الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(31) - (974) - بَابُ النِّيَّةِ فِي الْقِتَالِ
(64)
- 2740 - (1) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَش، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً
===
(31)
- (974) - (باب النية في القتال)
(64)
- 2740 - (1)(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي أبو عبد الرحمن، ثقة حافظ فاضل، من العاشرة، مات سنة أربع وثلاثين ومئتين (234 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي، ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يهم في غيره، من كبار التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن) سليمان بن مهران (الأعمش) ثقة قارئ، من الخامسة، مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن) أبي وائل (شقيق) بن سلمة الأسدي الكوفي، ثقة، من الثانية مخضرم، مات في خلافة عمر بن العزيز، وله مئة سنة. يروي عنه:(ع).
(عن أبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس الكوفي رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قال) أبو موسى: (سئل) والسائل هو رجل أعرابي؛ كما صرح به في رواية مسلم، ولكن لم أر من ذكر اسمه؛ أي: سئل (النبي صلى الله عليه وسلم عن) قتال (الرجل) الذي (يقاتل شجاعةً) أي: لإظهار شجاعته وجراءته وقوته للناس ويذكر بها عند الناس؛ وهو المسمى بالرياء؛ والشجاعة: شدة
وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا .. فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ".
===
الأقدام على العدو (و) عن قتال الرجل الذي (يقاتل حمية) أي: تعصبًا وغضبًا لأهله وعشيرته وشعبه ونصرًا لهم ودفاعًا عنهم (و) عن قتال الرجل الذي (يقاتل رياءً) أي: ليرى الناس قوته وشجاعته ويتكلموا بها، وفي رواية مسلم زيادة:(أيُّ ذلك في سبيل الله؟ ) أَيْ: فأيُّ قتالِ هؤلاء الثلاثة المذكورين في سبيل الله تعالى؟
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب هذا السؤال: (مَنْ قاتل) أي: قتالُ مَن قاتل (لتكون كلمة الله) أي: كلمة التوحيد والإيمان (هي العليا) أي: العالية، وكلمة الشرك والبهتان هي السفلى، أي: السافلة .. (فهو) أي: فقتال من قاتل لذلك هو الذي كان (في سبيل الله) تعالى، والكلام على حذف مضاف؛ كما مر نظيره آنفًا، والإتيان بـ (هو) لإفادة الاختصاص، فيفهم منه أن من قاتل للدنيا .. فليس في سبيل الله في الحقيقة، ولا يكون له ثواب الغزاة.
وقوله: (حمية) قال النووي: الحَمِيَّةُ: هي الأَنَفَة والغِيرَةُ والمُحاماة والمُدافعة عن عشيرته.
وقوله: (ويقاتل رياءً) والرياء لغةً: إظهار الشيء على خلاف ما هو عليه، وعند بعضهم: هو طلب المنزلة في القلوب بإرادة الفضائل مطلقًا، مشتق من: الرؤية.
وعرفًا: إرادة نفع الدنيا بعمل الآخرة، أو بدليله؛ كذبول الشفتين وتحريكهما، وخفض الصوت، واصفرار اللهجة، أو إعلام العمل أحدًا من الناس من غير إكراه ملجئ.
وفي "حياة القلوب": اعلم: أن حقيقة الرياء هي طلب المنزلة في قلوب
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
الناس بالعبادات وأعمال الخير، وهي من خبائث أفعال القلوب، وهي في العبادة استهزاء بالله تعالى. انتهى.
وضده الإخلاص؛ وهو القصد إلى الله تعالى مجردًا عما ذكر.
وفي "شرح الأشباه" للحموي: الإخلاص: سر بينك وبين ربك، لا يطلع عليه ملك فيكتبه، ولا شيطان فيضله، ولا هوىً فيميله، قال بعض العرفاء: المخلص: من لا يحب أن يحمده الناس على شيء من أعماله.
قال النووي: وفي هذا الحديث دليل على تغليظ تحريم الرياء وشدة عقوبته يوم القيامة، وعلى الحث على وجوب الإخلاص في الأعمال؛ كما قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (1).
وفيه أن العمومات الواردة في الجهاد إنما هي من أراد الله تعالى بذلك مخلصًا، وكذلك الثناء على العلماء وعلى المنفقين في وجوه الخيرات، كله محمول على من فعل ذلك لله تعالى مخلصًا له. انتهى.
واعلم: أن الرياء: حرام، والمرائي عند الله ممقوت، وقد شهدت لذلك الآيات والأخبار والآثار.
وأما الآيات .. فمنها قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)} (2)، إلى غير ذلك من الآيات.
وأما الأخبار .. فقد قال صلى الله عليه وسلم حين سأله رجل، فقال: يا رسول الله؛ فيم النجاة؟ فقال: "ألا يعمل العبد بطاعة الله يريد بها الناس
…
" الحديث.
(1) سورة البينة: (5).
(2)
سورة الماعون: (4 - 7).
(65)
- 2741 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ،
===
وأما الآثار .. فيروى أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رأى رجلًا يطأطأ رقبته، فقال: يا صاحب الرقبة؛ ارفع رقبتك؛ ليس الخضوع في الرقاب، وقال علي رضي الله تعالى عنه: للمرائي ثلاث علامات:
1 -
يكسل إذا كان وحده، وينشط إذا كان مع الناس.
2 -
ويزيد في العمل إذا أثني عليه، وينقص إذا ذم
…
إلى آخره.
وقال بعض أهل المعرفة: الرياء: ترك العبد عمله المعتاد؛ خوفًا من أن يقول الناس: مراءٍ، وأما العمل للناس .. فشرك، والعياذ منه بالله تعالى.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في مواضع كثيرة؛ منها: كتاب الجهاد، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، ومسلم في كتاب الإمارة، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وأبو داوود في كتاب الجهاد، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، والترمذي في كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء فيمن يقاتل للرياء وللدنيا، والنسائي في كتاب الجهاد، باب ما جاء فيمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ثم استشهد المؤلف لحديث أبي موسى بحديث أبي عقبة رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(65)
- 2741 - (2)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، ثقة مصنف، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).
حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ دَاوُودَ بْنِ الْحُصَيْن، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي عُقْبَةَ وَكَانَ مَوْلىً لِأَهْلِ فَارِسَ
===
(حدثنا حسين بن محمد) بن بهرام التميمي أبو أحمد المروذي نزيل بغداد، ثقة، من التاسعة، مات سنة ثلاث عشرة ومئتين (213 هـ)، أو بعدها بسنة أو سنتين. روى عن: جرير بن حازم، ويروي عنه:(ع)، وأبو بكر بن أبي شيبة.
(حدثنا جرير بن حازم) بن زيد بن عبد الله الأزدي أبو النضر البصري والد وهب بن جرير، ثقة وله أوهام، من السادسة، مات سنة سبعين ومئة (170 هـ) بعدما اختلط، لم يحدث في حال اختلاطه. يروي عنه:(ع).
(عن محمد بن إسحاق) بن يسار المطلبي مولاهم المدني نزيل العراق إمام المغازي، ثقة معروف بالعلم؛ كما في "التهذيب" من صغار الخامسة، مات سنة خمسين ومئة (150 هـ)، ويقال بعدها. يروي عنه:(م عم).
(عن داوود بن الحصين) الأموي مولاهم أبي سليمان المدني، ثقة إلا في عكرمة، ورمي برأي الخوارج، من السادسة، مات سنة خمس وثلاثين ومئة (135 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عبد الرحمن بن أبي عقبة) الفارسي، مقبول، من الثالثة. يروي عنه:(د ق).
(عن أبي عقبة) الأنصاري مولاهم بعد الإسلام (وكلان) قبله (مولىً لأهل فارس) قيل: اسمه عقبة أو رشيد، له صحبة وحديث رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ فَضَرَبْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَقُلْتُ: خُذْهَا مِنِّي وَأَنَا الْغُلَامُ الْفَارِسِيُّ، فَبَلَغَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"أَلَا قُلْتَ خُذْهَا وَأَنَا الْغُلَامُ الْأَنْصَارِيُّ".
===
(قال) أبو عقبة: (شهدت) أي: حضرت القتال (مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم) غزوة (أحد، فضربت رجلًا من المشركين) بسيفي أو طعنتُه برمحي (فقلت) له: (خذها) أي: خذ هذه الضربة أو الطعنة (مني) زادًا لك (وأنا الغلام الفارسي) أي: مولاهم؛ يعني: في أصله (فبلغت) أي: وصلت مقالتي هذه (النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألا) - بالتخفيف - أداة عرض؛ وهو الطلب برفق ولين؛ أي: هلا (قلت) يا أبا عقبة لقتيلك المشرك: (خذها) أي: خذ هذه الضربة أو الطعنة مني (وأنا الغلام الأنصاري) مولاهم، لأن الإسلام يجب ويقطع حكم ما قبله.
قوله: (وأنا الغلام الفارسي) - بكسر الراء - جملة حالية من ضمير المتكلم في قوله: (خذها مني)، وهذا القول على عادتهم في المحاربة أن يخبر الضارب المضروب باسمه ونسبه؛ إظهارًا بشجاعته.
قوله: "فهلا قلت" أي: لم لا قلت: "خذها مني وأنا الغلام الأنصاري" لأن مولى القوم منهم.
قال القاري: معناه: أي: إذا افتخرت عند الضرب .. فانتسب إلى الأنصار الذين هاجرت إليهم ونصروني، وكانت فارس في ذلك الوقت كفارًا، فكره النبي صلى الله عليه وسلم الانتساب إليهم، وأمره بالانتساب إلى الأنصار؛ ليكون منتسبًا إلى أهل الإسلام، لا إلى أهل الكفر.
قال المنذري: وأبو عقبة هذا بصري مولىً من بني هاشم بن عبد مناف، فهاجر إلى المدينة بعد إسلامه. انتهى، انتهى من "العون".
(66)
- 2742 - (3) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ، أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ
===
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب الأدب، باب في العصبية.
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي موسى.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي موسى بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(66)
- 2742 - (3)(حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم) بن عمرو العثماني مولاهم الدمشقي أبو سعيد، لقبه دحيم - بمهملتين مصغرًا - ثقة حافظ متقن، من العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ). يروي عنه:(خ د س ق).
(حدثنا عبد الله بن يزيد) المكي أبو عبد الرحمن المقرئ، أصله من البصرة أو الأهواز، ثقة فاضل، أقرأ القرآن نيفًا وسبعين سنة، من التاسعة، مات سنة ثلاث عشرة ومئتين (213 هـ)، وقد قارب المئة، وهو من كبار شيوخ البخاري. يروي عنه:(ع).
(حدثنا حيوة) بن شريح بن صفوان التجيبي أبو زرعة المصري، ثقة ثبت فقيه زاهد، من السابعة، مات سنة ثمان وخمسين ومئة (158 هـ)، وقيل: تسع وخمسين ومئة. يروي عنه: (ع).
(أخبرني أبو هانئ) حميد بن هانئ الخولاني المصري، لا بأس به، بل
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ يَقُولُ: إِنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُصِيبُوا غَنِيمَةً .. إِلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَي أَجْرِهِمْ؛ فَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً .. تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ".
===
ثقة، من الخامسة، وهو أكبر شيخ لابن وهب، مات سنة اثنتين وأربعين ومئة (142 هـ). يروي عنه:(م عم).
(أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي) - بضمتين أو بضم ففتح - المعافري عبد الله بن يزيد المصري، ثقة، من الثالثة، مات سنة مئة (100 هـ) بأفريقية. يروي عنه:(م عم).
(يقول: إنه سمع عبد الله بن عمرو) بن العاص بن وائل القرشي السهمي، الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
حالة كون عبد الله بن عمرو (يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما من) سرية (غازية) صفة لموصوف محذوف معلوم من السياق؛ تقديره: أي: من جماعة أو سرية غازية (تغزو) وتجاهد (في سبيل الله) وطاعته، بالتأنيث والإفراد؛ نظرًا إلى لفظ "غازية"(فيصيبوا) بالنصب في رواية ابن ماجه؛ لوقوعه بعد النفي، وفي رواية مسلم:(فيصيبون) بالرفع، وهو الأوضح؛ لأنه معطوف على المرفوع؛ أي: فيحصلون ويغنمون (كنيمة) بتذكير الفعل وجمعه؛ نظرًا إلى معنى غازية؛ وهو الجيش .. (إلا تعجلوا) من التفعل بـ (ثلثي أجرهم) أي: من أجورهم المدخرة لهم في الآخرة؛ (فإن لم يصيبوا) ولم يأخذوا (غنيمةً .. تم لهم أجرهم) في الآخرة؛ أي: ادخر لهم أجرهم عند الله في الآخرة تامًا غير ناقص.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قال القاضي عياض: وفي هذا الحديث من غزا الكفار فرجع سالمًا غانمًا .. فقد تعجل واستوفى ثلثي أجره؛ وهما: السلامة والغنيمة في الدنيا، وبقي له ثلث الأجر يناله في الآخرة؛ بسبب ما قصد بغزوه محاربة أعداء الله تعالى. انتهى.
قوله: (إلا تعجلوا ثلثي أجرهم) ظاهره: أن من غنم من المجاهدين .. انتقص أجره بقدر الثلثين من المجاهد الذي لم يغنم شيئًا، ولم يسلم؛ بأن جرخ.
واستشكله بعضهم بأن الغنيمة نعمة من الله تعالى أحلت لهذه الأمة، فكيف ينتقص بها أجر الجهاد، ولو كانت منقصة للأجر .. لما تناولها الصحابة والتابعون الذين كانوا في زيادة الأجر أكثر مما يَطْمَعونَ في التمتعِ بالغنائم، ولو كانت الغنيمة ينقص بها الأجر .. لما فضل أصحاب بدر على أصحاب أحد؟ !
ولهذا الإشكال ذهب بعض هؤلاء إلى تضعيف هذ الحديث؛ بسبب أبي هانئ مع أنه ثقة احتج به مسلم وغيره، وذهب بعضهم إلى تأويلات أخرى كلها ضعيفة، بسطها ورد عليها القاضي عياض والنووي والحافظ في "الفتح".
والحق أنه لا إشكال في حديث الباب؛ لأن الأجر على قدر المشقة والمصيبة، ولا شك أن من لم يسلم أو لم يغنم مصيبته أكثر ممن سلم وغنم، فكان ثوابه أعظم، وقد ذكر الحافظ في "الفتح" (6/ 10) عن بعض المتأخرين حكمة لطيفة بالغة للتعبير بثلثي الأجر؛ وذلك أن الله أعد للمجاهدين ثلاث كرامات؛ دنيويتين وأخروية؛ فالدنيويتان: السلامة والغنيمة، والأخروية: دخول الجنة.