الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صافية، كما مرّ في صفة الدجال، لا يجدُ ريحَ نَفَسِه أي عيسى عليه السلام، كافرٌ إلّا مات.
وأما سيرته:
فقد تقدم أنه يدقُ الصليب، ويقتل الخنزير، ويقتل القرد، ويضع الجزية فلا يُقْبَلُ إلا الإسلام، ويتحد الدين فلا يُعبَدُ إلا الله، ويَتركُ الصدقة أي الزكاة لعدم من يقبلُها وتظهر الكنوز في زمنه، ولا يرغبُ في اقتناء المال، ويرفع الشحناء والتباغض وينزع سم كل ذي سم، حتى تلعبَ الأولادُ بالحيات والعقارب فلا تضرهم، ويرعى الذئب مع الشاة فلا يضرها، ويملأ الأرض سلمًا وينعدمُ القتال، وتنبتُ الأرض نبتها كعهد آدم، حتى يجتمع النفرُ على القطف من العنب فيشبعهم وكذا الرّمّانة وترخص الخيل لعدم القتال، ويَغلو الثورُ لأن الأرض تُحرَثُ كُلُّها ويكونُ مقررًا لشريعة المصطفى صلى الله عليه وسلم، لا أنّه رسول لهذه الأمة، ويكون قد علم بأمر الله في السماء قبل أن ينزل وهو نبي، وزعم بعض العُلماء أنّ نزول عيسى عليه السلام، يرفع التكليف قالوا: لئلا يكونَ رسولًا إلى أهل ذلك الزمان يأمرهم عن الله وينهاهم، وهذا مردودٌ بالأخبار الواردة أنه مقرر لهذه الشريعة، ومجددٌ لها إذ هي آخر الشرائع ونبينا صلى الله عليه وسلم، آخر الرسل، وأيضًا فإن بقاء الدنيا إنما يكون بمقتضى التكليف، إلي أن لا يقال في الأرض الله الله. ذكره القرطبي في "التذكرة"(1).
(1)"التذكرة" ص 797.
قُلْتُ: في زعم رفع التكليف خطأ بين لكل ذي لب فإنّا لو قُلنا برفعه لكان الزنا، ومصحفيه (1) لا محذور فيها كبقية المحارم، إذ التكليف تحته الأحكام الخمسة، وهي: الواجبُ، والمسنونُ، والحرامُ، والمكروهُ، والمباح، فإذا رفعت هذه فلا بقاء لقوام العالم من غير شك. واللهُ سبحانه وتعالى أعلم.
واعلم أنّ عيسى عليه السلام من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فهو صحابيٌّ؛ لأنه اجتمع به صلى الله عليه وسلم ليلةَ، الإسراء واجتمع به في الطواف أيضًا، وقد ألغز في ذلك التاج السبكي بقوله (2):
من باتفاقِ جميعِ الخلقِ أفضلُ من
…
خير الصحابِ أبي بكر ومن عمر
ومن عليّ ومن عثمانَ فهو فتيً
…
من أمةِ المختارِ من مُضَر
قال في الإشاعة (3) كالتذكرة: إنه صلى الله عليه وسلم، قال:"وتُسلب قريش ملكها"(4).
قال ابن حجر الفقيه في "القول المختصر"(5)، وسبقه السخاوي في "القناعة" (6): معنى ذلك: لا يبقي لقُريشٍ اختصاص بشيء دونَ مراجعته، فلا يُعارضُ ذلك خبرٌ:"لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان"(7).
(1) هكذا بالأصل ولم يظهر لي معناه.
(2)
"الإصابة" 4/ 761.
(3)
الإشاعة ص 144، والتذكرة ص 788.
(4)
هذا جزء من حديث أبي رافع أخرجه ابن ماجه 1/ 1362.
(5)
"القول المختصر" ص 79 - 77.
(6)
"القناعة" ص 27.
(7)
رواه البخاري (3501)، ومسلم (1820)، وأحمد 2/ 29 (3482).
قال البرَزنجي في "الإشاعة": ويدُلُّ لما قاله حديث جابر (1) عنه عند مسلم فيقول أميرهم: تعال صل لنا فيقول: لا. إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة، وعلى هذا: فلا منافاة أن يكون المهديُ هو الأمير حتى في زمن عيسى، وتكون مراجعته في الأمور لعيسى عليه السلام على سبيل التبرك، فإن قيل: كيفَ يصحُ معنى حديث لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان، مع أنا نشاهد أن قريشًا لم تملك منذ قرون؟ قلنا: مَعْنى هذا الحديث استحقاقُ الخلافة لقريش، وإن ظلمها ظالم، ولا شك أن عيسى عليه السلام يُظهرُ كمالَ العدل فلا يجوز أن يأخذ حقهم، وبالله التوفيق. انتهي.
و (القول)(2) الذي يظهر لي أن قولَه: "لا يزالُ هذا الأمر" إلى آخره، مَعناهُ ولو مراجعة ولا شَكَّ أن قريشًا يراجعون على أن الخوارج في زماننا هذا يزعمون أنهم نُواب عن قريش، وأما سيدنا عيسى عليه السلام فلا ينبغي أن يُقال أن الأمر في زمنه للمهدي كيف وهو روح الله وكلمته؟! وذاك رجلٌ مجتهد يُصيبُ ويجوز عليه الخطأ وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، أن الأمرَ يَكونُ لعيسى عليه السلام. نعم يكون المهديُ من خواص أصحابه، بل وزيره يُراجعه في الأمور ويصدرُ عنه الشورى، وعيسي عليه السلام مجدد ومقرر لشريعة نبينا عليه الصلاة والسلام، وهذا واضح والله أعلم
(1) مسلم (247) انظر ت (2) ص (623)، ت (4) ص 625.
(2)
في (ب): (أقول).