المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في سرعة الحساب، وفيمن يدخل الجنة بغير حساب - البحور الزاخرة في علوم الآخرة - جـ ٢

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الكتاب الثاني في أشراط الساعة واقترابها وما يتعلق بذلك

- ‌الباب الأول في الأمارات البعيدة التي ظهرت وانقضت

- ‌ومنها كثرة الزلازل

- ‌الباب الثالث في العلامات العظام، والأمارات القريبة الجسام، التي تعقبها الساعة وفيه اثنا عشر فصلا

- ‌الفصل الأوّل: في المهدي وما يتعلق به

- ‌المقام الأوّل: في اسمه ونسبه، ومولده ومبايعته، وهجرته وحليته وسيرته

- ‌المقام الثاني: في علاماته التي يُعرف بها، والأمارات الدالة على خروجه:

- ‌ومنها: أنَّه يجتمع بسيدنا عيسى، ويصلي سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام خلفه

- ‌ومن الأمارات الدالة على خروجه:

- ‌المقام الثالث: في الفتن الواقعة قبل خروجه:

- ‌منها أنَّه يُحسر الفرات عن جبل من ذهب

- ‌تنبيه:

- ‌الفصل الثاني في الدجَّال وما يتعلق به، والكلام عليه في أربع مقامات

- ‌المقامُ الأول في اسمه ونسبه ومولده:

- ‌المقام الثاني في حليتهِ وسيرتِه:

- ‌ومن صفاته:

- ‌وأما سيرته:

- ‌المقام الثالث: في خروجه وما يأتي به من الفِتن والشبهات [ومعرفة سيره في الأرض]

- ‌أما خروجه:

- ‌المقام الرابع: في سرعة سيره في الأرض ومدّة لبُثه فيها، وكيفيّة النّجاة منه

- ‌أما سيره:

- ‌وأما كيفية النجاة منه:

- ‌الفصل الثالث في نزول سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام

- ‌المقامُ الأوّل: في سيرته وحليته:

- ‌وأما سيرته:

- ‌المقام الثاني: في وقت نزوله ومحله

- ‌المَقام الثالث: في مدته ووفاته:

- ‌الفصل الرابع في ذكر يأجوج ومأجوج وخروجهم من الفتن العظام والمصائب الجسام

- ‌المقام الأول: في نسبهم

- ‌المقام الثاني: في حليتهم وكثرتهم:

- ‌المقام الثالث: في خروجهم وإفسادهم وهلاكهم

- ‌الفصل الخامس خرابُ المدينة وخروج القحطاني والجهجاه والهيشم والمقعد وغيرهم، وكذا هدمُ الكعبة

- ‌الفصل السادس في طلوع الشمس من مغربها

- ‌تنبيهات:

- ‌الفصل السابع في خروج الدابَّة

- ‌المقصدُ الأوّل: في حليتها

- ‌المقصد الثاني: في سيرتها:

- ‌المقصد الثالث: في خروجها

- ‌الفصل الثامن خروج الدخان

- ‌الفصل العاشر في النار التي تخرج من قعر عدن، تحشرُ الناس إلى محَشرهم. وهي آخر العلامات

- ‌تتمة

- ‌خاتمة

- ‌الفصل الحادي عشر في نفخة الفزع، وما يكون فيها من تغير انتظام هذا العالم، وفساد انتظامه

- ‌الفصل الثاني عشر في نفخة الصعق وفيها هلاك كُل شيء

- ‌الكتاب الثالث في المحشر وما يتعلق به إلى أن يدخل أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ وأهلُ النارِ النَّارَ

- ‌البابُ الأول في نفخة البعث

- ‌الباب الثاني في الحَشْرِ

- ‌فصل

- ‌البابُ الثالث في الوقوف في المحشر، في شدة ما يلقاهُ الناس من الأهوال في تلك الحال

- ‌لطيفة

- ‌لطيفة

- ‌فائدة

- ‌فصلٌ في الشفاعة العظمى

- ‌فصل

- ‌الباب الرابع في ذكر الحساب، وما يليقاه العالم من شدةِ البأسِ والعقابِ

- ‌فصل في حسَابِ البْهَائم

- ‌فصل فى حساب النَّاس والإتيان بالشهود

- ‌فصل في شهادة الأعضاءِ والأزمنة والأمكنة

- ‌فصل في حساب المؤمِن ومَنْ يكلمه الله، ومن لا يكلمه

- ‌فصل في سرعة الحساب، وفيمن يدخل الجنَّة بغيرِ حساب

- ‌الباب الخامس في الميزان

- ‌فائدتان:

- ‌لطيفة:

- ‌فصل

- ‌الباب السادس في ذكر الصراطِ وهو قنطرة جهنَّم بين الجنّةِ والنّارِ وخُلق منْ حين خلقت جهنَّم

- ‌الباب السابع في الحوضِ، والكوثرِ وهما ثابتان بالكتابِ والسُّنّةِ وإجماع أهْل الحق

- ‌فصل

- ‌فصل في شفاعةِ الأنبياءِ، والملائكة، والعلماء والشهداء، والصالحين، والمؤذنين، والأولاد

- ‌فصل في سعة رحمة الله تعالى

الفصل: ‌فصل في سرعة الحساب، وفيمن يدخل الجنة بغير حساب

‌فصل في سرعة الحساب، وفيمن يدخل الجنَّة بغيرِ حساب

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [آل عمران: 199] روي أنه تعالى يحاسب الخلق في قدر حلب شاة، وفي مقدار فواق ناقة. وروي في مقدار لمحة ذكره الزمخشري في كشافه قال الحسن: حسابه أسرع من لمح البصرِ حكاه الثعلبى عنه. وقيل لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: كيف يحاسب اللهُ الخلائق يومَ القيامة؟ قال: كما يرزَقهم في يوم واحد.

وفي الحديث: "لا ينتصف النّهار [يوم القيامة] (1) حَتَّى يستقر أهل الجنةِ في الجنةِ وأهل النَّارِ في النَّارِ".

قال بعضهم: من غريب حكم الآخرة أنّ الرجل يؤتى به إلى اللهِ فيوقفه، وتوزن حسناته وسيئاته، وهو يظن أنَّ الله لمْ يحاسب أحدًا سواه، وقد حايسب في تلك اللحظةِ آلاف ألوف، وما لا يمكن حصره. قال العلامة: قلت: لعل السر في هذا وتقريبه للعقول أن معنى الحساب قال المفسرون: تعريف الله عز وجل الخلائق مقادير الجزاء على أعمالِهم، وتذكيره إياهم على ما قد نسوه. قال: وهذا قريبْ للعقل جدًا بأنْ يخلق الله في قلوبهم العلوم الضرورية بمقادير أعمالهم من الثواب والعقاب في لحظة واحدة انتهى.

(1) ليست موجودة في (أ)، وهي مثبتة في (ب).

ص: 839

قُلْتُ: والحق أنَّه سبحانه يحاسبهم حسابًا حقيقيًا، وتوزن أعمالهم وزنًا حسيًا، ويخلوا البارئ عز وجل بكلِّ عبد مِنْ عبادِه المؤمنين، ويقرره عن أعماله كما نطق بذلك الحديث الصَّحيح، والنص الصريح الثابت عن المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وأي حساب يصدر من الله لعباده حيث جعلتم الحسابَ مجرد خواطر وأوهام وتخيلات تمر بالأفهام؟!

وقد قدمنا أنَّ السماوات والأرض بالنسبة إلى الكْرسي كحلقة ملقاة في فلاة من الأرضِ مع أنّه ينزل البارئ فيضعه حيث شاء مِنَ الأرضِ فهذا العقل قد يرده لعدم تدبره مع أنَّ الحق ما صحَّ به الحديث الثابت، فالذي ندين الله به التسليم لجميع ما صَح عنه صلى الله عليه وسلم، [ولنلقى جميع ذلك بالقبول من غير طعن في شيء مما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم](1) ونحمله على حقيقته، ونكل معنى ما أشكلَ مِنْ ذلك إلى اللهِ، وأمَّا هذه التخيلات، أو أنَّ اللهَ سبحانه إذا حاسب واحدًا من خلقه فقد حاسب جميع الناس، والخلائق فالحامل عليه مجرد قصور عقل من لا يُسَلّم للشريعة المطهرة، وأمَّا من سَلّم لها فقد زال عنه الإشكال، واتضح له الحال فهو إذا سمع حديثَ المصطفى صلى الله عليه وسلم هَش له فرحا، ورقص قلبه له طربا؛ لأنَّه كلامُ طبيبِ القلوبِ المرَضَى صلى الله عليه وسلم.

وأخرجَ البزار، والطبراني بإسناد صحيح عن ابن الزبير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نوقش الحساب

(1) ما بين المعقوفتين ساقط في (أ) واستدركناه من (ب).

ص: 840

هلك" وأخرج البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي (1) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نوقش الحساب عُذَّب" فقلت: ياَ رسول اللهِ أليس يقول اللهُ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9)} [الانشقاق: 7 - 9] فقال: "إنَّما ذلك العرض وليس أحد يحاسب يوم القيامة إلَاّ هلك".

وأخرج الإمامُ أحمد (2) بإسنادٍ صحيح عن عائشة رضي الله عنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعضِ صلاته: "اللهم حَاسبني حسابًا يسيرا" فلمّا انصرف أي: فرغ مِنْ صلاته قلت: يا رسولَ اللهِ ما الحساب اليسير؟ قال: "أنْ ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه إنَّه مَنْ نوقش الحساب يَا عائشة هَلك وكلّ ما يصيب المؤمن يكفر عنه من سيئاته حَتَّى الشوكة يشاكها". وأخرج الإمام أحمد في (الزُّهد): "أوحى اللهُ إلى داود أنذر عبادي الصّديقين فلا يعجبون بأنْفسهم، ولا يتكلمون على أعمالهم فإنَّه ليس أحد مِن عبادي أنصبه للحساب، وأقيم عليه عدلي إلاّ عذبته من غير أنْ أظلمه".

وأخرج الشيخان (3) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال

(1) البخاري (103) 4939، ومسلم (2876)، والترمذي (3337) وأبو داود (3093)، وأحمد (8/ 106). مضى في ص 798 ت (2).

(2)

أحمد (6/ 48)، والطبري (30/ 115)، والحاكم (1/ 57، 255)، (4/ 249، 579).

(3)

البخاري (93)(6463)، ومسلم (2816)، انظر ت (1، 2) ص 800 من رواية عائشة وأبي سعيد.

ص: 841

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لنْ يُنجيَ أحدا منكم عملُهُ" قالوا: ولا أنت يا رسولَ اللهِ؟ قال: "ولا أنا إلَاّ أنْ يتغمَّدني اللهُ برحمة منه وفضل". وأخرجا أيضًا عن عائشة (1) رضي الله عنها، عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"سَدِّدُوا وقاربوا وأبشروا فإنَّه لا يدخَل الجنة أحدًا عملُه" قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "وَلَا أنا إلا أنْ يتغمدني اللهُ بمغفرة ورحمةٍ".

واستشكل هذا بقوله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32] وأجيب بحمل الآية على أن الجنة تنال المنازل فيها بالأعمال، وأمَّا أصل دخلوها والخلود فيها فبرحمة اللهِ عز وجل بدليل ما روي عن ابن مسعود رَضِي اللهُ عَنْة قال:"تجوزون على الصّراط بعفو الله، وتدخلون الجنة برحمة اللهِ، وتقتسمون المنازل بأعمالكم" فنسأل الله بنور ذاته المقدسة أنْ يدخلنا الجنَّة برحمته، وأن يمن علينا بالنَّظر إلى وجهه من غير سابقة عذاب، ولا محنة إنه جواد كريم رؤوف رحيم.

واعلم أنَّ طائفة مِنْ هذه الأمّة الشريفة تدخل الجنة بغير حساب، وذلك قبل حساب الخلق ووضع الموازين وأخذ الصحف فقد أخرجَ الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: "عرضت (2) عليّ الأمم يمر النبي معه الرجل، والنبى معه الرجلان، والنبي ليس معه أحد، والنبي

(1) انظر ت (1، 2) ص 801.

(2)

ورد بهامش الأصل: أي: مثلت لَهُ كما تنطبع الصورة في المرآة.

ص: 842

معه الرهط فرأيتَ سوادًا كثيرًا فرجوت أن يكون أمتي فقيل: هذا موسى صلى الله عليه وسلم وقومه ثم قيل: انظر فرأيت سوادًا كثيرًا فقيل لي: هؤلاء أمّتك ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب". فتفرق الناس، ولم يبين لهم رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، فتذاكر أصحابه، فقالوا: أمّا نحن فولدنا في الشرك، ولكن قد آمنا بالله ورسوله هؤلاء أبناؤنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون" فقام عكاشة بن محصن فقال: أنا منهم يا رسول الله وفي لفظ: (ادعو الله أن أكون منهم) قال: "نعم" ثم قام آخر فقال: أنا منهم، فقال:"سبقك بها عكاشة"(1).

قال الإمام المحقق في كتابه "الداء والدواء": قوله صلى الله عليه وسلم: "سبقك بها عكاشة" لم يرد أن عكاشة وحده أحق بذلك ممن عداه من الصحابة، ولكن لو دعا له لقام آخر وآخر، وانفتح الباب، وربما قام من لم يستحق أن يكون منهم فكان الإمساك أولى انتهى (2).

فلا يفهم من هذا يعني قوله صلى الله عليه وسلم: "سبقك بها عكاشة" أنَّ عكاشة اختص بذلك دون غيره، بل لا يريد أن الرجل الذي سأل المصطفى صلى الله عليه وسلم ليس من الذين يدخلون الجنة بغير حساب كيف؟! وهو كما فسره بعض العلماء إنه سعد بن عبادة، وأياديه في الإسلام مشهورة،

(1) رواه البخاري برقم (5752) كتاب: الطب، ومسلم برقم (220) كتاب: الإيمان.

(2)

انظر "الداء والدواء" ص: 65، فصل: لوازم الرجاء.

ص: 843

ومناقبه أَمَامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مأثورة، ومن تأمل حاله لاسيما ما صدر منه يوم أحد، وما تكلف علم أنَّه أحق بذلك من كثير من الناس، بل نظير هذا ما ذكره الإمام المحقق قول سيدنا حذيفة رضي الله عنه لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنشدك الله هل سمَاني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يعني: في المنافقَين قال: لا. ولا أزكي بعدك أحدا. قال المحقق في "الداء والدواء": سمعت شيخ الإسلام قدس الله روحه يقول: ليس مراده أي: حذيفة أني لا أبرئ غيرَك من النفاق، بل المراد أني لا أفتح عليَّ هذا الباب فكل من سألني هل سماني لكَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم فأزكيه. انتهى (1).

فهذا نظير ما تقدم وإلَاّ فحاشا أنْ يكون حذيفة رضي الله عنه لا يبرئ أكابر الصحابة من النفاق كيف؟! وقد جزم المعصوم لكثير منهم بالجنة كالعشرة، وعبد الله بن سلام، والسبطين، وأبي سفيان بن الحارث، وغيرهم والله سبحانه وتعالى أعلم.

وأخرج الترمذي وحسنه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "وعدني ربيِّ أنْ يُدْخَلَ الجنَّةَ من أمَّتي سبعين ألفا لا حسابَ عليهم ولا عذابَ، مع كلِّ ألفِ سبعون ألفًا وثلاثُ حثيات مِنْ حثيات ربي"(2).

قوله: "وثلاث حثيات من حثيات ربّي" قال في مشارق الأنوارِ:

(1) انظر "الداء والدواء" ص 64 - 65.

(2)

"سنن الترمذي" برقم (2437) كتاب: صفة القيامة. وصححه الألباني.

ص: 844

ويروى "حفنات" بالفتح وهو الغرف ملء اليدين، وقيل: الحثية باليد، والحفنة باليدين (1).

وأخرجَ الإمام أحمد، والبزار، والطبراني عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ ربيِّ أعطاني سبعين ألفًا من أَمَّتي يدخلون الجنة بغير حساب" فقال عمر: يا رسول الله هلا استزدته! قال: "قد استزدته [فأعطاني] (2) مع كل رجل سبعين ألفا" فقال عمر: هلا (3) استزدته! قال: "قد استزدته فأعطاني هكذا" وفرَّج بين يديه، وبسط باعيه، وحثا. قال هشام: هذا مِنَ اللهِ لا يُدْرَى ما عَدَدُه (4).

وأخرج الطبراني، والبيهقي عن عمرِو بن حزم الأنصاري رضي الله عنه قال: تغيب عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا لا يخرج إلَاّ إلى صَلاة مكتوبة، ثم يرجع، فلمَّا كان يوم الرابع خرجَ إلينا فقلنا يا رسول الله: احتبست عنا حَتَّى ظننا أنه حدث حدث قال: "لم يحدث إلا خير إنَّ ربي وعدني أنْ يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفا لا حساب عليهم، وإني سألت ربيِّ في هذه الثلاثة أيام المزيد فوجدت ربي ماجدًا

(1) انظر "مشارق الأنوار" 1/ 208.

(2)

ليست في (أ) وهي مثبتة في (ب).

(3)

في (ب)(فهلا).

(4)

رواه أحمد 1/ 197، والبزار في "البحر الزخار" 6/ 234 (2268).

وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" 10/ 410 وقال: رواه أحمد والبزار بنحوه والطبراني بنحوه.

ص: 845

كريما فأعطاني مع كل واحد من السبعين ألفا سبعين ألفا قلت: يا رب وتبلغ أمتي هذا؟ قال: أكمل لك العدد من الأعراب" (1).

ففي هذين الحديثين أن مع كلّ واحد من السبعين ألفا سبعين ألفا، وعامة الأحاديث سواهما مع كل ألف من السبعين ألفا سبعون ألفاء وأخرجَ البزارُ عن أنسٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يدخل الجنَّة من أمَّتي سبعون ألفًا بغير حساب" فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله زدنا. قال: "وهكذا" فقال عمر: يا أبا بكر إَنْ شاء الله أدخلهم الجنة بحفنة واحدة (2).

ومن هنا يعلم أنَّ في هذا الحديث حذف تقديره "وهكذا ثلاثًا" أي ثلاث حثيات بدليل قول عمر إن شاء الله أدخلهم الجنة بحفنة واحدة، وقد جاء ذلك مصرحًا في رواية والله أعلم (3).

(1) البيهقي في "شعب الإيمان" 1/ 252 باب: حشر الناس. وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد"10/ 410، وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

(2)

رواه البزار كما في "كشف الأستار" 4/ 209 (3548). وقال: لا نعلم أحدًا تابع أبا هلال على روايته، وإنما يروية قتادة عن غير أنس.

(3)

قال القاضي أبو يعلى رحمه الله في "طبقات الحنابلة" عبد العزيز بن جعفر المعروف بغلام الخلال (2/ 122، 123) حكى لنا أبو بكر أحمد بن إسحاق المعروف بابن سكينة الأزجي قال: حكى لنا الشيخ أبو الفضل ابن التميمي، قال حكى لي شيخ كان يسافر في طلب الحديث أنه وقع إليَّ في خبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا كان يوم القيامة يدخل الجنة سبعون ألفًا بغير حساب" قال: فسافرت كذا وكذا بلدًا أسأل هل هناك زيادة على هذا العدد، فما زادني أحدٌ، وكل يقول: هكذا سمعنا، فدخلت مدينة البصرة وسألت عن ذلك فما زادني=

ص: 846

وأخرجَ الطبراني بسند حسن عن أنس مرفوعًا قال: "إذا وقف العباد للحساب جاء قوم واضعي سيوفهم على رقابهم تقطر دما فازدحموا على باب الجنةِ فقيل: مَنْ هؤلاء؟ قيل: الشهداء كانوا أحياء يرزقون، ثم ينادي مناد: ليقم مَنْ أجره على الله فليدخل الجنة، ثم ينادي مناد الثانية: ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة. قال: ومن الذي أجره على الله؟ قال: العَافُونَ عن النَّاس. ثم ينادي الثالثة: ليقم من أجره على

= أحد فلما كان ذات يوم نمت وأنا تعب فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقبلت قدمه، فقال لي: يا فلان قد تعبت في هذا الخبر الذي سمعته عني فقلت له: أي والله يا رسول الله، فقال لي: امض إلى بغداد إلى جامع الخليفة سترى رجلًا والجبين، جهوري الصوت، فسله عن هذه المسألة، يعني أبا بكر عبد العزيز، فإنه يجيبك قال: فلم يحملني القعود حتى مضيت إلى بغداد قال: فقلت في نفسي، لا سألت أحداً عن هذا الرجل حتى أدخل الجامع وأنظر إلى الصفة التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت يوم الجمعة الجامع فسمعت صوته فإذا هو بالصفة التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن وصلت بين يديه فقال لي: اجلس، فجلست، فقال لي سراً: ألست الرجل الذي بعث بك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فوقعت عليَّ الرعدة. فوقفت حذاءه، فقلت: أيها الشيخ مسألة قال: أوسعوا للشيخ موضعاً: قلت: نعم. وأمسكت ثم قال لي: أيها الشيخ هات مسألتك، فسألت عن الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يدخل الجنة سبعون ألفًا بغير حساب" فقال لي يا أبله، أنت والذين سألتهم. حدثنا فلان عن فلان - وذكر الإسناد - أنه إذا كان يوم القيامة وحصل أهل الموقف يقول الله سبحانه وتعالى هؤلاء ولا أبالي ثلاث مرات، ويحثي ثلاث حثيات، فمن قبضته أربع عشرة سماء وأرض كحبة خردل في أرض فلاة! كم مرة سبعون ألف؟. ا. هـ. محل المقصود وما أجمل هذه الحكاية نسأل الله أن يتغمدنا بواسع رحمته ووالدينا وذرياتنا وجميع المسلمين.

ص: 847

الله فليدخل الجنة. فقام كذا وكذا ألفا فدخلوها بغير حساب" (1).

وفي مرفوع أسماء بنت يزيد: "يجمع اللهُ [النَّاسَ يومَ القيامة] (2) في صعيدٍ واحد يسمعهم الداير، وينفذهم البصر، فيقوم مناد ينادي أين الذين كانوا يحمدون الله في السّرّاء والضراء؟ فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنَّة بغير حساب، ثم يعود فينادي: أين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع؟ فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنة بغير حساب، ثم يعود فينادي: ليقم الذين كانوا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله؟ فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنة بغير حساب، ثم يقوم سائر الناسِ فيحاسبون" رواه ابن أبي الدنيا، وغيره (3)، وذكره الإمام الحافظ ابن رجب في كتابه "لطائف المعارف" قال: قد روي أنَّ المتهجدين يَدْخلون الجنة بغيرِ حساب فذكر عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"إذا جمعَ اللهُ الأوّلين والآخرين يومَ القيامةِ، جاء مناد ينادي بصوت يسمع الخلائق: سيعلم الخلائق اليوم من أولى بالكرم". فذكر الحديث.

قال الحافظ ابن رجب في اللطائف: ويروى يعني: هذا الحديث عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس من قوله ويروى نحوه من حديث أبي إسحاق عن عبدِ اللهِ بن عطاء، عن عقبة بن عامر مرفوعًا وموقوفًا، ويروى نحوه أيضًا عن عبادة بن الصامت، وربيعة الحرشي، والحسن،

(1) رواه الطبراني في "الأوسط" 2/ 285 (1998).

(2)

كذا في (أ). وفي (ب)(يوم القيامة الناس).

(3)

رواه هناد في "الزهد" 1/ 134 (176) التهجد لابن أبي الدينا (341).

ص: 848

وكعب من قولهم. قال في اللطائف: قال بعضُ السَّلفِ: قيامُ الليل يهوّن طول قيام يوم القيامة. قال: وإذا كان أهله يسبقون إلى الجنة بغير حساب فقد استراح أهله من طول الوقوف للحساب. والله أعلم.

وأخرجَ البزار عن زيد بن أرقم مرفوعًا: "ما ابتلي عبد بعد ذهاب دينه بأشد من بصره، ومن أبتلي ببصره فصبر حَتَّى يلقى الله، لقي الله ولا حساب عليه"(1).

وأخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه، ثم صبرَ عوضته منهما الجنَّة" يريد: عينيه (2). وفي حديث جابر: "مَنْ ماتَ في طريق مكة ذاهبًا، أو راجعًا لم يعرض، ولم يحاسب"(3).

وفي حديث أبي هريرة: يا رسولَ الله هَلْ فينا رجل يدخل الجنة بغير حساب؟ قال: "نعم كلّ رحيم صبور". وفي حديث أبي أيوب الأنصاري مرفوعًا: "طالب العلم، والمرأة المطيعة لزوجها، والولد

(1) رواه البزار في "كشف الأستار" 1/ 366 (770).

وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 308: رواه البزار، وفيه: جابر الجعفي، وفيه كلام كثير وقد وثق.

(2)

"صحيح البخاري" برقم (5653) كتاب: فضل من ذهب بصره.

(3)

رواه ابن عدي في "الكامل" 1/ 556 ترجمة "إسحاق بن بشر" وقال عن إسحاق هو في عداد من يضع الحديث.

والحارث كما في "بغية الباحث"(350) كتاب: الحج.

وقال الألباني في "الضعيفة"(2804): موضوع.

ص: 849

البار بوالديه يدخلون الجنة بغير حساب" (1). وفي حديث أبي هريرةَ مرفوعًا: "إنَّ شدة الحسابِ لا تصيب الجائع إذا احتسب" (2).

وفي حديث أنس مرفوعًا: "من مشى في حاجة أخيه المسلم كتب الله له بكلِّ خطوة عبادة سبعين سنة، فإن قضيت خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وإن هلك فيما بين ذلك دخل الجنة بغير حساب"(3). وعائشة مرفوعًا: "من ربى صبيًا حَتَّى يقول: لا إله إلا الله لم يحاسبه الله"(4). وعطاء مرفوعًا: "ما من مسلم أو مسلمة يموت ليلة الجمعة إلا وقي عذاب القبر، وفتنة القبر، ولقي الله ولا حساب عليه". وتقدم والله أعلم (5).

(1) رواه الرافعي في "تاريخ قزوين" 1/ 255 - 256. وقال الألباني في "لضعيفة" (3253): حديث موضوع، ظاهر البطلان.

(2)

رواه البيهقي في "الشعب" 7/ 314 (10425) باب: في الزهد وقصر الأمل. والديلمي في "الفردوس" 5/ 348 (8393).

(3)

رواه أبو يعلى في "مسنده" 5/ 175 - 176 (2789) وذكره الهيثمي في "المجمع" 8/ 190، وقال: رواه أبو يعلى، وفيه: عبد الرحيم بن زيد العمِّي وهو متروك.

(4)

رواه الطبراني في "الصغير" 2/ 23 (711). وابن عدي في "الكامل" 4/ 304 ترجمة "الشاذكوني": وقال منكر بهذا الإسناد، ولعل البلاء فيه من أبي عمير هذا؛ فإنه ضعيف. وقال الألباني في "الضعيفة" (114): موضوع.

(5)

وقفت على هذا الحديث من طريق عبد الله بن عمرو عند "الترمذي" برقم (1074) كتاب: الجنائز، باب: فيمن مات يوم الجمعة. وقال أبو عيسى: حديث غريب ورواه أحمد في "مسنده" 2/ 169. وقال الألباني في "صحيح الترمذي": حسن.

ص: 850