الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال العلامة (1): قلت: الأحسن أنْ يُقالَ: الحكمة فيه إظهار العْدلِ، وبيان الفضلِ حيث إنَّه تعالى يزن مثاقيل الذر مِنْ أعمالِ العْبادِ {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40]. انتهى.
أيّ عمل لكَ يصلح أنْ يحصل في الميزان أيّ فعل لك إذا ظهر زان. ستعلم من يفتضح إذا نشر له الديوان. ستعرف خبرَك إذا شهدَ الجْلدُ والمكان. بكلِّ قبيح فعل أو كان. فيا مَن اشتغلَ بدنياه عن الآخرةِ. واكتفى بالخزفِ عن الدرر الفاخرة. وباعَ لذة لا تفنى ولا تبيد. بما لا يعدل مثقال حبة منَ الحديد. انتبه يا مسكين قبل أنْ ينصبَ الميزان. وتوقف يا حزين بين يدي الرحمن. فلا ثمَّ صديق ينفع. ولا حميم يشفع. إلَاّ بإذن المنان. من ذا الذي يشفع عنده إلَاّ بإذنه. أم من ذا الذي يأمَن من مكرِه ولعنِه. فكيف بك وقد أتيته فردًا. ونصب الميزان وما ثَم ترجو أحدًا. ولقد أحسن من قال في ذلك:
تذكر يومَ تأتي الله فردًا
…
وقد نصبت موازين القضاء
وهتكت الستور عن المعاصي
…
وجاء الذنب مكشوف الغطاء
لطيفة:
ورَدَ ما يقتضي تضعيف الحسنات إلى عددٍ معلوم قال تعالى:
{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] وقال: {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} [البقرة:
(1) انظر "تحقيق البرهان" ص 65.
261] وذلك يقتضي أنَّ الحسنة تتضاعف إلى سبعمائة حسنة وجاء أيضًا ما لا يقتضي العد كقوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] وقال: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40] ولا شك أنَّ اللهَ يضاعفُ لمَن يشاء ما شاء.
وأخرجَ الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى قال:"إن اللهَ سبحانه وتعالى كتب الحسنات والسيئات، ثُمَّ بيّن ذلك فمَنْ همَّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبها الله عنده حسنةً كاملةً، وإنْ همَّ بها فعملهَا كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإنْ همّ بسيئةٍ فلم يعملها كتبها الله عنده حسنةً كاملة، وإنْ هتم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة"(1).
قال الحافظ ابن رجب في "شرح الأربعين": وفي هذا المعنى أحاديث متعددة. ثم ذكر حديث أبي هريرةَ عند الشيخين مرفوعًا: "يقول الله: إذا أراد عبدي أنْ يعملَ سيئةً فلا تكتبوها عليه حَتَّى يعملها فإنْ عملها فاكتبوها بمثلها، وإنْ تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها لَهُ حسنة فإنْ عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف"(2). هذا لفظ البخاري.
(1) رواه البخاري برقم (6491) باب: من همَّ بحسنة أو بسيئة. ومسلم برقم (131) باب: إذا همَّ العبد بحسنة.
(2)
رواه البخاري برقم (7501) كتاب التوحيد. ومسلم برقم (128) كتاب الإيمان.
قُلْتُ: أفادنا هذا الحديث أنَّ ترك السيّئة بعدَ الهَمِّ بها إنَّما يكون حسنةً إذا كان التركُ من أجلِ اللهِ كما نطق به الحديث ومفهومه أنَّه إنْ لم يكن الترك من أجله تعالى فلا يكون ذلك حسنة وهو كذلك واعلم أنَّ الإنسانَ إذا همّ بالحسنةِ يكون ذلك حسنة لأنَّ الهم بالمعروف معروفٌ وقد أحسن من قال:
لأشكرنك معروفا هممت به
…
فإنَّ همّك بالمعروف معروف
ولا ألومك إذ لم يمضه قدر
…
فالشيء بالقدر المحتوم مصروف
وإذا همَّ الإنسانُ بسيئةٍ فتركها من أجلِ اللهِ كان ذلك حسنة فإنْ عزمَ، وصمم على فعل السيّئة، ثم لم يقدر عليها فلا يكون ذلك حسنة بل سيّئة فإنْ صمم على فعل السيّئة، ثم تركها من أجلِ اللهِ فهذا ربَّما يقال: التصميم على فِعْل السيّئة سيئة، والرجوع عنه من أجل الله كفارة لذلك التصميم. وقد بيَّن الحافظ ابن رجب تفصيل ذلك في كتابهِ "شرح الأربعين" فليراجعه مَنْ شاء والله أعلم.
وعن أبي عثمان النهدي قال: قدمتُ إلى مكة حاجًا، أو معتمرًا فلقيتُ أبا هريرةَ رضي الله عنه فقلت: بلغني عنكَ أنك تقول: اللهُ يعطي عبدَه المؤمن بالحْسنةِ الواحدة ألف حسنة. فقال: لم أقل ذلك، ولكني قلتُ: إنَّ الحْسنةَ تضاعف بألفي ألف ضعف. ثم قال: قال الله تعالى: {وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40].
قُلْتُ: خرجه الإمام أحمد وقال: قال أبو هريرة: إذا قال الله
تعالى: {أَجْرًا عَظِيمًا} فمن يقدر قدره (1). وروي عن أبي هريرةَ مرفوعًا، وموقوفًا وقد قال: قال الحسن: وإن تك حسنة يضاعفها أحب إلى من قول العلماء من أنَّ الحسنة الواحدة تضاعف مائة ألف حسنة؛ لأنَّ التضعيف الذي قالوه يكون مقداره معلومًا، وأمَّا على هذه العبارة التي في كتابِ اللهِ فغير معلوم.
(1) رواه أحمد في "مسنده" 2/ 521 - 522، الطبري في تفسيره (5/ 91).