامه ذكر في شرح هذا الحديث ما ذكره هذا القائل، بل ابن حجر الهيتمي (4) نقل عبارة الحافظ ابن رجب ولم يذكر غيرها، ثمَّ قال في آخرها ففيه أنَّه ينبغي للمفتي والعالم وغيرهما إذا سئل عما لا يعلم أن
(1) البخاري (4697).
(2)
المسند 2/ 85.
(3)
المسند 1/ 386.
(4)
في كتابه "فتح المبين لشرح الأربعين" ص 82.
يقول: لا أعلم وإنّ ذلك لا يُنقصه، بل يُستدلُ به على ورعه وتقواه، وكذا ذكر تلميذ الطوفي في شرحه كهو، فلا أدري من أين هذا القائل علم أنَّ آحاد الأولياء علم (1) ذلك فلينتبه، والله الموفق.
والحاصل أن النّبي صلى الله عليه وسلم، ذكر في الحديث علامتين الأولى: أنْ تلد الأمة ربتها: أيّ سيِّدتها، وفي حديث أبي هريرة ربَّها قال الحافظ ابن رجب: وهذا إشارة إلى فتح البلاد وكثرة جلب الرقيق، حتى تكثر السراري، ويكثر أولادهن، فتكون الأمة رقيقة لسيدها، والأولاد منها بمنزلته، فإن وَلد السَّيّد بمنزلته فيصير ولد الأمة بمنزلة ربها ثمَّ قال: وقد فُسِّر قولهُ: "تلد الأمة ربتّها" بأن يكثر جلب الرقيق؛ حتى تُجلب البنت، فتعتق ثمَّ تجلب الأمّ فتشتريها البنت، وتستخدمها جاهلةً بأنها أمها.
قال: وقد وقع هذا في الإِسلام وقيل معناه: أن الإماء يلدنَ الملوك، وقال وكيع يلد العجم العرب والعرب ملوك العجم، وأرباب لهم. انتهى كلامُ الحافظ ابن رجب (2).
زاد ابن حجر أو عقوق الأولاد لأمّهاتهم، فيعاملونهم معاملة السيد لأمته من الإهانة، والسّبّ قال: ويستأنس له برواية أن تلد المرأة ولم يذكر ابن حجر قول وكيع والله أعلم.
(1) المثبت من (ب)، و (ط) وفي (أ) على.
(2)
وقد يستجد أمور لا يعلمها إلا الله مثل ما يحصل في هذه الأزمنة من استئجار الأرحام وغيرها.
الثانية: قوله صلى الله عليه وسلم: "أنْ ترى الحُفاة" إلخ: المرادُ بالعالة الفقراء وقوله رعاء الشاء (1) يتطاولون في البنيان. قال الحافظ ابن رجب: هكذا في حديث عمر والمراد: أن أسَافِلَ الناس يصيرون رؤساءهم، وتكثر أموالهم حتى يتباهون بطول البنيان، وزخرفته وإتقانه، وأطال الحافظ في شرح الحديث والله الموفق.
(1) كذا في (أ) والمثبت من (ب)، و (ط) الشاة.