المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(61) - (1004) - باب بيعة النساء - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ١٦

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ الفرائض

- ‌(1) - (944) - بَابُ الْحَثِّ عَلَى تَعْلِيمِ الْفَرَائِضِ

- ‌(2) - (945) - بَابُ فَرَائِضِ الصُّلْبِ

- ‌(3) - (946) - بَابُ فَرَائِضِ الْجَدِّ

- ‌(4) - (947) - بَابُ مِيرَاثِ الْجَدَّةِ

- ‌(5) - (948) - بَابُ الْكَلَالَةِ

- ‌تنبيه

- ‌(6) - (949) - بَابُ مِيرَاثِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ

- ‌(7) - (950) - بَابُ مِيرَاثِ الْوَلَاءِ

- ‌(8) - (951) - بَابُ مِيرَاثِ الْقَاتِلِ

- ‌(9) - (952) - بَابُ ذَوِي الْأَرْحَامِ

- ‌(10) - (953) - بَابُ مِيرَاثِ الْعَصَبَةِ

- ‌(11) - (954) - بَابُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ

- ‌(12) - (955) - بَابٌ: تَحُوزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَ مَوَارِيثَ

- ‌(13) - (956) - بَابُ مَنْ أَنْكَرَ وَلَدَهُ

- ‌(14) - (957) - بَابٌ: فِي ادِّعَاءِ الْوَلَدِ

- ‌(15) - (958) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ

- ‌(16) - (959) - بَابُ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ

- ‌(17) - (960) - بَابٌ: إِذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ .. وَرِثَ

- ‌(18) - (961) - بَابُ الرَّجُلِ يُسْلِمُ عَلَى يَدَيِ الرَّجُلِ

- ‌كتابُ الجِهاد

- ‌(19) - (962) - بَابُ فَضْلِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ

- ‌(20) - (963) - بَابُ فَضْلِ الْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ عز وجل

- ‌(21) - (964) - بَابُ مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا

- ‌(22) - (965) - بَابُ فَضْلِ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى

- ‌(23) - (966) - بَابُ التَّغْلِيظِ فِي تَرْكِ الْجِهَادِ

- ‌(24) - (967) - بَابُ مَنْ حَبَسَهُ الْعُذْرُ عَنِ الْجِهَادِ

- ‌(25) - (968) - بَابُ فَضْلِ الرِّبَاطِ فِي سَبِيلِ اللهِ

- ‌(26) - (969) - بَابُ فَضْلِ الحَرْسِ وَالتَّكْبِيرِ فِي سَبِيلِ اللهِ

- ‌مستدركة

- ‌(27) - (970) - بَابُ الْخُرُوجِ فِي النَّفِيرِ

- ‌تنبيه

- ‌تنبيه على تنبيه

- ‌(28) - (971) - بَابُ فَضْلِ غَزْوِ الْبَحْرِ

- ‌(29) - (972) - بَابُ ذِكرِ الدَّيْلَمِ وَفَضْلِ قَزْوِينَ

- ‌(30) - (973) - بَابُ الرَّجُلِ يَغْزُو وَلَهُ أَبَوَانِ

- ‌(31) - (974) - بَابُ النِّيَّةِ فِي الْقِتَالِ

- ‌تتمة

- ‌(32) - (975) - بَابُ ارْتِبَاطِ الْخَيْلِ فِي سَبِيلِ اللهِ

- ‌(33) - (976) - بَابُ الْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللهِ سبحانه وتعالى

- ‌(34) - (977) - بَابُ فَضْلِ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ

- ‌تتمة ما في أحاديث الباب من حياة الشهداء

- ‌(35) - (978) - بَابُ مَا يُرْجَى فِيهِ الشَّهَادَةُ

- ‌(36) - (979) - بَابُ السِّلَاحِ

- ‌(37) - (980) - بَابُ الرَّمْيِ فِي سَبِيلِ اللهِ

- ‌(38) - (981) - بَابُ الرَّايَاتِ وَالْأَلْوِيَةِ

- ‌(39) - (982) - بَابُ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ فِي الْحَرْبِ

- ‌(40) - (983) - بَابُ لُبْسِ الْعَمَائِمِ فِي الْحَرْبِ

- ‌(41) - (984) - بَابُ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْغَزْوِ

- ‌(42) - (985) - بَابُ تَشْيِيعِ الْغُزَاةِ وَوَدَاعِهِمْ

- ‌(43) - (986) - بَابُ السَّرَايَا

- ‌تتمة

- ‌(44) - (987) - بَابُ الْأَكْلِ فِي قُدُورِ الْمُشْرِكِينَ

- ‌(45) - (988) - بَابُ الِاسْتِعَانَةِ بِالْمُشْرِكِينَ

- ‌(46) - (989) - بَابُ الْخَدِيعَةِ فِي الْحَرْبِ

- ‌(47) - (990) - بَابُ الْمُبَارَزَةِ وَالسَّلَبِ

- ‌(48) - (991) - بَابُ الْغَارَةِ وَالْبَيَاتِ وَقَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ

- ‌(49) - (992) - بَابُ التَّحْرِيقِ بِأَرْضِ الْعَدُوِّ

- ‌(50) - (993) - بَابُ فِدَاءِ الْأُسَارَى

- ‌تتمة

- ‌(51) - (994) - بَابُ مَا أَحْرَزَ الْعَدُوُّ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ

- ‌(52) - (995) - بَابُ الْغُلُولِ

- ‌تتمة

- ‌(53) - (996) - بَابُ النَّفَلِ

- ‌فائدة

- ‌(54) - (997) - بَابُ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ

- ‌(55) - (998) - بَابُ الْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ يَشْهَدُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ

- ‌(56) - (999) - بَابُ وَصِيَّةِ الْإِمَامِ

- ‌(57) - (1000) - بَابُ طَاعَةِ الْإِمَامِ

- ‌تتمة

- ‌(58) - (1001) - بَابُ لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ

- ‌(59) - (1002) - بَابُ الْبَيْعَةِ

- ‌(60) - (1003) - بَابُ الْوَفَاءِ بِالْبَيْعَةِ

- ‌(61) - (1004) - بَابُ بَيْعَةِ النِّسَاءِ

- ‌(62) - (1005) - بَابُ السَّبَقِ وَالرِّهَانِ

- ‌تنبيه

- ‌(63) - (1006) - بَابُ النَّهْيِ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ

- ‌(64) - (1007) - بَابُ قِسْمَةِ الْخُمُسِ

الفصل: ‌(61) - (1004) - باب بيعة النساء

(61) - (1004) - بَابُ بَيْعَةِ النِّسَاءِ

(154)

- 2830 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ أُمَيْمَةَ بِنْتَ رُقَيْقَةَ تَقُولُ: جِئْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي نِسْوَةٍ نُبَايِعُهُ

===

(61)

- (1004) - (باب بيعة النساء)

(154)

- 2830 - (1)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا سفيان بن عيينة أنه سمع محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير - بالتصغير - التيمي المدني ثقةٌ فاضل، من الثالثة، مات سنة ثلاثين ومئة (130 هـ)، أو بعدها. يروي عنه:(ع).

(قال) ابن المكدر: (سمعت أميمة بنت رقيقة) - بالتصغير فيهما - وهي أميمة بنت عبد الله بن بجاد - بضم الموحدة - ابن عمير بن الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم بن مرّة، ورقيقة اسم أمها، ويقال: أميمة بنت أبي البجاد، ويقال: إنهما اثنتان. روت عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. وروت عنها: بنتها حكيمة، ومحمد بن المنكدر، قلت: اسم أبيها بجاد - بموحدة ثم جيم - ابن عبد الله بن عمير بن الحارث بن حازم بن تيم بن مرّة. انتهى من "التهذيب"، وهي صحابية رضي الله تعالى عنها لها حديثان. يروي عنها:(عم).

وهذا السند من رباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

أي: سمعت أميمة حالة كونها (تقول: جئت النبي صلى الله عليه وسلم أي: عنده (في نسوة) أي: مع نسوة من المسلمات، ولم أر من ذكر أسماءهن، حالة كوننا نريد أن (نبايعه) على الإسلام، فقلنا له: نريد أن نبايعك على

ص: 494

فَقَالَ لَنَا: "فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ؛ إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ".

===

الإسلام يا رسول الله بالمصافحة؛ كالرجال (فقال لنا) رسول الله صلى الله عليه وسلم: بايعتكن مبايعةً لسانيةً لا يدويةً على أمور الإسلام (فيما استطعتن) واخترتن وارتضيتن مما ليس واجبًا عليكن؛ كالخروج مع المجاهدين لخدمتهم، ومداواة الجرحي، وحفظ أمتعتهم في حال القتال (و) فيما (أطقتن) وقدرتن عليه مما هو واجب عليكن؛ كالصلاة والصيام من التكاليف الشرعية الواجبة على الرجال والنساء.

وإنما قلت: لكن مبايعةً قوليةً؛ لـ (أني لا أصافح) ولا أمس بيدي يد (النساء) الأجنبيات، فبايعناه بالكلام لا باليد.

وقوله: "فيما استطعتن" من الاستطاعة بمعنى التطوع والتبرع فيما لا يلزم.

وقوله: "وأطقتن" من الإطاقة بمعنى القدرة على ما يلزم.

وفي "المختار": الاستطاعة هي الإطاقة، فجعلهما مترادفين، ولكن الأولى هنا تخالفهما؛ كما فسرناه؛ لأن العطف يقتضي التغاير، والله أعلم.

وفي رواية النسائي: (أو أطقن) بالشك، وهي أوضح.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب السير، باب ما جاء في بيعة النساء، أخرجه مختصرًا، وقال: هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلَّا من حديث محمد بن المنكدر، وروى سفيان الثوري ومالك بن أنس وغير واحد هذا الحديث عن محمد بن المنكدر نحوه، وأخرجه النسائي في كتاب البيعة، باب بيعة النساء، وأخرجه الطبري أنَّها دخلت في نسوة تبايع، فقلن: يا رسول الله؛ ابسط يدك .. نصافحك، فقال:"إني لا أصافح النساء، ولكن سآخذ عليكن"، فأخذ علينا حتى بلغ قوله تعالى:

ص: 495

(155)

- 2831 - (2) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ الْمِصْرِيُّ،

====

{وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} (1)، وقال: "فيما أطقتن واستطعتن

" إلى آخره. فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

واعلم: أن السنة أن تكون بيعة الرجال بالمصافحة، والسنة في المصافحة أن تكون باليد اليمنى؛ فقد روى مسلم في "صحيحه" عن عمرو بن العاص، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه

الحديث.

قال القاري في شرح هذا الحديث؛ أي: افتح يمينك ومدها؛ لأضع يميني عليها؛ كما هو العادة في البيعة. انتهى.

وكذلك السنة: أن تكون المصافحة باليد اليمنى عند اللقاء أيضًا، وأما المصافحة باليدين عند اللقاء، أو عند المبايعة .. فلم تثبت بحديث مرفوع صحيح صريح، وقد حققنا هذه المسألة في رسالتنا المسماة بـ:"المقالة الحسنى في سنية المصافحة باليد اليمنى". انتهى من "تحفة الأحوذي".

* * *

ثم استشهد المؤلف لحديث أميمة بنت رقيقة بحديث عائشة رضي الله عنهما، فقال:

(155)

- 2831 - (2)(حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح) الأموي مولاهم أبو الطاهر (المصري) ثقةٌ، من العاشرة، مات سنة خمسين ومئتين (250 هـ). يروي عنه:(م د س ق).

(1) سورة الممتحنة: (12).

ص: 496

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: كَانَتِ الْمُؤْمِنَاتُ إِذَا هَاجَرْنَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُمْتَحَنَّ بِقَوْلِ اللهِ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ

} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ"،

===

(حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم المصري، ثقةٌ، من التاسعة، مات سنة سبع وتسعين ومئة (197 هـ). يروي عنه:(ع).

(قال) ابن وهب: (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي مولاهم الأيلي، ثقةٌ، من السابعة، مات سنة تسع وخمسين ومئة (159 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(ع).

(عن ابن شهاب، أخبرني عروة بن الزبير) بن العوام الأسدي المدني، ثقةٌ، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين (94 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(ع).

(أن عائشة) رضي الله تعالى عنها (زوج النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله كلهم ثقات أثبات.

(قالت) عائشة: (كانت) النساء (المؤمنات إذا هاجرن) وارتحلن من مكة إلى المدينة (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الفتح (يمتحن) بالبناء للمفعول؛ أي: يختبرن ويبتلى صدقهن في الهجرة (بـ) ما تضمنه (قول الله) عز وجل: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ .... } ) اقرأ الممتحنة (إلى آخر الآية) يعني: قوله تعالى: {عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ

} اقرأ إلى آخر الآية من سورة الممتحنة (1)؛ أي: يختبرن بما تضمنته هذه الآية؛ من نفي الشرك وما بعده، وهذا مذهب عائشة وفريق من العلماء، وقيل: بل كانت

(1) سورة الممتحنة: (12).

ص: 497

قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بِهَا مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ .. فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَة، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَقْرَرْنَ

===

المهاجرة تمتحن بأن تستحلف أنَّها ما هاجرت بغضًا لزوج ولا لأدنى حظ من الدنيا، وإنما هاجرت حبًّا لله ولرسوله والدار الآخرة.

(قالت عائشة: فمن أقر) واعترف (بها) أي: بما تضمنته هذه الآية من الشروط وعاهد على قبوله (من المؤمنات .. فقد أقر) وقبل (بالمحنة) أي: فقد قبل بالاختبار وبايع البيعة الشرعية ونجح في الامتحان؛ وحاصله: أن من عرف منها الإيمان انتهت محنتها.

قال الحافظ: وأوضح من هذه ما أخرجه الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال: (كان امتحانهن أن يشهد أن لا إله إلَّا الله وأن محمدًا رسول الله)، وظاهره أن امتحانهن كان مجرد النطق بالشهادتين، وهذا يعارض بظاهره ما أخرجه الطبري والبزار وغيرهما عن ابن عباس قال:(كان يمتحنهن بالله؛ ما خرجت من بغض زوج، والله؛ ما خرجت رغبة من أرض إلى أرض، وبالله؛ ما خرجت التماس دنيا، وبالله؛ ما خرجت إلَّا حبًّا لله ورسوله)، ذكره ابن كثير في "تفسيره"(4/ 350)، والحافظ في طلاق الفتح (9/ 425)، وذكر في التفسير (8/ 637) أن عبد بن حميد أخرج عن مجاهد نحوه، وزاد:(وَلَا خرج بك عشق رجل منا، ولا فرار من زوجك)، ولكن الجمع بينهما سهل؛ لأن مقصود عائشة وابن عباس في رواية العوفي أن الامتحان كان لحصول الطمأنينة بصدقهن في الإسلام، والحلف بالأشياء الكثيرة إنما كان للتثبت في معرفة إيمانهن وصدقهن في الهجرة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لو ظهر من امرأة منهن أنَّها إنما خرجت لغرض دنيوي .. ظهر أنَّها ليست صادقة في هجرتها، والله أعلم.

قالت عائشة: (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن) وقبلن

ص: 498

بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِنَّ قَالَ لَهُنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "انْطَلِقْنَ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ"، لَا وَاللهِ؛ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ غَيْرَ أَنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بِالْكَلَام، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَاللهِ؛ مَا أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى النِّسَاءِ إِلَّا مَا أَمَرَهُ اللهُ عز وجل، وَلَا مَسَّتْ كَفُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَفَّ امْرَأَةٍ قَطُّ، وَكَانَ يَقُولُ لَهُنَّ إِذَا أَخَذَ عَلَيْهِنَّ:"قَدْ بَايَعْتُكُنَّ" كَلَامًا.

===

(بذلك) المذكور في الآية (من قولهن) أي: بقولهن ذلك ونطقهن به .. (قال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلقن) أي: اذهبن إلى منازلكن (فقد بايعتكن) على ذلك المذكور في الآية.

وقوله: (لا) عاطفة لمحذوف على ما قبلها؛ تقديره: قال لهن: انطلقن؛ فقد بايعتكن بالقول لا بالمصافحة، وجملة قولها:(والله؛ ما مست) ولمست (يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط) أجنبية بمنزلة التعليل لذلك المحذوف.

ولفظة: (غير) في قوله: (غير أنه يبايعهن بالكلام) والقول لا بالمصافحة بمعنى: إلَّا التعليلية لما قبلها، وإنما قلت: والله؛ ما مست يده يد امرأة؛ لأنه إنما يبايعهن بالكلام لا بالمصافحة.

(قالت عائشة) أيضًا: (والله؛ ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعة وما جعلها (على النساء إلَّا) بـ (ما أمره الله عز وجل به في هذه الآية المذكورة (وَلَا مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط، وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن) البيعة: انطلقن؛ فـ (قد بايعتكن كلامًا) لا مصافحةً؛ كالرجال.

وقولها: (وَلَا والله؛ ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة

ص: 499

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قط) قالوا: إن فيه: إن بيعة النساء إنما كانت بالكلام من غير أخذ كف، وإن بيعة الرجال كانت بأخذ الكف مع الكلام.

ولفظة: (قط) ظرف مستغرق لما مضى من الزمان مختص بالنفي، تقول: ما فعلت هذا قط؛ أي: فيما مضى من عمري، أو فيما انقضى من الزمان، قال النووي: فيها خمس لغات: فتح القاف وتشديد الطاء مضمومة ومكسورة، وضمهما والطاء مشددة، وفتح القاف مع تخفيف الطاء ساكنة ومكسورة، وقولها:(ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء) مفعول أخذ محذوف؛ أي: ما أخذ عليهن البيعة؛ كما قررناه في الحل.

وقوله: (إلَّا ما أمره الله) وفي رواية مسلم: (إلَّا بما أمره الله) به في الآية المذكورة، بزيادة الباء الجارة، وهي أوضح من نسخة المؤلف؛ تعني بما أمره الله به: آية المبايعة المذكورة في هذه السورة يتلوها عليهن، ولا يزيد شيئًا آخر من قبله. انتهى من "المفهم".

ويوافق قولها ما أخرجه الترمذي في السير، والنسائي وغيره عن أميمة بنت رقيقة، قالت: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة، فقال لنا:"فيما استطعتن أو أطقتن" بأو المفيدة للشك في أي اللفظين، قال: قلت له: الله ورسوله أرحم بنا منا بأنفسنا، فقلت: يا رسول الله؛ بايعنا، قال سفيان: تعني: صافحنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنما قولي لمئة امرأة كقولي لامرأة واحدة"، ويعارضه في الظاهر ما أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والبزار وغيرهم؛ كما نقل عنهم الحافظ في "الفتح" عن أم عطية في قصة المبايعة، وفيها: فمد يده من خارج البيت، ومددنا أيدينا من داخل البيت، ثم قال:"اللهم؛ اشهد".

ص: 500

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وكذا الحديث الذي بعده حيث قالت فيه: (قبضت امرأة منا يدها) فإنه يشعر بأنهن كن بايعنه بأيديهن.

ويمكن الجواب عنه بوجهين؛ الأول: أن مد الأيدي من وراء الحجاب إشارة إلى وقوع المبايعة وإن لَمْ تقع مصافحة؛ والمراد بقبض اليد في الحديث الثاني: المتأخر عن القبول.

الثاني: أن مبايعة النساء كانت تقع بحائل، ويؤيده: ما أخرجه أبو داوود في "المراسيل" عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بايع النساء أتى ببرد قطري، فوضعه على يده، وقال:"لا أصافح النساء"، وأخرج عبد الرزاق نحوه مرسلًا عن إبراهيم النخعي. انتهى من "الفتح".

وسبب هذا الامتحان: أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح المشركين يوم الحديبية؛ على ألا يأتيه منهم أحد إلَّا رده عليهم، فوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعهده في الرجال، ثم جاءته عدة من نساء مكة، وطالب المشركون بردهن أيضًا، فأنزل الله قوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ ..... } الآية (1)، وكان هذا الحكم مقصورًا على النساء اللاتي لَمْ يهاجرن إلَّا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يمتحنهن في ذلك.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الشروط، باب ما يجوز من الشروط في الإسلام والأحكام والمبايعة، ومسلم في كتاب الإمارة، باب كيفية بيعة النساء، وأبو داوود في كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء في البيعة، وأحمد في "المسند".

(1) سورة الممتحنة: (10).

ص: 501

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه.

* * *

ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلَّا حديثين:

الأول للاستدلال، والثاني للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 502