الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس في طلوع الشمس من مغربها
وهو ثابت بالسنة الصحيحة والأخبار الصريحة بل: وبالكتاب المنزل على النبي المرسل، قال تعالى:{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام: 158] الآية أجمع المفسرون أو جُمهورهم: على أنها طلوع الشمس من مغربها. وأخرج مُسلمُ عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: حفظتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، "إنَّ أوَّلَ الآيات خُروجًا طلوع الشَّمسِ من مَغْرِبها، وخروجُ الدابة على الناس ضحًى، وأيتهمُا كانت قبل صَاحبتها فالأخرى على إثرها قريبًا منها"(1).
وفي مسلم أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقومُ الساعة حتى تطلعَ الشمسُ من مغربهَا، فإذا طلعت من مَغْربها آمنَ الناسُ كُلَّهُم أجمعون، فيومئذٍ {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} "(2)[الأنعام: 158]"، وفي بعض طرق البخاري: "حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا رآها الناسُ آمن من عليها" (3) الحديث.
(1) مسلم (2941) كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب: في خروج الدجال
…
(2)
مسلم (157) كتاب: الإيمان، باب: الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان.
(3)
البخاري (4635) كتاب التفسير، باب لا ينفع نفسًا إيمانها.
(1)
وأخرج مسلم عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يومًا: "أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "إن هذه تجري حتَّى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، فلا تزال كذلك حتَّي يُقال لها ارجعي من حيث شئت، فترجع طالعة من مطلعها تجري لا يستنكر الناس منها شيئًا حتَّي تنتهي إلى مستقرها ذلك تحت العرش فيُقال لها ارجعي ارتفعي أصبحي طالعة من مغربكِ فتصبح طالعة من مغربها". فقال عليه السلام: "أتدرون متي ذلك؟ حين {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} " الآية [الأنعام: 158](2).
وأخرج الإمام أحمد وعبد الرزاق وعبد بن حميد والستة غير الترمذي، وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعةُ حتَّى تطلعُ الشمسُ من مغربها فإذا طلعت ورآها الناسُ آمنوا أجمعون، فذلك حين {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} ثم قرأ الآية (3).
وأخرج ابن مردويه عن حذيفة رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما آية طلوع الشمس من مغربها؟ فقال: "تطول تلك الليلة
(1) سقط من هذا الموضع صفحة (أ) واستدركناه من (ب).
(2)
"صحيح مسلم"(159)، وهو عند البخاري (3199) و (4802) و (4803) و (8424)، وأحمد 5/ 177.
(3)
رواه البخاري (4635) و (6506) و (7121)، ومسلم (157)، وأبو داود (4312)، وابن ماجه (4068)، وأحمد 2/ 231 و 313 و 350 و 530، وابن حبان (6838)، والبيهقي 9/ 180.
حتَّى تكون قدر ليلتين" (1).
وهو وابن أبي حاتم عن ابن عباس مرفوعًا: "تطول قدر ثلاث ليالٍ"(2).
وعند البيهقي عن عبد الله بن عمرو: "وقدر ليلتين أو ثلاث، فيستيقظ الذين يخشون ربهم فيصلون ويعملون كما كانوا، ولا يرون إلا قد قامت النجوم مكانها ثم يرقدون ثم يقومون ثم يقضون صلاتهم والليل كأنه لم ينقضِ فيضطجعون حتَّي إذا استيقظوا والليل مكانه، حتَّي يتطاول عليهم الليل فإذا رأوا ذلك خافوا أن يكون ذلك بين يدي أمر عظيم، فيفزع الناس وهاج بعضهم في بعض، فقالوا: ما هذا؟ فيفزعون إلى المساجد، فإذا أصبحوا طال عليهم طلوع الشمس، فبينما هم ينتظرون طلوعها من المشرق إذا هي طالعة عليهم من مغربها فَيضِجُّ الناسُ ضجةً واحدةً، حتى إذا صارت في وسط السّماء رجَعتْ وطلعت من مطلعها"(3).
وأخرجَ ابن مردويه وغيره عن أنس مرفوعًا "صبيحةَ تطلعُ الشمس من مغربها يصيرُ في هذه الأمة قردة وخنازير، تُطوي الدواوين وتجفُ الأقلام، لا يُزاد في حسنة ولا يُنقصُ من سيئة، {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا
(1) وأروده السيوطي في "الدر المنثور" 3/ 390، وابن كثير في تفسيره آية الأنعام (158) وقال: رواه ابن مردويه، وليس هو في شيء من الكتب الستة من هذه الوجه.
(2)
كما في "الدر المنثور" 3/ 391.
(3)
رواه الطبري تفسير سورة الأنعام آية (158)، وروي بعضه ابن أبي شيبة 7/ 158 من قول أبي سلمة.
إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158]، وعند البيهقي "فيذهب الناسُ فيتصدقون بالذّهبِ الأحمر، فلا يُقبلُ منهم ويقال: لو كان بالأمس"(1).
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لا تزالُ الشمسر تجري من مشرقها إلى مغربها، حتى بأتي الوقتُ الذي جعل الله لتوبة عباده، فتستأذنُ الشمسُ من أين تطلع؟ ويستأذن القمر من أين يطلع؟
فلا يؤذنُ لهما: فيحبَسانِ مقدارَ ثلاثِ ليال للشمس، وليلتين للقمر، فلا يعرفُ مقدار حبسهما إلا قليل من الناس، وهم بقية أهل الأرض، وحملة القرآن يقرأُ كلُ رجل منهم وردَه في تلك الليلة، حتى إذا فرغ منه نظر فإذا ليلته على حالها، فيعودُ ويقرأ ورده، فإذا فرغ نظر فإذا ليلته على حالها فلا يعرف ذلك إلا حملة القُرآن، فينادي بعضُهم بعضا: فيجتمعون في مساجدهم بالتضرع والبكاء والصراخ بقية تلك الليلة.
ومقدارُ تلك الليلة ثلاث ليال، ثم يرسل الله جبريل إلى الشمس والقمر فيقول: إن الرب تعالى يأمر كما أن ترجعا إلى مغربكما فتطلُعا منه، فإنه لا ضوءَ لكما عندنا ولا نور، فتبكي الشمسُ والقمرُ خوفَ يوم القيامة، وخوفَ الموت، فتيرجعُ الشمس والقمرُ فيطلعان من مغربهما فبينما الناس كذلك، يتضرعون إلى الله تعالى، والغافلون في
(1) الدر المنثور 3/ 394.
غفلاتهم إذ نادي منادٍ: ألا إن باب التوبة قد أغلق، والشمسُ والقمرُ طلعا من مغاربهما، فنظر الناسُ فإذ بهما أسودان كالعكمين لا ضوءَ لهما، ولا نورَ فذلك قوله تعالى {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)} [القيامة: 9] (1).
قوله: (كالعكمين) تثنية عكم، وهو الغرارة: أي: كالغرارتين العظيمتين، ومنهُ يُقالُ لمن شَدَّ الغرائر على"الجمل العكام، وفي حديث أم زرع: عكومها رداح (2)، والله أعلم.
فيرتفعان أي: الشمسُ والقمرُ مثلُ البعيرين المقرونين [المعقورين](3) يُنارعُ كُلٌ منهما صاحبه استباقًا، ويتصايح أهلُ الدُنيا، وتذهلُ الأمهاتُ عن أولادها، وتضعُ كُلُّ ذاتِ حمْلٍ حَمْلَها، فأمّا الصالحون والأبرار، فإنَّهم ينفعُهُم بكاؤهم يَومئذ، ويُكتَبُ لهم عبادة.
وأما الفاسقون والفجار، فَلَا ينفَعُهُم بكاؤهُمْ يومَئذ ويُكْتَبُ عليهم حسرة، فإذا بلغتِ الشمس والقمر سُرة السماء، وهي منتصفها جاءهما جبريل، فأخذ بقرونهما فردّهما إلى المغرب، فلَا يُغرِبْهُما في مَغَاربهما: أي مَغارب طلوعهما ذلك اليوم، وهي: أي المَطالع جهة المشرق،
(1) قال ابن كثير 2/ 196 بعد أن عزاه لابن مردويه: هو حديث غريب جدًا، بل منكر بل موضوع إن ادعي أنه مرفوع، فأما وقفه على ابن عباس أو وهب بن منبه وهو الأشبه فغير مدفوع. وقال السيوطي في "الدر المنثور" 3/ 114: أخرجه ابن مردويه بسند واهٍ عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. فذكره.
(2)
رواه البخاري برقم (5189) كتاب النكاح، باب: حسن المعاشرة مع الأهل. ومسلم برقم (2448) كتاب: فضائل الصحابة، باب: ذكر حديث أم زرع انظر "اللسان"(ع ك م).
(3)
زيادة من "الدر المنثور".
ولكن: يُغربهما في مغاربهما اللّذان في باب التوبة، فإنَّ الله خلقَ بابَ التوبة، فهو من أبواب الجنة، لهُ مصراعان من ذَهب مُكلَّلًا بالدُّرِ والجوهر، ما بين المصراع إلى المصراع: مسيرة أربعين عامًا للرَاكب المسِرع، فذلك البابُ مفتوحٌ منذُ خَلقَ اللهُ خلقَه إلى صبيحةِ تلكَ اللَّيلة عند طلوع الشمس والقمرِ منْ مغاربهما، ولم يَتُب عبد من عباد الله توبةَ نصوحَا، من لدُن آدمَ إلى ذلك اليوم، إلا ولجت تلك التوبة في ذلك الباب، ثم ترتفع إلى الله.
قيل: أي قال معاذ: يا رسول الله: وما التوبة النصوح؟ قال: "أن يَنْدمَ العبدُ على الذنب الذي أصاب فيهرُبُ إلى الله منه، ثم لا يعودُ إليه حتى يعودَ اللّبن في الضرع"، قال:"فيُغربهما جبريل في ذلك، ثم يردُ المصراعين، فيلتئم ما بينهما، ويصيران كأنهما لم يكن فيهما صالح قط، ولا خلل فإذا أغلق بابُ التوبة لم يقبل لعبد بعد ذلك توبة، ولم ينفعه حسنة يعملها بعد ذلك إلا ما كان يجري لهما قبل ذلك، فذلك قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} "[الأنعام: 158] الآية فقال أُبيّ بنُ كعب: يا رسول الله فكيف بالشمس والقمر بعد ذلك وكيف بالناس والدنيا؟ قال: "إنَّ الشمسَ والقمر يُكسَيان بعد ذلك ضوء النور، ثم يطلعان على الناس ويغربان كما كانا قبل ذلك، وأمَّا الناسُ فإنَّهم حيث ما رأوا: رأوا من تلك الآية وعظمها يلحون على الدنيا فيعمرونها ويجُرون فيها الأنهار، ويغرسون فيها الأشجار، ويبنون فيها البنيان، وأمّا الدُّنيا فلو نتج رجل مُهرًا لم يركبه، حتى تقوم الساعة من لَدُن