الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فائدة: مرّ أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة، في اليوم الذي كالسنة "أتكفينا فيه صلاة يوم واحد؟ قال: لا، ولكن أقدُروا مقدارَ كُلّ يوم فصلّوا فيه خمسَ صلوات، وتقدم وقيس به اليومان الآخران وسئل عن الأيام القصار فقالوا: كيف نُصلي يا رسول الله في تلك الأيام؟ قال: تقدرون فيها للصلاة، كما تقدرونها في هذه الأيام الطوال". قال في الإشاعة (1): والظاهر أن التقدير هُنا عكس الأوّل، بأن تُصلى الخمس في مقدار يوم من هذه الأيام.
قُلْتُ: وهو منطوق الخبر، والظاهر أن صاحبَ الإشاعة ظن أن قوله كما تقدرونها في هذه الأيام الطوال: أن الطوال هي أيام الدجال التي مرّ الكلام عليها وليس كذلك، بل قوله صلى الله عليه وسلم، كما تقدرونها في هذه الأيام الطوال، أي التي أنتم فيها الآن، هذا الذي يظهر والله أعلم.
وأما كيفية النجاة منه:
فإنه معلومٌ قطعًا أنه ليس برب، كيف! وهو يأكل الطعام ويشرب الشرابَ، وهو لضعفه وخسته أعور وهُو جسم مرئي، وهذه كلها لا تجوز على البارئ. نعم الرؤيا (2) لكن في الآخرة كما ثبت ذلك، ولو كان لَهُ قوة لردَّ عينه وجعلها أحسنَ عين، رؤيت في الدنيا، وقد عُلم ممّا مَرّ أنه لا يدخل الحرمين، فينبغي لمن أدرك ذلك أن يلتجئ إلى أحدهما أو إلى المسجد الأقصى أو إلى مسجد الطور، هذا وقد صح عن حضرة الرسالة:"أن من حفظ عشر آيات من أوّل سورة الكهف، عُصم من الدجال"(3).
(1) الإشاعة ص 131.
(2)
والمراد بذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا"
(3)
رواه مسلم (809) من حديث أبي الدرداء.
وفي رواية "من آخر الكهف" رواه مسلم عن أبي الدرداء مرفوعًا وقد ورَد عن أبي أمامة مرفوعًا: "من لقيهُ منكم فليتفُل في وجهه"(1) رواه الطبراني، وممّا ينبغي للمؤمن أن يُكثر من التهليل والتسبيح والتكبير، فإنه قوته إذن كما مرّ.
واعلم أن أحاديث الدجال لا ينبغي الجهلَ بها، بل يجب العلمُ بها وقد قال ابن ماجه: سمعت الطنافسي يقول: سمعتُ المحاربي يقول: ينبغي أن يُدْفع هذا الحديث يعني حديث الدجال إلى المؤدِّب حتى يُعَلمهُ الصبيان في الكُتَّاب (2).
وقد وَرَدَ أنَّ من علامات خروجه نسيان ذكره على المنابر. وأخرج الإمام أحمد وابنَ خُزيمة وأبو يعلى والحاكم عن جابر مرفوعًا: "يخرج الدجال في خفة من الدين، وإدبار من العلم"(3) فينبغي لكل عالم، لاسيَّما في زماننا هذا الذي اشرأبَّت فيه الفتن، وكثر فيه اللغط، أن يُفشى أحاديث الدجال، لتعرفَ. قد قَرُبَ واللهِ الميقات، وظهرت العلامات، واندرس العِلمُ ومات، ونُسي الدجال فلا يذكر في ساعة من الساعات، فوالله إني في بعض الأيام لأتكلم في أحاديثه، واحذّر الحاضرين من فتنته، فإذا ببعضِ السفهاء الضالين قد خرج مُنكرًا لذلك، فَلَقَي بعضَ إخوانه الذين طمس الله على بصيرته، فقال له:
(1) رواه الحاكم 4/ 580، والطبراني في الكبير 8/ 146.
(2)
ابن ماجه 2/ 1363 (4077).
(3)
رواه أحمد 3/ 367، وابن خزيمة في التوحيد 1/ 102، والحاكم 4/ 530.
هل سمعتَ أنّ لنا ربيّن؟ فقال: لا، فقال: إنَّ فلانًا يقول إنَّ رجلاً يأتي آخر الزمان يقولُ للسّماء أمطري فتمطر، ولا يَفعلُ ذلك إلاّ ربُّ العالمين، فلا شكّ في هذا إن أدرك أيامَ الدجَّال يكن من أوليائه. فنسأل الله العافية.
خاتمة: اختلف الصحابة فَمَنْ بعدهم قديمًا وحديثًا في الدجال هل هو ابن صياد أو غيره، ولكُلِّ أدلّة. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني، في "شرح البخاري": مما يدُل على أنَّ ابن صيَّاد هُو الدجال: ما أخرجَ مسُلم عن محمد بن المنكدر، قال: رأيت جابر بن عبد الله يحلفُ بالله أنّ ابن صيّاد الدجال، فقلت له أتحلف على ذلك؟ قال: إني سمعتُ عمر يحلفُ [بالله](1) على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم[فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم](2). وأخرجه أبو داود في "سننه" وفي التذكرة (3) للقرطبى رحمه الله، عن نافع قال: كان ابن عمرَ رضي الله عنه يقول: والله ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد. وأخرجه أبو داود وإسناده صحيح (4).
وأخرج مسلم (5) عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه، قال: خرجنا
(1) ليست في (أ)، ولا (ط) ومثبتة من (ب).
(2)
ليست في (أ)، والمثبت من (ب)، و (ط).
(3)
ص 806.
(4)
أبو داود (4330)"فتح الباري" 13/ 325.
(5)
رواه مسلم (2927)(91)، وأحمد 3/ 43.
حجُاجًا أو عُمَّارً ومعنا ابن صياد قال: فنْزلنا مَنزلاً فتفوق الناس، وبقيتُ أنا وهو أي: ابن صيّاد، فاستوحشتُ منه وحشةً شديدة، مما يقالُ عليه قال: وجاء بمتاعه فوضعه مع متاعي، فقلت: إن الحرَ شديد، فلو وضعته تحت تلك الشجرة، قال: فرُفعت لنا غنمٌ فانطلقَ بَعِس (1) فقال اشرب أبا سعيدٍ، [فقلت: إن الحر شديد واللبن حار ما بي إلا أني أكره عن يده أو قال آخذ عن يده فقال: أبا سعيد] (2) من خفي عليه حديثُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خفى عنكم معشرَ الأنصارِ، ألستمُ من أعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أليس قد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "هو كافر؟ " وأنا مسلم، أوليس قد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "هو عقيمُ لا يُولَدُ له"، وقد تركت وَلدي بالمدينة، أوليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يَدْخلُ المدينة ولا مكة" فقد أقبلتُ من المدينة وأنا أريد مكة وفي رواية وقد حججت قال أبو سعيد حتى كدت أن أعذُوَه ثم قال: أما والله إني لأعرفه، وأعرفُ مولدَه، وأين هُوَ ألآن قال: قلتُ له تبًا لك سائر اليوم. وقيل له أيسرُّك أنك ذلك الرجل؟ فقال لو عُرضَ عليَّ أن أكونَ أنا هُو لم أكره وفي لفظ: ما كرهتُ قال أبو سعيد فقلت له تبًا لك سائر اليوم.
وعن ابن عُمر رضي الله عنهما قال: لقيتُ ابن صيادٍ مرتين، فذكر المرّة الأولى قال: ثم لقيته أخرى وقد نفرت عينه، قال: فقلت:
(1) العس: هو القدح الكبير، النهاية 3/ 236.
(2)
ساقطة من (أ) واستدركناها من (ب)، و (ط).
متى نفرت (1) عينُك؟ ما ترى؟ قال: لا أدري قال: قلتُ: لا تدري وهي في رأسك قال: إن شاء اللهُ خلقها في عصاك هذه، قال: فنخر كأشدِّ نخر حمار سمعتُ قال: فَزعم بعضُ أصحابي أني ضربته بعصا كانت معي حتى تكسرت، وأما أنا فوالله ما شعرت.
قال: وجاء ابن عمر حتى دخل على أم المؤمنين فحدثها، فقالت: ما تُريد إليه أما إنه قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أوَّل ما يبعثهُ الله على الناس غضبٌ يغضبه"(2).
وقال عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ذرني يا رسول الله أضربُ عُنُقَه. قال صلى الله عليه وسلم: "إن يكن هُو فلن تسلط عليه، وإن لم يكنه، فلا خير لك في قتله" ذكره في التذكرة (3) وأخرج أبو داود (4) عن جابر رضي الله عنه، قال: فُقِدَ (5) ابن صيادٍ يومَ الحرّة، وأخرج الترمذي عن أبي بكرة رضي الله عنه مرفوعًا:"يمكثُ أبو الدجال وأمه ثلاثين عامًا لا يولد لهما ولد، ثم يُولَدُ لهما أعور أضَرُّ شيءٍ وأقلُه منفعة، تنامُ عينُه ولا ينامُ قلبُه"، ثم نعتَ لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبويه: فقال: "أبوه طوالُ ضرب اللحم كأن
(1) كذا في (أ)، وفي (ط)، (ب):[فعلت].
(2)
مسلم (2932)، وأحمد (6/ 283)، والطبراني في "الكبير"(23/ 370)، وغالب الأقوال نقلها المصنف من فتح الباري 13/ 325 - 326.
(3)
البخاري (1354، 1355)، ومسلم (2930)، والترمذي (2235).
(4)
أبو داود (4332)، وابن أبي شيبة 7/ 499، وصححه الحافظ في الفتح 13/ 238.
(5)
كذا في (أ)، وفي (ب)، و (ط): فقدنا.
أنفه منقار، وأمه امرأةٌ طويلة اليدين"، قال أبو بكرة: فسمعَنَا بمولود في اليهود بالمدينة، فذَهَبْتُ أنا والزبير بن العوّام، حتى دخلْنا على أبويه فإذا نعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما، فقُلنا هل لكما ولد؟ فقال مكثنا ثلاثين عامًا لا يُولد لنا ولد ثم وُلدَ لنا غلامٌ أعور، أضرّ شيءٍ وأقلُه منفعة، تنامُ عينُه ولا ينامُ قلبُه قال: فخرجنا من عندهما فإذا هو منجدل في الشمس، في قطيفة وله جمجمة فكشفت عن رأسه فقال: ما قلتما؟ قلنا: وهل سمعتَ ما قلنا قال نعم، تنام عيني ولا ينام قلبي. قال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفُه إلا من حديث حماد بن سلمة (1).
قال القرطبي (2): قلتُ خرَّجه أبو داود الطيالسي قال: حدثنا حمادُ بنُ سلمة عن عليّ بنِ زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه وروى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن يهوديًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله عن أشياء. الحديث وفي آخره قال: فأخْبِرني عن الدجال أمن ولد آدم هو؟ أم من ولد إبليس؟ قال: "هُو من وَلد آدم وإنه على دينكم معشر اليهود"، أو كما قال.
قال الحافظ ابن حجر: هذه الأحاديث كلها ليست نصًا ولا صريحًا، في أن ابن صياد هُو الدجال لأن النبي صلى الله عليه وسلم أتى إلى المدينة، ثم لما أخبره تميم الداري جزم بأن الدجال هو ذلك المحبوس الذي رآه تميم، ويأتي حديثُه. وأمّا حلف عمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبناءً على
(1) الترمذي (2248)، الطيالسي (865).
(2)
"التذكرة"(777).
ظنه، وسكوت النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان مترددًا فيه. وأمّا حديثُ أبي بكرة فقال البيهقي في الجواب عنه: تفرَّد به عليُّ بن زيد، وليس بالقوي.
قال الحافظ ابن حجر ويوهي حديثه: أن أبا بكرة أسلم حين نزل من الطائف لمَّا حُوصرت سنة ثمان من الهجرة، وفي حديث الصحيحين أنه حين اجتمع به النبي صلى الله عليه وسلم في النخل: كانَ قد قاربَ الحُلُم، فأين يدرك أبو بكرة زمان مولده بالمدينة، وهو لم يسكن المدينة، إلَاّ قبلَ وفاة النبى صلى الله عليه وسلم بسنتين، كيفَ يتأتى أن يكونَ في الزمن النبوي كالمحتلم؟ فالذي في الصحيحين: هو المعتمدُ ثم نقَلَ البيهقيُ أنه ليس في حديث جابر أكثر من سكوت النبي صلى الله عليه وسلم، على حلف عمر فيُحتمل أنه صلى الله عليه وسلم، كان يتوقف في أمره، ثم أُخبر من عند الله أنه غيره على ما تقتضيه قصة تميم الداري (1).
قال ابن حجر: (2) وقد توهم بعضُهم أن حديثَ فاطمةَ بنتِ قيس في قصة تميم، فرد وليس كذلك، فقد رواه مع فاطمة بنت قيس أبو هريرة وعائشة (3) وجابر. أما حديثُ أبي هريرة: فأخرجه الإمام أحمد، وأبو داود وابن ماجه وأبو يعلى، وأما حديث عائشة: فهو في حديث فاطمة المذكورة عند الشعبي، قال: ثم لقيتُ القاسمَ بنَ محمد
(1)"فتح الباري"13/ 326.
(2)
"فتح الباري" 13/ 328 - 329.
(3)
انظر الطبراني في الكبير لمتابعتهم لحديث فاطمة (24/ 392، 395) من رواية عائشة وأبي هريرة، وأصل حديث فاطمة في مسلم (2942) وأبي داود (4326) شرح السنة للبغوي (4268) وأحمد (6/ 373) الحميدي (364) ابن أبي شيبة (15/ 154، 156) الإيمان لابن منده (1058).
فقال: أشهد على عائشة حدثتني كما حدثت فاطمة بنت قيس، [وأما حديثُ جابر فأخرجه أبو داود بسند صحيح (1)، وأما حديثُ فاطمةَ بنتِ قيس،](2) فأخرجه مسلم وأبو داود بمعناه، والترمذيّ وابن ماجه قال الترمذيُّ حسنٌ صحيح (3)، ولفظُ رواية مسلم (4) قالت: سمعتُ منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: الصلاةُ جامعة فخرجتُ إلى المسجد، فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا قضى صلاتَهُ جلسَ على المنبر، وهو يضحك فقال:"ليلزَمْ كُلُّ إنسانِ مُصلَاّهُ"، ثم قال:"هل تدرونَ لمِا جمعتكم؟ " قالوا: اللهُ ورسوله أعلم. قال: "إنيّ واللهِ ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعْتُكُم لأنَّ تميمًا الداري كان رَجُلاً نصرانيًا" فجاء وأسلم وحدّثني حديثًا وافق الذي كنت حدثتكم (5) به عن المسيح الدجال، حدثني أنه ركبَ في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام، فلعبَ بهم الموجُ شهرًا في البحر، فأرقئوا أي: بالهمز يعني لجؤا إلى جزيرة حين مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة وهو بضم الراء جمع قاربٍ بفتح الراء وكسرها، سفينةٌ صغيرة تكون مع الكبيرة، فيها ركاب السفينة لقضاء الحوائج قال: فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابةُ أهلب: أي غليظ الشعر كثيرة، وعند أبي داود فإذا أنا بامرأة تجر شعرها، قالوا: ويلك ما أنتِ؟ قالت: الجسّاسة أي بفتح
(1) أبو داود (4332).
(2)
ساقط من (ب).
(3)
الترمذي (2253).
(4)
الحديث بطوله عند مسلم (2942).
(5)
كذا في (أ) والمثبت في (ب)، و (ط):[أحدثكم].
الجيم، وتشديد السين الأولى سُميت بذلك لأنها تتجسس الأخبار، وقد روي عن عمرو بن العاص (1) أن هذه هي دابَّةُ الأرض التي تخرجُ آخر الزمان، فتكلمهم كما يأتي فقالت: انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى أخباركم بالأشواق، فلمّا سمَّتْ لنا رجُلًا فرقنا أي خفنا منها أن تكونَ شيطانة، قال: فانطلقنا حتى دَخلْنا الدير فإذا فيه أعظم إنسان رأيناهُ قطُ خَلقًا وأشدهُ وثاقًا مجموعةٌ يدُه إلى عنقه ما بين رُكبتيه إلى كعبه بالحديد، قلنا: ويلَك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قلنا: نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية، فأخبروه بالخبر فقال: أخبروني عن نخل بيسان بفتح الموحدة قرية بالشام، جنوبي طبرية، وناحية باليمامة وهي المرادةُ في الحديث بدليل ذكر النخيل هل يثمر؟ قلنا: نعم قال: أما أنها يوشك أن لا تثمر قال: أخبروني عن بحيرة طبرية: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء، قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب، قال: أخبروني عن عين زُغر -بضم الزاي، وفتح الغين المعجمة على وزن صُرد-، بلدة معروفة من الجانب القبلي من الشام، بينها وبين بيت المقدس ثلاثُ فراسخ على طرف البحرية، وزُغر -اسم ابنة لوط عليه السلام، كما في جامع الفنون في باب العيُون منه. هل في العين ماء وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا: نعم هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قلنا: قد خرج من مكة ونَزل يثرب،
(1) كذا في (أ)، وفي (ط):[ابن عمرو بن العاص] وفي (ب): [ابن عمر].
انظر "الإشاعة"(140) غريب الحديث للخطابي (1/ 47) بصفحات المخطوط.
قال: أقاتله العربُ، قلنا: نعم. قال: كيفَ صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يَليه من العرب، وأطاعوه قال: أما إن ذلك خير لهم أن يُطيعوه وإني مُخبرُكم. إني أنا المسيحُ وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج فأسير في الأرض، فلا أدعُ قريةً إلا هبطتُها في أربعين ليلة، غير مكة وطيبة، وهما محرمتان عليّ كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة منهما استقبلني ملك، بيده السيف صلتًا يصدني عنها وإنَّ على كُلِ نقبٍ من أنقابها ملائكة يَحرسونها، قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "وطَعن بمخصرته بكسر الميم: عصا أو قضيب يكون مع الملك أو الخطيب، يُشير بها إذا خَطب في المنبر -مُتعلق بطعن- هذه طيبة ثلاًثا: يَعني المدينة: ألا هل كنتُ أحدِّثكم؟ " قال الناس: نعم. قال: "فإنه أعجبني حديثُ تميم الداري أنه وافق الذي كنتُ حدثتكم عنه، وعن المدينة ومكة إلاّ أنه في بحر الشام، أو في بحر اليمن، إلا من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق، ما هو وأومأ بيده أنه إلى المشرق"(1).
قال القاضي عياض: لفظةُ "ما" زائدة صلة الكلام ليست نافية. والمرادُ إثباتُ أنه من قبل المشرق (2) الحديث بطوله عند مسلم، وفي بعض طرق الحديث عِند البيهقي: إنه شيخُ. وسنده صحيح قال البيهقي فيه: إن الدّجال الأكبر الذي يَخرج في آخر الزمان غير ابن صيَّاد، وإن كان ابن صياد واحد الدجّالين الكذابين الذين أخبرَ النبي صلى الله عليه وسلم، بخروجهم.
(1) مسلم (2942)، وفيه اختلاف بالسياق.
(2)
"إكمال المعلم" 8/ 502.
وكأنّ هؤلاء الذين يقولون: إن ابن صيّاد هُو الدجال، لم يسمعوا بقصة تميم، وإلا فالجمعُ بينهما بعيدٌ جدًا، إذ كيفَ يلتئم من كان في أثناء الحياة النبوية شبه المُحتلم، ويجتمع به النبي صلى الله عليه وسلم، أن يكون في آخرها شيخًا مسجونًا في جزيرة من جزائر البحر مُوثقًا بالحديد، يستفهم عن خبر النبي صلى الله عليه وسلم هل خرج أو لا قال: وأما إسلام ابن صياد، وحجه وجهادهُ فليس فيه تصريح بأنه غير الدجال، لاحتمال أنه يُختَم لهُ بالشر.
فقد أخرج أبو نعيم في "تاريخ أصبهان"، عن حسان بن عبد الرحمن عن أبيه قال: لما فتحنا أصبهان كان بين عسكرنا وبين اليهودية فرسخ فكُنا نأتيها، ونمتار منهَا، فأتيناها يومًا فإذا اليهودُ يدففون ويضربون، فسألتُ صديقًا لي منهم فقال: مَلكُنا الذي نستفتح به على العرب يدخل، فبتُ عنده على سطح فصليّتُ فلمّا طلعت الشمس، إذ الوهج من قِبَل العَسكر فنظرت فإذا هُو ابن صيّاد، فدخل المدينة فلم يعد حتى الساعة (1).
قال الحافظ ابن حجر (2): وحسان بن عبد الرحمن، ما عرفتُه والباقون ثقات. قال: وقد أخرج أبو داود (3) بسند صحيح، عن جابر قال:"فقدنا ابن صياد يوم الحرّة". ورواه غيره بسند حسن وخبر جابر
(1)"تاريخ أصبهان" 1/ 22 - 23.
(2)
الفتح 13/ 328 وكل موضع ذكر فيه.
(3)
أبو داود (4332).
هذا يضعف خبر أنه مات بالمدينة، وأنهم صَلّوا عليه، وكشفوا عن وجهه ولا يلتئم أيضًا معَ خبر حسان بن عبد الرحمن المار، إذ فتحُ أصبهان كانَ في خلافة عمر كما أخرجه أبو نعيم في تاريخها (1)، وبين قتل عمر رضي الله عنه ووقعة الحرة نحو أربعين سنة، وغاية ما يعتذر عنه، أن القصة إنما شاهدها والد حسان، بعد فتح أصبهان في هذه المدة، ويكونُ جواباً لمّا في قوله:"لما فتحنا أصبهان" محذوف تقديره: صرتُ أتعاهدها وأتردد إليها فجرتْ قصةُ ابن صياد المارة وقد أخرج الطبراني في الأوسط من حديث فاطمة بنت قيس مرفوعًا: "أن الدجال يخرجُ من أصبهان"(2). وأخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه أنه يخرج من يهودية أصبهان (3).
قال أبو نعيم: كانت اليهودية من جملة قرى اصبهان، وإنما سميت اليهودية لأنها كانت تختص بسكنى اليهود ولم تزل كذلك إلى زمن أيوب بن زياد أمير مصر في زمن المهدي بن منصور العباسي.
فسكنَها المسلمون، وبقيت لليهود منها قطعة.
هذا مُلخص كلام الحافظ ابن حجر، مع ضم فوائد من كلام
(1)"تاريخ أصبهان" 1/ 19.
(2)
الطبراني في "الكبير" 24/ 386 (957) وذكره الهيثمي في "مجمع البحرين" 7/ 309 - 310 وفي "مجمع الزوائد" 7/ 339.
وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط في حديثهما الطويل، وفيه: سيف بن مسكين، وهو ضعيف جدًا.
(3)
مسند أحمد 3/ 224.
غيره وحاصل كلامه أن الأصح: أن الدجال غيرَ ابن صياد، ووافقَهُ في الإشاعة (1) وإن وافقه ابن صياد في كونه أعور من اليهود، وأنه ساكنٌ في يهودية أصبهان، إلى غير ذلك، لكن أحاديث ابن صياد كُلها محتملة، وحديثُ الجساسة نص فيقدم.
قال في الإشاعة (2): ومما يؤيد أنه غيرُه: أن قصة تميم الداري متأخرة عن قصة ابن صياد، فهو كالناسخ له، كذا قال. قُلْتُ: لا مَدخَلَ هُنا للنسخ أصلاً، والله أعلم.
قال: ويرجحه أنه غيرُ ابن صياد: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، حينَ إخباره بأنه في بحر الشام، أو اليمن لا بل قال من المشرق، كان ابن صياد بالمدينة، فلو كان هو لقال بل هو في المدينة قال: ويؤيده ما أخرجه نعيمُ بن حماد (3) من طريق جُبير بن نفير، وشُريح بن عبيد، وعمرو الأسود وكثير بن مرة قالوا جميعًا: الدجالُ ليسَ هو إنسانٌ وإنما هُو شيطانٌ موثق بسبعين حلقة في بعض جزائر اليمن، كما تقدم. قال الحافظ ابن حجر (4): وهذا لا يمكن مع كون الدجال هو ابن صيّاد، ولعل هؤلاء مع كونهم ثقات تلقوا ذلك من بعض كتب أهل الكتاب. انتهى
قال القرطبي في التذكرة (5): وقد استدلَ مَن قال مِن العلماء أن الدجال ليس ابن صياد بحديث الجساسة، وما كان فى معناه. قال
(1) ص 141.
(2)
ص 141.
(3)
"الفتن"(2/ 541).
(4)
فتح الباري (13/ 328).
(5)
"التذكرة" 2/ 392.
والصحيح أن ابن صياد هو الدجال يدل له ما تقدم ولا يبعد أن يكون بالجزيرة ذلك الوقت، ويكون بين أظهر الصحابة في وقت آخر إلى أن فقدوه يوم الحرة، وقد أخرجَ أبو داود (1) في خبر الجساسة من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: شهد جابر أنه هو ابن صياد قلت: فإنه قد مات قال: وإن مات قلت: فإنه قد أسلم قال: وإن أسلم قلت: فإنه قد دخل المدينة قال: وإن دخل المدينة قال: وذَكَر سيفُ بنُ عمر في كتاب "الفتوح والردة"(2) ما ملخصه: أنه لا نزل المسلمون على السوس، وأحاطوا بها وناشبوهم القتال أشرف عليهم الرهبان والقسيسون فقالوا: يا مَعشَر العرب: إن مما عهد علماؤنا وأولياؤنا: أنه لا يفتح السوس إلاّ الدجال، أو قوم فيهم الدجال، فإن كان الدجال فيكم فتفتحونها، وإلا فلا تعنُوا بالحصار.
قال: وصاف ابن صياد يومئذ مع النعمان في جنده، فأتي باب السوس غضبانًا فدقه برجله، وقال انفتح فتقطعت السلاسل وتكسرت الأغلاق، وتفتحتِ الأبواب، ودخل المسلمون، وقد تقدمتْ قصة ابن صياد مع أبي سعيد (3)، فالذي حط عليه كلام القرطبي أنه صاف ابن صياد وقال العلامة في بهجته: الذي اعتمده
(1) أبو داود (4328).
(2)
انظر خبر فتح السوس في"فتح البلدان" للبلازدي ص 533 وسيأتي قصة الفتح مختلفة تمامًا وسيف بن عمر راوي القصة الموجودة هنا متهم بالكذب.
(3)
ص 598 ت (5).
المحدثون بعد الخلاف الكبير: أن الدجال هو ابن صياد اليهودي، الذي رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة. ورآه تميم بالجزيرة مع الجساسة انتهى.
قال الحافظ ابن حجر: وغاية ما يجمع به بين ما تضمنه حديث تميم، وكونُ ابن صياد هو الدجال أن الذي شافه تميم موثقًا هو الدّجّال بعينه، وأن ابن صياد شيطانه ظهر في صورة الدجال، [في](1) تلك المدة [1] التى قدر الله تعالى خروجه فيها. والله أعلم.
وزعم بعضُهم أن الدجال هو ابن شق الكاهن، أو هو شق نفسه كما تقدم قال الحافظ ابن حجر: وهذا واه (1) وفي "البهجة"(2) أن اسم الدجال عند اليهود المسيح بن داود، قال يخرج آخر الزمان فيبْلغُ سلطانُه البرَ والبحرَ، وتسير معه الأنهار وهو آية من آيات الله، قالوا: ويردُّ الملك إلينا، وكذبوا في زعمهم. انتهى.
وفي "الإشاعة"(3): فإن قيل كيفَ يحكمُ بكفر ابن صياد فضلاً عن كونه دجالاً بعد أن ثبت إسلامه، وحجه وجهادُه والأصل بقاؤه على الإسلام إلى الموت.
قلتُ: قوله في حديث أبي سعيد (4) لا يكره أن يكون دجالاً ولو عُرض عليه ذلك لقبله. يدلُ على عدم إسلامه في الباطن إذ كيفَ يرضى المسلم أن يدعي الربوبية والنبوة؟ فهذا الذي جوزّ الحكم عليه بالكفر. انتهى.
(1) فيه زيادة من الفتح [إلى أن توجه إلى أصبهان فاستتر مع قرينه إلى أن تجيء المدة" "فتح الباري" 13/ 328.
(2)
"البهجة" ص 193.
(3)
"الإشاعة" ص 142.
(4)
ص 598 ت (5).
قلْتُ: حيث ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم عليه أنه الدجال، فلا محصل للسؤال، إذ هو أعلم بحقيقة الحال، والله الموفق. ولقد كنتُ جزمتُ أن الدجال هو ابنُ صياد تبعًا لأئمة الحديث، ومضى على ذلك مدة أفُتي من سألنا عن الدجال بأنه ابن صيّاد إلى أن ظهر لي أن الدجال هو الذي أخبر تميم عنه، وقرر المصطفى ذلك، وبلغه الصحابة، وأن ابن [صياد](1) كلامه في غاية الجودة، من أن ابن صياد شيطان الدجال، كما مر على أن لي في ذلك وقفة. إذ ليسَ كونُ الدجال هو الذي في الجزيرة، وأنه شيخُ وأن ابن صياد كالمحتلم، وأنه بين ظهراني الصحابة بأعجبَ مما يأتي به الدجال من الفتن، فلعل هذا من ذاك واللهُ سبحانه وتعالى أعلم بحقيقة الحال، وإليه المرجع والمآل لا نحصى ثناء عليه عز جازه وجل ثناؤه فنعوذ بك اللهم من فتنة الدجال، ومن مُضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، فأنت حسبُنا وكفى (2).
(1) ما بين القوسين لعله ابن حجر كما في ص 610.
(2)
قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمنا الله وإياه فيما نقله عنه البغوي في (15/ 74، 75) شرح السنة، وقد اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافًا شديدًا، وأشكل أمره حتى قيل فيه كل قول، وقد يسأل عن هذا، فيقال: كيف يقارُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يدَّعي النبوة كاذبًا، ويتركه بالمدينة يُساكنه في داره، ويجاوره فيها، وما وجه امتحانه إياه بما خبأه له من آية الدخان، وقوله بعد ذلك "اخسأ فلن تعدو قدرك"؟!
قال أبو سليمان: والذي عندي أن هذه القصة إنما جرت معه أيام مهادنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود وحلفاءهم، وذلك أنه بعد مقدمه المدينة كتب بينه وبين اليهود كتابًا صالحهم فيه على أن لا يهاجموا، وأن يُتركوا على أمرهم، وكان ابن صياد منهم، أو دخيلًا في جملتهم، وكان يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وما=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= يدعيه من الكهانة، ويتعاطاه من الغيب، فامتحنه صلى الله عليه وسلم ليروز به أمره، ويختبر به شأنه، فلما كلمه، علم أنه مبطل، وأنه من جملة السحرة أو الكهنة، أو ممن يأتيه رِئي من الجن، أو يتعاهده شيطان، فيُلقي على لسانه بعض ما يتكلم به، فلما سمع منه قوله الدُّخ، زبره، فقال:"اخسأ فلن تعدو قدرك" يريد أن ذلك شيء اطلع عليه الشيطان فألقاه إليه، وأجراه على لسانه، وليس ذلك من قبل الوحي السماوي، إذ لم يكن له قدر الأنبياء الذين أوحى الله إليهم من علم الغيب، ولا درجة الأولياء الذين يُلهمون العلم، فيصيبون بنور قلوبهم الحق، وإنما كانت له تارات يُصيب في بعضها، ويخطئ في بعض، وذلك معنى قوله: يأتيني صادق وكاذب فقال له عند ذلك: "خلط عليك" فالجملة من أمره أنه كان فتنةً قد امتحن الله عباده المؤمنين {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} " وقد امتحن الله قوم موسى عليه السلام في زمانه بالعجل، فافتتن به قوم وهلكوا، ونجا مَنْ هداه الله وعصمه منهم.
وقال الإمام النووي (18/ 46 - 47) قال العلماء: قصة ابن صياد مشكلة وأمره مشتبه في أنه هل هو المسيح الدجال المشهور أم غيره، ولا شك في أنه دجال، والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوح إليه في أمره بشيء، وإنَّما أوحي إليه بصفات الدجال، وكان في ابن صياد قرائن محتملة، فلذلك كان صلى الله عليه وسلم لا يقطع في أمره بشيء بل قال لعمر"لا خير لك في قتله" ا. هـ
وقال الحافظ ابن كثير رحمنا الله وإياه في "النهاية"(1/ 104) والأحاديث الواردة في ابن صياد كثيرة وفي بعضها التوقف في أمره هل هو الدجال أم لا؟ فالله أعلم، ويحتمل أن يكون هذا قبل أن يوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الدجال وتعيينه، وقد تقدم حديث تميم الداري في ذلك، وهو فاصل في هذا المقام، وسنورد من الأحاديث ما يدل على أنه ليس بابن صياد، والله تعالى أعلم وأحكم.
وقال أيضًا (1/ 157) وقد قدمنا أن الصحيح أن الدجال غير ابن صياد، وأن ابن صياد كان دجالًا من الدجاجلة، ثم تاب بعد ذلك فأظهر الإسلام والله أعلم بضميره وسيرته. ا. هـ محل المقصود منه