الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
تتمة
قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب "الاستيعاب": شرط كتابنا هذا أن نذكر فيه كل من كان مسلمًا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، ولم نذكر فيه أكثم بن صيفي الخزاعي المعروف بابن الجون؛ لأنه لم يصح إسلامه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكره أبو علي ابن السكن في كتاب "الصحابة"، فلم يصنع شيئًا، والحديث الذي ذكره له في ذلك هو أن قال:(لما بلغ أكثم بن صيفي مخرج النبي صلى الله عليه وسلم. . أراد أن يأتيه، فأبى قومه أن يدعوه، قالوا: أنت كبيرنا لم تك لتخف إليه، قال: فليأت من يبلغه عني ويبلغني عنه، قال: فانتدب رجلان، فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالا: نحن رسل أكثم بن صيفي، وهو يسألك من أنت وما أنت وبم جئت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا محمَّد بن عبد الله، وأنا عبد الله ورسوله"، ثمَّ تلا عليهم هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى. . .} الآية (1).
فأتيا أكثم بن صيفي، فقالا: أبى أن يرفع نسبه، فسألنا عن نسبه، فوجدناه زاكي النسب واسط في مضر، وقد رمى إلينا بكلمات قد حفظناهن، فلما سمعهن أكثم. . قال: أي قوم؛ أراه يأمر بمكارم الأخلاق، وينهى عن ملائمها، فكونوا في هذا الأمر رؤوسًا، ولا تكونوا فيه أذنابًا، وكونوا فيه أولًا، ولا تكونوا فيه آخرًا، فلم يلبث أن حضرته الوفاة، فقال: أوصيكم بتقوى الله تعالى، وصلةِ الرَّحمِ؛ فإنَّه لا يَبْلَى عَليْها أصل. . . وذكر الحديث إلى آخره.
(1) سورة النحل: (90).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قال ابن السكن: والحديث حدثناه يحيى بن محمَّد بن صاعد إملاءً، قال حدثنا الحسن بن داوود بن محمَّد بن المنكدر، قال: حدثنا عمر بن علي المقدمي عن علي بن عبد الملك بن عمير عن أبيه قال: لما بلغ أكثم بن صيفي مخرج النبي صلى الله عليه وسلم. . . فذكر الخبر على حسب ما أوردناه، وليس في ذلك الخبر شيء يدلّ على إسلامه، بل فيه بيان واضح أنَّه إذ أتاه الرجلان اللذان بعثهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبراه بما قال: لم يلبث أن مات، ومثل هذا لا يجوز إدخاله في الصحابة، وبالله تعالى التوفيق. انتهى من "الاستيعاب"(ج 1/ ص 128).
قوله في حديث ابن عباس: "خير الصحابة" - بالفتح - جمع صاحب، ولم يجمع فاعل على فاعلة غير هذا اللفظ، كذا في "النهاية" أي: خير الرفقاء والأصحاب في السفر "أربعة" قال الغزالي: المسافر لا يخلو من رحل يحتاج إلى حفظه، وعن حاجة يحتاج إلى التردد فيها، ولو كانوا ثلاثة. . لكان المتردد في الحاجة واحدًا، فيتردد في السفر واحد بلا رفيق، فلا يخلو عن ضيق القلب؛ لفقد الأنيس، ولو تردد اثنان. . كان الحافظ للرحل وحده، فلا يخلو عن الخطر وعن ضيق القلب، فإذًا ما دون الأربعة لا يفي بالمقصود، والخامس زيادة بعد الحاجة.
وفيه دليل على أن خير الصحابة والرفقة أربعة أنفار، وظاهره أن ما دون الأربعة من الصحابة والرفقة موجود فيها أصل الخير من غير فرق بين السفر والحضر، ولكن حديث عمرو بن شعيب المذكور في "أبي داوود" ظاهره أن ما دون الثلاثة عصاة؛ لأنَّ معنى قوله:"شيطان" أي: عاص.
وقال الطبري: هذا الزجر زجر أدب وإرشاد؛ لما يخشى على الواحد من الوحشة والوحدة، وليس بحرام، والحق أن الناس يتباينون في ذلك، فيحتمل أن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
يكون الزجر فيه لحسم المادة، فلا يتناول ما إذا وقعت الحاجة لذلك؛ كإرسال الجاسوس والطليعة، كذا في "النيل".
قوله: "وخير السرايا" جمع سرية؛ وهي القطعة من الجيش؛ تخرج منه تغير وترجع إليه، قاله النوويّ.
قال ابن رسلان: قال إبراهيم الحربي: السرية: هي الخيل تبلغ أربع مئة ونحوها، قالوا: سميت بذلك؛ لأنها تسري في الليل وتخفي ذهابها، فهي فعيلة بمعنى فاعلة؛ من سرى وأسرى؛ إذا ذهب ليلًا.
وضعف ابن الأثير ذلك؛ وعبارته: وهي الطائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربع مئة، تبعث إلى العدو، والجمع سرايا، سموا بذلك؛ لأنهم خلاصة العسكر وخيارهم؛ من الشيء السري النفيس، سموا بذالك؛ لأنهم ينفذون سرًّا وخفية.
قال ابن رسلان: ولعل السرية إنما خصت بأربع مئة - كما تقدم عن الحربي - لأنَّ خير السرايا هي عدة أهل بدر ثلاث مئة وبضعة عشر، فعلى هذا: خير السرايا من ثلاث مئة إلى الأربع مئة، ومن أربع مئة إلى خمس مئة، قاله العليمي.
قوله: "ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة" بصيغة المجهول؛ أي: لن يصير مغلوبًا من قلة؛ معناه: أنهم لو صاروا مغلوبين. . لم يكن للقلة، بل لأمر آخر؛ كالعجب بكثرة العَدد والعُدد وغيره.
قال العلقمي: أي: إذا بلغ الجيش اثني عشر ألفًا لن يغلب من جهة قلة العدد.
قال ابن رسلان: زاد أبو يعلى الموصلي: (إذا صبروا واتقوا)، وكذا زاد ابن عساكر وزاد العسكري:(وخير الطلائع أربعون) بل يكون الغلب من سبب؛ كالعجب بكثرة العدد، وبما زين لهم الشيطان من أنفسهم؛ من قدرتهم على
(109)
- 2785 - (2) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ
===
الحرب وشجاعتهم وقوتهم ونحو ذلك؛ ألا ترى وقعة حنين؛ فإن المسلمين كان عدتهم فيها اثني عشر ألفًا أو قريبًا منها، فأعجبهم كثرتهم واعتمدوا عليها، وقالوا: لن نغلب اليوم عن قلة، فغلبوا عند ذلك؟ !
واستدل بهذا الحديث على أن عدد المسلمين إذا بلغ اثني عشر ألفًا. . أنَّه يحرم الانصراف، وإن زاد الكفار على مثليهم.
قال القرطبي: وهو مذهب جمهور العلماء؛ لأنهم جعلوا هذا مخصصًا للآية الكريمة. انتهى كلام ابن رسلان.
ثمَّ استشهد المؤلف لحديث أنس بن مالك بحديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(109)
- 2785 - (2)(حدثنا محمَّد بن بشار) بن عثمان العبدي البصري، ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين ومئتين (252 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا أبو عامر) العقدي - بفتحتين - عبد الملك بن عمرو القيسي، ثقة، من التاسعة، مات سنة أربع أو خمس ومئتين (205 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، ثقة إمام، من السابعة، مات سنة إحدى وستين ومئة (161 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، ثقة ثبت، من الثالثة، مات سنة تسع وعشرين ومئة، وقيل قبل ذلك. يروي عنه:(ع).
(عن البراء بن عازب) بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي الصحابي
قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانُوا يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَاثَ مِئَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ عَلَى عِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ مَنْ جَازَ مَعَهُ النَّهَرَ وَمَا جَازَ مَعَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ.
===
ابن الصحابي رضي الله تعالى عنهما، مات سنة اثنتين وسبعين (72 هـ). يروي عنه:(ع).
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأنَّ رجاله ثقات أثبات.
(قال) البراء: (كنا) معاشر الصحابة (نتحدث) فيما بيننا (أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) الذين شهدوا الوقعة معه صلى الله عليه وسلم ومن ألحق بهم و (كانوا يوم بدر ثلاث مئة وبضعة) أي: ثلاثة (عشر) أو أربعة عشر، حالة كونهم كائنين (على) قدر (عدة) أي: عدد (أصحاب) وقوم (طالوت) و (من) في قوله: (من جاز) بدل من أصحاب؛ أي: على قدر عدد من جاوز (معه) أي: مع طالوت (النهر، و) الحال أنَّه (ما جاز معه) النهر (إلا مؤمن) من قومه.
قوله: (كعدة أصحاب طالوت) هو ابن قيس؛ من ذرية بنيامين بن يعقوب شقيق يوسف عليهما السلام، يقال: إنه كان سقاء، ويقال: إنه كان دباغًا، والمراد بأصحاب طالوت: الذين جاوزوا معه النهر، ولم يجاوز معه إلا مؤمن؛ كما في رواية البخاري.
وقد ذكر الله سبحانه قصة طالوت وجالوت في القرآن في سورة البقرة، وقد ذكر أهل العلم بالأخبار أن المراد بالنهر: نهر الأردن، وأن جالوت كان رأس الجبارين، وأن طالوت وعد من قتل جالوت أن يزوجه ابنته ويقاسمه الملك، فقتله داوود، وكان أصغر القوم، فوفى له طالوت الوعد، وعظم قدر داوود في بني إسرائيل حتى استقل بالمملكة بعد أن كانت نية طالوت تغيرت لداوود،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وهم بقتله ولم يقدر عليه، فتاب وانخلع من الملك، وخرج مجاهدًا هو ومن معه من ولده حتى ماتوا كلهم شهداء، وقد ذكر محمَّد بن إسحاق قصته مطولة في المبدأ، كذا في "فتح الباري".
قوله: (ثلاث مئة وثلاثة عشر) كذا وقع ثلاثة عشر في حديث البراء، هذا عند الترمذي، وكذا وقع في حديث ابن عباس، قال الحافظ: ولأحمد والبزار والطبراني من حديث ابن عباس: كان أهل بدر ثلاث مئة وثلاثة عشر، وكذلك أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقيُّ من رواية عبيدة بن عمرو السلماني، أحد كبار التابعين، ومنهم من وصله بذكر علي، وهذا هو المشهور عند ابن إسحاق وجماعة من أهل المغازي. انتهى.
وقد وقع في بعض الروايات: (أربعة عشر) مكان (ثلاثة عشر)، وفي بعضها:(خمسة عشر)، وفي بعضها:(سبعة عشر)، وفي بعضها:(تسعة عشر).
وقد جمع الحافظ في "الفتح" بين هذه الروايات المختلفة جمعًا حسنًا، من شاء الوقوف عليه. . فليراجعه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب المغازي، باب عدة أصحاب بدر، والترمذي في كتاب السير، باب ما جاء في عدة أصحاب بدر، قال: وفي الباب عن ابن عباس، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد رواه الثوري وغيره عن أبي إسحاق، وأحمد في "المسند". انتهى من "تحفة الأحوذي".
فدرجة هذا الحديث: أنَّه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به.
(110)
- 2786 - (3) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَاب، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ لَهِيعَةَ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْوَرْدِ صَاحِبَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
===
ثمَّ استأنس المؤلف للترجمة بحديث أبي الورد رضي الله تعالى عنه، فقال:
(110)
- 2786 - (3)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا زيد بن الحباب) - بضم المهملة وموحدتين - أبو الحسين العكلي - بضم العين المهملة وسكون الكاف - أصله من خراسان، وكان بالكوفة، ورحل في الحديث فأكثر منه، وهو صدوق يخطئ في حديث الثوري، من التاسعة، مات سنة ثلاث ومئتين (203 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن) عبد الله (بن لهيعة) بن عقبة الحضرمي المصري قاضيها، صدوق، من السابعة خلط بعد احتراق كتبه، مات سنة أربع وسبعين ومئة (174 هـ). يروي عنه:(م د ت ق).
(أخبرني يزيد بن أبي حبيب) المصري، اسم أبيه سويد، واختلف في ولائه، ثقة فقيه وكان يرسل، من الخامسة، مات سنة ثمان وعشرين ومئة (128 هـ). يروي عنه (ع).
(عن لهيعة بن عقبة) المصري والد عبد الله، يكنى أبا عكرمة، مستور، من الرابعة، مات سنة مئة (100 هـ). يروي عنه:(ق).
(قال) لهيعة: (سمعت أبا الورد) المازني الصحابي الفاضل رضي الله تعالى عنه، سكن مصر، اسمه حرب، وقيل: عبيد بن قيس، وقيل: ثمامة بن نهيك، له حديث واحد، وهو هذا الحديث. يروي عنه:(ق).
(صاحب النبي صلى الله عليه وسلم).
يَقُولُ: "إِيَّاكُمْ وَالسَّرِيَّةَ الَّتِي إِنْ لَقِيَتْ فَرَّتْ، وَإِنْ غَنِمَتْ غَلَّتْ".
===
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الضعف؛ لأنَّ فيه ابن لهيعة، وهو ضعيف مختلط، وأبوه لهيعة أيضًا مستور.
أي: قال لهيعة: سمعت أبا الورد حالة كونه (يقول: إياكم والسرية) إياكم منصوب على التحذير بعامل محذوف وجوبًا؛ لقيام المعطوف مقامه؛ تقديره: احذروا وباعدوا أيها المسلمون أنفسكم عن السرية (التي إن لقيت) العدو. . (فرت) منه وهربت وشردت (وإن غنمت) - بكسر النون - من باب سمع؛ بأن حصلت لها الغنيمة بلا لقاء العدو ومحاربتهم. . (غلت) - بتشديد اللام - من الغلول؛ أي: خانت في الغنيمة وسرقت؛ لأنهم لا خير فيهم.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنَّه ضعيف؛ لضعف سنده، ولعدم المشاركة فيه، وغرضه: الاستئناس به للترجمة، فهو ضعيف سندًا ومتنًا (13)(296).
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: ثلاثة أحاديث:
الأوّل للاستدلال، والثاني للاستشهاد، والثالث للاستئناس.
والله سبحانه وتعالى أعلم