المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب السابع في الحوض، والكوثر وهما ثابتان بالكتاب والسنة وإجماع أهل الحق - البحور الزاخرة في علوم الآخرة - جـ ٢

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الكتاب الثاني في أشراط الساعة واقترابها وما يتعلق بذلك

- ‌الباب الأول في الأمارات البعيدة التي ظهرت وانقضت

- ‌ومنها كثرة الزلازل

- ‌الباب الثالث في العلامات العظام، والأمارات القريبة الجسام، التي تعقبها الساعة وفيه اثنا عشر فصلا

- ‌الفصل الأوّل: في المهدي وما يتعلق به

- ‌المقام الأوّل: في اسمه ونسبه، ومولده ومبايعته، وهجرته وحليته وسيرته

- ‌المقام الثاني: في علاماته التي يُعرف بها، والأمارات الدالة على خروجه:

- ‌ومنها: أنَّه يجتمع بسيدنا عيسى، ويصلي سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام خلفه

- ‌ومن الأمارات الدالة على خروجه:

- ‌المقام الثالث: في الفتن الواقعة قبل خروجه:

- ‌منها أنَّه يُحسر الفرات عن جبل من ذهب

- ‌تنبيه:

- ‌الفصل الثاني في الدجَّال وما يتعلق به، والكلام عليه في أربع مقامات

- ‌المقامُ الأول في اسمه ونسبه ومولده:

- ‌المقام الثاني في حليتهِ وسيرتِه:

- ‌ومن صفاته:

- ‌وأما سيرته:

- ‌المقام الثالث: في خروجه وما يأتي به من الفِتن والشبهات [ومعرفة سيره في الأرض]

- ‌أما خروجه:

- ‌المقام الرابع: في سرعة سيره في الأرض ومدّة لبُثه فيها، وكيفيّة النّجاة منه

- ‌أما سيره:

- ‌وأما كيفية النجاة منه:

- ‌الفصل الثالث في نزول سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام

- ‌المقامُ الأوّل: في سيرته وحليته:

- ‌وأما سيرته:

- ‌المقام الثاني: في وقت نزوله ومحله

- ‌المَقام الثالث: في مدته ووفاته:

- ‌الفصل الرابع في ذكر يأجوج ومأجوج وخروجهم من الفتن العظام والمصائب الجسام

- ‌المقام الأول: في نسبهم

- ‌المقام الثاني: في حليتهم وكثرتهم:

- ‌المقام الثالث: في خروجهم وإفسادهم وهلاكهم

- ‌الفصل الخامس خرابُ المدينة وخروج القحطاني والجهجاه والهيشم والمقعد وغيرهم، وكذا هدمُ الكعبة

- ‌الفصل السادس في طلوع الشمس من مغربها

- ‌تنبيهات:

- ‌الفصل السابع في خروج الدابَّة

- ‌المقصدُ الأوّل: في حليتها

- ‌المقصد الثاني: في سيرتها:

- ‌المقصد الثالث: في خروجها

- ‌الفصل الثامن خروج الدخان

- ‌الفصل العاشر في النار التي تخرج من قعر عدن، تحشرُ الناس إلى محَشرهم. وهي آخر العلامات

- ‌تتمة

- ‌خاتمة

- ‌الفصل الحادي عشر في نفخة الفزع، وما يكون فيها من تغير انتظام هذا العالم، وفساد انتظامه

- ‌الفصل الثاني عشر في نفخة الصعق وفيها هلاك كُل شيء

- ‌الكتاب الثالث في المحشر وما يتعلق به إلى أن يدخل أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ وأهلُ النارِ النَّارَ

- ‌البابُ الأول في نفخة البعث

- ‌الباب الثاني في الحَشْرِ

- ‌فصل

- ‌البابُ الثالث في الوقوف في المحشر، في شدة ما يلقاهُ الناس من الأهوال في تلك الحال

- ‌لطيفة

- ‌لطيفة

- ‌فائدة

- ‌فصلٌ في الشفاعة العظمى

- ‌فصل

- ‌الباب الرابع في ذكر الحساب، وما يليقاه العالم من شدةِ البأسِ والعقابِ

- ‌فصل في حسَابِ البْهَائم

- ‌فصل فى حساب النَّاس والإتيان بالشهود

- ‌فصل في شهادة الأعضاءِ والأزمنة والأمكنة

- ‌فصل في حساب المؤمِن ومَنْ يكلمه الله، ومن لا يكلمه

- ‌فصل في سرعة الحساب، وفيمن يدخل الجنَّة بغيرِ حساب

- ‌الباب الخامس في الميزان

- ‌فائدتان:

- ‌لطيفة:

- ‌فصل

- ‌الباب السادس في ذكر الصراطِ وهو قنطرة جهنَّم بين الجنّةِ والنّارِ وخُلق منْ حين خلقت جهنَّم

- ‌الباب السابع في الحوضِ، والكوثرِ وهما ثابتان بالكتابِ والسُّنّةِ وإجماع أهْل الحق

- ‌فصل

- ‌فصل في شفاعةِ الأنبياءِ، والملائكة، والعلماء والشهداء، والصالحين، والمؤذنين، والأولاد

- ‌فصل في سعة رحمة الله تعالى

الفصل: ‌الباب السابع في الحوض، والكوثر وهما ثابتان بالكتاب والسنة وإجماع أهل الحق

‌الباب السابع في الحوضِ، والكوثرِ وهما ثابتان بالكتابِ والسُّنّةِ وإجماع أهْل الحق

قالَ الله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} [الكوثر: 1] وقال الجلال السيوطي في كتابه "البدور السافرة"(1): قد وَرَدَ ذكر الحوض من رواية بضع وخمسين صحابيًا منهم الخلفاء الأربعة، وأبيّ بن كعب، وأنس، والبراء بن عازب، وجابر، وأبي هريرة، وعائشة، وأم سلمة. وذكر بقيتهم.

قال في "التذكرة"(2): ذهَبَ صَاحبُ "القوت" إلى أنَّ الحْوض بعد الصراط والصحيح أنَّه قبله. وهكذا قال الغزالي: ذهبَ بعضُ السلفِ إلى أنَّ الحْوضَ يورد بعد الصراط وهو غلط من قائله. قال: القرطبي والمعنى يقتضي تقديم الحوض على الصراط فإنَّ النَّاسَ يخرجون عَطاشا مِنْ قبورِهم كما تقدم فناسب تقديمه.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوقوف بين يدي ربّ العَالمين: هل فيه ماء؟ قال: "إي والذي نفسي بيده إنَّ فيه لماء، وإنَّ أولياءَ اللهِ ليردون إلى حياض الأنبياء عليهم السلام"(3).

(1)"البدور السافرة"(215).

(2)

(1/ 457).

(3)

"الحلية"(7/ 352) كما ذكره في "التذكرة" للقرطبي (1/ 458).

ص: 887

وأخْرَجَ الشيخان عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيَض من اللبن، وريحهْ أطيب مِنَ المْسك، وكيزانه كنجومِ السَّماءِ، مَنْ شرب منه لا يظمأ أبدًا" وفي رواية-: "حوضي مسيرة شهر، وزواياه سواء (1)، وماؤه أبيض من الوَرِق". وهي عندهما أيضا.

وأخرجَ الإمامُ أحمد بسند صحيح، وابن حبان في صحيحه واللفظ للإمام أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه أنَّ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ اللهَ وعَدَني أنْ يُدخِلَ مِنْ أمَّتي سبعين ألفًا بغيرِ حسابٍ" فقال يزيد بن الأخنس: واللهِ ما أولئك في أمَّتِكَ إلا كالذُّبابِ الأصهب (2) في الذباب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد وعدني سَبْعِينَ ألفًا مع كُلً أَلفٍ سبعون ألفا، وزادني ثلاثَ حثيات". قال: فما سعة حوضك يا رسول الله؟ قال: "كما بين عَدَنَ إلى عُمَان، وأوسع وأوسع" يشير بيده قال: "فيه مُثعُبان" بضم الميم والعين المهملة بينهما مثلثة وآخره موحدة هو مسيل الماء قاله الحافظ المنذري: "مِنْ ذهب" أي ذلك المثعبان من ذهب: "وفضَّةٍ" قال: فما حوضك يا نبيَّ اللهِ؟ قال: "أشدُّ بياضاً منَ اللبنِ، وأحْلىَ مِنَ العسلِ، وأطيب رائحة من المسك، مَنْ شربَ منه شربة لم يظمأْ بعدها أبدًا، ولم يسود وجهه أبداً (3) ".

(1) ورد بهامش الأصل: قوله: سواء: أي: عرضه مثل طوله لا يزيد أحدهما عن الآخر. أخرجه البخاري (6579)، ومسلم (2292).

(2)

ورد بهامش الأصل: أي: الأشقر الذي يميل إلى الحمرة.

(3)

أحمد (5/ 251، 268)، وابن حبان (6457، 7246)، وابن أبي عاصم =

ص: 888

وأخرجَ مسلم عن ثوبان رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"إني لبِعُقْرِ حوضي" أي: مؤخره وهو بضم العين وإسكان القاف "أذودُ النَّاسَ لأهْل اليمنِ" أي: أطردهم وأدفعهم ليرد أهل اليمن قاله ابن المنذر "أضربُ بعصاي حَتَّى يرفض عليهم" فسُئِل عن عَرضِه؟ فقال: "من مقامي إلى عمان". وسُئِل عن شرابه؟ فقال: "أشدُّ بياضاً مِنَ اللَّبَن، وأحْلى مِنَ العْسلِ يَغُت" أي: بغين معجمة مضمومة ثم مثناة فوق أي: يجريان "فيه ميزابانِ يمدَّانِهِ مِنَ الجْنَّةِ، أحدُهمُا من ذهبِ، والآخر من وَرِقٍ"(1).

وروى الترمذي، وابن ماجه، والحاكم وصححه عن أبي سلام الحبشي قال: بعث إليّ عمر بن عبد العزيز فَحُمِلت على البريد فلمَّا دخلت إليه قلت: يا أمير المؤمنين لقد شق عليّ مركبي البريد فقال: يا أبا سلام ما أردتُ أنْ أشق عليكَ ولكن بلغني عنك حديثٌ تحدثه عن ثوبان، عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الحوض فأحببتُ أن تشافهني به فقلت: حَدَّثَنَي ثوبان أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "حوضي مثل ما بين عدن إلى عمان البلقاء ماؤه أشد بياضاً من الثلج، وأحلى منَ العْسل، وأكوابه عدد نجوم السماء، مَن شربَ منه شربةً لم يظمأ بعدها أبداً، أوّل النَّاسِ

= في السنة (588، 729) وفي "الآحاد والمثاني"(1247، 1248)، والطبراني في الكبير (7672، 7675)، والبيهقي في "البعث والنشور"(134).

(1)

مسلم (2301)، "الأجري في الشريعة" ص (353)، والبيهقي في "البعث والنشور"(133)، وأبو عوانة كما في "إتحاف المهرة"(3/ 49).

ص: 889

وروداً عليه فقراء المهاجرين الشعث رءوساً" أي: البعيد عهدا بدهن رأسه، وغسله، وتسريح شعره. "الدنس ثياباً" أي: الوسخ ثيابًا وهو بضم الدال والنون جمع دنس. "الذين لا ينكحون المنَعَّمَات، ولا تفتح لهم الأبواب السدد". فقال عمر: قد نكحت المنعمات فاطمة بنت عبد الملك، وفتحت لي الأبواب السدد ولا جرم لا أغسل رأسي حَتَّى يشعث، ولا ثوبي الذي يلي جسدي حَتَّى يتسخَ (1).

وأخرجَ الإمام أحمد بإسنادٍ حسن عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "حوضي كما بين عدن وعمان أبَرد من الثلج، وأحلى منَ العْسل، وأطيب ريحًا من المسك أكوابه مثل نجوم السماء، مَنْ شربَ منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، أوّل الناسِ عليه وروداً صعاليك المهاجرين". قال قائل: من هم يا رسول اللهِ؟ قال: "الشعثة رؤوسهم الشحبة" أي: بفتح الشين المعجمة وكسر المهملة بعدها موحدة المتغيرة "وجوهم" وذلك من جوع أو هزال أو تعب "الدنسة" أي: الوسخة ثيابهم "ثيابهم لا تفتح لهم السدد" أي: الأبواب المغلقة وذلك لإهانتهم عند الناس وعدم اْكتراثهم بهم "ولا ينكحون المنعمات الذين يعطون كلّ الذي عليهم ولا يأخذون كلّ الذي لهم"(2).

(1) الترمذي (2444)، وابن ماجه (4303)، والحاكم (4/ 184)، والبيهقي في الشعب (10485) وفي البعث (135)، والطيالسي (995)، والطبراني في "الأوسط"(398)، وابن أبي عاصم في السنة (706، 7007، 747، 749)، والطبراني في "الكبير"(1437).

(2)

وواه أحمد 2/ 132.

ص: 890

وعند الطبراني بإسنادٍ حسن في المتابعات عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"حوضي كما بين عَدَن وعمَان فيه أكاويب" جمع كوب وهو كوز لا عروة له، وقيل: لا خرطوم له. فإذا كان له خرطوم فهو إبريق. "عدد نجوم السماء، مَن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً"(1) الحديث.

وعن أنس رضي الله عنه أنَّ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "ما بين ناحيتي حوضي كما بين صَنعاء والمدينة" وفي رواية: "مثل المدينة وعمان". وفي رواية "يرى (2) فيه أباريق الذهب والفضة كعدد نجوم السماء". زاد في رواية: "وأكثر من عدد نجوم السماء" رواه البخاري، ومسلم، وغيرهما (3).

وفي صحيح البخاري من حديث همام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أنا أسير في الجْنةِ إذ أنا بنهر حاَفتاه قباب اللؤلؤ المجوف فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربّك. قال: فضرب الملك فإذا طينه مسك أذفر"(4).

وفي صحيح مسلم عنه مرفوعًا: "الكوثر نهر في الجنة وَعَدَنِيه ربِّي عز وجل"(5).

وفي "حادي الأرواح" للإمام المحقق ابن القيم قدس الله روحَه

(1) الطبراني في الكبير (8/ 119) رقم 7546 قال في المجمع (10/ 366) رجاله وثقوا على ضعف في بعضهم.

(2)

ليست موجودة في (ب).

(3)

البخاري (3570)، ومسلم (400).

(4)

البخاري (6581).

(5)

صحيح مسلم (400).

ص: 891

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلتُ الجنَّةَ فإذا بنهر يجري حَافتاه خيام اللؤلؤ فضربت بيدي إلى ما يجري فيه من (1) الماء فإذا أنا بمسك أذفر فقلت: لمن هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله عز وجل"(2).

وفي سنن الترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكوثر نهر في الجنةِ حافتاه (3) من ذهب، ومجراه على الدر والياقوت، تربته أطيب مِنَ المْسكِ، وماؤه أحلى من العسلِ، وأبيض من الثلج" قال الترمذي: حديث حسن صحيح (4).

تنبيه: قال في التذكرة (5): الصحيح أنَّ للنَّبي صلى الله عليه وسلم حوضين أحدهما: في الموقف قبل الصراط والثاني في الجنةِ (6) وكلاهما يسمى كوثرًا والكوثر (7) في كلامِ العرب الخير الكثير.

(1) في (أ)(يجري من فيه) والمثبت من (ب).

(2)

البخاري (4964).

(3)

ورد بهامش الأصل: أي: جانباه من الذهب. أي: حقيقة، أو مثله في النضارة والضياء، وقوله: ومجراه عَلىَ الدر .. إلخ، لا يعارضه أن طينه المسك، بجواز كونه تحته أي: المسك، أي: تحت الدر.

(4)

رواه أحمد 2/ 67، والترمذي (3361)، وابن ماجه (4334).

(5)

"التذكرة" 1/ 368.

(6)

ورد بهامش الأصل: وهو أصل مادة الحوض لأنه يصب فيه كما في البخاري، أفاده المناوي.

(7)

ورد بهامش الأصل: فيشمل قوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} ما أعطي صلى الله عليه وسلم من العلم والعمل وشرف الدارين والنهر الذي في الجنة لكثرة أتباعه وعلماء أمته.

ص: 892

قال الجلال السيوطي (1): وقد وَرَدَ التصريحُ في حديث صحيح عند الحاكم وغيرِه بأن الحوضَ بعد الصراط ورجحه القاضي عياض قال السيوطي: فإنْ قيلَ: إذا خلصوا من الموقف دخلوا الجنةَ فلم يحتج إلى الشرب منه. قلتُ: كلا بل هم محبوسون هناك لأجل المظالم فكان الشرب في موقف القصاص. ويحتمل الجمع بأنْ يقعَ الشربُ مِنَ الحْوضِ قبل الصراط لقوم وتأخيره بعده لآخرين بحسب ما عليهم من الذنوب حَتَّى يهذبوا منها على الصراط ولعل هذا أقوى. اْنتهى.

قال العلامة في "البهجة لا: هذا كلام في غاية التحقيق جامع للقولين وهو دقيق. اْنتهى.

قال القرطبي في التذكرة (2): ولا يخطر ببالِكَ أو يذهبُ وهمك إلى أنَّ هذا الحوضَ يكون على وجه هذه الأرض وإنَّما يكون وجودُه على الأرض المبدلة على مسافات هذه الأقطار، وفي المواضع التي تكون بدلاً من هذه المواضع في هذه الأرض، وهي أرض بيضاء كالفضة لم يُسفك عليها دمٌ، ولم يظلم على ظهرها أحد قط كما تقدم.

لطيفة: أخرجَ ابن أبي الدُّنيا (3) عن ابن مسعود رضي الله عنه: "يحشر النَّاسُ يومَ القيامةِ أعرى ما كانوا قط، وأجوع مَا كانوا قط، وأظمأ ما كانوا قط، وأنصب ما كانوا قط فمن كسا لله كساه اللهُ، ومن

(1) البدور السافرة 240.

(2)

"التذكرة" 1/ 371.

(3)

ابن أبي الدنيا في "اصطناع المعروف" رقم (30) وله شاهد من حديث أبي سعيد في "اصطناع المعروف" رقم (31).

ص: 893

أطعم لله أطعمه الله، ومن سقا لله أسقاه الله، ومَنْ عملَ للهِ أغناه الله، ومن عفا لله أعفاه الله".

وأخرجَ ابن خريمة (1)، والبيهقي عن سلمان مرفوعًا:"مَنْ يسقي صائماً للهِ سقاه اللهُ مِنْ حوضي شربةً لا يظمأ حَتَّى يَدْخل الجنة".

وأخرجَ الحاكمُ (2) عن أبي هريرةَ مرفوعًا: "مَنْ أتاه أخوه منتصلاً" أي: معتذرًا. "فليقبل (3) ذلك منه محقاً كان ذلك أو مبطلا فإنْ لم يفعلْ لم يرد الحْوضَ".

وأخرجَ الطبراني عن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: "مَنْ أعتذر إلى أخيه المسلم فلم يقبل عذرَه لم يرد على الحوض"(4).

تنبيه: قال القرطبي (5): ظن بعض النَّاسِ أن هذه التحديدات في أحاديث الحوض اْضطراب واختلاف. قال: وليس كذلك وإنَّما تحدث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث الحوض مرات عديدة وذكرَ فيها تلك الألفاظ المختلفة مخاطبًا لكلِّ طائفة بما كانت تعرف من مسافات مواضعها فيقول لأهْلِ الشَّامِ: ما بين أدرج وحرباء، ولأهلِ اليمنِ: من صنعاء إلى عدن. وتارة يقدر بالزمان فيقول: مسيرة شهر والمقصود

(1) ابن خزيمة (1887) وفيه على بن زيد بن جدعان ضعيف.

(2)

الحاكم (4/ 154) من طريقين أحدهما شديد الضعف لأن في إسناده على بن قتيبة روى الأباطيل عن مالك بن أنس والآخر فيه سويد أبي حاتم ضعيف.

(3)

كذا في (أ) والمثبت في (ب) فليقل.

(4)

"المعجم الأوسط" 6/ 241 (6295).

(5)

"التذكرة"(1/ 460) في باب ما جاء في حوض النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 894

أنَّه حوضٌ كبير متسع الجوانب والزوايا وكان ذلك التحديد بحسب من [حضره](1) ممن يعرف تلك الجهات فيخاطب كلّ قومٍ بالجهةِ التي يعرفونها اْنتهى. وسيأتي للكلامِ على الحْوضِ تتمة في صفات الجنَّةِ إنْ شاء الله تعالى.

تتمة: اعلمْ أنَّ لكل نبي حوضًا كما ورد ذلك في الأخبارِ، والأحاديث، والآثار فقد أخرجَ الترمذي عن سمرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لكلِّ نبي حوضًا، وأنَّهم يَتباهون أيهم كثر واردا، وإنِّي أرجو أنْ أكون أكثرهم واردا" قال الترمذي: حديث حسن غريب (2). وَوَرَدَ في بعضِ الأخبارِ: "لكلِّ نبي حوض إلا صالحا فإنَّ حوضَه ضرُع ناقته". وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "وإنَّ أولياءَ اللهِ ليردون إلى حياضِ الأنبياءِ"(3).

(1) ليست في (أ) واستدركناها من (ب).

(2)

"الترمذي"(2443)، والطبراني في "الكبير"(6881)، وابن أبي عاصم في السنة (734)، وصححه الألباني.

(3)

"الحلية" 7/ 352.

ص: 895

الباب الرابع (1) في الاْنصراف مِنَ الموقفِ، وذكر شفاعة النَّبي صلى الله عليه وسلم الخاصة، وشفاعة بقية الأنبياء، والعلماء، والصالحين

قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا} [الزلزلة: 6]

قال المفسرون: يصدرون مِنْ موقفِ الحْسابِ فيأخذ أهْل الجنةِ ذات اليمين، وأهل النار ذات الشمال. وذكر الثعلبي في قوله تعالى:{يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85)} [مريم: 85]: عن عليّ رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: "إذا حان الاْنصراف من بين يدي اللهِ تعاَلى تلقت الملائكة المؤمنين بنوقٍ بيض رحالها وأزمتها الذهب على كلِّ مركبٍ حلة لا تساويها الدُّنيا فيلبس كلُّ مؤمنٍ حلتَهُ ثُمَّ يستوون على مراكبهم فتهوي بهم النوق حَتَّى تنتهي بهم إلى الجنةِ فتتلقاهم الملائكة: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73].

وقد ورد من قول [(2) على رضي الله عنه: ما يحشرون والله عَلَى أرجلهم ولكن عَلىَ نوقٍ رحالها ذهب ونجائب سرجها يواقيت إن هَمُّوا بها سارت وإن نَهِمُوها صَارت.

وأما ما يجدون من ريح الجنة قبل الوصل إليها ففي حديث أبي

(1) ورد بهامش الأصل: قوله الرابع: ولعله الثامن وهو سبق قلم منه رحمه الله تعالى.

(2)

بداية سقط ينتهي في ص 901 والأثر عن على ذكره في الدر المنثور على تفسير آية سورة مريم (85).

ص: 897

هريرة: "إن ريحها يوجد من مسيرة خمسمائة عام"(1). وعن جابر رضي الله عنه: "ألف عام"(2).

وعن على رضي الله عنه: إن أهل الجنة يجدون على باب الجنة شجرة يخرج من تحت ساقها عينان يعمدون إلى أحدهما فيتطهرون فيجري عليهم نضرة النعيم فلن تتغير نضارتها بعدها أبدًا كأنما دهنوا بالدهن ثمَّ يعمدون إلى الأخرى فيشربون منها فيذهب ما في بطونهم من أذى وقذى وتتلقاهم الملائكة عَلىَ أبواب الجنة يقولون: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} [الزمر: الآية 73] أو كما قَالَ (3).

وهل يجدون أبواب الجنة مفتحة أو لا؟

فيه خلاف بين العلماء، فقيل: مفتحة واحتجوا بقوله تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50)} [ص: الآية 50] فظاهر هذه الآية أنَّ أبوابها مفتحة.

وقيل: بل مغلقة لقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}

(1) مسلم (2128)، وأحمد (2/ 355 - 356، 440)، والبغوي (2578)، والبيهقي (2/ 234).

(2)

الطبراني في "الأوسط" ذكره في المجمع (8/ 148)، قال الهيثمي رواه الطبراني في "الأوسط" من طريق محمد بن كثير عن جابر الجعفي وكلاهما ضعيف جدًا "صفة الجنة" لأبي نعيم (2/ 40).

(3)

ابن أبي شيبة (13/ 112، 113، 114)، "الزهد" لابن المبارك (509، 510)، وابن جرير (24/ 24)، و"البعث" للبيهقي (246)، "صفة الجنة" لابن أبي الدنيا (7)، قال العقيلي: حديث غير محفوظ "الضعفاء الكبير"(1/ 86) قال ابن كثير عند تفسير آية (85) مريم: حديث غريب جداً وانظر "الدر" عند تفسير آية (85) مريم. انظر ص 1055.

ص: 898

وظاهر هذه الآية أنهم يجدونها مغلقة ثمَّ تنفتح لهم.

قَالَ أهل القول الأول: بل يجدونها مفتحة حتَّى لا يقفوا هناك؛ لأن دار الفرح والسرور لا تغلق بخلاف أهل النار فإنهم يجدونها مغلقة الأبواب كما هو حال السجون فيقفون هناك حتَّى تفتح لهم مهانة لهم قَالَ بعضهم: يرد عَلىَ هذا قوله صلى الله عليه وسلم "أنا أول من يفتح باب الجنة"(1). وفي الحديث: "آتي باب الجنة فأستفتح فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد. فيقول: لك أمرت ألا أفتح لأحدِ قبلك"(2). رواه الإمام أحمد ومسلم عن أنس رضي الله عنه.

والجواب أنه صلى الله عليه وسلم يسبقهم إلى الجنة فيفتحها لهم، فيأتي أهلها بعد ذلك فيجدونها مفتحة، ثمَّ إنهم يزدحمون عَلىَ أبواب الجنة، وفي الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: "باب أمتي الذي يدخلون منه عرض مسيرة الراكب المجد ثلاًثا ثمَّ إنهم ليضغطون عليه

(1) أبو يعلى (6651) وذكره الهيثمي في "المجمع"(8/ 162) باب ما جاء في الأيتام والأرامل والمساكين، وقال: رواه أبو يعلى وفيه عبد السلام بن عجلان، وثقه أبو حاتم، وابن حبان وقال: يخطئ ويخالف، وبقية رجاله ثقات وضعفه البوصيري بعبد السلام بن عجلان، انظر "إتحاف الخيرة"(2/ 139).

(2)

من رواية أنس، مسلم (197) أحمد (3/ 136) والبغوي في السنة (4339)"صفة الجنة" لأبي نعيم (83)، ومن رواية ابن عباس الترمذي (3616)، والدارمي (48)"صفة الجنة" لأبي نعيم (83) ومن رواية أبي هريرة عند أبي نعيم في "صفة الجنة"(184) أسكننا الله إياها ووالدينا وذرياتنا ومشائخنا وجميع إخواننا المسلمين، انظر ت (1) ص 953.

ص: 899

حتَى تكاد مناكبهم تزول" (1).

وفي صحيح مسلم (2) عن عتبة بن غزوان قَالَ: ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام فتتلقاهم الغلمان. قَالَ الثعلبي (3) عن على كرم الله وجهه: إنهم إِذَا اْغتسلوا تلقتهم الملائكة قَالَ: وتلقى كل غلمان صاحبهم يطوفون به ويقولون: أبشر فقد أعدّ الله لك كذا وكذا، فينطلق غلام من غلمانه يسعى إلى أزواجه من الحور العين فيقول: هذا فلان -باسمه الذي كان في الدنيا- قَدْ قدم فيستخعنهن الفرح حتَّى يخرجن إلى أسكفة فيجيء فيدخل الدار فإذا سرر موضوعة -أي منسوجة- كما توضن حلق الدرع فيدخل بعضها في بعض.

قَالَ المفسرون: منسوجة بالذهب والجواهر. وقال الضحاك: موضونة مرصوفة. وقال في "شرح غريب القرآن العظيم": موضونة منسوجة باليواقيت والجواهر وأكواب موضوعة هو جمع كوب الإبريق الذي لا عروة له ونمارق أي: وسائد ومرافق مصفوفة بعضها بجنب بعض وزاربي أي: بسط عريضة، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: هذا الطنافس التي لها خمل {مَبْثُوثَةٌ} أي: مبسوطة ممهدة وقيل: مفرقة في المجالس ثمَّ ينظر إلى تأسيس بناينه فإذا هو قد أسس عَلَى جبل

(1) الترمذي (2548)، والبيهقي في "البعث"(237)، و"صفة الجنة" لأبي نعيم (179)، انظر (2) ص 957.

(2)

مسلم (2967).

(3)

انظر تخريج ت 3 ص (898).

ص: 900

من اللؤلؤ ما بين أخضر وأصفر وأبيض ثمَّ يتكئ عَلىَ أريكة أي: سرره التي في الحجال فلا تكون أريكة إلا إِذَا اْجتمعا ثمَّ يرفع طرفه إلى سقفه فيراه كالبرق، فيقول:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} قَالَ: فتناديهم الملائكة {تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43] وسنذكر إن شاء الله ما يشفي ويكفي في صفة الجنة.

وأما أهل النار فقد قَالَ تعالى: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)} أي: عطاشًا مشاة عَلىَ أرجلهم قَدْ تقطعت أعناقهم] (1).

من العطش. والوِرد: جماعة يردون الماء.

وقال الفخر: يُساقون إلى النَّارِ إهانةً لهم، واستخفافًا بهم كَنعَمٍ عطاشٍ تُساق إلى الماءِ. وقال الواحدي: يُساقون إليها وهم ظمأ والورد: الجماعة التي ترد الماء، ولا يرد أحدٌ الماءَ إلا بعد العطش اْنتهى.

وقال الثعلبي في قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا} [الزمر: 71] أي: يساقون سوقًا عنيفًا يسحبون عَلَى وجوههم إلى النَّارِ زمرًا أفواجًا بعضها على أثر بعض كلّ أمّة على حدة بعد أنْ يقفوا على بابها حَتَّى تفتحت أبوابها؛ لأنَّها لا تفتح إلَاّ بعد مجيئهم وفي وقوفهم ثم مذلة ومهانة وهكذا حال السجون في الدُّنيا ولا ريب أنَّ النَّارَ سجنُ الآخرةِ نسألُ الله سبحانه وتعالى أنْ يعافينا منها بمنّه وكرمه.

وأمَّا أهْلُ الجْنَّةِ: فلا يقفون على أبوابها بل يجدون الأبوابَ

(1) ما بين معقوفتين سقط من (أ) من ص 897 واستدركناه من (ب).

ص: 901

مفتحة على ما يأتي تحريره إن شاء الله تعالى. ثم إذا دخلوا النارَ دفعتهم الزبانيةُ إليها كما قال تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13)} [الطور: 13] أي: يدفعون دفعًا فإذا وقفوا على النَّارِ قالوا: {يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا} والواحد من خزنة النار يسوق الأمّة وحده وعلى رقبته جبل يرميهم في النارِ ويرمي الجبل عليهم. قال عمرو بن دينار: إنَّ الواحدَ منهم يدفع بالدفعة الواحدة في جهنّم أكثر من ربيعة ومضر.

وقال الثعلبي وغيره في قولِهِ تعالى: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12)} [الفرقان: 12](1): أي: صوتًا بالغيظ، وزفيرًا: غليانًا يفور كالغضبانِ إذا غلى صدره مِنَ الغضبِ. قال مطرفٍ: التغيظ لا يسمع والمعنى رأوا لها تغيظًا، وسمعوا لها زفيرًا. وقال الواحدي:{مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} مسيرة مائة عام {سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا} هو الغضب. {وَزَفِيرًا} قال عبيد بن عمير: إنَّ جهنَّم لتزفر زفرة لا يبقى نبي مرسل، ولا ملك مقرب إلا خر لوجهه وقال في قوله تعالى:{وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا} من جهنم {مَكَانًا ضَيِّقًا} (2) قال المفسرون: تضيق

(1) ورد بهامش الأصل: رأتهم: إِذَا كانت يمر أي منهم كقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تتراءني نارهما لها تغيظاً" أي لا يتقارب بحيث تكون إحداهما يمر أي من الأخرى عَلىَ المجاز وقوله: {سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا} أي صوت التغيظ، شبه صوت غليانها بصوت المغتاظ وغيره وهو صوت يُسمع من دوفه هذا، ويمكن أن يخلق الله فيها حياة فترى وتتغيظ وتزفر، وقيل إن ذَلِكَ لزبانيتها فنسب إليها عَلىَ حذف المضاف. البيضاوي.

(2)

أي في مكان، ومنها حال منه لتقدمه عليه.

ص: 902

عليهم كما يضيق الزجُّ في الرمح وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية: "والذي نفسي بيده إنَّهم ليستكرهون كما ليستكره الوتد في الحائط"(1){مُقَرَّنِينَ} : موثقين في الحديد قرنوا مع الشياطين (2){دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} : دعوا بالويل على أنفسهم، والهلاك كما يقول القائل: واهلاكاه.

نكتة: أخرج الواحدي (3) بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "أوّل مَنْ يكسى يومَ القيامة إبليس يعني: من أهل الفار -يكسى حلة من النَّارِ بضعها على حاجبيه فيسحبها من خلفه وذريته من خلفه وهو يقول: واثيبوراه. وهم ينادون: يا ثبورهم حتَّى يقفوا عَلَى النار فينادي: يا ثيبوراه وينادون: يا ثبورهم فيقول الله تعالى: {لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14)} [الفرقان: 14].

قال الزجاج (4): أي: هلاككم أكثر مِنْ أدن تدعوا مرة واحدة.

وقال البغوي (5): في قوله تعالى: {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا} [الملك: 7] هو أول نهيق الحمار وذلك أقبح الأصواتِ {وَهِيَ تَفُورُ}

(1) ابن أبي حاتم (8/ 2668).

(2)

ورد بهامش الأصل: أو قرنت أيديهم إلى أعناقهم بالسلاسل.

(3)

ابن أبي شيبة (13/ 168)، (14/ 109)، وأحمد برقم (12536)، والبيهقي (647)، والبزار "كشف الأستار"(3495)، وابن أبي حاتم (8/ 2669).

(4)

ذكره البغوي في تفسير آية (14) الفرقان.

(5)

"تفسير البغوي" في تفسير آية (6، 7) الملك.

ص: 903

تغلي بهم كغلي المرجل أي: القدر. وقال مجاهد: تفور كما يفور الماء الكثير بالحب القليل

{تَكَادُ تَمَيَّزُ} [الملك: 8] أي: تتقطع مِنَ الغْيظِ أي: من تغيظها عليهم. وقال ابن قتيبة (1): تكاد تنشق غيظًا على الكفار. وقال العلامة: أي: تكاد جهنّم تتفرق وتتقطع من الغيظ على الكفارِ. وسيأتي الكلام على صفة النَّارِ مستوفيًا إن شاء الله تعالى.

(1) ذكره في كتاب "مشكل غريب القرآن" في تفسير آية (8) الملك.

ص: 904