الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(6) - (949) - بَابُ مِيرَاثِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ
(11)
- 2687 - (1) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْن، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ
===
(6)
- (949) - (باب ميراث أهل الإسلام من أهل الشرك)
(11)
- 2687 - (1)(حدثنا هشام بن عمار) بن نصير السلمي الدمشقي، صدوق مقرئ، من كبار العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ). يروي عنه:(خ عم).
(ومحمد بن الصباح) بن سفيان الجرجرائي أبو جعفر التاجر، صدوق، من العاشرة، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(د ق).
(قالا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن علي بن الحسين) بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبي الحسين المدني الملقب بزين العابدين؛ لكثرة عبادته، يقال: إنه كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة إلى أن مات، ثقة ثبت عابد فاضل فقيه مشهور، قال ابن عيينة: عن الزهري: ما رأيت قرشيًّا أفضل منه، من الثالثة، مات سنة ثلاث وتسعين (93 هـ)، وقيل غير ذلك. يروي عنه:(ع).
(عن عمرو بن عثمان) بن عفان هو أكبر أولاد عثمان الذي أعقبوا، وكان معاوية رضي الله تعالى عنه زوجه بنته رملة، الأموي أبي عثمان المدني، ثقة، من الثالثة. يروي عنه:(ع).
(عن أسامة بن زيد) بن حارثة بن شراحيل الكلبي ذي البطين أبي محمد الصحابي المشهور، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبه رضي الله تعالى
رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ".
===
عنه، مات سنة أربع وخمسين (54 هـ). يروي عنه:(ع).
حالة كون أسامة (رفعه) أي: رفع هذا الحديث وأسنده (إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات، ومن لطائفه: أن فيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض.
(قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يرث المسلم الكافر) قال المبرد: الإرث والميراث أصله: العاقبة؛ ومعناه: الا نتقال من واحد إلى آخر (ولا) يرث (الكافر المسلم) يعني: أن اختلاف الدين يمنع الإرث، قال النووي: أجمع المسلمون على أن الكافر لا يرث المسلم.
وأما المسلم من الكافر .. ففيه خلاف، والجمهور على أنه لا يرث أيضًا، وأما المرتد .. فلا يرث المسلم بالإجماع، وأما المسلم من المرتد .. ففيه أيضًا الخلاف؛ فعند مالك والشافعي أن المسلم لا يرث منه، وقال أبو حنيفة: ما اكتسبه في ردته .. فهو لبيت المال، وما اكتسبه في الإسلام .. فهو لورثته المسلمين، وقال صاحباه: يرثه ورثته المسلمون مما كسبه في الحالتين. انتهى بحذف وزيادة في آخره من "المبارق".
وهذا الحديث قاله النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، مروي عن أسامة بن زيد أنه قال يوم الفتح: يا رسول الله؛ أين ننزل غدًا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وهل ترك لنا عَقِيل من منزل؟ ! " ثم قال: "لا يرث المؤمن الكافر، ولا الكافر المؤمن".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الفرائض، باب
(12)
- 2688 - (2) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْح، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَنْبَأَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
===
لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم، ومسلم في كتاب الفرائض، باب إبطال الميراث بين المسلم والكافر، والدارمي في كتاب الفرائض، باب في ميراث أهل الشرك وأهل الإسلام، ومالك في "الموطأ".
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
ثم استشهد المؤلف لحديث أسامة المذكور بحديث آخر له رضي الله تعالى عنه، فقال:
(12)
- 2688 - (2)(حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح) الأموي أبو الطاهر المصري، ثقة، من العاشرة، مات سنة خمسين ومئتين (250 هـ). يروي عنه:(م د س ق).
(حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم المصري، ثقة حافظ فقيه عابد، من التاسعة، مات سنة سبع وتسعين ومئة 197 هـ). يروي عنه:(ع).
(أنبأنا يونسُ) بن يزيد بن أَبِي النَّجَاد الأَيْلِيُّ - بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها لام - أبو يزيد مولى آل أبي سفيان، ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهمًا قليلًا، وفي روايته عن غير الزهري خطأ، من كبار السابعة، مات سنة تسع وخمسين ومئة (159 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(ع).
(عن) محمد بن مسلم (ابن شهاب) الزهري المدني، ثقة إمام مشهور، من الرابعة، مات سنة خمس وعشرين ومئة، وقيل: قبل ذلك بسنة أو سنتين.
عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عُثْمَانَ أَخْبَرَهُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَتَنْزِلُ فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: "وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاع أَوْ دُورٍ؟ "، وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ وَلَمْ يَرِثْ جَعْفَرٌ وَلَا عَلِيٌّ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْن،
===
(عن علي بن الحسين) بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني، ثقة، من الثالثة، مات سنة ثلاث وتسعين، وقيل غير ذلك. يروي عنه:(ع).
(أنه) أي: أن علي بن الحسين (حدثه) أي: حدث ابن شهاب (أن عمرو بن عثمان) بن عفان (أخبره) أي: أخبر لعلي بن الحسين (عن أسامة بن زيد) بن حارثة الكلبي أصلًا الهاشمي ولاء، رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(أنه) أي: أن أسامة (قال) يوم الفتح: (يا رسول الله، أتنزل) غدًا (في دارك) ومنزلك (بمكة) التي كانت في خيام أبي طالب؟ (قال) النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة: (وهل ترك لنا عقيل) بن أبي طالب (من رباع؟ ! ) جمع ربع؛ وهو منزل الصيف (أو) قال الراوي: من (دور؟ ) جمع دار؛ وهو منزل جميع السنة، والشك من الراوي أو ممن دونه فيما قاله النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن عقيلًا ورث أبا طالب، وباع ما ورثه من أبي طالب، ولذلك قال: هل ترك وأبقى لنا عقيل من دور أبي طالب؛ لأنه باعها كلها.
قال أسامة بالسند السابق: (وكان عقيل ورث أبا طالب هو) أي: عقيل (وطالب) معطوف على الضمير المستكن في كان بعد تأكيده بالضمير المنفصل؛ لأنهما كانا كافرين عند موت أبي طالب، وورثا منه دوره؛ لاتحادهما مع أبي طالب في الشرك (ولم يرث) منه (جعفر ولا علي شيئًا) من ماله، لاختلاف دينهما عن دينه (لأنهما) أي: لأن جعفرًا وعليًّا (كانا مسلمين) وقت موت
وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْن، فَكَانَ عُمَرُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يَقُولُ: لَا يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ.
قَالَ أُسَامَةُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ".
===
أبي طالب، فاختلف دينهما عن دينه، فلم يرثا منه شيئًا، فهذا موضع الترجمة.
(وكان عقيل وطالب) كانا (كافرين) عند موته، فورثا منه ماله؛ لاشتراكهما معه في الشرك، وكان عقيل باع ما ورثه من أبي طالب، وإنما خص عقيلًا بالذكر مع أن طالبًا ورثه أيضًا؛ لموته كافرًا (فكان عمر) بن الخطاب (من أجل ذلك) أي: من أجل عدم وراثة جعفر وعلي لأبي طالب، والجار والمجرور متعلق بقوله:(يقول) وجملتها خبر كان؛ والتقدير: وكان عمر يقول: (لا يرث المؤمن الكافر) من أجل ذلك المذكور.
قال الخطابي: موضع الاستدلال من هذا الحديث؛ على أن المسلم لا يرث الكافر: أن عقيلًا لم يكن أسلم يوم وفاة أبي طالب فورثه، وكان علي وجعفر مسلمين فلم يرثاه، ولما ملك عقيل رباع عبد المطلب .. باعها، فذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"وهل ترك عقيل لنا منزلًا؟ ! " انتهى، انتهى من "العون".
(قال أسامة) بالسند السابق: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم) لاختلاف ملتهما.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الحج، باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها، ومسلم في كتاب الحج، باب النزول بمكة للحج وتوريث دورها، وأبو داوود في كتاب الفرائض، باب هل يرث المسلم الكافر، وابن حبان في "صحيحه" في كتاب الإجارة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.
قوله: (عن أسامة بن زيد أنه) أي: أن أسامة (قال) في حجة الوداع أو في فتح مكة، وفي "فتح الملهم": اختلفت الروايات في وقوع هذا السؤال والجواب، هل كان في فتح مكة أو في حجة الوداع؟
(يا رسول الله؛ أتنزل) غدًا (في دارك بمكة؟ ) أخرج الفاكهي هذا الحديث من طريق محمد بن أبي حفصة، وقال في آخره: ويقال: إن الدار التي أشار إليها كانت دار هاشم بن عبد مناف، ثم صارت لعبد المطلب ابنه، فقسمها بين أولاده حين عمر وكبر، فمن ثم صار للنبي صلى الله عليه وسلم حق أبيه عبد الله، وفيها ولد النبي صلى الله عليه وسلم.
(فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور؟ ! ) وهذا الاستفهام إنكاري معناه النفي؛ أي: ما ترك لنا عقيل شيئًا من ذلك.
واختلف الرواة هل كان هذا القول في فتح مكة أو في حجة الوداع؛ كما مر آنفًا؟ فروي عن الزهري كل ذلك، ويحتمل أن يكون تكرر هذا السؤال والجواب في الحالتين، وفيه بعد. انتهى من "المفهم".
وقوله أيضًا: (أتنزل في دارك بمكة) أي: التي هي حقك وراثة من أبيك عبد الله المنتقل إليه من أبيه عبد المطلب بتقسيمه بين أولاده ما ورثه من أبيه هاشم، ولذالك أضافها النبي صلى الله عليه وسلم إلى نفسه في قوله:"وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور؟ ! ".
وقيل: إن أصلها كان لأبي طالب الذي كفله، ولأنه أكبر أولاد عبد المطلب،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
فاحتوى على أملاك عبد المطلب وحازها وحده لسنةٍ على عادة الجاهلية، فتكون الإضافة على هذا مجازية؛ لسكناه صلى الله عليه وسلم إياها.
وقوله أيضًا: (وهل ترك لنا عقيل) - بفتح العين المهملة - ابن أبي طالب (من رباع؟ ! ) - بكسر الراء - جمع ربع بفتحها وسكون الموحدة على وزن سهم وسهام؛ والربع - كما في "المصباح" -: محلة القوم ومنزلهم، وقيل: هو المنزل المشتمل على أبيات، وقيل: هو الدار، فعلى هذا قوله:(أو دور) عطف مرادف.
قوله: (أو دور) جمع الدار؛ أي: وهل ترك لنا شيئًا من منازل أو ديار، وكلمة (أو) إما ترديد من النبي صلى الله عليه وسلم، أو شك من الراوي.
والمراد بعقيل: عقيل بن أبي طالب أخو سيدنا علي رضي الله تعالى عنه، وكان عقيل قد استولى هو وأخوه طالب على الديار كلها إرثًا من أبيهما بجامع الكفر وعداءً على حقه صلى الله عليه وسلم وحق من هاجر من بني عبد المطلب؛ لتركهم حقوقهم بالهجرة؛ كما فعل أبو سفيان وغيره بدور من هاجر من المؤمنين، وفقد أخوه طالب ببدر، فانفرد عقيل بحيازة الديار كلها فباعها.
قال ابن الملك: وفي الحديث دلالة على أن الكافر إذا استولى على أموال المسلمين وأحرزها إلى دار الحرب .. ملكها، وعلى أن بيع دور مكة جائز، وإليه ذهبت الأحناف، وفي رواية عن أبي حنيفة يكره بيع الأرض فيها.
قوله: (وكان عقيل ورث أبا طالب هو وأخوه طالب، ولم يرثه جعفر ولا علي شيئًا؛ لأنهما كانا مسلمين) وقت وفاة أبي طالب، ولو كانا وارثين .. لنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في دورهما، وكانت كأنها ملكه لعلمه بإيثارهما إياه على أنفسهما. انتهى "إرشاد الساري".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قوله: (وكان عقيل وطالب كافرين) أما عقيل .. فأسلم أخيرًا، قال في "الإصابة": تأخر إسلامه إلى عام الفتح، وقيل: أسلم بعد الحديبية، وكان أسر يوم بدر، ففداه عمه العباس بن عبد المطلب، مات بالمدينة قبل وقعة الحرة، وأما طالب .. فقد ذكر أنه فقد يوم بدر؛ كما مر آنفًا. انتهى من بعض هوامش "مسلم".
قال الحافظ: ومحصل هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر .. استولى عقيل وطالب على الدور كلها باعتبار ما ورثاه من أبيهما؛ لكونهما كانا لم يسلما باعتبار ترك النبي صلى الله عليه وسلم لحقه منها بالهجرة، وفقد طالب ببدر، فباع عقيل الدور كلها. انتهى.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "وهل ترك لنا عقيل من دار؟ ! " فيه دلالة لمذهب الشافعي وموافقيه؛ أن مكة فتحت صلحًا، وأن دورها مملوكة لأهلها، لها حكم سائر البلدان في ذلك، فتورث عنهم ويجوز لهم بيعها ورهنها وإجارتها وهبتها والوصية بها، وسائر التصرفات.
وقال مالك وأبو حنيفة والأوزاعي وآخرون: فتحت عنوة، فلا يجوز شيء من هذه التصرفات.
وفيه أن المسلم لا يرث الكافر، وهذا مذهب العلماء كافة، إلا ما روي عن إسحاق بن راهويه وبعض السلف أن المسلم يرث الكافر، وأجمعوا على أن الكافر لا يرث المسلم.
واختلف في تقرير النبي صلى الله عليه وسلم عقيلًا على ما يخصه هو: فقيل: ترك له ذلك تفضلًا عليه، وقيل: استمالةً له وتأليفًا، وقيل: تصحيحًا لتصرفات الجاهلية؛ كما تصحح أنكحتها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وفي قوله: "وهل ترك لنا عقيل من دار؟ ! " إشارة إلى أنه لو تركها بغير بيع .. لنزل فيها.
وفيه تعقب على الخطابي حيث قال: إنما لم ينزل النبي صلى الله عليه وسلم فيه؛ لأنها دور هجروها في الله تعالى بالهجرة، فلم ير أن يرجع في شيء تركه لله تعالى، وفي كلامه نظر لا يخفى، والأظهر ما قدمته، وأن الذي يختص بالترك إنما هو إقامة المهاجر في البلد التي هاجر منها، لا مجرد نزوله في دار يملكها إن أقام المدة المأذون له فيها؛ وهي أيام النسك وثلاثة أيام بعده، والله أعلم.
قوله: (ولم يرثه جعفر) وهو المشهور بالطيار ذي الجناحين، وطالب أسن من عقيل، وهو من جعفر وهو من علي، والتفاوت بين كل واحد والآخر عشر سنين، وهو من النوادر.
وقوله: (لأنهما كانا مسلمين) قال الحافظ: وهذا يدل على تقدم هذا الحكم في أوائل الإسلام؛ لأن أبا طالب مات قبل الهجرة، ويحتمل أن تكون الهجرة لما وقعت .. استولى عقيل وطالب على ما خلفه أبو طالب، وكان أبو طالب قد وضع يده على ما خلفه عبد الله، والد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان شقيقه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي طالب بعد موت جده عبد المطلب، فلما مات أبو طالب، ثم وقعت الهجرة ولم يسلم طالب، وتأخر إسلام عقيل .. استوليا على ما خلف أبو طالب، ومات طالب قبل بدر، وتأخر إسلام عقيل، فلما تقرر حكم الإسلام بترك توريث المسلم من الكافر .. استمر ذلك بيد عقيل، فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، وكان عقيل قد باع تلك الدور كلها. انتهى، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(13)
- 2689 - (3) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ الْمُثَنَّى بْنَ الصبَّاحِ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيه،
===
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أسامة الأول بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(13)
- 2689 - (3)(حدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي مولاهم المصري، ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة اثنتين وأربعين ومئتين (242 هـ). يروي عنه:(م ق).
(أنبأنا) عبد الله (بن لهيعة) بن عقبة الحضرمي أبو عبد الرحمن المصري القاضي، صدوق، من السابعة، خلط بعد احتراق كتبه فترك، مات سنة أربع وسبعين ومئة (174 هـ). يروي عنه:(م د ت ق).
(عن خالد بن يزيد) الجمحي، ويقال: السَّكْسَكِيّ أبي عبد الرحيم المصري. روى عن: المثنى بن الصباح، ويروي عنه:(ع)، وابن لهيعة، ثقة فقيه، من السادسة، مات سنة تسع وثلاثين ومئة (139 هـ).
(أن المثنى بن الصباح) - بالمهملة والموحدة المشددة - اليماني الأبناوي - بفتح الهمزة وسكون الموحدة بعدها نون - أبا عبد الله نزيل مكة، ضعيف اختلط بأخرة، كان عابدًا، من كبار السابعة، مات سنة تسع وأربعين ومئة (149 هـ). يروي عنه:(د ت ق).
(أخبره) أي: أخبر المثنى لخالد بن يزيد (عن عمرو بن شعيب) صدوق، من الخامسة، مات سنة ثماني عشرة ومئة (118 هـ). يروي عنه:(عم)، مختلف فيه فيما روى عن أبيه عن جده؛ كما مر مرارًا.
(عن أبيه) شعيب بن محمد، صدوق، من الثالثة. يروي عنه:(عم).
عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ".
===
(عن جده) عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي رضي الله تعالى عنهما، مات ليالي الحرة على الأصح. يروي عنه:(ع).
وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الضعف جدًّا؛ لأن فيه ابن لهيعة، وهو مخلط، وفيه المثنى بن الصباح، وهو ضعيف؛ وعمرو بن شعيب مختلف فيه.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتوارث أهل ملتين") أي: دينين؛ الإسلام والشرك، والحديث دليل على أنه لا توارث بين أهل ملتين مختلفتين بالكفر؛ كاليهود والنصارى، وكالمجوس وعباد الوثن، أو مختلفتين بالإسلام والكفر؛ لأن ملة الكفر واحدة وإن اختلفت في دينهم دين الكفر.
وذهب الجمهور إلى أن المراد بالملتين: الكفر والإسلام، فيكون كحديث: "لا يرث المسلم الكافر
…
" الحديث، قالوا: وأما توريث ملل الكفر بعضهم من بعض .. فإنه ثابت، ولم يقل أحد بعموم الحديث للملل كلها إلا الأوزاعي؛ فإنه قال: لا يرث اليهودي من النصراني ولا عكسه، وكذالك سائر ملل الكفر، قال في "السبل": والظاهر من الحديث مع الأوزاعي. انتهى من "العون".
قوله: "لا يتوارث أهل ملتين" قال ابن الملك: الحديث يدل بظاهره على أن اختلاف الملل في الكفر يمنع التوارث؛ كاليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأوثان، وإليه ذهب الشافعي، قلنا: المراد هنا: الإسلام والكفر؛ فإن الكفرة كلهم ملة واحدة عند مقابلتهم بالمسلمين، وإن كانوا أهل ملل فيما يعتقدون. انتهى.
وقال الإمام محمد رحمه الله في "موطئه": لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم، والكفر ملة واحدة، يتوارثون به وإن اختلفت مللهم: فيرث اليهودي من النصراني، والنصراني من اليهودي، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى والعامة من فقهائنا. انتهى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وقال النووي في "شرح مسلم": توريثُ الكفار بعضهم من بعض؛ كاليهودي من النصراني وعكسه، والمجوسي منهما وهما منه .. قال به الشافعي رحمه الله تعالى، وأبو حنيفة رحمه الله تعالى، وآخرون، ومنعه مالك، قال الشافعي: لكن لا يرث حربي من ذمي ولا ذمي من حربي، قال أصحابنا: وكذا لو كانا حربيين في بلدين متحاربين .. لم يتوارثا. انتهى.
وقال الشوكاني في "النيل": ظاهر قوله: "لا يتوارث أهل ملتين" أنه لا يرث ملة كفرية من أهل ملة كفرية أخرى، وبه قال الأوزاعي ومالك وأحمد والهادوية، وحمله الجمهور على أن المراد بإحدى الملتين: الإسلام، وبالأخرى: الكفر، ولا يخفى بعد ذلك. انتهى، انتهى من "تحفة الأحوذي".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب الفرائض، باب هل يرث المسلم الكافر.
قال في "النيل": سند أبي داوود في هذا الحديث إلى عمرو بن شعيب صحيح، والنسائي في "الكبرى"، وله شاهد، كحديث جابر رواه الترمذي.
فدرجته: أنه صحيح المتن بما قبله، ضعيف السند؛ لما قد علمت، وغرضه: الاستشهاد به.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: ثلاثة أحاديث:
الأول للاستدلال، والأخيران للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم