المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(59) - (1288) - باب العين - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ٢٠

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الأشربة

- ‌(1) - (1230) - بَابٌ: الْخَمْرُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ

- ‌(2) - (1231) - بَابٌ: مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا .. لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ

- ‌(3) - (1232) - بَابُ مُدْمِنِ الْخَمْرِ

- ‌(4) - (1233) - بَابٌ: مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ .. لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ

- ‌(5) - (1234) - بَابُ مَا يَكُونُ مِنْهُ الْخَمْرُ

- ‌(6) - (1235) - بَابُ لُعِنَتِ الْخَمْرُ عَلَى عَشَرَةِ أَوْجُهٍ

- ‌(7) - (1236) - بَابُ التِّجَارَةِ فِي الْخَمْرِ

- ‌تتمة

- ‌(8) - (1237) - بَابُ الْخَمْرِ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا

- ‌تتمة

- ‌(9) - (1238) - بَابٌ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ

- ‌ملحقة

- ‌(10) - (1239) - بَابٌ: مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ .. فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ

- ‌(11) - (1240) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْخَلِيطَيْنِ

- ‌(12) - (1241) - بَابُ صِفَةِ النَّبِيذِ وَشُرْبِهِ

- ‌(13) - (1242) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ نَبِيذِ الْأَوْعِيَةِ

- ‌(14) - (1243) - بَابُ مَا رُخِّصَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ

- ‌(15) - (1244) - بَابُ نَبِيذِ الْجَرِّ

- ‌(16) - (1245) - بَابُ تَخْمِيرِ الْإِنَاءِ

- ‌(17) - (1246) - بَابُ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ

- ‌(18) - (1247) - بَابُ الشُّرْبِ بِثَلَاثَةِ أَنْفَاسٍ

- ‌(19) - (1248) - بَابُ اخْتِنَاثِ الْأَسْقِيَةِ

- ‌(20) - (1249) - بَابُ الشُّرْبِ مِنْ فِي السِّقَاءِ

- ‌(21) - (1250) - بَابُ الشُّرْبِ قَائِمًا

- ‌تتمة

- ‌(22) - (1251) - بَابُ إِذَا شَرِبَ .. أَعْطَى الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ

- ‌(23) - (1252) - بَابُ التَّنَفُّسِ فِي الْإِنَاءِ

- ‌(24) - (1253) - بَابُ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ

- ‌(25) - (1254) - بَابُ الشُّرْبِ بِالْأَكُفِّ وَالْكَرْعِ

- ‌(26) - (1255) - بَابٌ: سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا

- ‌(27) - (1256) - بَابُ الشُّرْبِ فِي الزُّجَاجِ

- ‌كتاب الطب

- ‌(28) - (1257) - بَابٌ: مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً .. إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً

- ‌(29) - (1258) - بَابُ الْمَرِيضِ يَشْتَهِي الشَيْءَ

- ‌(30) - (1259) - بَابُ الْحِمْيَةِ

- ‌تتمة

- ‌(31) - (1260) - بَابٌ: لَا تُكْرِهُوا الْمَرِيضَ عَلَى الطَّعَامِ

- ‌(32) - (1261) - بَابُ التَّلْبِينَةِ

- ‌(33) - (1262) - بَابُ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ

- ‌(34) - (1263) - بَابُ الْعَسَلِ

- ‌(35) - (1264) - بَابُ الْكَمْأَةِ وَالْعَجْوَةِ

- ‌(36) - (1265) - بَابُ السَّنَى وَالسَّنُّوتِ

- ‌(37) - (1266) - بَابٌ: الصَّلَاةُ شِفَاءٌ

- ‌تتمة

- ‌(38) - (1267) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ

- ‌(39) - (1268) - بَابُ دَوَاءِ الْمَشْيِ

- ‌(40) - (1269) - بَابُ دَوَاءِ الْعُذْرَةِ وَالنَّهْيِ عَنِ الغَمْزِ

- ‌(41) - (1270) - بَابُ دَوَاءِ عِرْقِ النَّسَا

- ‌(42) - (1271) - بَابُ دَوَاءِ الْجِرَاحَةِ

- ‌(43) - (1272) - بَابُ مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ

- ‌(44) - (1273) - بَابُ دَوَاءِ ذَاتِ الْجَنْبِ

- ‌(45) - (1274) - بَابُ الْحُمَّى

- ‌(46) - (1275) - بَابٌ: الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ

- ‌(47) - (1276) - بَابُ الْحِجَامَةِ

- ‌(48) - (1277) - بَابُ مَوْضِعِ الْحِجَامَةِ

- ‌(49) - (1278) - بَابٌ: فِي أَيِ الْأَيَامِ يَحْتَجِمُ

- ‌(50) - (1279) - بَابُ الْكَيِّ

- ‌ملحقة

- ‌(51) - (1280) - بَابُ مَنِ اكْتَوَى

- ‌(52) - (1281) - بَابُ الْكُحْلِ بِالْإِثْمِدِ

- ‌(53) - (1282) - بَابُ مَنِ اكْتَحَلَ وِتْرًا

- ‌(54) - (1283) - بَابُ النَّهْيِ أَنْ يُتَدَاوَي بِالْخَمْرِ

- ‌تنبيه

- ‌(55) - (1284) - بَابُ الاسْتِشْفَاءِ بِالْقُرْآنِ

- ‌(56) - (1285) - بَابُ الْحِنَّاءِ

- ‌(57) - (1286) - بَابُ أَبْوَالِ الْإِبِلِ

- ‌(58) - (1287) - بَابُ الذُّبَابِ يَقَعُ فِي الْإِنَاءِ

- ‌(59) - (1288) - بَابُ الْعَيْنِ

- ‌(60) - (1289) - بَابُ مَنِ اسْتَرْقَى مِنَ الْعَيْنِ

- ‌(61) - (1290) - بَابُ مَا رُخِّصَ فِيهِ مِنَ الرُّقَى

- ‌(62) - (1291) - بَابُ رُقْيَةِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ

- ‌(63) - (1292) - بَابُ مَا عَوَّذَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَا عُوِّذَ بِهِ

- ‌(64) - (1293) - بَابُ مَا يُعَوَّذُ بِهِ مِنَ الْحُمَّى

- ‌(65) - (1294) - بَابُ النَّفْثِ فِي الرُّقْيَةِ

- ‌(66) - (1295) - بَابُ تَعْلِيقِ التَّمَائِمِ

- ‌(67) - (1296) - بَابُ النُّشْرَةِ

- ‌(68) - (1297) - بَابُ الاسْتِشْفَاءِ بِالْقُرْآنِ

- ‌(69) - (1298) - بَابُ قَتْلِ ذِي الطُّفْيَتَيْنِ

- ‌(70) - (1299) - بَابُ مَنْ كَانَ يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ

- ‌(71) - (1300) - بَابُ الْجُذَامِ

- ‌(72) - (1301) - بَابُ السِّحْرِ

- ‌(73) - (1302) - بَابُ الْفَزَعِ وَالْأَرَقِ وَمَا يُتَعَوَّذُ مِنْهُ

الفصل: ‌(59) - (1288) - باب العين

(59) - (1288) - بَابُ الْعَيْنِ

(136)

- 3450 - (1) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَام، حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ رُزَيْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِيسَى،

===

(59)

- (1288) - (باب العين)

(136)

- 3450 - (1)) حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي، ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة أربع وثلاثين ومئتين (234 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا معاوية بن هشام) القصار أبو الحسن الكوفي مولى بني أسد، ويقال له: معاوية بن أبي العباس، صدوق له أوهام، من صغار التاسعة، مات سنة أربع ومئتين (204 هـ). يروي عنه:(م عم).

(حدثنا عمار بن رُزَيق) - بتقديم الراء مصغرًا - الضبِّي التميمي أبو الأحوص الكوفي، لا بأس به، من الثامنة، مات سنة تسع وخمسين ومئة (159 هـ).

يروي عنه: (م دس ق)، وفي "التهذيب": قال ابن معين وأبو زرعة: ثقة، وقال أبو حاتم: لا بأس به، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات" انتهى.

(عن عبد الله بن عيسى) بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري أبي محمد الكوفي، قال ابن معين: ثقة، وقال في رواية: وكان يتشيع، وقال ابن خراش: هو أوثق ولد أبي ليلى، وقال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال الحاكم: هو أوثق آل أبي ليلى، من السادسة، مات سنة ثلاثين ومئة (130 هـ). روى عن أمية بن هند المزني، ويروي عنه:(ع).

ص: 361

عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ هِنْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الْعَيْنُ حَقٌّ".

===

(عن أمية بن هند) المزني الحجازي، ويقال: هو أمية بن هند بن سعد بن سهل بن حنيف، مقبول، من الخامسة. يروي عنه:(س ق). روى عن: عبد الله بن عامر بن ربيعة، ويروي عنه: عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى سماعًا منه، وذكره ابن حبان في "الثقات".

(عن عبد الله بن عامر بن ربيعة) العنزي حليف بني عدي أبي محمد المدني، وُلِدَ على عَهْدِ النبي صلى الله عليه وسلم ولأبيه صحبة مشهور، ووثقه العجلي، مات سنة بضع وثمانين (83 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبيه) عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك العنزي - بسكون النون - حليف آل الخطاب الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه، أسلم قديمًا وهاجر، وشهد بدرًا، مات ليالي قتل عثمان. يروي عنه:(ع).

وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العين) أي: إصابة عين العائن للمعيون وضررها له (حق) أي: أمر حق ثابت موجود مشاهد لا ينكر؛ لأنه معلوم بين الناس، بمعنى أنها سبب في المرض، لا بمعنى أن لها تأثيرًا ذاتيًّا، بل بمعنى أنها سبب عادي؛ كسائر الأسباب العادية، يخلق الله تعالى عند نظر العين إلى شيء وإعجابه ما شاء من ألم أو هلكة.

وعبارة "التحفة": قوله: "والعين" أي: أثرها "حق" لا بمعنى أن لها تأثيرًا، بل بمعنى أنها سبب عادي؛ كسائر الأسباب العادية، يخلق الله تعالى عند نظر العائن إلى شيء وإعجابه ما شاء من ألم أوهلكة.

قال المازري: وقد أثبت بعض الطبائعيين المثبتين للعين تأثيرًا أن العائن

ص: 362

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

تنبعث من عينه قوة سمية، تتصل بالمعين فيهلك أويفسد.

قالوا: ولا يمتنع هذا؛ كما لا يمتنع انبعاث قوة سمية من الأفعى والعقرب، تتصل باللديغ فيهلك، وإن كان غير محسوس لنا، فكذا العين.

قال: وهذا غير مسلم؛ لأنا بينا في كتب علم الكلام أن لا فاعل إلا الله تعالى، وبينا فساد القول بالطبائع، وبينا أن المحدث لا يفعل في غيره شيئًا، وإذا تقرر هذا .. بطل ما قالوه.

قال: وأقرب طريقة قالها من ينتحل الإسلام منهم أن قالوا: لا يبعد أن تبعث جواهر لطيفة غير مرئية من العين، فتتصل بالمعين وتتخلل مسام جسمه، فيخلق الله سبحانه وتعالى الهلاك عندها؛ كما يخلق الهلاك عند شرب السم عادة أجراها الله تعالى، وليست ضرورةً ولا طبيعةً إلجاء العقل إليها.

ومذهب أهل السنة: أن العين إنما تفسد أو تهلك عند نظر العائن بفعل الله تعالى أجرى الله سبحانه وتعالى العادة أن يخلق الضرر عند مقابلة هذا الشخص آخر، وهل ثم جواهر خفية أم لا؟ هذا من مجوزات العقول، لا يُقطع فيه بواحد من الأمرين، وإنما يقطع بنفي الفعل عنها، وبإضافته إلى الله تعالى؛ فَمَنْ قطع من أطباء الإسلام بانبعاث الجواهر .. فقد أخطأ، وإنما هو من الجائزات. انتهى من "تحفة الأحوذي" نقلًا عن المازري شارح "صحيح مسلم".

وهذا الحديث مما انفرد به ابن ماجه، ولكن له شاهد في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة التالي لهذا الحديث، وفي "مسلم" و"الترمذي" من حديث ابن عباس؛ أخرجه الترمذي في كتاب الطب، باب ما جاء أن العين حق

ص: 363

(137)

-3451 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ مُضَارِبِ بْنِ حَزْنٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

===

والغسل لها عن حية بن حابس التميمي رضي الله تعالى عنه، وابن أبي شيبة وعبد الرزاق في "مصنفه".

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده ولأن له شاهدًا، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

* * *

ثم استشهد المؤلف لحديث عامر بن ربيعة بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(137)

- 3451 - (2)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم، المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه، الأسدي مولاهم البصري، ثقة ثبت، من الثامنة، مات سنة ثلاث وتسعين ومئة (193 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن) سعيد بن إياس (الجريري) - بضم الجيم مصغرًا - أبي مسعود البصري، ثقة، من الخامسة، اختلط قبل موته بثلاث سنين، مات سنة أربع وأربعين ومئة (144 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن مضارب بن حزن) - بفتح المهملة وسكون الزاي - ويقال له: ابن بشير التميمي، ويقال: العجلي أبي عبد الله البصري، ومنهم من غاير بين العجلي والتميمي، وبين ابن حزن وابن بشير، مقبول، من الثالثة. يروي عنه:(ق).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

ص: 364

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْعَيْنُ حَقٌّ".

===

(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العين) أي: إصابة عين العائن للمعيون عند نظره إليه وإعجابه منه (حق) أي: أمر ثابت بتأثير الله تعالى لا بتأثيرها.

وتحقيقه: أن الشيء لا يعان إلا بعد كماله، وكل كامل يعقبه النقص، ولما كان ظهور القضاء بعد العين .. أضيف ذلك إليها، قاله القاري. انتهى من "العون".

ومعنى قوله: "إن العين حق" أنه إذا نظر المعيان لشيء باستحسان مشوب بحسدٍ .. يحصل للمنظور ضرر بعادة أجراها الله تعالى، وهل ثم جواهر خفية تنبعث من عينه فتصل إلى المعيون؛ كإصابة السم من نظر الأفعى أم لا؟ هو أمر محتمل لا يقطع بإثباته ولا نفيه.

قال ابن العربي: والحق أن الله تعالى يخلق عند نظر العائن إليه وإعجابه إذا شاء ما شاء من ألم أو هلكة، وقد يصرفه قبل وقوعه بالرقية.

وقد أخرج البزار بسند حسن عن جابر رفعه: "أكثر من يموت بعد قضاء الله تعالى وقدره بالنفس" يعني: بالعين. انتهى من "الإرشاد".

وفي الحديث: رد على طائفة من المبتدعة حيث أنكروا إصابة العين، والدليل على فساد قولهم أن كل معني لا يؤدي إلى قَلْبِ حقيقةٍ ولا فساد دليل .. فإنه من مجوزات المعقول؛ فإذا أخبر الشارع بوقوعه .. وجب اعتقاده، ولا يجوز تكذيبه.

واختلف في القصاص: فقال القرطبي: لو أتلف العائن شيئًا .. ضمنه، ولو قتل .. فعليه القصاص أو الدية إذا تكرر ذلك منه بحيث يصير عادة له؛ كالساحر عند من لا يقتله كفرًا.

ص: 365

(138)

-3452 - (3) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الْمَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ،

===

وقال الشافعي: لا قصاص ولا دية ولا كفارة؛ لأنه لا يقتل غالبًا ولا يعد مهلكًا، ولأن الحكم إنما يترتب على منضبط عام دون ما يختص ببعض الناس وبعض الأحوال مما لا ضبط فيه، كيف ولم يقع منه فعل أصلًا؟ ! انتهى.

وفي حديث أنس رفعه: "من رأى شيئًا فأعجبه فقال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله .. لم يضره"، رواه البزار وابن السني. انتهى من "الإرشاد".

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الطب، باب العين حق، ومسلم في كتاب السلام، باب الطب والمرض والرقى عن أبي هريرة وعن ابن عباس مطولًا، وأبو داوود في كتاب الطب، باب ما جاء في العين، والبيهقي وأحمد.

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عامر بن ربيعة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(138)

-3452 - (3)(حدثنا محمد بن بشار) بن عثمان العبدي البصري، ثقة، من العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين ومئتين (252 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا أبو هشام) المغيرة بن سلمة (المخزومي) البصري، ثقة ثبت، من صغار التاسعة، مات سنة مئتين (200 هـ). يروي عنه:(م دس ق).

(حدثنا وهيب) - بالتصغير - ابن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر

ص: 366

عَنْ أَبِي وَاقِدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اسْتَعِيذُوا بِاللهِ؛ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ".

===

البصري، ثقة ثبت، لكنه تغير قليلًا بأخرة، من السابعة، مات سنة خمس وستين ومئة (165 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).

(عن أبي واقد) صالح بن محمد بن زائدة المدني الليثي الصغير، ضعيف، من الخامسة، مات بعد الأربعين ومئة. يروي عنه:(عم).

(عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، ثقة فقيه، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين أو أربع ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن عائشة) رضي الله تعالى عنها.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه أبا واقد الليثي الصغير، وهو متفق على ضعفه.

(قالت) عائشة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استعيذوا) واستحصنوا واستحفظوا (بـ) اسم (الله) وصفاته من إصابة عين العائن لكم إذا رأيتموه (فإن) إصابة (العين حق) أي: أمر ثابت موجود بتأثير الله تعالى، لا بتأثيرها.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكن رواه الحاكم في "المستدرك"، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.

ودرجته: أنه صحيح بما قبله وإن كان سنده ضعيفًا، فهذا الحديث: ضعيف السند، صحيح المتن بغيره، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث عامر بن ربيعة بحديث سهل بن حنيف الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، فقال:

ص: 367

(139)

- 3453 - (4) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: مَرَّ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ

===

(139)

- 3453 - (4)(حدثنا هشام بن عمار) بن نصير السلمي الدمشقي، صدوق مقرئ خطيب، كبر فصار يتلقن حديث غيره، فحديثه القديم أصح، من كبار العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ). يروي عنه:(خ عم).

(حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي الكوفي ثم المكي، ثقة ثبت، من الثامنة، مات سنة ثمان وتسعين ومئة (198 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن) محمد بن مسلم ابن شهاب (الزهري) ثقة إمام، من الرابعة، مات سنة خمس وعشرين ومئة، وقيل: قبل ذلك بسنة أو سنتين. يروي عنه: (ع).

(عن أبي أمامة) أسعد أو سعد (بن سهل بن حنيف) - مصغرًا - الأنصاري معروف بكنيته معدود في الصحابة رضي الله تعالى عنه وعنهم، له رؤية ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، مات سنة مئة (100 هـ). يروي عنه:(ع).

(قال) أبو أمامة: (مر عامر بن ربيعة) بن كعب بن مالك العنزي - بسكون النون - حليف آل الخطاب الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه، أسلم قديمًا وهاجر، وشهد بدرًا، مات ليالي قتل عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه. يروي عنه:(ع).

وفي رواية ابن ماجه إرسال السند، ولعل فيها سقطًا، وقد روى هذا الحديث أحمد والنسائي وابن حبان، وسياق سندهم عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن أباه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو ماء، حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الجحفة .. اغتسل سهل بن حنيف، وكان أبيض حسن الجسم والجلد، فنظر إليه عامر بن ربيعة، فقال:

ص: 368

بسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَقَالَ: لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ، فَمَا لَبِثَ أَنْ لُبِطَ بِه، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقِيلَ لَهُ:

===

ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة، فلبط؛ أي: صرع سهل

الحديث.

فظهر من هذه الرواية أن الحديث مسند مرفوع. انتهى. من "تحفة الأحوذي".

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(بسهل بن حنيف) بن واهب الأنصاري الأوسي الصحابي الفاضل من أهل بدر، واستخلفه علي على البصرة، ومات في خلافته. يروي عنه:(ع).

(وهو) أي: والحال أن سهلًا (يغتسل) فرأى عامر جسم سهل وهو عار عن اللباس (فقال) عامر: (لم أر) فيما مضى (كاليوم) أي: جسمًا نظيفًا جميلًا مثل الجسم الذي رأيته اليوم (ولا) رأيت فيما مضى جسمًا جميلًا مثل (جلد مخبأة) أي: مثل جسم جارية مخبأة؛ أي: مستورة في بيت أهلها؛ يعني: لم تتزوج؛ أي: ما رأيت فيما مضى جسمًا نظيفًا جميلًا؛ كجمال جسم جارية مستورة في بيت أهلها لم تمارس الرجال؛ يريد به: جسم سهل بن حنيف بن واهب.

قال أبو أمامة: (فما لبث) ومكث وتأخر سهل بن حنيف من (أن لبط به) بالبناء للمجهول؛ أي: فما تأخر سهل بعدما نظر عامر بن ربيعة إليه من إغمائه وسقوطه على الأرض، فتسبب ذلك السقوط من نظر عامر إليه.

وفي "النهاية": المخبأة - بصيغة اسم المفعول -: الجارية التي في خدرها لم تتزوج بعد؛ لأن صيانتها ونظافتها أبلغ ممن قد تزوجت.

(لبط) أي: صرع وسقط إلى الأرض.

(فأتي) وجيء (به) أي: بسهل بن حنيف (النبي صلى الله عليه وسلم وهو مغمىً عليه (فقيل له) صلى الله عليه وسلم؛ أي: قال الجاؤون به لرسول الله

ص: 369

أَدْرِكْ سَهْلًا صَرِيعًا، قَالَ:"مَنْ تَتَّهِمُونَ بِهِ؟ "، قَالُوا: عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ، قَالَ:"عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟ ! إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ .. فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ"، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ، فَأَمَرَ عَامِرًا أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَرُكْبَتَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَصُبَّ

===

صلى الله عليه وسلم: (أَدْرِك سهلًا) أي: أدرك يا رسول الله سهل بن حنيف؛ أي: أدرك حياته بدعائك له؛ فإنه كان (صريعًا) أي: مغمىً عليه قريبًا إلى الموت (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن جاء به إليه: (من تتهمون به؟ ) أي: من تظنون بإيذائه إياه بنظره إليه؟ (قالوا) أي: قال الجاؤون به: نتهم (عامر بن ربيعة) بإيذائه إياه بنظره إليه حين يغتسل.

فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده: (علام) أي: لأجل ما (يقتل أحدكم) أيها المؤمنون (أخاه) المسلم بنظره إليه؟ ! فالاستفهام إنكاري بمعنى النهي؛ أي: فلا يقتل أحدكم أخاه بنظره إليه، بل (إذا رأى أحدكم من أخيه) المسلم (ما يعجبه) ويحبه جسمًا كان أو لباسًا أو غيرهما .. (فليدع) الله تعالى (له) أي: لذلك الأخ الذي رأى عليه ما يعجبه (بالبركة) والزيادة له على ما أعطاه له أولًا؛ والبركة: كثرة الخير معنىً.

(ثم) بعدما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكلام (دعا) وطلب (بماء) فجيء بالماء (فأمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عامر) بن ربيعة بـ (أن يتوضأ) بذلك الماء الذي جيء به وضوءه للصلاة.

وقوله: (فيغسل) عطف تفسير للوضوء المجمل؛ أي: أمر عامرًا بأن يتوضأ بذلك الماء (فيغسل وجهه) كله (و) يغسل (يديه إلى المرفقين و) رجليه إلى (ركبتيه و) يغسل عامر (داخلة إزاره) أي: باطنه الذي لا يرى عند النظر إليه (وأمره) أي: وأمر النبي صلى الله عليه وسلم عامرًا أيضًا بـ (أن يصب) غسالة

ص: 370

عَلَيْهِ، قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ: وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْفَأَ الْإِنَاءَ مِنْ خَلْفِهِ.

===

وضوئه ويرشها (عليه) أي: على سهل بن حنيف المعيون له.

قال هشام بن عمار: (قال) لنا (سفيان) بن عيينة: (قال معمر) بن راشد في روايته (عن الزهري) لفظة: (وأمره) أي: وأمر النبي صلى الله عليه وسلم عامر بن ربيعة بـ (أن يكفأ) ويفرغ ماء غسالته الذي في (الإناء) على سهل المريض (من خلفه) أي: من خلف عامر وورائه جاعلًا ظهره إلى سهل بن حنيف؛ أي: يفرغ عليه ماء الغسالة من الإناء مدبرًا إليه بظهره.

قال النووي: وُصِفَ وضوءُ العين عند العلماء: أن يؤتى بقدح ماء، ولا يوضع القدح على الأرض، فيأخذ العائن غرفة فيتمضمض، ثم يمجها في القدح، ثم يأخذ منه ماء يغسل به وجهه، ثم يأخذ بشماله ماء يغسل به كفه اليمنى، ثم بيمينه ماء يغسل به مرفقه الأيسر، ولا يغسل ما بين المرفقين والكعبين، ثم يغسل قدمه اليمنى، ثم اليسرى على الصفة المتقدمة، وكل ذلك في القدح، ثم داخلة إزاره، وهو الطرف المتدلي الذي يلي حقوه الأيمن، فإذا استكمل هذا .. صبه من خلفه على رأسه.

وهذا المعنى لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه، وليس في قوة العقل الاطلاع على أسرار جميع هذه المعلومات، فلا يدفع هذا بألا يعقل معناه. انتهى من "شرح مسلم للنووي".

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكن رواه مالك في "الموطأ" في كتاب العين، باب الوضوء من العين، وهو مرسل من طريق محمد بن سهل بن حنيف عن أبيه به، ورواه النسائي في الطب، وفي "اليوم والليلة" من طريق سفيان عن الزهري، ورواه ابن حبان في "صحيحه" عن عمر بن سعيد بن سنان عن أحمد بن أبي بكر عن مالك عن محمد بن أبي أمامة به، ورواه الحاكم في "المستدرك"

ص: 371

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

من طريق عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه به، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ورواه أبو داوود من حديث عائشة، وأحمد في "المسند"، والبغوي في "شرح السنة".

فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح المتن بغيره؛ لأن له شواهد؛ كما بيناها آنفًا، ضعيف السند؛ لما تقدم آنفًا، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: أربعة أحاديث:

الأول للاستدلال، والبواقي للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 372