الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في شفاعةِ الأنبياءِ، والملائكة، والعلماء والشهداء، والصالحين، والمؤذنين، والأولاد
أخرجَ البيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه: "لا يشفع أحدٌ في أكْثر ممَّا يشفع فيه يعني: النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، ثم الملائكة، ثم النبيون، ثم الصديقون، ثم الشهداء".
وعنه: "يشفع نبيكم رابع أربعة جبريل، ثم إبراهيم، ثم موسى أو عيسى، ثم نبيكم صلى الله عليه وسلم، ثم الملائكة، ثم النبيون، ثم الصديقون، ثم الشهداء ويبقى قومٌ في جهنّم. فقال (1) لهم:{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43)} [المدثر: 42 - 43] إلى قوله: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)} [المدثر: 48] قال القرطبي (2): قد قيل: إنَّ هذا المقام المحمود لنبينا صلى الله عليه وسلم. خرجه أبو داود الطَّيالسيُّ (3) عن ابن مسعود، قال: ثم يأذن اللهُ عز وجل في الشفاعةِ فيقوم روح القدس جبريل عليه السلام، ثم يقوم عيسى أو موسى عليهما السلام بالشك، ثم يقوم نبيكم صلى الله عليه وسلم رإبعًا فيشفع لا يشفع لأحدٍ بعده في أكثر مما يشفع وهو
(1) كذا في (أ)، والمثبت في (ب) فيقال.
(2)
التذكرة (2/ 60) في باب الشافعين لمن دخل النَّار.
(3)
ص (51).
المقام المحمود الذي قال الله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)} [الإسراء: 79].
وأخرج ابن ماجة، والبيهقيّ عن عثمان بن عفَّان رضي الله عنه مرفوعًا:"يشفع يوم القيامة الأنبياء، ثم العلماء ثم الشَهداء"(1). وأخرجه البزار أيضاً وزادَ في آخره: "ثم المؤذنون".
وأخرجَ الديلمي عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: "يقال للعالم: اشفع في تلامذتك ولوَ بلغت عدد نجوم السماء".
وأخرجَ أبو داود (2)، وابن حبان عن أبي الدرداء مرفوعًا:"الشهيد يشفع في سبعين مِنْ أهْلِ بيته" وأخرجَ الإمام أحمد (3) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الرَّجلَ مِنْ أمَّتي ليشفع للفئَام من النَّاسِ فيدخلون الجنَّةَ بشفاعته، وإنَّ الرَّجلَ ليشفع في الرجل، وأهل بيته فيدخلون الجنَّة بشفاعته". قوله: "الفئام من النَّاس" الفئام مهموز الجماعة الكثيرة ذكره ابن الأثير في "نهايته"(4).
(1) ابن ماجه (4313)، والعقيلي في "الضعفاء"(3/ 367) قال في "مصباح الزجاجة" في إسناده علان بن أبي مسلم. وقال الألباني في "ضعيف الجامع" موضوع. ا. هـ
(2)
أبو داود (2522)، والبيهقي (9/ 164)، وله شاهد بإسناد صحيح عن المقدام بن معد يكرب، أخرجه أحمد (4/ 131)، وابن ماجة (2799)، والترمذي قال فيه: صحيح غريب.
(3)
أحمد (3/ 20، 63)، والترمذي في "الزهد"(77/ 4).
(4)
انظر ابن الأثير في "نهايته" 3/ 406.
وأخرجَ الإمام أحمد بسندٍ جيد عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الرجلَ ليشفع للرجلين والثلاثَة" وروى ابن حبان (1) في صحيحه بإسنادٍ قال الحافظ ابن المنذر (2): لا أعلم فيه مطعنًا عن حذيفة رضي الله عنه مرفوعًا: "يقول إبراهيم يوم القيامةِ: يا رباه فيقول الرب جل وعلا: يا لبيكاه. فيقول إبراهيم: يا رب أحرقت بني فيقول: أخرجوا مِن النارِ مَن كان في قلبه ذرة، أو شعيرة من إيمان".
وأخرجَ الطبراني (3) عن يزيد الرقاشي عن أنسٍ رضي الله عنه مرفوعًا: "يُشفعُ الله تبارك وتعالى آدم يوم القيامة من جميع ذريته في مائة ألف ألف وعشرة آلاف ألف" وأخرجَ الإمامُ أحمد (4) باسنادٍ جيد عن أبي أمامةَ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليدخلن الجنة بشفاعةِ رجل ليس بنبي مثل الحيين ربيعة ومضر" فقال رجل: يا رسول الله وما ربيعة من مضر؟ قال: "إنَّما أقول (5) ما أقولُ".
وأخرج ابن حبان (6) في صحيحه، وابن ماجه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:
(1)(7378).
(2)
في "الترغيب"(4/ 220).
(3)
ذكره الذهبي في "الميزان"(4/ 418) في ترجمة يزيد وعده من مناكيره وقال العراقي في "تخريج الأحياء" رواه الطبراني من حديث أنس بإسناد ضعيف رقم (4236).
(4)
أحمد (5/ 257)، 261، 267).
(5)
ورد في هامش الأصل: ما أُقوَّل هو بضم الهمزة وتشديد الواو أي ما لقنته وعلمته أ. هـ مناوي.
(6)
أحمد (3/ 469، 470) / (5/ 366)، والدارمي (2/ 328)، والترمذي (2438)، وابن ماجه (4316)، وابن خزيمة في "التوحيد" ص 313، والحاكم (1/ 70، 71)، وصححه ووافقه الذهبي، ابن حبان (7376).
"ليدخلن الجنَّةَ بشفاعةِ رجل من أمتي أكثر من بني تميم" قيل: سواك يا رسول الله؟ قال: "سواي" قال بعضُ النَّاسِ إنَّ ذلك عثمان (1) بن عفَّان رضي الله عنه (2).
وأخَرجَ الحاكم وصحَّحه: "إن مِنْ أمتي مَنْ يدخل الجنة بشفاعته أكثر من مضر، وإن مِنْ أمتي مَن سيعظم للنار حَتَّى يكون أحد زواياها"(3) وقال ابن مسعود رضي الله عنه فيما رواه الطّبرانيّ: لا تزال الشفاعة بالنَّاس وهم يخرجون مِن النَّارِ حَتَّى إنَّ إبليس الأبالس ليتطاول لها رجاء أن تصيبه (4). وعنده عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأوَّل داخل الجنَّة ولَا فخر، وإني لأشفع فأشفع حَتَّى أن مَن أشفع له فيشفع، حَتَّى أن إبليس ليتطاول في الشفاعة"(5).
وأخرجَ أبو يعلى، والبيهقيّ عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً: "أن رجلاً مِنْ أهْلِ الجنةِ يشرف يوم القيامة على أهَلِ النَّارِ فيناديه رجل مِنْ أهْل النَّارِ: يا فلان أما تعرفني؟ فيقول: لا والله لا أعرفك من أنت؟
(1) وقيل: أويس القرني.
(2)
رواه الحاكم 1/ 143.
(3)
أحمد (5/ 312، 313)، والحاكم (1/ 71).
(4)
رواه الطّبرانيّ في "الكبير" 10/ (10513)، وعنه أبو نعيم 4/ 130، وأورده الهيثمي 10/ 380 وقال: فيه كثير بن يحيى صاحب البصري وهو ضعيف.
(5)
رواه الطّبرانيّ في "المعجم الأوسط"(5082)، وأورده الهيثمي 10/ 376 وقال: رجاله وثقوا عَلىَ ضعف كثير في عبيد بن إسحاق العطار والقاسم بن محمَّد بن عبد الله بن محمَّد بن عقيل.
فيقول: أنا الذي مررت بي في الدُّنيا فأستقيتني شربة من ماء فسقيتك قال: قد عرفت. قال: فاشفعْ لي بها إلى ربك فيسأل الله فيشفعه فيه ويخرج من النَّارِ" (1).
وأخرجَ ابن ماجة عن أنس مرفوعاً: "يمر الرجلُ على الرجل فيقول: يا فلان أما تذكّر يوم بعثتني بحاجة كذا وكذا فذهبت لكَ فيشفع له"(2). وأخرجهَ أبو يعلى بلفظ: "تعرض أهل النَّارِ يوم القيامة صفوفا فيمر بهم المؤمنون فيرى الرجلُ مِنْ أهِل النَّارِ الرجلَ مِن المؤمنين قد عرفه في الدنيا فيقول: يا فلان أما تذكّر يوم استعنتني في حاجةِ كذا وكذا فيذكر ذلك المؤمن فيشفع له إلى ربَّه فيشفعه فيه"(3) وأخرجه البيهقي بلفظ: "أما تذكّر يوم اصطنعت إليك في الدُّنيا معروفا"(4).
وفي مسند إسحاق بن راهوية مرفوعًا: "ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة مِنَ الولدِ أطَفال لم يبلغوا الحلم إلَّا جيء بهم حَتَّى يوقفوا على باب الجنَّةِ فيقال لهم: ادخلوا الجنَّة فيقولون: أندخل ولم يدخل أبوانا؟ فيقال لهم في الثَّانية أو الثَّالثة: ادخلوا أنتم وأباؤكم"(5).
(1) رواه أبو يعلى (3490).
(2)
رواه ابن ماجة (3685)، وضعفه البوصيري في "مصباح الزجاجة" 4/ 105.
(3)
رواه هناد في "الزهد"(187)، وأبو يعلي (4006)، والطبراني في "الأوسط"(6511).
(4)
شعب الإيمان (7687)، ورواه الخطيب 4/ 332، وأورده ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (853) وقال: لا يصح.
(5)
رواه إسحاق في "مسند عائشة"(34).
قلتُ: ورواه الإمام أحمد طيب الله ثراه قال: أخبرنا إسحق، أخبرنا عوف عن محمَّد بن سيرين، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مسلمين يموتُ لهما ثلَاثةُ أولادٍ لم يبلغوا الحِنْثَ إلَّا أدخلهم اللهُ الجنَّة وأباءهم بفضل رحمته"(1) قال: يقال لهم: أدخلوا الجنَّةَ قال: يقولون: حتَّى يجيء أبوانا قال: ثلاث مرات، فيقولون مثل ذلك قال: فيقال لهم: ادخلوا الجْنةَ أنتم وآباؤكم" (2) والحنث: هو البلوغ بأنْ لم يبلغوا الحلم وكأنَّه مأخوذ من الذنب؛ لأنَّه لا يكتب عليه إلَّا بعد بلوغه الحلم. فقوله: "لم يبلغوا الحنث" أي: لم يبلغوا أن يكتبَ عليهم الحنث وهو الذنب (3).
وأخرجَ أحمد من حديث المغيرة، ثنا جرير، ثنا شرحبيل بن شفعة، عن بعضِ الصحابةِ أنَّه سمع النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول:"يقال للولدان يوم القيامة: أدخلوا الجنَّةَ. فيقولون: يا ربنا حَتَّى يدخل آباؤنا وأمهاتنا قال: فيقول الله تعالى: ما لي أراكم مخبطين ادخلوا الجنَّةَ أنتم وآباؤكم"(4).
وأخرجَ أيضاً من حديث شرحبيل بن شُفْعَة قال: سمعتُ عتبة بن عبد السلمي قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "ما مِنْ رجل مسلم
(1) ورد في هامش الأصل: (أ) أي بفضل رحمة الله للأولاد وذكر العدد لا ينافي حصول ذَلِكَ بأقل انتهى.
(2)
رواه أحمد 2/ 510، وأبو يعلى (6079).
(3)
قوله: وهو الذنب فهو مجاز عن تسمية المحل بالحال. انتهى مناوي، والمحل هو سن التكليف، والحال الذنب انتهى.
(4)
رواه أحمد 4/ 105، وقال الهيثمي 3/ 11: رجاله ثقات.
يتوفى له ثلاثة مِنَ الولدِ لم يبلغوا الحنث إلَّا تلقوه من أبواب الجنَّة الثمانية من أيّها دَخَل" (1).
وأخرجَ ابن ماجةُ عن على بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن السقْطَ (2) ليراغم (3) ربَه عز وجل إذا أدخل أبويه النَّارَ فيقال: أيُّها السقط المراغمُ (4) ربهُ أدْخِلْ أبويك الجنَّة (5) "(6).
وأخرجَ ابن شاهين، والحافظ ابن عساكر عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم القيامة نودي في أطفَالِ المسلمينَ أن اخرجوا مِنْ قبورِكم فيخرجون من قبورِهم ثمَّ ينادى أن امضوا إلى الجنَّةِ زمرًا فيقولون: ربنا ووالدانا معنا. فينادى فيهم الثَّانية أن امضوا إلى الجنَّة زمرا. فيقولون: يا ربنا ووالدانا معنا. قال: فيتبسم الرب جلَّ وعلا في الرابعة فيقول: ووالداكم معكم فيثبُ كلُّ طفل إلى
(1) رواه أحمد 4/ 183، وابن قانع في "معجمه" 2/ 266، والطبراني في "الكبير" 17/ (294) و (309)، وفي "مسند الشاميين"(1070)، والمزي 12/ 424.
(2)
ورد في هامش الأصل: الولد يسقط من بطن أمه.
(3)
ورد في هامش الأصل: أي ليغاضب.
(4)
ورد في هامش الأصل: أي: عليه أهـ (غير واضح).
(5)
ورد في هامش الأصل: وتمامًا كما في الجامع الصَّغير فيجرهما بسرره حتَّى يدخلهما الجنَّة. أهـ أي بشفاعته.
(6)
ورد في هامش الأصل: والحاصل إن لموت الأولاد فوائد كثيرة أي لمن صبر واحتسب أهـ. قَالَ البوصيري في "مصباح الزجاجة" 2/ 52: هَذَا إسناد ضعيف لضعف مندل بن علي.
أبويه فيأخذون بأيديهم فيدخلونهم (1) الجنَّة لهم أعرف بأبائهم وأمهاتهم يومئذٍ من أولادكم الذين في بيوتكم".
تنبيه: قد وردت الأحاديث الصحيحة، والأخبار الصريحة بشفاعة الإسلام، والقرآن، والأعمال الصالحة أخرجَ مسلم عن النواس بن سمعان:"يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمهم سورة البقرة، وآل عمران كأنهما غمامتان أو غيابتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق أو كأنهما حِزْقَان (2) من طير صوات يحاجان عن صاحبهما"(3).
وأخرجَ الحاكم، وابن خزيمة عن أبي موسى الأشعري مرفوعًا:"إن اللهَ يبعث الأيَّام يوم القيامةِ على هيئتها، ويبعث الجمعة زهرًا منيرة أهلها يحفون بها كالعروسِ تهدى إلى كريمها تضيء لهم يمشون في ضوئها كالثلج بياضًا، وريحهم يسطع كالمسكِ يخوضون في جبالِ الكافورِ ينظر إليهم الثقلان لا يطرفون تعجبَا حَتَّى يدخلوا الجنَّةَ لا يخالطهم أحد إلَّا المؤذنون المحتسبون"(4).
(1) ورد في هامش الأصل: والحاصل إن لموت الأولاد فوائد كثيرة أي لمن صبر واحتسب أهـ.
(2)
ورد في هامش الأصل: هَذَا هو الصَّحيح كما ورد في صحيح مسلم 1/ 454 (805) بخلاف ما ورد بالأصل (رفرقان) في (أ)، (ب).
(3)
مسلم (805).
(4)
رواه ابن خزيمة (1730)، والحاكم 1/ 412، والطبراني في الشاميين (1557)، والبيهقيّ في "الشعب"(3041)، وابن عدي 4/ 110 (ترجمة طلحة بن زيد)، وضعفه أبو حاتم (العلل 1/ 206).
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدًا منها حديث المنام الطَّويل (1) الذي يقول فيه: "رأيتُ رجلًا مِنْ أمتي قَد بسط عليه عذاب القبر فجاءه وضوءه فاستنقذه مِنْ ذلك، ورأيتُ رجلاً مِنْ أمتي قد احتوشته الشياطين فجاءه ذكرُ اللهِ عز وجل فطردَ الشياطين عنه، ورأيت رجلاً منْ أمَّتي قد احتوشته ملائكة العذابِ فجاءته صلاتهُ فاستنقذته من أيديهم، ورأيت رجلاً مِنْ أمتي يلتهبُ عطشا كلَّما دنا مِنْ حوضِي منع منه وطرد فجاءه صيامه شهر رمضان فأسقاه وأرواه، ورأيتُ رجلًا من أمتي ورأيت النبيين حلقا حلقا كلّما دنا إلى حلقة طرد فجاءه غسله مِنَ الجنابةِ فأخذ بيده فأقعدَه إلى جنبي، ورأيتُ رجلاً من أمتي مِن بين يديه ظلمة ومِن خلفِه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن شماله ظلمة ومن فوقه ظلمة وهو متحير فجاءه حجه وعمرته فاستخرجاه من الظلمة وأدخلاه في النّورِ، ورأيتُ رجلًا مِنْ أمتي يتقي بيده وجهة وهج النَّارِ وشررها فجاءته صدقته فصارت سترة بينه وبين النَّارِ وظلاً على رأسه، ورأيتُ رجلًا من أمتي يكلّم المؤمنين ولا يكلمونه فجاءته صلته لرحمه فقالت: يا معشرَ المؤمنين إنَّه كان واصلَا لرحمه فكلموه فكلمه المؤمنون
(1) ورد في هامش الأصل: ومصدره كما في الجامع الصَّغير: إنِّي رأيت البارحة عجبًا؛ رأيت رجلاً من أمتى قد احتوشته ملائكة العذاب فجاء إليه وضوؤه فاستنقذه من ذَلكَ ورأيت رجلًا من أمتي قد بسط عليه عذاب القبر فجاءته صلاته فاستنقذته من ذَلِكَ. إلى آخره وفيه: مغايرة للألفاظ الحديث هنا فيحتاج ما هنا لتحريره أهـ. الحديث في نوادر الأصول (324) ضعفه صاحب الفيض القدير (3/ 25) والألباني في ضعيف الجامع! انظر ص 281 ت (2).
وصافحوه وصار فيهم، ورأيتُ رجلًا من أمَّتي قد احتوشته الزبانية فجاءه أمره (بالمعروفِ) ونهيه عن المنكر فاستنقذه من أيديهم وأدخله في ملائكة الرحمةِ، ورأيتُ رجلًا من أُمَّتي جاثيا على ركبتيه وبينه وبين اللهِ عز وجل حجاب فجاءه حسن خلقِه فأخذه بيده فأدخله على اللهِ عز وجل، ورأيتُ رجلًا من أمتي قد هوت صحيفتُه من قبل شماله فجاءه خوفه من الله عز وجل فأخذَ صحيفتَه فوضعها في يمينه، ورأيتُ رجلًا من أمتي خف ميزانُه فجاءه أفراطه فثقلوا ميزانه، ورأيتُ رجلًا مِنْ أمَّتي [قائم](1) على شفير جهنم فجاءه رجاؤه من اللهِ عز وجل فاستنقذه من ذلك ومضى، ورأيت رجلاً من أمتي قد هوى في النَّارِ فجاءته دمعته التي بكى من خشية اللهِ عز وجل فاستنقذه من ذلك، ورأيتُ رجلًا من أمتي قائمًا على الصراطِ يرعد كما ترعد السعفة في ريح عاصف فجاءه حسن ظنه باللهِ عز وجل فسكن رعدته ومضى، ورأيت رجلاً من أمتي يزحف على الصراطِ ويحبو أحيانًا ويتعلق أحيانًا فجاءته صلاته في فأنقذته وأقامته على قدميه، ورأيت رجلًا من أمتي انتهى إلى أبواب الجنةِ فغلقت الأبواب دونه فجاءت شهادة أن لا إله إلَّا الله ففتحت له أبواب الجنَّة وأدخلته الجنَّة".
هذا الحديث أخرجه أبو القاسم الحافظ ابن عساكر قال: أخبرنا
(1) كذا في (ب)، والصحيح لغة (قائمًا).
أبو العز أحمد بن عبيد الله العكبري ببغداد، ثنا أبو محمَّد الحسن بن على الجوهري، ثنا أبو الحسن على بن محمَّد الورَّاق، ثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي، ثنا أبو الوليد بشر بن الوليد القاضي، ثنا الفرح بن فضالة، ثنا هلال أبو جبلة عن سعيد بن المسيب، عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: خرجَ علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومًا ونحنُ في صفة بالمدينة فقام علينا فقال: "إني رأيتُ البارحة عجبًا رأيتُ رجلاً مِنْ أُمَّتي أتاه ملك الموت ليقبض روحه فجاءه برّ (1) والديه (2) فطرد ملكَ الموت عنه"(3) وساق جميع ما ذكرنا.
قُلْتُ: وهذا الحديث ذكر غير واحد من الحفَّاظ أن لوائح الصحة ظاهرة عليه، وأنَّ القلب يركن إلى متنه (4) وفيه بشارة عظيمة للأمةِ عامة فإن قيل: هذه المذكورات أعراض فكيف تصح شفاعتها؟ وكيف تصدر الشفاعة من عرض وهو مفتقر لمحل يقوم فيه؟ قلنا: لا جرم أنَّ هذه (5) الأعمال والمعاني مخلوقةٌ للهِ تعالى ولها
(1) ورد في هامش الأصل: برّ: أي لأنَّ بر الوالدين يزيد في العمر، أي بالنسبة لما في صحف الملائكة أهـ.
(2)
في (ب)(بره بوالديه).
(3)
قَالَ القرطبي التذكرة (1/ 367): هَذَا حديث عظيم ذكر فيه أعمالاً خاصة تنجي من عذاب القبر ومن أهوال خاصة لكن فيمن أخلص لله في عمله وصدق في قوله وفعله أهـ.
(4)
وأمَّا سنده فقال المناوي إنَّه ضعيف أهـ. فيض القدير (3/ 25).
(5)
ليست في (ب).
صور عند الله سبحانه وإنْ كنا لا نشاهد تلك الصور وقد نص أربابُ الحقيقة على أنَّ مِنْ أنواع الكشف الوقوف على حقائق المعاني وإدراك صورها بصورة الأجسام. والأحاديث (1) شاهدة لذلك هذا محصل جواب العلامة. ملخصاً.
قلْتُ: وهذا ليس بشيء والتحقيق عندي أن الله يخلق من ثواب القرآن ملائكة يأتون مع أهْلِ القرآن وقد جاء في الخبرِ: مَنْ قرأ: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران: 18] خلق اللهُ سبعين ألف ملك يستغفرون له إلى يوم القيامة (2). وهنا كذلك يخلقُ الباري جلّ شأنه، وتعالى سلطانه من ثواب القرآن والصيام وكذلك سائر الأعمال الصالحة ملائكة يشفعون له ثُمَّ رأيت القرطبي ذكره في
(1) ورد في هامش الأصل: ففي الحديث الطَّويل الذي رواه أحمد وأبو داود والحاكم من طرق صحيحة عن البراء بن عازب أن المؤمن يأتيه في قبره رجل حسن الوجه طيب الريح فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح. والكافر يأتيه رجل قبيح الوجه منتن الرِّيح فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الخبيث. فهذا يؤيد كلام العلامة. وقال المناوي في شرحه لهذا الحديث -أي حديث رأيت رجلًا- يحتمل الحقيقة بأن يجسد الله ثواب هذه الأعمال ويخلق فيه حياة ونطقاً، ويحتمل أنَّه مضاف إلى الملك الموكل بكتابة ثوابه. أهـ.
(2)
ويناسب المقام هنا حديث: "يأتي القرآن يوم القيامة شفيعًا لأصحابه" وأيضاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تأتي سورة البقرة وآل عمران كأنهما غيايتان أو كأنهما سحابتان من طير صواف تجادلان عن صاحبهما" وقد مر ذكر الحديث قريباً.
"التذكرة"(1) عن الإمام عبد الله بن المبارك قدس الله روحه في "دقائقه". والحاصل أن الصور نفس ثواب القرآن كبقية الأعمالِ لا أنَّ القرآن نفسه يتصور ولعلّه مراد العلامة بل هو مراده قطعًا وإنْ أوهم خلافه فتنبه والله أعلم (2).
(1)(2/ 75) في باب منه في الشفعاء وذكر الجهنميين.
(2)
لا مانع أن الله يحيل هذه المعاني إلى أجسام والله على كل شيء قدير، كما جاء في الحديث أن عمل الإنسان يأتيه في القبر حسب عمله إمَّا صورة حسنة أو سيئة. ا. هـ من تعليق شيخنا الشَّيخ صالح الفوزان حفظه الله.