الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثامن خروج الدخان
وهو ثابت بالكتاب والسنة، أما الكتابُ: فقال سبحانه وتعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)} [الدخان: 10] قال ابن عباس (1) وابن عمر (2) والحسن (3) وزيد بن على: هو دُخان قبل قيام الساعة، يدخلُ في أسماع الكفار والمنافقين، ويعتري المؤمنين منه كهيئة الزكام، وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه ولم يأت بعد، وهو آت.
وأمّا السنة: فأخرج مسلم (4)، عن حذيفة بن أسيد قال: طلَع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحنُ نتذاكر فقال:"ما تذكرون؟ " قالوا: الساعة يا رسول الله، قال "إنها لن تقومَ حتى تروا قبلها عشرَ آيات،
(1) الطبري تفسير آية النمل (10)"الدر المنثور"، تفسير آية (10) النمل الحاكم (4/ 459).
(2)
الطبري تفسير آية (10) النمل "الدر المنثور" تفسير آية (10) من النمل.
(3)
الطبري موقوفًا على الحسن. "الدر المنثور" تفسير آية (10) من النمل وجاء من رواية حذيفة بن اليمان في "الدر المنثور" والطبري وأبي سعيد الخدري في "الدر المنثور" وذكر ابن كثير وقال ابن حجر إسناده ضعيف وأبي مالك الأشعري في "الدر المنثور" والطبري والطبراني (3440) وللنظر في أقوال أهل العلم ينظر الطبري، والدر المنثور.
(4)
مسلم (2901).
فذكر منها الدخان"، ورواه الترمذي وابن ماجه "وإنه يمكثُ في الأرض أربعين يومًا" (1).
وفي حديث حذيفة: "إن من أشراط الساعة، دخان يملأ ما بين المشرق والمغرب، يمكثُ في الأرض أربعين يومًا، فأما المؤمن: فيصيبُه منه شبه الزكام، وأما الكافرُ: فيكون بمترلة السكران، يخرج الدُخان من فمه ومنخريه وعينيه وأذنيه ودبره"(2).
وقيل: إن الدخان مَرَّ وأنه الجوع الذي كان حال بين أبصار قريش، وبين السماء. ففي الصحيحين قال مَسروق: كُنا عند ابن مسعود جُلوسًا وهو مضطجع بيننا، فقال رجل: يا أبا عبد الرحمن قصّاصًّا عند أبواب كندة، يقولُ في قوله تعالى:{يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10] إنه دخان يأتي قبل يوم القيامة يأخذ بأنفاس الكفار والمنافقين، وأسماعهم وأجسادهم، ويأخذ المؤمنين منه مثل الزكام، فجلس ابن مسعود وهو غضبان فقال: يا أيها الناس اتقوا الله، من علِم شيئًا فليقلُ بما يعلم، ومن لا يعلم فليقُل الله أعلم، فإن الله تعالى قال لنبيّه صلى الله عليه وسلم {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] وسأحدثكم عن ذلك، إن قريشًا لمّا أبطأت عن الإسلام، دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اللهم سبعَ سنينِ كسني يوسف عليه الصلاة والسلام، فأصابهم من الجهد
(1) كما في حديث النواس عند الترمذي (2240)، وابن ماجه (4075).
(2)
الطبري في تفسير سورة الدخان آية (10) أورده القرطبي في تفسيره 16/ 131 وعزاه للثعلبي.
والجوع، ما أكلوا به العظام والميتة والجلود، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يَرون إلَّا الدخان من ظلمة أبصارهم من شدة الجوع، فأتاه أبو سفيان بن حرب فقال: يا محمّد إنك جئت تأمرُ بالطاعة وصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله لهم فإنهم لك مطيعون فقال (1) تعالى حكايةً عنهم:{رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} [الدخان: 12] فدعى فكشف، فقال تعالى:{إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15)} [الدخان: 15] أي إلى كفركم (2).
قال العلامة: كلامُ ابن مسعود موافق لظاهر الآية، فلا دليل فيها للجمهور، وإنما الدليل لهم من السنة. ولعل ذلك لم يبلغ ابن مسعود، حين أنكر ذلك على أنه ورد عن ابن مسعود أنه كان يقول: همُا دخانان مضى واحد والذي بقي يملأ ما بين السماء والأرض، ولا يجدُ المؤمن منه إلا كالزكمة، وأما الكافر فيشقُ مسامعه، فيبعثُ اللهُ عند ذلك الريحَ الجنوبَ من اليمن، فتقبضُ روحَ كل مؤمن، ويبقى شِرار الناس.
وأخرج الإمامُ أحمد ومسلم عن ابن عمرو (3) رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجيء بعد موتِ عيسى عليه السلام ريحٌ باردة من قِبَل الشام، فلا تُبقي على وجهِ الأرض أحدًا في قلبه مِثقال ذرة
(1) في (ب): قال.
(2)
رواه البخاري (1007) و (4693) و (4821 - 4825)، ومسلم (2798).
(3)
في الأصل: ابن عمر.
من إيمان، إلا قبضته حتى لَو أنَّ أحدكم دخل في كبد جبل، لدَخلت عليه حتى تقبضه، فيبَقى شرارُ الناس، في خفة الطير وأحلام السباع، لا يعرفون معروفًا، ولا يُنكرون مُنكرًا فيتمثل لهم الشيطان فيقولون: ما تأمرنا فيأمرهم بعبادة الأوثان، فيعبدونها وهم في ذلك دارّ رزقهم حسن عيشهم، ثم يُنفخُ في الصور" (1) واستشكل بأنه قد تقدم أن الدابَّةَ تقتُلُ إبليسَ، والجوابُ أنه ليس فيه أن الذي يظهر لهم إبليس، بل يجوز أن يكونَ شيطانًا آخر غير إبليس من ذريته.
وأخرجَ الإمام أحمد (2) ومسلم والترمذي، من حديث النواس بن سمعان، "فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحًا طيبة، فتأخُذَهم تحتَ آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم. ويبقى شِرار الناس، يتهارجون فيها تهارج الحُمر أي: يتسافدون تسافد الحُمُر، جمع حمار. فعليهم تقوم الساعة"، وفي حديث ابن مسعود:"إن المؤمنين يتمتعون بعد خروج الدابّة أربعين سنة، ثم يعود فيهم الموت، ويُسرع فلا يبقى مؤمن ويبقى الكفار يتهارجون في الطريق كالبهائم وفيه فيكونون على مثل ذلك، حتى لا يُولد أحد من نكاح، ثم يُعقم الله النساء ثلاثين سنة، ويكونون كلهم أولاد زنا، شرار الناس وعليهم تقوم الساعة"(3).
(1) رواه أحمد 2/ 166، ومسلم (2940)، وابن حبان (7353).
(2)
مسلم (2937)، أحمد (4/ 182)، والترمذي (2240)، وأبو داود (4321)، والنسائي في "الكبرى"(8024).
(3)
رواه مسلم (2937)، وتقدم مرارًا.
وأخرجَ الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه، "أن الله يبعثُ ريحًا من اليمن، ألين من الحرير، فلا تدع أحدًا في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته"(1)، فإنْ قيل: تقدم أن الريح تأتي من قبل الشام، وهنا إنها من قبل اليمَن والجواب: ما ذكره المناويُّ في تخريج أحاديث المصابيح، بأنهما ريحان شاميّة ويمانية (2).
وأخرج الإمام أحمد (3) بسند قوي، عن أنس رضي الله عنه قال:"لا تقومُ الساعةُ حتى لا يقال في الأرض: لا إله إلا الله"، وهوُ عند مسلم (4) بلفظ "حتى لا يُقال في الأرض الله الله". والله أعلم.
(1) رواه مسلم (117)، والحاكم 4/ 502.
(2)
"فيض القدير" 2/ 358.
(3)
المسند 3/ 107.
(4)
صحيح مسلم (148).
الفصل التاسع في رفع القرآن العظيم، وكلامُ الله القديم (1) من المصاحف والصدور، وهي من معضلات الأمور، فيا لها من مصيبة ما أعظمها، وخيبة ما أوخمها
أخرج الديلمي عن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما، قالا: يسري على كتاب الله ليلاً، فيُصبح الناس، وليس منه آية ولا حرف، في جوف إلا نُسخت (2). قال العلامة في "بهجته": قرَّر الأئمة أنهُ يُرفع أوّلًا من المصاحف، وذلك أنهم يبيتون فيصبحون، وليس فيها حرفٌ مكتوب، ثمَّ يرفعُ من الصدور عقب ذلك، لأعجل زمنٍ حتى لا يكون منه شيء محفوظٌ حتى يقول الحافظ للآخر، وقد سأله الآخر كنتُ أحفظ شيئًا نَسيتُه، لا أدري ما هو؟
وفي الحديث: "أكثروا من الطواف بالبيت قبل أن يُرفع، وينسى الناس مكانه، وأكثروا تِلاوَةَ القُرآن من قبل أن يُرفع" قيل: وكيفَ يُرفع ما في صدورِ الرجال؟ قال: "يسري عليهم ليلًا فيُصبحون منه فُقراء، ويَنسونَ قولَ لا إله إلا الله"(3).
(1) قول السلف رحمهم الله تعالى في كلام الله عز وجل أنه قديم النوع حادث الآحاد، ومعنى قديم النوع أن الله لم يزل، ولا يزال متكلمًا ليس الكلام حادثًا بعد أن لم يكن، ومعنى حادث الآحاد: أن آحاد كلامه أي الكلام المعين الخصوص حادث لأنه متعلق بمشيئته متى شاء تكلم بما شاء كيف شاء. اهـ.
(2)
رواه الحاكم 4/ 552، والديلمي 5/ 488 نحوه من حديث أبي هريرة. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.
(3)
عبد الرزاق 5/ 137، والفاكهي 1/ 359 من قول على.
وعند الديلمي: من حديث ابن عُمرَ مرفوعًا: "لا تقومُ الساعة حَتَّى يرجعَ القُرآنُ من حيثُ جاء، لهُ دويُّ حول العرش كدويّ النحل، فيقول عز وجل مالك؟ فيقول: منك خرجتُ وإليك أعود، أُتلى فلا يُعملُ بي"(1).
وعند ابن ماجه من حديث حذيفة مرفوعًا: "يَدرَسُ الإسلامُ حتى ما يُدرى ما صيام ولا صلاة!! ولا نسك ولا صدقة ويسري على كتاب الله تعالى في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية"(2). الحديث
وأخرجَ السجزي عن ابن عمر رضي الله عنهما "لا تَقومُ القيامةُ حتى يُرفَع الرُكنُ والقرآن"(3).
وأخرج ابن ماجه بسند قوي والحاكم والبيهقي والضياء عن حذيفة رضي الله عنه قال: "يَدرَسُ الإسلامُ كما يدرسُ وَشْيُ الثوبِ حتى لا ندري ما صيام ولا صلاة، ولا نسك ولا صدقة، ويسري على كتاب الله في ليلة، فلا يبقى في الأرض منه آية، ويبقى طوائف من الناس، الشيخ والعجوز يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله، فنحنُ نقولها"(4) والله أعلم.
(1)"الفردوس" 5/ 79 (7513).
(2)
رواه ابن ماجه (4049) وسيأتي تمام تخريجه. في ت (4).
(3)
رواه السجزي عن ابن عمر في "فيض القدير" 6/ 418، وهو في "الفردوس" 5/ 86 من حديث جابر.
(4)
رواه ابن ماجه (4049)، والبزار 7/ (2838)، والحاكم 4/ 520 و 4/ 587، والبيهقي في "الشعب"(2028)، وصححه البوصيري في "مصباح الزجاجة" 4/ 198، وصححه الألباني.
ورواه محمد بن فضيل في "الدعاء"(15)، ونعيم بن حماد 2/ 598، والخطيب في "تاريخه" 1/ 400 موقوفًا.