الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني عشر في نفخة الصعق وفيها هلاك كُل شيء
قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: 68] وقد فُسرَ الصَعقُ بالموت. قال الفخر: لا شبهة عند أهل الإسلام في أن الله خَلق قَرنًا يَنفخُ فيه ملكٌ من الملائكة، وذلك القرن يُسمَّى بالصور، على ما ذكرهُ الله في مواضعَ من القرآن. وقال في "التذكرة" (1): والصورُ قرنٌ من نور يُجعَلُ فيه أرواح الخلائق. وقالَ مُجاهد: كالبوق، ذكره البخاري (2).
وأخرج ابن ماجه عن أبي سعيد لخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن صاحِبَي الصور بأيديهما أو في أيديهما قرنان، يُلاحظان النظر متى يؤمران"(3).
وأخرج الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: جاءَ أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال ما الصور؟ قال:"قَرنٌ يُنفخُ فيه" قال الترمذيُّ حديثٌ حسن (4).
وأخرج الترمذي أيضًا وحسنه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله
(1)(478).
(2)
"صحيح البخاري" رواه معلقًا قبيل حديث رقم (6517).
(3)
رواه ابن ماجه (4273)، وعزاه الحافظ في الفتح 11/ 369 للبزار.
(4)
رواه الترمذي (2430) و (3244)، ورواه أحمد 2/ 162 و 192، وابن حبان (7312).
عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كيفَ أَنْعَمُ وصاحبُ الصورِ قد التقم القرن؟ واستمع الإذن، متى يؤمر بالنفخ" فكأنَ ذلك ثقل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم:"قُولوا حَسْبُنا اللهُ ونعم الوكيل"(1).
وروي أيضًا عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه مَرفوعًا: "ما أطرف صاحب الصور مُذْ وُكِّلَ به مُستعدًا ينظر نحو العَرش، مخافَةَ أن يُؤمَرَ بالصيحةِ قبل أن يرتدَ طرفهُ، كان عينيه كوكلبان دريّان" خَرَّجَهُ أبو الحسن بن صخر في "فوائده"، وغيرُه (2).
وأخرجَ ابن المبارك ومُؤَمِّلُ بنُ إسماعيل، وعَليُّ بنُ معبد، عن ابن مسعود حديثًا فيه:"ثم يقومُ ملك الصور بينَ السماء والأرضِ، فَيُنفخُ فيه والصورُ قرنٌ فلا يَبقَى خلقٌ في السمواتِ والأرض إلّا مَّاتَ إلا ما شاء ربك" الحديث (3). وقد قال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88]، فمقتضى هذه الآية هلاكُ كُل شيء إلا هُوَ سبحانه قال العلامة: وهُوَ قول في المسألة قالوا: إنَّ اللهَ يُفني كُلَّ شيء حَتَّى الجنَّة والنار، ولا يبقى شيء سواه قالوا: وهو مَعنى قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ} [الحديد: 3] قال الغزالي، حدَّثني من لا
(1) اختصر المصنف بعض عبارات الحديث، والحديث بتمامه عند الترمذي (2431)، وابن حبان (823).
(2)
رواه أبو الشيخ في العظمة (391)، والحاكم 4/ 559 وصححه. وأبو نعيم في الحلية 4/ 99.
(3)
ذكره البيهقي في الشعب 1/ 315 موقوفًا، والحافظ في الفتح 11/ 370 وقوى إسناده.
أشكُ في علمه ومعرفته، أنَّ الاستثناء في قوله:{فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: الآية 68] واقعٌ عليه سبحانه خاصة، ولو كانَ ثم أحدٌ لأجابهُ سُبحانَهُ حين يقول:{لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر: 16] فيقول لك يا واحد يا قهار.
وأخرج الشيخانِ عن أبي هريرة مرفوعًا: "يقبضُ اللهُ الأرضَ يومَ القيامة، ويطوي السماء بيمينه، ثُمَّ يقول: أنا الملك أين الملوك"(1).
وأخرج مسلمٌ عن ابن عُمرَ رضي الله عنهما مرفوعًا: "يطوي الله السموات يومَ القيامة، ثمَّ يأخذهُنَّ بيده اليُمنى، ثُم يقولُ أنا الملك أين الجبارون؟ أينَ المتكبرون؟ ثم يطوي الأرض بشماله، ثم يقولُ: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟) (2) والحقّ في المسألة: أنَّ ثم أشياء لم تخُلق للفناء"، بل للبقاء وقد نصّ على ذلك إمام السنة: الإمامُ أحمد طيّب الله ثراه، حيثُ قال: خُلقَتِ الجنَّةُ وما فيها، وخُلقَتِ النَّارُ وما فيها، خلقَهُم الله عز وجل، ثم خلقَ لهما الخلق، لا يفنيان ولا يفنى ما فيهما أبدًا.
قال: فإن احتج محتجٌ بقول الله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: الآية 88] ونحوَ هذا مِن مُتشابه القُرآن (3)؟
فالجواب: إنَّ كل شيء مما كُتب عليه الفناء والهلاكُ فهالك،
(1) رواه البخاري (6519)، ومسلم (2787).
(2)
رواه مسلم (2788)، وابن ماجه (198)، وأحمد 2/ 72 و 88، وابن حبان (7324) و (7327).
(3)
ينظر الرد على الجهمية (148) تح عميرة.
والجنَّةُ والنار خلقهما الله للبقاء لا للفناء ولا للهلاك، وهما من الآخرة لا مِنَ الدنيا، والجورُ العينُ خُلِقنَ للبقاء لمْ يكتبْ عليهن الفناء ولا الموتُ قال: فإن قال خلافَ ذلك فهو مبتدع. انتهى.
وقد أطالَ في حادي الأرواح في الرد على زاعمي ذلك، فراجِعهُ إن شئت واللهُ سبحانه وتعالى أعلم (1).
(1) انظر: "حادي الأرواح" ص: 480 - 528.