الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(63) - (1292) - بَابُ مَا عَوَّذَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَا عُوِّذَ بِهِ
(150)
- 3464 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَى الْمَرِيضَ فَدَعَا لَهُ .. قَالَ: "أَذْهِبِ الْبَاسَ، رَبَّ النَّاس، وَاشْفِ
===
(63)
- (1292) - (باب ما عوذ به النبي صلى الله عليه وسلم وما عوذ به)
(150)
- 3464 - (1)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، من الثامنة، مات سنة ثمان وثمانين ومئة (188 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي، ثقة، من الخامسة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومئة (132 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح - مصغرًا - الهمداني الكوفي، ثقة، من الرابعة، مات سنة مئة (100 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني الكوفي أبي عائشة، ثقة فقيه، مخضرم من الثانية، مات سنة اثنتين، ويقال: سنة ثلاث وستين. يروي عنه: (ع).
(عن عائشة) رضي الله تعالى عنها.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قالت) عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المريض) منا وزاره لعيادة مرضه (فدعا له) أي: فأراد الدعاء له .. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعائه له: (أذهب) من الإذهاب؛ أي: أذهب هذا (الباس) والمرض والألم والوجع عن هذا المريض يا (رب الناس) ويا مالكهم (واشف)
أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا".
===
وعاف هذا المريض من هذا المرض وأزله عنه (أنت الشافي) أي: أنت القادر على شفائه (لا شفاء) ولا عافية حاصل له (إلا شفاؤك) بالرفع بدل من الضمير المستكن في خبر لا المحذوف.
وقوله: (شفاء لا يغادر) ولا يترك (سقمًا) ولا ألمًا، منصوب على المفعولية المطلقة باشف؛ أي: اشف شفاءً، وعلى هذا الوجه تكون الجملتان قبله معترضتين بين الفعل والمفعول المطلق. انتهى "قسطلاني".
ويجوز رفعه أيضًا على أنه خبر لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: الشفاء المطلوب لنا شفاء لا يغادر سقمًا ولا ألمًا.
وفائدة تقييد الشفاء بذلك: أنه قد يكون الشفاء من ذلك المرض فيخلفه مرض آخر يتولد منه، فكان يدعو له بالشفاء المطلق لا بمطلق الشفاء، قاله الحافظ في "الفتح"(10/ 121).
والتنوين في (سقمًا) للتقليل. انتهى "قسطلاني". أي: لا يترك سقيمًا قليلًا ولا كثيرًا.
والسقم: بفتحتين، وبضم السين وسكون القاف لغتان، والمعروف في الرواية هو الأول، والجملة الفعلية صفة لقوله:(شفاءً) على القاعدة النحوية.
وقوله أيضًا: (قال: أذهب الباس) أي: ارفع عن هذا المريض (الباس) بقلب همزته ألفًا؛ لغرض السجع أو المؤاخاة؛ كما في "القسطلاني".
(رب الناس) أي: مالكهم ومدبرهم ومصلحهم.
وفيه دليل على جواز السجع في الدعاء والرقى إذا لم يكن مقصودًا ولا متكلفًا وهو منادىً مؤخر عن جوابه؛ اهتمامًا به.
(واشف) أي: أوجد له الشفاء والعافية من مرضه وارزقه؛ لأنك (أنت)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
يا رب (الشافي) أي: أنت الذي يوجد الشفاء والعافية من المرض، وفي رواية للبخاري:(اشف وأنت الشافي) بزيادة الواو في الوسط.
وفي أخرى: (واشفه أنت الشافي) - بزيادة الهاء - وهي إما ضمير يعود على المريض، أو زائدة للسكت.
والألف واللام في (الشافي) موصولة بمعنى الذي، وليس باسم علم لله تعالى؛ إذ لم يكثر ذلك ولم يتكرر. انتهى "قرطبي".
وفي "القسطلاني": في قوله: (الشافي) دلالة على جواز تسمية الله تعالى بما ليس في القرآن إذا كان له أصل فيه، قال تعالى:{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} (1) ولم يوهم نقصًا.
قوله: (لا شفاء) بالمد مبني على الفتح؛ أي: لا شفاء حاصل لنا أو للمريض (إلا شفاؤك) بالرفع بدل من محل (لا شفاء).
وقال في "المصابيح": الكلام في إعرابه كالكلام في قولنا: (لا إله إلا الله) ولا يخفى أنه بحسب صدر الكلام نفي لكل إله سواه تعالى، وبحسب الاستثناء إثبات له ولألوهيته؛ لأن الاستثناء من النفي إثبات، لا سيما إذا كان بدلًا؛ فإنه يكون هو المقصود بالنسبة، ولهذا كان البدل هو المختار في كل كلام تام غير موجب.
وفي الحديث استحباب الرقية بالأذكار والقرآن. انتهى "دهني"، انتهى من "الكوكب".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الطب، باب رقية النبي صلى الله عليه وسلم، ومسلم في كتاب السلام، باب استحباب الرقية من العين والنملة
…
إلى آخره.
(1) سورة الشعراء: (80).
(151)
- 3465 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ رَبِّه، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ مِمَّا يَقُولُ لِلْمَرِيضِ بِبُزَاقِهِ
===
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله تعالى عنها، فقال:
(151)
- 3465 - (2)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي الكوفي ثم المكي، ثقة ثبت، من الثامنة، مات سنة ثمان وتسعين ومئة (198 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عبد ربه) بن سعيد بن قيس الأنصاري النجاري أخي يحيى بن سعيد المدني، ثقة، من الخامسة، مات سنة تسع وثلاثين ومئة (139 هـ)، وقيل بعد ذلك. يروي عنه: (ع،.
(عن عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية، أكثرت الرواية عن عائشة، ثقة، من الثالثة. يروي عنها:(ع)، ماتت قبل المئة، ويقال بعدها.
(عن عائشة) رضي الله تعالى عنها.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان) فعل ماض ناقص، والجار والمجرور في قوله:(مما يقول) خبر لكان مقدم على اسمها (للمريض) متعلق بـ (يقول)، وقوله:(ببزاقه) متعلق بمحذوف حال من فاعل (يقول)،
بِإِصْبَعِهِ: "بِاسْمِ اللهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا بِرِيقَةِ بَعْضِنَا؛ لِيُشْفَى سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا".
===
وقوله: (بإصبعه) متعلق بتلك الحال المحذوفة.
وقوله: (باسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا؛ ليشفى سقيمنا بإذن ربنا) اسم كان محكي مؤخر عن خبرها؛ ففي الكلام تقديم وتأخير؛ والتقدير: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قوله: "باسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا؛ ليشفى بها سقيمنا بإذن ربنا" كائنًا من بعض ما يقوله للمريض في الدعاء له، حالة كونه آخذًا بإصبعه السبابة بعض بزاقه وريقه، حالة كونه واضعًا إصبعه على الأرض، ناقلًا بعض ترابها على إصبعه، واضعًا تلك الإصبع على موضع الألم من المريض، مكررًا لذلك الدعاء، داعيًا من الله تعالى شفاء ذلك المريض من ذلك المرض.
ويحتمل كون (كان) زائدة، وكذا قوله:(مما) زائدة، واللام في قوله:(ليشفي) زائدة على كل الاحتمال الآتي؛ كما هي ساقطة في بعض الروايات.
والمعنى حينئذ: أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول للمريض حالة كونه متبركًا: باسم الله تربة أرضنا، حالة كونها ممزوجة بريقة بعضنا، يشفى بها سقيمنا بإذن ربنا وإرادته.
أي: يقول ذلك حالة كونه آخذًا بزاقه بإصبعه السبابة، واضعًا تلك الإصبع على التراب؛ لينقله بإصبعه، ثم واضعًا تلك الإصبع على موضع الألم من المريض.
قال السندي: قوله: (ببزاقه بإصبعه) أي: كان يأخذ من ريقه على إصبعه شيئًا، ثم يضعها على التراب فيتعلق بها منه شيء، فيمسح بها على الموضع الجريح.
(تربة أرضنا) أي: هذه تربة أرضنا، (بريقة بعضنا) يدل على أنه كان يتفل عند الرقية. انتهى منه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وعبارة " الكوكب": قوله: (باسم الله
…
) إلي آخره: مقول محكي لحال محذوفة؛ أي: قال إصبعه السبابة ووضعها على الأرض، حالة كونه قائلًا هذه الكلمات
…
إلي آخرها، ثم رفعها ووضعها على القرحة أو الجرح.
والجار والمجرور في قوله: (باسم الله) متعلق بمحذوف؛ تقديره: أي: أتبرك باسم الله تعالى.
وقوله: (تربة أرضنا) مبتدأ (بريقة بعضنا) حال من التوبة؛ أي: حالة كونها مصحوبة بريقة بعضنا؛ والريقة: أخف من الريق، وأنثها على معنى القطعة والبزقة.
واللام في قوله: (ليشفى) - بالبناء للمفعول - زائدة؛ كما هي ساقطة في رواية البخاري وفي بعض روايات مسلم.
أي: يعافى (به) أي: بما ذكر من التوبة المصحوبة بالريقة؛ أي: يعافى بها (سقيمنا) أي: مريضنا (بإذن ربنا) أي: بإرادة ربنا ومشيئته.
ويحتمل كون اللام في قوله: (ليشفي) أصلية متعلقة بمحذوف؛ تقديره: أخذناها ليشفى بها سقيمنا. انتهى منه.
قال النووي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ من ريق نفسه على إصبعه السبابة، ثم يضعها على التراب فيعلق بها منه شيء، فيمسح بها على الموضع الجريح والعليل، ويتلفظ بهذه الكلمات في حال المسح.
وقال أيضًا: قيل: المراد بـ (أرضنا): أرض المدينة خاصة؛ لبركتها، وبـ (بعضنا): رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لشرف ريقه، ويكون ذلك مخصوصًا به صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ: وفيه نظر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وفي "المرقاة": قال جمهور العلماء: المراد بـ (أرضنا) هنا: جملة الأرض. انتهى.
والمراد بـ (ريقنا): ريق المؤمنين.
وحاول بعض العلماء - كما ذكر عنهم القرطبي - أن يخرجوا هذا الطريق على أصول طبية، فقالوا: إن السر فيه أن تراب الأرض لبرودته ويبسه يبرئ الموضع الذي به الألم، ويمنع انصباب المواد إليه ليبسه مع منفعته في تجفيف الجراح واندمالها.
وأما الريق .. فإنه يختص بالتحليل والإنضاج وإبراد الجرح والورم لا سيما من الصائم الجائع.
وكذلك ذكر البيضاوي أن للريق مدخلًا في النضج وتعديل المزاج، ولتراب الوطن تأثيرًا في حفظ المزاج ودفع الضرر؛ فقد ذكروا أنه ينبغي للمسافر أن يستصحب تراب أرضه إن عجز عن استصحاب مائها.
ولكن تعقب القرطبي مثل هذه التوجيهات، وقال: إنما هذا من باب التبرك بأسماء الله تعالى، فلا يلزم تعقيده على أصول طبية، وهو الظاهر.
وقال التوربشتي: كأن المراد من (التوبة) الإشارة إلى فطرة آدم عليه السلام، و (الريقة) الإشارة إلى النطفة.
كأنه تضرع بلسان الحال؛ أنك اخترعت الأصل الأول من التراب، ثم أبدعته من ماء مهين، فَهينٌ عليك أن تَشْفِيَ من كانت هذه نشأته. كذا في "الفتح"(10/ 208).
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب أحاديث
(152)
- 3466 - (3) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ،
===
الأنبياء، باب حديث أبي ذر أي مسجد وضع في الأرض، ومسلم في كتاب الطب باب استحباب الرقية من العين، وأبو داوود في كتاب الطب، باب كيف الرقى.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عائشة الأول بحديث عثمان بن أبي العاص رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(152)
- 3466 - (3)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يحيى بن أبي بكير) - مصغرًا - واسمه نسر - بفتح النون وسكون المهملة - الكرماني كوفي الأصل نزل بغداد، ثقة، من التاسعة، مات سنة ثمان أو تسع ومئتين (209 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا زهير بن محمد) التميمي أبو المنذر الخراساني سكَنَ الشامَ ثم الحجاز، ثقة إلا أن رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، فضعف بسببها، قال البخاري عن أحمد: كأن زهيرًا الذي يروي عنه الشاميون آخرُ، وقال أبو حاتم: حدَّث بالشام من حفظه فكثر غلطه، من السابعة، مات سنة اثنتين وستين ومئة (162 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن يزيد) بن عبد الله (بن خُصيفة) - بمعجمة ثم مهملة مصغرًا - ابن عبد الله بن يزيد الكندي المدني، وقد ينسب لجده، ثقة، من الخامسة. يروي عنه:(ع).
عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبِي وَجَعٌ قَدْ كَادَ يُبْطِلُنِي، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "اجْعَلْ يَدَكَ الْيُمْنَي عَلَيْهِ وَقُلْ: بِاسْمِ اللهِ؛ أَعُوذُ
===
(عن عمرو بن عبد الله بن كعب) بن مالك الأنصاري المدني، ثقةٌ، من السادسة. يروي عنه:(عم).
(عن نافع بن جبير) بن مطعم النوفلي أبي محمد المدني، ثقة فاضل، من الثالثة، مات قبل المئة سنة تسع وتسعين (99 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عثمان بن أبي العاص الثقفي) الطائفي أبي عبد الله الصحابي الشهير رضي الله تعالى عنه، استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على الطائف، ومات في خلافة معاوية بالبصرة. يروي عنه:(م عم).
وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(أنه) أي: أن عثمان (قال: قدمت) وجئت (على النبي صلى الله عليه وسلم و) الحال أنه (بي وجع) وألم شديد (قد كاد) وقرب ذلك الوجع (يبطلني) أي: يبطل حياتي ويهلكني.
ولمسلم وغيره من رواية الزهريّ عن نافع عن عثمان أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعًا يجده في جسده منذ أسلم (فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: اجعل يدك اليمنى) أي: ضع كفك اليمني (عليه) أي: على موضع الوجع الذي تجده في جسدك، وفي رواية مسلم:(فقال له: ضع يدك على الذي يألم من جسدك)، وللطبراني والحاكم:(ضع يمينك على المكان الذي تشتكي، فامسح بها سبع مرات).
(وقل): أتبرك (باسم الله) تعالى، وقل: أيضًا: (أعوذ) أي: أتحصن
بِعِزَّةِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ سَبْعَ مَرَّاتٍ"، فَقُلْتُ ذَلِكَ فَشَفَانِيَ اللهُ.
===
وأتحفظ (بعزة الله) وجلاله وكماله الباهر (وقدرته) القاهرة (من شر) وضرر ووجع وألم (ما أجد) الآن في جسمي (و) من شر ما (أحاذر) وأخاف وقوعه في المستقبل، وقوله:(سبع مرات) مفعول مطلق لقل؛ أي: قل هذا الدعاء المذكور وكرره على موضع الوجع سبع مرات.
قال عثمان: (فقلت ذلك) الدعاء الذي أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم على موضع الوجع (فشفاني) أي: عافاني (الله) تعالى من ذلك الوجع بفضله وكرمه، فلله الحمد والشكر.
وإنما أمره بالتكرار سبع مرات، لأن تكراره أنجح وأبلغ، كتكرار الدواء الطبيعي لاستقصاء إخراج المادة، وفي كونه سبعًا خاصية لا يوجد في غيرها.
قال القرطبي: هذا أمر إرشاد وتعليم لما ينفع؛ من وضع يد الراقي على المريض ومسحه بها، وأن ذلك لم يكن مخصوصًا بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل ينبغي أن يفعل ذلك كل راق، وقد تأكد أمر ذلك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم ذلك بأنفسهم وبغيرهم؛ كما قد ذكر في الأحاديث، فلا ينبغي للراقي أن يعدل عنه إلى المسح بحديد أو بغيره؛ فإن ذلك لم يفعله أحد ممن سبق ذكره، ففعله تمويه لا أصل له. انتهى منه.
ومما ينبغي للراقي أن يفعل النفث والتفل، وقد قلنا: إنهما نفخ مع ريق، وإن ريق التفل أكثر، وقد قيل: إن ريق النفث أكثر، وقيل: هما متساويان، والأول أصح عند أهل اللغة.
وقد أكثر ذلك في الأحاديث المتقدمة وغيرها، فلا يعدل عنه، وكذلك تكرار التسمية ثلاثًا، وتكرار العدد سبعًا؛ كما جاء في هذا الحديث.
(153)
- 3467 - (4) حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ هِلَالٍ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ،
===
فينبغي للراقي أن يحافظ عليه؛ إذ قد علمه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به، فكل ذلك فيه أسرار يدفع الله بها الأضرار. انتهى من "المفهم".
قال السندي: قوله: من شر ما أجد وأحاذر" فيه تعوذ من وجع ومكروه هو فيه الآن، ومما يتوقع حصوله في المستقبل من الحزن والخوف؛ فإن الحذر هو الاحتراز من مخوف مستقبل.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب السلام، باب استحباب وضع يده على موضع الألم عند الدعاء، وأبو داوود في كتاب الطب، باب كيف الرقى، والترمذي في كتاب الطب، باب كيف يدفع الوجع عن نفسه (2080)، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي في "السنن الكبرى"، كتاب النعوت، باب العزة والقدرة.
فدرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث عائشة الأول بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(153)
- 3467 - (4)(حدثنا بشر بن هلال الصواف) أبو محمد النميري - بضم النون مصغرًا - ثقة، من العاشرة، مات سنة سبع وأربعين ومئتين (247 هـ). يروي عنه:(م عم).
(حدثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان العنبري مولاهم، أبو عبيدة التنوري - بفتح المثناة وتشديد النون - البصري ثقة ثبت، رمي بالقدر ولم يثبت عنه، من الثامنة، مات سنة ثمانين ومئة (180 هـ).
عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَ جِبْرَائِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ؛ اشْتَكَيْتَ؟ قَالَ: "نَعَمْ " قَالَ: بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ حَاسِدٍ اللهُ يَشْفِيكَ،
===
(عن عبد العزيز بن صهيب) البناني - بموحدة ونونين - البصري، ثقة، من الرابعة، مات سنة ثلاثين ومئة (130 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة - بضم القاف وفتح الطاء المهملة - العبدي العوقي - بفتحتين ثم قاف - البصري مشهور بكنيته، ثقة، من الثالثة، مات سنة ثمان أو تسع ومئة (109 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن أبي سعيد) الخدري رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(أن جبرائيل) الأمين عليه السلام (أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال) جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا محمد؛ اشتكيت؟ ) أي: هل اشكتيت ومرضت يا محمد؟ بتقدير همزة الاستفهام الاستخباري، فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم:(نعم) أشتكي وأمرض، فـ (قال) له جبريل عليه السلام:(باسم الله) أي: بقراءة اسم الله وذكره عليك (أرقيك) أي: أعالجك (من كل شيء يؤذيك) ويضرك، والجار والمجرور في قوله:(من شر منفس) شريرة وضارة.
(أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي: من كل (عين) عائن (أو) قال: من شر كل (حاسد) متعلق بقوله: (الله يشفيك) أي: الله يشفيك ويقيك من ضرر منفس شريرةٍ، أو قال: الله يشفيك من ضرر كل عين عائن خبيث،
بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ.
===
أو قال: الله يحميك من شر كل حاسد خبيث، و (أو) للشك من الراوي أو ممن دونه.
في أي الألفاظ الثلاثة قال النبي صلى الله عليه وسلم مع أن معناها واحد؛ فإن لفظ (النفس) يطلق على الإصابة بالعين، يقال: أصابت فلانًا نفس؛ أي: عين، والنافس: العائن، قاله القتيبي، وتطلق (النفس) على أمور أخر ليس شيء منها يراد بهذا الحديث، والله تعالى أعلم. انتهى من "المفهم".
وقوله في الأخير: (باسم الله أرقيك) توكيد لفظي لما ذكره في أول الحديث.
قال النووي: وقوله: "باسم الله أرقيك" تصريح بالرقى بأسماء الله تعالى، وفيه توكيد الرقية والدعاء وتكريره.
وقوله: "من شر كل نفس" قيل: يحتمل أن المراد بالنفس: نفس الآدمي، وقيل: يحتمل أن يكون المراد بها العين؛ فإن النفس تطلق على العين.
ويقال: رجل نفوس؛ إذا كان يصيب الناس بعينه؛ كما قال في الرواية الأخرى: (من شر كل ذي عين).
ويكون قوله: "أو عين أو حاسد" من باب التوكيد باللفظ المختلف؛ نحو: حسن بسن، أو شكًّا من الراوي في لفظه، والله تعالى أعلم.
وهذا الحديث استدلال على الجزء الأخير من الترجمة، وفي الحديث دلالة على استحباب الرقية بأسماء الله تعالى، وبالعوذ الصحيحة المعنى، وأن ذلك لا ينافي التوكل على الله تعالى ولا ينقصه؛ إذ لو كان شيء من ذلك .. لكان النبي صلى الله عليه وسلم أحق الناس بأن يجتنب ذلك؛ فإن الله تعالى لم يزل يرقي نبيه صلى الله عليه وسلم في المقامات الشريفة، والدرجات الرفيعة، إلى أن قبضه الله تعالى على أرفع مقام، وأعلى حال، وقد رُقِيَ في أمراضه حتى في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
مرضه صلى الله عليه وسلم الذي مات به؛ فقد رقته عائشة رضي الله تعالى عنها في مرض موته، ومسحته بيدها ويده الشريفة وهو مقر لذلك، غير منكر لشيء مما هنالك، رواه البخاري (5751).
قول جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: (باسم الله أرقيك) فيه جواز الرقية - بضم الراء وسكون القاف - يقال: رقى - بالفتح - في الماضي، يرقي - بالكسر - في المضارع؛ من باب رمى، رقية؛ وهو العلاج بالقراءة عليه.
ويقال: رقيت فلانًا - بفتح القاف - أرقيه - بكسرها - وهو بمعنى التعويذ والاسترقاء: طلب الرقية.
وأما رقي يرقى رقيًا، من باب رضي .. فهو بمعنى الارتقاء والصعود إلى العلو؛ كما سيأتي البسط فيه لاحقًا.
قال الحافظ: في "الفتح "(10/ 195): أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط:
1 -
أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه أو بصفاته.
2 -
وباللسان العربي، أو بما يعرف معناه من غيره.
3 -
وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بذات الله تعالى. انتهى منه.
قال النووي: قوله: (رقاه جبرائيل) استقر الشرع على الإذن في الرقية بآيات القرآن، وبالأذكار المعروفة، فلا نهي فيها، بل هي سنة؛ كما تفاد من هذه الأحاديث.
وأما ما ورد في الحديث في الذين يدخلون الجنة بغير حساب: "لا يرقون ولا يسترقون" .. فمحمول على الرقية من كلام الكفار، والألفاظ المجهولة المعاني؛ لأنه يخاف من كونها كفرًا، أو قريبًا منه.
(154)
- 3468 - (5) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَحَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَّن،
===
وجمع بعضهم بين الحديثين: بأن المدح في ترك الرقية محمول على الأفضلية وبيان التوكل، وأما الفعل بالرقية .. فلبيان الجواز مع كون تركها الأفضل.
واختلفوا في رقية أهل الكتاب: فجوزها أبو بكر رضي الله تعالى عنه، وكرهها مالك؛ خوفًا من أن يكون مما بدلوه، ومن جوزها .. قال: الظاهر أنهم لم يبدلوا الرقى؛ فإن لهم فيها غرضًا، بخلاف غيرها مما بدلوه، والله أعلم، وإن أردت زيادة التفصيل .. فارجع إلى "شرح النووي".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب السلام، باب الطب والمرض والرقى، والترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في التعوذ للمريض.
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به.
ثم استأنس المؤلف للترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، فقال:
(154)
- 3468 - (5)(حدثنا محمد بن بشار) بن عثمان العبدي البصري لقبه بندار، ثقة، من العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين ومئتين (252 هـ). يروي عنه:(ع).
(وحفص بن عمر) بن عبد العزيز أبو عمر الدوري المقرئ الضرير الأصغر صاحب الكسائي، لا بأس به، من العاشرة، مات سنة ست أو ثمان وأربعين ومئتين (248 هـ). يروي عنه:(ق).
(قالا: حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي العنبري البصري، ثقة ثبت، من التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين ومئة (198 هـ). يروي عنه:(ع).
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ الله، عَنْ زِيَادِ بْنِ ثُوَيْبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي فَقَالَ لِي: "أَلَا أَرْقِيكَ بِرُقْيَةٍ جَاءَنِي بِهَا جِبْرِيلُ؟ "، قُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ: "بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ،
===
(حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، ثقة إمام حجة، من السابعة، مات سنة إحدى وستين ومئة (161 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عاصم بن عبيد الله) بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي العمري المدني، ضعيف، من الرابعة، مات في أول دولة بني العباس سنة اثنتين وثلاثين ومئة (132 هـ). يروي عنه:(دت ق).
(عن زياد بن ثويب) - بمثلثة وموحدة مصغرًا - مقبول، من الثالثة. يروي عنه:(س ق).
(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سدسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه عاصم بن عبيد الله، وهو متفق على ضعفه.
(قال) أبو هريرة: (جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزلي، حالة كونه (يعودني) أي: يزورني لعيادتي عن مرضي (فقال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا) أي: انتبه واستمع ما أقول لك: (أرقيك) أي: أعالجك (برقية) أي: بقراءة أقرأ بها عليك (جاءني بها) أي: علمني إياها (جبريل) عليه السلام؟ قال أبو هريرة: فـ (قلت) له: (بأبي وأمي) أنت مفدي من كل مكروه (بلى) ارقني (يا رسول الله) بالقراءة علي، فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في القراءة علي:(باسم الله) أي: بقراءة أسماء الله تعالى وأذكاره عليك (أرقيك) أي: أعالجك، ومتعلقه سيأتي قريبًا.
وَاللهُ يَشْفِيكَ مِنْ كُلِّ دَاءِ فِيكَ، مِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ،
===
وجملة قوله: (والله يشفيك) جملة معترضة بين الجار ومتعلقه في محل النصب حال، وقوله:(من كل داء فيك) جار ومجرور متعلق بـ (أرقيك).
والمعنى: باسم الله أرقيك وأعالجك من كل داء ومرض فيك، حالة كون الله تعالى يشفيك ويعافيك من كل مرض فيك.
ويحتمل تعلق الجار والمجرور بـ (يشفيك) لقربه؛ والمعنى حينئذ: أرقيك وأقرأ عليك أسماء الله، والله يشفيك ببركة أسمائه من كل داء ومرض فيك.
والجار والمجرور في قوله: (من شر النفاثات في العقد) بدل من الجار والمجرور قبله؛ أي: وأرقيك من شر وضرر السواحر النفاثات؛ أي: النفاخات بنفسهن في العقد؛ أي: في عقد الحبل التي عقدنها كما قرأن عليه سحرًا؛ أو المعنى: والله يشفيك من كل داء فيك، ويشفيك ويعافيك من شر وضرر السواحر اللاتي قرأن السحر على عقد الحبل التي عقدنها عند قراءة السحر على الحبل.
وحاصل المعنى: باسم الله أرقيك من كل داء فيك، ومن شر وضرر النساء أو النفوس السواحر اللاتي ينفثن وينفخن في العقد؛ أي: في عقد الوتر أو الحبال عند القراءة على تلك العقد ليسحرن بها، جمع نفاثة - بالتشديد - صيغة مبالغة يراد منها: تكرار الفعل والاحتراف، من النفث وهو شبه النفح يكون في الرقية ولا ريق معه، فإن كان معه ريق .. فهو التفل، يقال منه: نفَثَ الرَّاقِي، ينفث - بالضم - وينفث - بالكسر - إذا نفخ على المريض بعد القراءة.
و(العقد) جمع عقدة؛ ح وهي ما يعقده الساحر ويربطه ويمسكه على وتر - بفتحتين - القوس أو حبل أو شعر وهو ينفث عليه، وأصله: من العزيمة،
وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ"، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
===
ولذلك يقال لها: عزيمة؛ كما يقال لها: عقدة، ومنه يقال للساحر: معقد.
أو المعنى: والله يشفيك ويعافيك من كل داء فيك، ويسلمك من شر السواحر اللاتي ينفثن وينفخن في عقد الحبل إذا قرأن عليه السحر.
(و) يسلمك ويحفظك (من شر) وحسد كل (حاسد إذا حسد) ك؛ أي: إذا أراد حسدك وأظهر ما في نفسه من الحسد، وعمل بمقتضاه ترتيب مقدمات الشر ومبادي الإضرار بالمحسود قولًا أو فعلًا.
والتقييد بذلك؛ لما أن ضرر الحسد قبله إنما يحيق ويضر بالحاسد؛ لاغتمامه بنعمة المحسود؛ والحسد: أن تتمنى زوال نعمة المحسود عنه مطلقًا، دينية كانت أو دنيوية، يقال: حسده يحسده؛ من باب دخل.
وقال بعضهم: الحاسد لا ينال في المجالس إلا ندامة، ولا ينال عند الملائكة إلا لعنة وبغضًا، ولا ينال في الخلوة إلا جزعًا وغمًّا، ولا ينال في الآخرة إلا حزنًا واحتراقًا، ولا ينال من الله إلا بغضًا ومقتًا. انتهى، انتهى من "الحدائق".
وقوله: (ثلاث مرات) منصوب على أنه مفعول مطلق لقال؛ أي: قال هذا الذكر قولًا ثلاث مرات.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه ضعيف (12)(356)؛ لضعف سنده لما تقدم، وغرضه: الاستئناس به للترجمة.
ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث عائشة الأول بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(155)
- 3469 - (6) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ هِشَامٍ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ الْبَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مِنْهَالٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،
===
(155)
- 3469 - (6)(حدثنا محمد بن سليمان بن هشام) الشطوي - بفتح المعجمة والمهملة - (البغدادي) ضعيف، من الحادية عشرة، مات سنة خمس وستين ومئتين (265 هـ). يروي عنه:(ق).
(حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات في آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(ح وحدثنا أبو بكر) محمد (بن خلاد) بن كثير (الباهلي) البصري، ثقة، من العاشرة، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(م د س ق).
(حدثنا أبو عامر) العقدي - بفتحتين - عبد الملك بن عمرو القيسي، ثقة، من التاسعة، مات سنة أربع أو خمس ومئتين (205 هـ). يروي عنه:(ع).
(قالا) أي: قال كل من وكيع وأبي عامر: (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري، ثقة إمام، من السابعة، مات سنة إحدى وستين ومئة (161 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عتاب الكوفي، ثقة ثبت، وكان لا يدلس، من الخامسة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومئة (132 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن منه (ل) بن عمرو الأسدي مولاهم الكوفي، صدوق ربما وهم، من الخامسة، ووثقه ابن معين والنسائي. يروي عنه:(خ عم).
(عن سعيد بن جبير) الأسدي مولاهم الكوفي، ثقة ثبت فقيه، من الثالثة،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ؛ يَقُولُ: "أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّة، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ"، قَالَ: "وَكَانَ أَبُونَا إِبْرَاهِيمُ يُعَوِّذُ
===
قتل بين يدي الحجاج سنة خمس وتسعين (95 هـ)، ولم يكمل عمره خمسين سنة. يروي عنه:(ع).
(عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما.
وهذان السندان من سباعياته، وحكمهما: الصحة، ولم يقدح في هذا السند محمد بن سليمان البغدادي؛ لأنه إنما ذكره على سبيل المقارنة ليس مقصودًا في السند؛ لأنه إنما قارنه بأبي بكر بن خلاد.
(قال) ابن عباس: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعوِّذُ الحسنَ والحسين) ابني فاطمةَ وعلي رضي الله تعالى عنهما - بضم الياء وكسر الواو المشددة - من التعويذ (يقول) في تعويذهما: (أعوذ) كما وأحصنكما وأستحفظكما من كل سوء (بكلمات الله التامة) باتصافها بكل الكمالات وتنزهها عن كل النقائص.
وقال في "العون": قوله: "التامة" أي: الخالية عن العيوب أو الوافية في دفع ما يتعوذ منه، وأعوذكما (من كل شيطان) مارد؛ أي: متمرد (و) من شر كل دابة (هامة) وهي - بتشديد الميم -: واحدة الهوام؛ وهي ذوات السموم؛ كالحية والعقرب (ومن) شر (كل عين لامة) أي: مصيبة لمن نظرت إليه بلمم؛ واللمم: كل داء ينقص تمييز وعقل من أصابه؛ كالخبل والجنون والإغماء والوسوسة؛ أي: من كل عين تصيب من نظرت إليه بسوء ومرض.
ثم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (وكان أبونا) الأكبر وجدُّنا الأعلى؛ لأنه كان جد العرب (إبراهيم) الخليل عليه السلام (يعوذ) ويستحصن
بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ - أَوْ قَالَ -: إِسْمَاعِيلَ وَيَعْقُوبَ"، وَهَذَا حَدِيثُ وَكِيعٍ.
===
ويستحفظ (بها) أي: بكلمات الله التامة (إسماعيل وإسحاق) ولديه في صغرهما؛ أي: بقرائتها عليهما (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم والشك من ابن عباس أو ممن دونه: يعوذ بها (إسماعيل ويعقوب) بن إسحاق (وهذا) المذكور لفظ (حديث وكيع) بن الجراح، وأما أبو عامر .. فروى معنى هذا الحديث لا لفظه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث أبي ذر أي مسجد وضع في الأرض، وأبو داوود في كتاب السنة، باب في القرآن، والترمذي في كتاب الطب.
فدرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: ستة أحاديث:
الأول منها للاستدلال، وواحد للاستئناس، وأربعة للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم