المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(56) - (999) - باب وصية الإمام - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ١٦

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ الفرائض

- ‌(1) - (944) - بَابُ الْحَثِّ عَلَى تَعْلِيمِ الْفَرَائِضِ

- ‌(2) - (945) - بَابُ فَرَائِضِ الصُّلْبِ

- ‌(3) - (946) - بَابُ فَرَائِضِ الْجَدِّ

- ‌(4) - (947) - بَابُ مِيرَاثِ الْجَدَّةِ

- ‌(5) - (948) - بَابُ الْكَلَالَةِ

- ‌تنبيه

- ‌(6) - (949) - بَابُ مِيرَاثِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ

- ‌(7) - (950) - بَابُ مِيرَاثِ الْوَلَاءِ

- ‌(8) - (951) - بَابُ مِيرَاثِ الْقَاتِلِ

- ‌(9) - (952) - بَابُ ذَوِي الْأَرْحَامِ

- ‌(10) - (953) - بَابُ مِيرَاثِ الْعَصَبَةِ

- ‌(11) - (954) - بَابُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ

- ‌(12) - (955) - بَابٌ: تَحُوزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَ مَوَارِيثَ

- ‌(13) - (956) - بَابُ مَنْ أَنْكَرَ وَلَدَهُ

- ‌(14) - (957) - بَابٌ: فِي ادِّعَاءِ الْوَلَدِ

- ‌(15) - (958) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ

- ‌(16) - (959) - بَابُ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ

- ‌(17) - (960) - بَابٌ: إِذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ .. وَرِثَ

- ‌(18) - (961) - بَابُ الرَّجُلِ يُسْلِمُ عَلَى يَدَيِ الرَّجُلِ

- ‌كتابُ الجِهاد

- ‌(19) - (962) - بَابُ فَضْلِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ

- ‌(20) - (963) - بَابُ فَضْلِ الْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ عز وجل

- ‌(21) - (964) - بَابُ مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا

- ‌(22) - (965) - بَابُ فَضْلِ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى

- ‌(23) - (966) - بَابُ التَّغْلِيظِ فِي تَرْكِ الْجِهَادِ

- ‌(24) - (967) - بَابُ مَنْ حَبَسَهُ الْعُذْرُ عَنِ الْجِهَادِ

- ‌(25) - (968) - بَابُ فَضْلِ الرِّبَاطِ فِي سَبِيلِ اللهِ

- ‌(26) - (969) - بَابُ فَضْلِ الحَرْسِ وَالتَّكْبِيرِ فِي سَبِيلِ اللهِ

- ‌مستدركة

- ‌(27) - (970) - بَابُ الْخُرُوجِ فِي النَّفِيرِ

- ‌تنبيه

- ‌تنبيه على تنبيه

- ‌(28) - (971) - بَابُ فَضْلِ غَزْوِ الْبَحْرِ

- ‌(29) - (972) - بَابُ ذِكرِ الدَّيْلَمِ وَفَضْلِ قَزْوِينَ

- ‌(30) - (973) - بَابُ الرَّجُلِ يَغْزُو وَلَهُ أَبَوَانِ

- ‌(31) - (974) - بَابُ النِّيَّةِ فِي الْقِتَالِ

- ‌تتمة

- ‌(32) - (975) - بَابُ ارْتِبَاطِ الْخَيْلِ فِي سَبِيلِ اللهِ

- ‌(33) - (976) - بَابُ الْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللهِ سبحانه وتعالى

- ‌(34) - (977) - بَابُ فَضْلِ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ

- ‌تتمة ما في أحاديث الباب من حياة الشهداء

- ‌(35) - (978) - بَابُ مَا يُرْجَى فِيهِ الشَّهَادَةُ

- ‌(36) - (979) - بَابُ السِّلَاحِ

- ‌(37) - (980) - بَابُ الرَّمْيِ فِي سَبِيلِ اللهِ

- ‌(38) - (981) - بَابُ الرَّايَاتِ وَالْأَلْوِيَةِ

- ‌(39) - (982) - بَابُ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ فِي الْحَرْبِ

- ‌(40) - (983) - بَابُ لُبْسِ الْعَمَائِمِ فِي الْحَرْبِ

- ‌(41) - (984) - بَابُ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْغَزْوِ

- ‌(42) - (985) - بَابُ تَشْيِيعِ الْغُزَاةِ وَوَدَاعِهِمْ

- ‌(43) - (986) - بَابُ السَّرَايَا

- ‌تتمة

- ‌(44) - (987) - بَابُ الْأَكْلِ فِي قُدُورِ الْمُشْرِكِينَ

- ‌(45) - (988) - بَابُ الِاسْتِعَانَةِ بِالْمُشْرِكِينَ

- ‌(46) - (989) - بَابُ الْخَدِيعَةِ فِي الْحَرْبِ

- ‌(47) - (990) - بَابُ الْمُبَارَزَةِ وَالسَّلَبِ

- ‌(48) - (991) - بَابُ الْغَارَةِ وَالْبَيَاتِ وَقَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ

- ‌(49) - (992) - بَابُ التَّحْرِيقِ بِأَرْضِ الْعَدُوِّ

- ‌(50) - (993) - بَابُ فِدَاءِ الْأُسَارَى

- ‌تتمة

- ‌(51) - (994) - بَابُ مَا أَحْرَزَ الْعَدُوُّ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ

- ‌(52) - (995) - بَابُ الْغُلُولِ

- ‌تتمة

- ‌(53) - (996) - بَابُ النَّفَلِ

- ‌فائدة

- ‌(54) - (997) - بَابُ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ

- ‌(55) - (998) - بَابُ الْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ يَشْهَدُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ

- ‌(56) - (999) - بَابُ وَصِيَّةِ الْإِمَامِ

- ‌(57) - (1000) - بَابُ طَاعَةِ الْإِمَامِ

- ‌تتمة

- ‌(58) - (1001) - بَابُ لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ

- ‌(59) - (1002) - بَابُ الْبَيْعَةِ

- ‌(60) - (1003) - بَابُ الْوَفَاءِ بِالْبَيْعَةِ

- ‌(61) - (1004) - بَابُ بَيْعَةِ النِّسَاءِ

- ‌(62) - (1005) - بَابُ السَّبَقِ وَالرِّهَانِ

- ‌تنبيه

- ‌(63) - (1006) - بَابُ النَّهْيِ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ

- ‌(64) - (1007) - بَابُ قِسْمَةِ الْخُمُسِ

الفصل: ‌(56) - (999) - باب وصية الإمام

(56) - (999) - بَابُ وَصِيَّةِ الْإِمَامِ

(137)

- 2813 - (1) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنِي عَطِيَّةُ بْنُ الْحَارِثِ أَبُو رَوْقٍ الْهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو الْغَرِيفِ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ.

===

(56)

- (999) - (باب وصية الإمام) إلى الجيش إذا أخرجوا إلى الغزو.

(137)

- 2813 - (1)(حدثنا الحسن بن علي) بن محمد الهذلي أبو علي (الخلال) الحلواني - بضم المهملة - نزيل مكة، ثقة حافظ له تصانيف، من الحادية عشرة، مات سنة اثنتين وأربعين ومئتين (242 هـ). يروي عنه:(خ م دت ق).

(حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي، ثقة ثبت، من التاسعة، مات سنة إحدى ومئتين (201 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثني عطية بن الحارث أبو روق) بفتح الراء وسكون الواو بعدها قاف (الهمداني) - بسكون الميم - الكوفي، صاحب التفسير، صدوق، من الخامسة. يروي عنه:(دس ق)، أبو الغريف؛ بفتح الغين المعجمة آخره فاء.

(حدثني أبو الغريف عبيد الله بن خليفة) الهمداني المرادي الكوفي، صدوق رمي بالتشيع، وذكره ابن حبان في "الثقات"، من الثالثة. يروي عنه:(س ق).

(عن صفوان بن عسال) - بمهملتين - المرادي الكوفي الصحابي المعروف رضي الله تعالى عنه. يروي عنه: (ت س ق).

ص: 434

قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَرِيًّةٍ فَقَالَ: "سِيرُوا بِاسْمِ اللهِ وَفِي سَبِيلِ الله، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِالله، وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا".

===

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه عبيد الله بن خليفة، وهو مختلف فيه.

(قال) صفوان بن عسال: (بعثنا) معاشر بعض الصحابة (رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية) أي: مع سرية، وهي قِطْعَةٌ من الجيش، ويقال عندهم: خير السرايا أربع مئة رجل، كما في "المختار" (فقال) لنا حين بعثنا وصيته إلينا:(سيروا) مستعينين (باسم الله و) قاصدين السير (في سبيل الله) وطاعته لإعلاء كلمة الله لا العصبية والوطنية (قاتلوا) أي: اقتلوا (من كفر بالله) أي: من استمر على الكفر وأبى من الإيمان بعد الدعوة إليه (ولا تَمْثُلُوا) من باب نصر؛ أي: لا تفعلوا المثلة بقتيلكم، وهي قطع الأعضاء؛ كالمذاكير والآذان والأنوف (ولا تغدروا) أي: لا تخونوا من عاهدتم من الكفار (ولا تغلُّوا) أي: لا تأخذوا من الغنيمة شيئًا خُفْيةً (ولا تقتلوا وليدًا) أي: صبيًّا ولا نساءً.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، لكن رواه النسائي في كتاب السير، باب عدد السرية عن هارون بن عبد الله عن أبي أسامة به، وأصله في "الترمذي" من حديث بريدة، ورواه البيهقي في "الكبرى" عن الحاكم أبي عبد الله وحوثرة بن محمد عن أبي أسامة به، بلفظ: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، وقال:"ليمسح أحدكم إذا كان مسافرًا على خفيه إذا أدخلهما طاهرتين ثلاثة أيام ولياليهن، وليمسح المقيم يومًا وليلةً"، وأحمد.

ص: 435

(138)

- 2814 - (2) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ

===

ودرجته: أنه حسن؛ لكون سنده حسنًا؛ لما مر آنفًا، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

ثم استشهد المؤلف لحديث صفوان بن عسال بحديث بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(138)

- 2814 - (2)(حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد الذهلي النيسابوري، ثقة حافظ فاضل، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وخمسين ومئتين (258 هـ). يروي عنه:(خ عم).

(حدثنا محمد بن يوسف) بن واقد بن عثمان الضبي مولاهم (الفريابي) - بكسر الفاء وسكون الراء بعدها تحتانية وبعد الألف موحدة - نزيل قيسارية من ساحل الشام، ثقة فاضل، من التاسعة، مات سنة اثنتي عشرة ومئتين (212 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، ثقة إمام، من السابعة، مات سنة إحدى وستين ومئة (161 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن علقمة بن مَرْثدٍ) - بفتح الميم وسكون الراء بعدها مثلثة - الحضرمي أبي الحارث الكوفي، ثقة من السادسة. يروي عنه:(ع).

(عن) سليمان (بن بريدة) بن الحصيب الأسلمي المروزي قاضيها، ثقة، من الثالثة، مات سنة خمس ومئة (105 هـ)، وله تسعون سنة. يروي عنه:(م عم).

(عن أبيه) بريدة بن الحصيب الأسلمي، اسمه عامر وبريدة لقبه، الصحابي

ص: 436

قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمَّرَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ. . أَوْصَاهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ بِتَقْوَى اللهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا فَقَالَ: "اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ

===

المشهور رضي الله تعالى عنه، أسلم قبل بدر، مات سنة ثلاث وستين (63 هـ). يروي عنه:(ع).

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(قال) بريدة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر) - بتشديد الميم - من التأمير؛ أي: إذا جعل (رجلًا) منا أميرًا (على سرية) أي: على قطعة جيش، قال النووي: السرية: هي القطعة من الجيش تخرج منه تغير وتعود إليه، قال إبراهيم الحربي: هي الخيل تبلغ أربع مئة ونحوها.

قالوا: سميت سرية؛ لأنها تسري في الليل ويخفى ذهابها، وهي فعيلة بمعنى فاعلة، يقال: سرى وأسرى؛ إذا ذهب ليلًا. انتهى منه.

والجيش: هو الجند الكثير، له جناحان ومقدمة ومؤخرة وقلب. انتهى منه.

(أوصاه) أي: أوصى ذلك الرجل الذي جعله أميرًا (في خاصة نفسه) أي: في خاصة نفس ذلك الأمير؛ أي: أوصاه في نفسه (بتقوى الله) تعالى؛ بامتثال أوامره واجتناب نواهيه (و) أوصاه في حق (من معه من المسلمين خيرًا) معطوف على خاصته، من باب العطف على عاملين مختلفين؛ أي: وأوصاه فيمن معه من المسلمين بخير.

وفي تخصيص التقوى بخاصة نفسه، والخير بمن معه إشارة إلى أن عليه التشديد على نفسه فيما يفعل ويذر، والتسهيل على من معه من المسلمين والرفق بهم.

(فقال) وفي رواية مسلم: (ثم قال) أي: ثم بعد إيصاء الأمير في خاصة نفسه وفي خاصة من معه؛ قال: (اغزوا) الكفار وقاتلوهم (باسم الله) أي:

ص: 437

وَفِي سَبِيلِ الله، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِالله، اغْزُوا وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإذَا أَنْتَ لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. . فَادْعُهُمْ إِلَى إِحْدَى ثَلَاثِ خِلَالٍ أَوْ خِصالٍ، فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ إِلَيْهَا. . فَاقْبَلْ مِنْهُمْ

===

مستعينين باسم الله تعالى منتصرين به (و) اغزوهم (في سبيل الله) أي: في طاعته ومرضاته وإعلاء كلمته، لا للمغنم ولا لِلعَصَبِيَّةِ ولا لإظهار الشجاعة (قاتلوا) أي: اقتلوا (من كفر بالله) وبرسوله وبكتابه وبما جاء به (اغزوا) لوجه الله تعالى وطاعته لا للغنيمة (ولا تغدروا) - بكسر الدال - من باب ضرب؛ أي: ولا تنقضوا العهد مع المعاهدين بقتالهم وأخذ أموالهم وسبي ذراريهم (ولا تغلوا) أي: ولا تخونوا في الغنيمة قبل قسمتها؛ من الغلول؛ من باب شد؛ وهو الخيانة في المغنم (ولا تمثلوا) - بضم المثلثة - من باب نصر؛ من المثلة؛ وهي أن تقطع الأعضاء من القتيل؛ أي: ولا تشوهوا القتلى بقطع الأنوف والآذان والمذاكير (ولا تقتلوا وليدًا) أي: صبيًّا؛ لأنه لا يقاتل، وكذا الشيخ والمرأة إلا إذا كان كما قال أبو الطيب:

وليدهم لدى رأي كشيخ

وشيخهم لدى حرب وليد

(وإذا أنت لقيت) - بفتح التاء - خطاب للأمير؛ أي: وإذا قابلت (عدوك من المشركين. . فادعهم إلى إحدى ثلاث خلال) جمع خلة؛ وهي الخصلة (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي: إلى إحدى ثلاث (خصال) والمعنى واحد، والشك من الراوي أو ممن دونه (فأيتهن) اسم موصول مرفوع على الابتداء وجملة (ما أجابوك إليها) صلة الموصول، و (ما) زائدة، والعائد محذوف، وجاز حذفه؛ كقولهم:(السمن منوان بدرهم) والخبر جملة قوله: (فاقبل منهم) أي: فأي واحدة منهن أجابوك إليها. . فاقبلها منهم؛ أي: فأي

ص: 438

وَكُفَّ عَنْهُمْ؛ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ؛ فَإِنْ أَجَابُوكَ. . فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ،

===

تلك الخصال قبلوه منك. . فاقبله منهم (وكف) نفسك وامتنع (عنهم) أي: عن قتالهم وإيذائهم (ثم) كما في "مسلم" أي: ثم (ادعهم إلى الإسلام) هذه أولى الخصال الثلاث المدعو إليها.

قال النووي: هكذا في جميع نسخ "صحيح مسلم": (ثم ادعهم) بزيادة: (ثم) قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: صواب الرواية: (ادعهم) بإسقاط (ثم) لأنه تفصيلٌ لتلك الخصالِ المدعوِّ إليها لا غيرها، وقد جاء بإسقاطها على الصواب في كتاب أبي عبيد، وفي "سنن أبي داوود" و"ابن ماجه" وغيرها.

وقال المازري: ليست (ثم) هنا زائدة، بل دخلت لاستفتاح الكلامِ والأخذ، فهي هنا بمعنى فاء الإفصاح داخلة على جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت ما قلتُه لك من دعوتهم إلى إحدى ثلاث، وأردت بيان تلك الثلاث. . فأقول لك:(ادعهم) أولًا (إلى الإسلام) والانقياد للأوامر الشرعية.

(فإن أجابوك) إلى الإسلام والانقياد (فاقْبَلْـ) ـهُ (منهم) أي: فاقبل ذلك الإسلام منهم (وكُفَّ) نفسك (عنهم) أي: عن قتالهم وإيذائهم، وهو بضم الكاف وتشديد الفاء؛ أمر من الكف، وهو يكون لازمًا بمعنى الامتناع، ومتعديًا بمعنى المنع؛ والمعنى على الأول: أي: امتنع من قتالهم، وعلى الثاني: فمفعوله محذوف؛ تقديره: وكف نفسك عن قتالهم، أي: احبسها عنه.

وقوله: "ادعهم إلى الإسلام" هذا لمن لم يبلغه الدعوة، وإلا. . فهو مندوب لا واجب. انتهى من "السندي".

(ثم) بعدما قبلوا الإسلام والانقياد (ادعهم إلى التحول) والانتقال (من دارهم) دار الكفرة وبلادهم (إلى دار المهاجرين) أي: إلى دار الإسلام، وكانت

ص: 439

وَأَخْبِرْهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَأَنَّ عَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، وَإِنْ أَبَوْا. . فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ؛ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْفَيءِ وَالْغَنِيمَةِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا أَنْ يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ. . فَسَلْهُمْ إِعْطَاءَ الْجِزْيَة، فَإِنْ فَعَلُوا. . فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ،

===

الهجرة إذ ذاك واجبة، فهذه الخصلة مفرعة على الخصلة الأولى (وأخبرهم إن فعلوا ذلك) التحول (أن لهم ما للمهاجرين) غيرهم من الحقوق؛ من الفيء والغنيمة (وأن عليهم ما على المهاجرين) قبلهم؛ من الغزو والدعوة إلى الإسلام (وإن أبوا) وامتنعوا من أن يتحولوا إلى دار الإسلام. . (فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين؛ يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين) غيرهم من العقوبات الدينية والحدود الشرعية (ولا يكون لهم) حينئذٍ (في الفيء والغنيمة شيء) أي: نصيب (إلا أن يجاهدوا) في سبيل الله (مع المسلمين) غيرهم (فإن هم أبوا) وامتنعوا (أن يدخلوا في الإسلام. . فسلهم) أي: فاطلب منهم (إعطاء الجزية) وأداءها إلينا بعقد الذمة لهم.

والجزية - بكسر الجيم وإسكان الزاي -: مال مأخوذ من أهل الذمة؛ لإسكاننا إياهم في دارنا، أو لحقن دمائهم وذراريهم وأموالهم، أو لكفنا عن قتالهم.

وأقلها عند الشافعية والجمهور: دينار في كل حول، ومن المتوسط: ديناران، ومن الموسر: أربعة؛ استحبابًا. انتهى "قسطلاني".

(فإن فعلوا) أداء الجزية في كل حول. . (فاقبل) ها (منهم، وكف) أي: وامنع نفسك (عنهم) أي: عن التعرض لهم بقتل أو سبي أو إيذاء، وهذا حجة للحنفية والمالكية في جواز أخذ الجزية من غير أهل الكتاب؛ لأن الحديث يدل على سؤال الجزية من الكفار والمشركين عامةً، وليس فيه ذكر أهل الكتاب

ص: 440

فَإِنْ هُمْ أَبَوْا. . فَاسْتَعِنْ بِاللهِ عَلَيْهِمْ وَقَاتِلْهُمْ، وَإِنْ حَاصَرْتَ حِصْنًا فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّكَ

===

خاصة، وقال الشافعي وأحمد: لا تؤخذ الجزية إلا من أهل الكتاب أو المجوس.

وقال ابن قدامة في "المغني"(10/ 387): والحاصل: أن الكفار على ثلاثة أقسام:

الأول: قسم أهل الكتاب؛ وهم اليهود والنصارى، ومن اتخذ التوراة والإنجيل؛ كالسامرة والإفرنج ونحوهم، وهؤلاء تقبل منهم الجزية، ويقرون على دينهم إذا بذلوها؛ لقوله تعالى:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} إلى قوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (1).

والثاني: وقسم لهم شبهة كتاب؛ وهم المجوس، فحكمهم حكم أهل الكتاب في قبول الجزية منهم وإقرارهم بها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"سنوا بهم سنة أهل الكتاب"، ولا نعلم خلافًا بين أهل العلم في هذين القسمين.

والثالث: وقسم لا كتاب لهم ولا شبهة كتاب؛ وهم من عدا هذين القسمين من عبدة الأوثان والشمس والقمر والنجوم، وسائر الكفار، فلا تقبل منهم الجزية، ولا يقبل منهم إلا الإسلام، وهذا ظاهر مذهب أحمد والشافعي.

وروي عن أحمد أن الجزية تقبل من جميع الكفار إلا عبدة الأوثان من العرب، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك. انتهى.

(فإن هم أبوا) وامتنعوا عن أداء الجزية. . (فاستعن بالله) أي: بقدرة الله ومعونته (عليهم) أي: على قتالهم (وقاتلهم، وإن حاصرت) ومنعت (حصنًا) أي: أهل حصن وقلعة أو قرية أو بلدة من الخروج عن حصنهم (فأرادوك) أي: طلبوا منك (أن تجعل لهم ذمة الله) تعالى وعهده (وذمة نبيك) محمد

(1) سورة التوبة: (29).

ص: 441

فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ وَلَا ذِمَّةَ نَبِيِّكَ، وَلكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَبِيكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ؛ فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّتَكُمْ وَذِمَّةَ آبَائِكُمْ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ رَسُولِه،

===

صلى الله عليه وسلم على ألا تتعرض لهم بقتل أو غيره. . (فلا تجعل لهم) على ذلك (ذمة الله) تعالى وعهده (ولا ذمة نبيك) محمد صلى الله عليه وسلم (ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أبيك وذمة أصحابك) أي: ولكن اجعل لهم عهدك وعهد سريتك على ألا تتعرضوا لهم إذا نزلوا من الحصن (فإنكم أن تخفروا) بفتح همزة أن، والجملة الفعلية التي بعدها صلتها في تأويل مصدر منصوب على أنه بدل من اسم إن أو مبتدأ.

وقوله: (تخفروا) أي: تنقضوا - بضم التاء؛ من أخفر الرباعي، وبفتحها وكسر الفاء من خفر الثلاثي - من باب ضرب، يقال: أخفرت الرجل؛ إذا نقضت عهده، وخفرته؛ إذا أجرته وأمنته وحميته؛ أي: فإن إخفاركم ونقضكم أيها الأمير وسريته (ذمتكم) وعهدكم الذي عاهدتموه لهم (و) إخفار (ذمة آبائكم) وعهدكم (أهون) أي: أيسر (عليكم) في المؤاخذة بالرفع خبر إن (من أن تخفروا) وتنقضوا (ذمة الله) أي: عهد الله تعالى (وذمة رسوله) صلى الله عليه وسلم، وهذا على وجه الاحتياط والإعظام لعهد الله؛ خوفًا أن يتعرض لنقضه من لا يعرف حقها من جهلة الأعراب وسواد الجيش. انتهى "أبي".

قال النووي: فالنهي فيه نهي تنزيه. انتهى.

والمعنى: أي: لا تجعل لهم ذمة الله؛ فإنه قد ينقضها من لا يعرف حقها بالتعرض لهم بقتل مثلًا، وإن الإخفار بذمة الله أشد خطرًا من إخفار ذمة العباد.

وقال السرخسي في "شرح السير الكبير"(1/ 31): وإنما كره ذلك لا على وجه التحريم، بل للتحرز من الإخفار عند الحاجة، فكان الأوزاعي يقول: لا

ص: 442

وَإنْ حَاصَرْتَ حِصْنًا فَأَرَادُوكَ أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ اللهِ. . فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ الله، وَلكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ؛ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ فِيهِمْ حُكْمَ اللهِ أَمْ لَا".

===

يجوز إعطاء ذمة الله للكفار، ويتمسك بظاهر الحديث، فمقتضى مطلق النهي حرمة المنهي عنه، وإنما كره له ذلك لمعنىً في غير المنهي عنه؛ وهم أنهم قد يحتاجون إلى النقض؛ لمصلحة يرونها في ذلك، فأن ينقضوا عهدهم أهون من أن ينقضوا عهد الله ورسوله، وذلك لا بأس به عند الحاجة إليه، قال تعالى:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} (1).

(وإن حاصرت) ومنعت (حصنًا) أي: أهل حصن وقلعة من النزول من قلعتهم (فأرادوك) أي: فطلبوا منك (أن ينزلوا على حكم الله) تعالى من حصنهم برفع الحصار وتركه. . (فلا تنزلهم) من حصنهم (على حكم الله) تعالى؛ أي: على ما حكم الله تعالى فيهم؛ من القتل أو المن أو الاسترقاق أو الفداء، فلا تنزلهم من حصنهم على حكم الله تعالى (ولكن أنزلهم) من الحصن (على حكمك) أي: على ما حكمت أنت فيهم باجتهادك (فإنك لا تدري) ولا تعلم إذا أنزلتهم على حكم الله (أتصيب فيهم) وتوافق في حكمك عليهم (حكم الله أم لا) تصيب حكم الله فيهم؟ فإن الحكم في زمنه صلى الله عليه وسلم مُعرَّض للنسخ والرفع؛ والمعنى: أنك إذا حكمت وأنت غائب عني. . فإنك لا تأمن أن يكون ذلك الحكم نُسِخَ بعد غيبتك عني. انتهى من "الأبي".

قوله: "فلا تنزلهم على حكم الله" حمل محمد بن الحسن النهي فيه على التحريم، وحمله أبو يوسف على التنزيه.

(1) سورة الأنفال: (58).

ص: 443

قَالَ عَلْقَمَةُ: فَحَدَّثْتُ بِهِ مُقَاتِلَ بْنَ حَيَّانَ فَقَالَ: حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ هَيْصَمٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ.

===

قال العثماني في "إعلاء السنن": وقول محمد عندي أولى وأحوط، وقول أبي يوسف أقيس وأضبط. انتهى "تكملة".

(قال علقمة) بن مرشد بالسند السابق: (فحدثت به) أي: بهذا الحديث الذي حدثنيه سليمان بن بريدة (مقاتل بن حيان) - بفتح المهملة وتشديد التحتانية - النبطي - بفتح النون والموحدة - أبو بسطام البلخي الخزاز - بمعجمة وزاءين - صدوق فاضل، من السادسة، مات قبيل الخمسين ومئة بأرض الهند. يروي عنه:(م عم).

(فقال) لي مقاتل: (حدثنيـ) ـه (مسلم بن هيصم) - بفتح الهاء والصاد المهملة بينهما تحتانية ساكنة - العبدي، مقبول، من الرابعة. يروي عنه:(م د س ق)(عن النعمان بن مقرن) - بضم الميم وتشديد الراء المكسورة على صيغة اسم الفاعل - ابن عائذ أبي عمرو المزني الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك) أي: مثل ما حدث سليمان بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

والغرض من هذا الكلام: الاستشهاد لحديث بريدة بن الحصيب بحديث النعمان بن مقرن.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب تأمير الإمام للأمراء على البعوث ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها، وأبو داوود في كتاب الجهاذ، باب في دعاء المشركين، والترمذي في كتاب الديات، باب ما جاء في النهي عن المثلة، قال أبو عيسى: وفي الباب عن النعمان بن مقرن، وحديث بريدة حديث حسن صحيح.

ص: 444

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

فدرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به.

ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين:

الأول للاستدلال، والثاني للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 445